( مدرسة العَقِيْل للكتاتيب في الرس )
التعليم من أهم معالم الحضارة البشرية التي تتطلع إليها النفوس، فبقدر مايسعى الناس للحصول على قوتهم اليومي يبحثون عن العلم الذي به تحيا قلوبهم وتنمو عقولهم وترتفع مفاهيمهم وتتطوّر حياتهم من البداوة إلى حياة الحضر، والعلم من أهم مظاهر الحياة تتطلع إليه النفوس وتهفو إليه العقول ويجتهد الناس في الحصول على فرص التعليم جنبا إلى جنب في بحثهم عن الطعام والشراب والأمن والإستقرار.
وعندما استقر الأمن للملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ أخذ يستحث العلماء والمتعلمين بأن يأخذوا بأيدي الناس ويشحذوا هممهم لينهلوا من العلم حتى يبنوا عقولهم ويوتفعوا بأفكارهم من حياة الخمول والكسل إلى حياة البناء والعمل، وأن يسعى الناس لمصالحهم متسلحين بالعلم والثقافة، ولا ننس بأن نجد كانت بعد الفتح يتوفر لها من الخصائص العلمية والسمات والإستقرار ما لم يتوفر لغيرها من المناطق الأخرى بالمملكة لأنها بعيدة عن مناطق الصراع في الدول المجاورة وبعيدة عن التيار المتفتح على الحضارات المجاورة، وأهلها قريبون من منهج أهل السنة لم تؤثر عليهم حركات التحرر التي كانت تسود في الدول العربية الأخرى.
كما أن النجديون ممن لهم حظ من التعليم قد اجتهدوا في انشاء المدارس البدائية والحلقات التي تُعلم الناس مبادئ الكتابة والقراءة تسمى (الكتاتيب) في المساجد والبيوت والدكاكين التي تقع في وسط القرى والهجر، وتم في تلك المدارس التأكيد على معرفة العقيدة والحديث وحفظ القرآن والتفسير وتعلّم أصول الكتابة والقراءة وأخذ العلماء يحثون الناس على التعليم فاقبل الناس على الإنضمام لتلك الحلقات لتعلم القراءة والكتابة وأصول الدين التفقّه فيه وأخذ العلماء بتعليمهم أمهات الكتب وشرحها لهم والتعليق عليها وإشاعة حلقات الوعظ والإرشاد وتسابق الناس على التعليم والتحصيل وبرز منهم علماء ومعلمين يشار إليهم بالبنان، وصاروا هم قادة التعليم في المدارس النظامية التي أنشأتها الدولة فيما بعد.
ومدينة الرس كغيرها من المدن في بلادنا بدأ فيها التعليم تقليديا من مدارس الكتاتيب للذكور والإناث، مثل مدرسة المرقب ويدرّس فيها حمد بن عبدالله الرميح، ومدرسة جنوب الرس ويدرّس فيها محمد بن عبدالعزيز الرشيد، ومدرسة المفرق ويدرّس فيها عبدالله بن عبدالرحمن العقيل، ومدرسة شرق الرس ويدرّس فيها محمد بن ابراهيم الخربوش، ثم جاءت مدرسة عبدالعزيز ابن عبدالرحمن البطي في منزله، ومدرسة عبدالرحمن بن ابراهيم الطاسان في منزله وتسمى (القرآنية) وهي آخر مدرسة كتاتيب. أما تعليم البنات فقد بدأ كما بدأ تعليم الذكور بمدارس لتعليم القراءة والكتابة والقرآن مثل: مدرسة (مطيرة الرماحا) ومدرسة(تركية العمير) ومدرسة(نوره الرشيد) .
ولست في هذه العّجالة أقصد الحديث عن التعليم التقليدي أوالحديث في المملكة أو في مدينة الرس ولكنني أريد توضيح حقيقة خاطئة وردت في مجموعة من المصادر بدأها الأستاذ/عبدالله بن محمد الرشيد في كتابه (الرس) الذي أصدرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب ضمن سلسلة (هذه بلادنا)عند حديثه عن التعليم ومدارسه بالرس قال:(أما التي في وسط البلد فدرس فيها عبدالرحمن الصالح العقيل (أبو دحيم)) ونقله منه كل من:ـ
1ـ الدكتور محمد بن عبدالله السلمان، في كتابه(التعليم في عهد الملك عبدالعزيز) الذي طبع بمناسبة المئوية عام 1419هـ(ص45).
2ـ كذلك كتابه (التعليم في نجد في عهد الملك عبدالعزيز) الذي طبعه نادي القصيم الأدبي عام 1420هـ (ص33) .
3ـ فهد بن منيع الرشيد، في كتابه (الرس بين ماضيها وحاضرها) الطبعة الأولى عام 1421هـ.
4ـ قبلان بن صالح القبلان، في مقال (اطلالة على تاريخ الرس) بمجلة الدرعية، العدد(السادس عشر) 1422هـ (ص 221).
وقد يوجد مؤلفات أخرى غيرها لم أطّلع عليها نقلته بنفس الخطأ.
بينما الصحيح أن اسمه(عبدالله بن عبدالرحمن العقيل) وكنت أتمنى لو أن أحدهم قام بتصحيح الاسم لأني أرى أهمية ذلك لتاريخ الرس، كما أن الأستاذ عبدالله بن محمد الرشيد ـ أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية ـ يستطيع تصحيحه في الطبعة الثانية من كتابه ولديه علم في ذلك. وسوف أورد ترجمة لصاحب المدرسة فأقول مستعينا بالله :ـ
اسمــه : عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالوهاب بن عقيل بن عبدالله العقيل، وكان يسمى (عبدالله الدحيم) ودحيم تصغير لاسم والده عبدالرحمن على عادة أهل نجد.
مولــده : ولد في الرس حوالي عام [1331هـ] وتم الإستدلال على ذلك من الذين عاصروا حياته ، والذي ولدوا في نفس الشهر الذي ولد فيه.
نشأته وحيـاته : نشأ في مدينة الرس في أحضان والده بين اخوته الخمسة ، وعاش بين أقرانه يتعلم في الكتاتيب في الرس ، حتى تعلم أصول القراءة ، وقرأ القرآن على مشائخ البلدة آنذاك ، وأصيب بمرض الجدري فكف بصره وهو صغير ، ولكن لايّعرف متى ذلك . كان يُلقّب [عجيب] عند أهل الرس وخاصة طلاب مدرسته، لأنه كان يردد تلك كثيرا في كلامه ، كما كان معه عصا يستدل بها عند سيره وكان يتلمس بها طلابه في المدرسة عندما يريد أن يضربهم.
وللشيخ عبد الله مكاتبة بخط علي الجاسر الحربش في 10/8/1355 وشهادة الحميدي بن سمري دفع الشيخ عبد الله بموجبها قيمة صبرة دار ابن عقيل عن عام 1354 وماقبلها. كذلك له شهادة في 13/10/1347. كذلك شهادة في شهر ذي القعدة عام 1354.
مشائخــه: درس الشيخ عبدالله على مجموعة من علماء الرس والقصيم وكان من طلاب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ في عنيزة ، وكان يتردد عليه مع زميليه حمد بن مطلق الغفيلي وسليمان بن عبدالرحمن البطي، مشيا على الأقدام، وأحيانا كان يرافقه أخوه صالح [الذي كان عمره 13عاما ] يذهب به إلى عنيزة ممسكا بيده. وهو كفيف البصر ويدرس عنده وعمره آنذاك حوالي [24] عاما.
زمــلاؤه: كان له زملاء في الكتاتيب منهم : الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد ، والشيخ منصور بن صالح الضلعان ، والشيخ سليمان العتيّق. ومن معاصريه:الشيخ ابراهيم بن محمد الضويان [صاحب منار السبيل] والشيخ محمدبن عبد العزيزالرشيد، وكان فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ والشيخ حمد بن مطلق الغفيلي والشيخ سليمان بن عبدالرحمن البطي يزاملونه في دراسته عند ابن سعدي في عنيزة.
وكان معاصرا في الرس لكل من:ـ الكاتب الشيخ ابراهيم بن محمد الضويان صاحب كتاب منار السبيل. وابنه عبدالله بن ابراهيم الضويان. والشيخ سليمان بن صالح بن خزيم قاضي الرس. والكاتب الشيخ محمد بن ابراهيم الخربوش. والكاتب سليمان بن عبدالرحمن البطي. والشيخ قرناس بن عبدالرحمن .. وغيرهم.
تلاميــذه: كان له مدرسة كتاتيب في دكان وسط بلدة الرس في [المفرق] تقع شرق المسجد الجامع القديم [جامع الدهامي] جنوب مبنى المحكمة الشرعية، وكان يدرس فيها مجموعة من الطلاب ويقوم بتدريسهم القرآن وعلومه منهم: فضيلة الشيخ عبدالله بن ابراهيم بن عبدالعزيز الغفيلي قاضي محكمة التمييز بمكة المكرمة سابقا. وعبدالله بن سليمان العقيل. وعبدالله بن عبدالرحمن الخربوش .. وغيرهم.
وفاتــه: مرض الشيخ بالسل كما كان والده وبعض اخوانه مصابين به ، وتوفي بسببه ، وتدل القرائن من كلام معاصريه بأنه توفي في عام 1371هـ. وعمره [40] سنة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق