من المعالم الأثرية الحضارية في حائل (4)
(حصن فَيْــدْ الأثري)
في يوم الخميس: 26/7/1431هـ قمت بزيارة إلى قرية فيد التابعة لمنطقة حائل لمشاهدة معالمها التراثية القديمة. والتعرف على ما فيها من قصور وحصون قديمة. تم الكشف عنها من قبل لجنة مختصة بذلك.
وفَيْد: بفتح أوله وسكون ثانية، قال عنه ياقوت الحموي (4/282) "فيد منزل بطريق مكة.. وفيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامرة إلى الآن يُودع الحاج فيها أزوادهم وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها، فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها شيئا من ذلك، وهم مغوثة للحاج في مثل ذلك الموضع المنقطع. ومعيشة أهلها من ادخار العُلوفة طول العام إلى أن يقدم الحاج فيبيعونه عليهم، وقال الزجاج: سميت فيد بفيد بن حام وهو أول من نزلها، وقال السكوني: فيد نصف طريق الحاج من الكوفة إلى مكة، وهي أثلاث: ثلث للعمريين وثلث لآل أبي سلامة من همدان وثلث لبني نبهان من طي، وبين فيد ووادي القرى ست ليال على العُرَيمة".
وقال البكري (معجم ما استعجم 3/1032) "هو الذي ينسب إليه حمى فيد. قال ابن الأعرابي:
سقى الله حيا بين صارة والحمى حمى فيد صوب المدجنات المواطر
وقال السكوني: كان فيد فلاة في الأرض بين أسد وطي في الجاهلية، فلما قدم زيد الخيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه فيد".
ووصف فيد صاحب كتاب (المناسك) فقال "وبفيد قصر للسلطان وبساتين وحصون بعضها خربة ومسجد جامع، ومنبر وبها بركة مربعة وثلاث عيون، وآبار ليست بالعذبة".
أقول: وبلدة فيد تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من منطقة حائل، وتبعد عن حائل (130 كم ) وهي من أقدم المواقع المستوطنة في الجزيرة العربية. وكانت في الجاهلية موطن قبيلتي أسد وطي ثم صارت في الإسلام حمى لقبيلة طي. وهي حاليا من منطقة سياحية مشهورة بما فيها من مناطق أثرية قديمة يقصدها الزوار والباحثون، وتقع الآثار المكتشفة في الجهة الشمالية من البلدة بحوالي كيلا ونصف ومساحة الموقع الأثري واسعة تقدر بحوالي كيلو متر مربع. وتقع العين الحارة المشهورة التي حفرها المنصور في وسط الحصن.
وفيد من أهم المحطات في طريق الحجاج عبر العصور الإسلامية حيث تشكل هي وغيرها من بلدات منطقة حائل مثل: الخزيمة وبدع والخضراء والأجفر والخوير وسميراء والبعايث والعظيم مواقع مشهورة في هذا الطريق الذي يسلكه الحجاج إلى مكة المكرمة، ولها ذكر كثير في إنعاش التجارة للحجاج.
وصلنا موقع الآثار في بلدة فيد وقرأت لوحة نُصبت بجانب الموقع كتب فيها: "حصن فيد الأثري(قصر خراش) من أهم الآثار الباقية حصن (فيد) الأثري الذي ما زالت بعض تفاصيله المعمارية ظاهرة للعيان, بني من الحجارة السوداء (الحرة) أبعاده 130×80م تقريبا, ويتكون من سورين وأبراج دائرية ونصف دائرية وتفاصيل معمارية تقع وسط الحصن, أبرزها بقايا القلعة تقع في الطرف الشمالي الشرقي من الحصن، مدخلها على الأرجح يقع في الجهة الجنوبية أبعادها (40×30م) تعتبر أعلى مباني الحصن, يصل ارتفاعها حوالي سبعة أمتار, غطيت أجزاء القلعة بكوم من الحجارة المتساقطة, إلى الجنوب الغربي من القلعة آثار أساسات مبان, معالمها غير واضحة تحيط بالقلعة, بالإضافة إلى أساسات بنائية منتشرة في كافة أرجاء الحصن, كما يحوي الحصن تفاصيل بنائية مكتشفة عبارة عن مجموعة من الحجرات الملاصقة للسور الجنوبي, ومعالم أبراج نصف دائرية، كذلك آثار بنائية تقع خارج الحصن في الجهة الجنوبية الغربية تبدو ملاحق للحصن, ومعالم بنرين الأول يقع شرق الحصن والثاني شمال الحصن على الأرجح يغذيان الحصن بما يحتاجه من مياه"
كذلك يوجد لوحة أخرى كتب فيها "فسيقة الحصن، تعتبر من أهم البرك المكتشفة حديثا,تبدو بركة خاصة بسكان الحصن, أجاد المعماري المحلي في تصميمها, ثمانية الشكل طول كل ضلع (8,50 م ) قطرها (28,50 سم ) عمقها متران متقنة البناء, بنيت من حجارة الحرة المجاورة, غطيت بطبقة من الجص السميك, تحوي عنصرا معماريا مهما عبارة عن بناء يقع أسفل القناة المائية من خلاله تنزلق المياه إلى قاع البركة, بني من حجارة الحرة وغطي بطبقة من الجص، متقن البناء. تنفرد هذه الفسيقة عن مثيلاتها من البرك من حيث الشكل وأسلوب البناء, إذ أن معظم البرك المكتشفة التي تقع على درب زبيدة بما فيها برك فيد, إما مربعة أو مستطيلة أو دائرية الشكل, ولعل السبب في الاختلاف كونها بركة خاصة بسكان الحصن, فجعلها المعمار متميزة عن غيرها من حيث الشكل, من المرجح أن بناءها يعود إلى بداية العصر الإسلامي المبكر".
أقول: إن درب زبيدة الذي يسلكه الحجاج داخل الجزيرة العربية وهم في طريقهم إلى مكة المكرمة قادمون من العراق وتركيا وإيران وغيرها صار له في عهد الدولة العباسية دور مهم في تنظيم حركة الحجاج، كما أن له دور في إنعاش حركة التجارة و الحركة السكانية والجغرافية في المناطق والبلدان التي يمر بها, ومن تلك البلدان المشهورة في طريق الحاج بلدة فيد التي استفادت من تلك الحركة بالبيع والشراء على الحجاج ومنهم.
كما كانت فيد تسمى قديما (عاصمة الطريق) يجد فيها الحجاج الراحة والمتعة من عناء السفر وملل الطريق, ويتزودون منها بما يحتاجونه من المؤن والطعام والملابس وغيرها, ويقومون بتسويق ما معهم من بضائع على أهل البلدة وما حولها. وقد ذكر ذلك المؤرخون العرب والغربيون الذين مروا بفيد أو زاروها.
كما أقول: وما تلك الكتابات والنقوش التي تظهر على سفوح الجبال المجاورة للبلدة والآثار المعمارية والقصور والبرك والغرف التي تحويها آثار البلدة إلاّ أكبر دليل على الحضارة الكبيرة التي انتعشت فيها في عصور قبل الإسلام وما بعدها خاصة في العصر العباسي. وأرى حاليا جهودا مشكورة لهيئة السياحة والآثار في البحث والتنقيب عن تلك المواقع الأثرية التي تحكي حضارة عريقة.
كتبه:
عبد الله بن صالح العقيل ـ الرس.
جانب من الغرف التي يحويها حصن فيد.
جانب من البركة التي تغذي حصن فيد بالمياه.
جانب آخر من حصن فيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق