الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

بيت الأمارة القديم بالرس.


بيت الأمارة القديم في الرس.
هو منزل أمير الرس في عهد الملك عبدالعزيز: عساف بن حسين بن منصور بن سيف بن منصور العساف.
ولد في الرس عام 1309هـ وتعلم القراءة والكتابة على يد علماء بلدته، ولما شبّ في كنف والده تعلم الفروسية وفنون الحرب مع أخوته وأفراد أسرته. ثم ولاه الملك عبدالعزيز رحمه الله أمارة الرس عام 1339هـ بعد الانتهاء من معركة وادي الرمة التي انتصر فيها على عبدالعزيز بن رشيد. وبقي أميرا على الرس حتى توفي عام 1373هـ. 
بنى بيته (بيت الإمارة) في الرس في حدود عام 1340هـ بعد توليه أمارة الرس. وسكنه هو وأبناؤه من بعده.
     والبيت يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من سوق الرس القديم الذي يوجد فيه مجلس الأمير. وعددها (7) مقاعد من الطين يجلس عليها الأمير وخاصته.
والبيت بني من الطين ويتكون من دورين. وله مدخل كبير في الجهة الغربية منه. وفي الجهة الغربية الشمالية يوجد باب صغير يدخل على غرفة كبيرة واسعة تسمى (صفة البدو) ويبدو بأن البادية عندما يفدون إلى الرس لقضاء حوائجهم من السوق يجلسون فيها لتناول القهوة.
ولي ذكريات في بيت الأمارة. في عام 1376هـ وهي سنة الغرقة عندما زادت الأمطار واستمرت أربعين يوما ولم ير الناس الشمس فيها, خرج الناس من بيوتهم خوفا من سقوطها عليهم بفعل الأمطار المتواصلة وبعضهم سكن عند أحد أقاربه والآخرون سكنوا في خيام خارج البلدة. وسكن العم محمد بن إبراهيم الخربوش في (صفة البدو) في بيت الأمارة وكانت والدتي تسكن معهم وكنت أتردد عليها بين منزل والدي رحمه الله وبين بيت الأمارة وأدخل في الصفة المذكورة لأنام مع والدتي.
وكان البيت موجودا إلى عهد قريب, حيث سكنه أبناء الأمير عساف الحسين بعد وفاته وأقيم بجانب البيت ملحق من الإسمنت في الجهة الشرقية بناه أحد أبناء الأمير عساف. وبعد أن استغنوا عنه بما هو أفضل منه بقي مهجورا وصار معلما من المعالم الطينية الأثرية في الرس. ولكنه حاليا تهدّم أكثره حيث زاحمته مباني الأسواق التجارية وهو يحتاج حاليا لإعادة بنائه من الطين ليكون معلما تراثيا للمحافظة. 
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

من خطابات إبراهيم باشا لوالده عند حصار الرس عام 1232هـ.


وثيقة رقم (5/1ـ122) ورقمها في مجموعة الوثائق التركية (19592) العنوان: الاستيلاء على قلعة الرس وقرية صابرة وعنيزة. رسالة محمد علي باشا إلى السلطان العثماني. التاريخ: 1233.
هذه الوثيقة أرسلها الحاكم المصري محمد علي باشا إلى السلطان العثماني بعد أن استلم رسالة ابنه إبراهيم باشا:
ـ (لقد حاصر مخدومنا حضرة عطوفة إبراهيم باشا قلعة الرس التي هي بمثابة مغلاق الدرعية. ولمّا امتدت أيام الحصار لبثتُ أياما في اضطراب ولكن الحمد لله والمنّة فإن ولدنا المشار إليه في رسائله التي تواردت تباعا قد دلّ على ما كان من الآثار الجليلة, على عبوديتنا من جانب حضرة سيدنا ولي نعم العالم من حسن الأنظار العلية ويمن التوجيهات الجليلة السلطانية, فذكر أنه في 10 ذي الحجة أخذ قلعة الرس بالأمان).

أقول: إن إبراهيم باشا لم يأخذ بلدة الرس ولم يستول عليها. ولكنه بعدما عجز عن احتلالها بعد حصار دام ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما. عقد صلحا يحفظ حق أهل الرس في النصر وقهر جنود إبراهيم باشا في يوم الخميس: 12/1/21232هـ.وبعده رحل إلى الدرعية.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

(بلادي ... بلادي منار الهدى)


ما أجملك يا وطني وأطفالك يحتفلون بك..

       الوطن هو العش الظليل الذي نعيش فيه.. وهو الملاذ الذي يظللنا عن كل ما يؤذينا. وهو الأم الرحوم الذي يغذينا من خيراته وتظللنا سماؤه وتحملنا أرضه ونسعد بطيب هوائه.. ونشتاق له عندما نفارقه. والوطن هو الذي يعيش فيه البدوي في بيت الشعر مع إبله وغنمه وسط صحرائه.. ويعيش فيه الحضري في قصره بين أهله وذويه.  
ما أجمل الوطن عندما يحتفل به الأطفال بين الكبار.. عشت صبيحة الاحتفال بيوم الوطن في إحدى مدارس محافظة الرس كما عاش أهلي من المواطنين في هذا اليوم في منازلهم ومدارسهم في أرجاء المملكة.. وحرصت كعادتي على المشاركة. فلم أَر أجمل من هذا الوفاء من الجميع لعلم بلادي ولقادتها حفظهم الله وأيدهم.. هذا الوفاء الذي ينم عن الحب لعلم بلادنا الذي يحمل راية التوحيد وعن التقدير والإجلال لقادتنا الذين يبذلون ويضحون من أجل حفظ الأمن ليعيش المواطنون في رغد من العيش.
أقول: عشت لحظات سعيدة بين إخوتي مدير المدرسة ووكيلها ومعلميها وبعض من أولياء أمور الأطفال الذين تحويهم المدرسة.. الأطفال يصطفون بانتظام جميل.. والمعلمون يسيرون بينهم ينحنون على هذا يقبلونه.. ويهمسون في أذن ذاك بعبارات الحب والتشجيع.. ويربتون على كتف الثالث بالعطف والحنان.. ومنهم من يقوم بتصوير الطلاب داخل الطابور.. والصوت يردد ألفاظ السلام الملكي باستمرار:
سارعي .. للمجد والعلياء..
مجّـدي لخالق السماء..
وارفعي الخفاق أخضر..
يحمل النور المسطر..
رددي الله اكبر..  يا موطني..
موطني .. قد عشت فخر المسلمين..
عاش المليك.. للعلم .. والوطن.
والأطفال جميعهم يلبسون فوق رؤوسهم القبعات أو التيجان التي تحمل شعار الوطن.. ويتوشّحون بالأوشحة الخضر التي تحمل عبارات الحب والتقدير لوطننا وقادتنا.. ويرفعون بأيمانهم الأعلام التي تحمل راية التوحيد وهي تتمايل بتناسق منتظم مع فقرات النشيد الوطني. كما أعجبني رؤية بعض المعلمين وهم يوزعون الأعلام والأوشحة على الطلاب الذين فاتهم أن يُحضِروا معهم شعارات الاحتفال. والآخرون يرحبون بأولياء أمور الطلاب ويشكرونهم على المشاركة بكل فخر واعتزاز بشموخ الوطن وعزته ورفعته وعلامات البشر والسرور تبدو على محيّاهم وهم يلقون عليهم عبارات الترحيب.
وأخيرا لك يا وطني حبي وأمنياتي، بأن تكون مرفوعا أمام الأمم، راسخا كما الجبال الراسيات، متمسكا بدين الإسلام، رافعا راية التوحيد عاليا، تحكي للعالم قصة الحضارة الإسلامية التي بناها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم على هدى من تعاليم الشريعة الخالدة. ورسّخها في بلادنا مؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل طيّب الله ثراه.
كما أرجو لوطني دوام الرفعة والمنعة وأن يكفيه شر الحسّاد وأن يجنّبه كيد الأشرار.. 
أشكر كل من ساهم في الاحتفال بيوم الوطن داخل والمدارس والمصالح الحكومية من المعلمين والموظفين والطلاب كل في موقعه. وأرجو لهم العون والتوفيق.
وأخيرا: إني أحب أن أراك كما أهواك يا وطني.
كتبه: عبد الله بن صالح العقيل ـ الرس.

السبت، 13 أكتوبر 2018

من خطابات إبراهيم باشا لوالده عند حصار الرس عام 1232هـ.(5)


وثيقة رقم (5/1ـ132) ورقمها في مجموعة الوثائق التركية (19584) العنوان: إبراهيم ينتصر على الوهابيين في محاولته الثانية. التاريخ: 1232.
ـ (ومشى ـــ أي إبراهيم باشا ـــ نحو حصار الرس الذي هو بمثابة مفتاح الوادي المذكور ـ وادي القصيم ـ وعسكر أمامه محاصرا وفي اليوم الخامس نظم مسيرة واستولى رجاله على برج, ولكن المحاصرون من الأشقياء لجأوا للحيلة من حيث أوقعوا بعض الإصابات في الرجال مما اقتضى العودة).
# وثيقة رقم (4/1ـ43) ورقمها في مجموعة الوثائق التركية (19619) العنوان: التبشير بسقوط قلعة الرس في يد إبراهيم باشا. التاريخ: 1232. من صالح باشا والي الشام إلى السلطان العثماني.
ـ (لقد كانت قلعة الرس الحصينة قوة للظهر الوهابي وكان قد حاصرها أخونا والي جدة إبراهيم باشا من مدة, والآن قد وردتنا البشائر ونحن بين الحرمين بأنه انتزعها من أيدي الخارجين. ووفق بأن استخلصها وما حولها من قرى جسيمة وقتل من الوهابيين الكثير).
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.

رحلة الملك عبدالعزيز من المدينة المنورة إلى الرياض عام 1345هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

رحلة جلالة الملك من المدينة ـ إلى الرياض
بقلم الطبيب الخاص للملك عبدالعزيز: مدحت شيخ الأرض
من الجمعة:4 رجب 1345هـ حتى الخميس: 10/رجب 1345هـ
جريدة أم القرى ـ الأعداد(122/123/124/125/128)عام 1345هـ
تحقيق: عبد الله بن صالح العقيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة جلالة الملك من المدينة ـ إلى الرياض.
حلقة (1):
السفر من المدينة:
في منتصف الساعة الخامسة من نهار الجمعة الموافق:4 رجب سنة 1345 تحرك ركاب جلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها أيده الله لإتمام رحلته النجدية من المدينة المنورة وفي معية جلالته كل من أصحاب السمو الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخو جلالته والأمير محمد والأمير خالد والأمير سعد والأمير منصور أنجال جلالته، والأمير فيصل والأمير فهد أنجال سعد بن عبدالرحمن أخو صاحب الجلالة. ورئيس ديوان جلالته وجميع موظفي ديوان جلالته من كتاب ورجال الحاشية،. وكانت السيارات جميعها واقفة تجاه المنزل الذي حل به جلالة الملك مدة وجوده في المدينة المنورة ومتأهبة للسفر.
في الحرم النبوي:
وفي الوقت المعين خرج صاحب الجلالة من المنزل ثم ركب سيارته الخاصة وركب جميع رجال الموكب فساروا نحو الحرم النبوي الشريف.وعندما وصلت السيارات إلى باب السلام نزل صاحب الجلالة ودخل الحرم وبعد أن صلى ركعتين تحية المسجد في الروضة المطهرة دخل الحجرة المشرفة للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم خرج وركب السيارة وسار الموكب الملوكي المعظم نحو المناخة فسار من الباب الشامي إلى الداوودية وهي المكان الذي أعد لوداع جلالة الملك.
في الداوودية:
كان محتشد فيها جميع رؤساء الدوائر وأعيان المدينة المنورة ينتظرون الموكب لوداع جلالة الملك ولما وصل دخل جلالته الداوودية وهو يبتسم ابتسامته العذبة التي تتخللها أشعة مغناطيسية تجذب قلب كل ناظر إليها. وبعد أن شرب القهوة وودع الحاضرين نهض جلالته أيده الله فحيته ثلة من الجنود كانت مصطفة خارج باب الداودية على جانبي الطريق بصورة منتظمة.
سير المركب:
ثم مشى الموكب الملوكي المعظم من الداوودية وكانت الساعة الخامسة والدقيقة 25 فأخذت السيارات تسير سيرها السريع وتقطع المسافات الطوال كلمح الأبصار. وما كادت تبعد عن المدينة المنورة بضعة أميال حتى شوهد ركب من الإخوان قادما إلى المدينة المنورة لأداء السلام على جلالة الملك، وهذا كان آخر الركوب التي كانت تأتي إلى المدينة المنورة للسلام على جلالته والتي لا يحصى عددها في مدة إقامته في المدينة المنورة. ولما وصلت سيارة صاحب الجلالة إلى الركب أوقف سيارته وأمر جميع سيارات الموكب بالسير في مقدمته فتقدمت حينذاك السيارات وسارت بسرعتها المعتادة وبقي جلالته عند الركب ريثما نظر في أمره وأنعم على رجاله ثم ركب وسار خلف السيارات عموما وكان كلما رأى عطلا في إحدى السيارات أوقف سيارته حتى يتم تصليحها ويسيرها في مقدمته، ولما كانت السيارات ليست جميعا من طراز واحد كان قسم منها يقطع مسافات عظيمة والقسم الآخر مقصرا عنها بصورة متقطعة. أما سيارتنا فكانت سرعتها متوسطة.
في الشقرة:
وصلنا مكانا يدعى الشقرة (1) فوجدنا سيارة أصحاب السمو الأمير سعد والأمير منصور ومعهم الشيخ صالح بن عذل أحد رجال حاشية جلالة الملك واقفة تنظر قدوم جلالته فوقفنا وإياهم من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة والنصف وعندما رأينا عن بُعْد قدوم سيارة جلالته وبعض سيارات كان طَرَأَ عليها شي من تعطيل سببت تأخر جلالته طول هذه المدة. ولما قرب منا أمرنا بالمسير وكان بعض سيارات الموكب متقدمة عنا فلحقنا بها في منتصف الساعة الثانية عشرة في شعيب التناظم.
شعيب التناظم:
الشعيب هو مجرى السيل يصعب فيه سير السيارات لكثرة رماله، وقد رست هنا جميع السيارات إلا سيارة جلالة الملك نظرا لزيادة قوتها. وما تمكنا من الخلاص من هذا الشعيب حتى نزلنا جميعنا من السيارات ودفعناها بالأيدي واحدة واحدة ثم سار الموكب الملوكي حتى وصل إلى مكان يدعى مشاش التناظم (3).
حلقة (2):
مشاش التناظم:
هذا المكان هو المعد للمبيت في تلك الليلة وقد وصلنا إليه في الساعة الثانية عشرة والنصف تماما. وكان مخيما هناك قسم من الجيش الذي تقدم الركب ببضعة أيام ينتظر قدوم الموكب فنزل جلالة الملك إلى سرادقه الخاص وأمر بتحضير الطعام ثم بعد تناول الطعام صلى صلاة المغرب والعشاء وجلس كعادته في السمرة وأخذ يسرد لنا شيئا من تاريخ حياته الفذة إلى أن حانت الساعة الرابعة من الليل حيث نهض إلى سرادقه الخاص وقام كل منا وذهب إلى محل مبيته.
الأماكن، الطريق، السير:
بعدما قطعنا حدود المدينة المنورة مررنا بأرض تدعى الحرة (1) والحرة مجموعة هضاب ووديان مفروشة جميعها بالأحجار السوداء السنجابية اللون(2) ثم أرض الريع (3) ثم أرض المنجور(4) ثم بئر الصويدرة(5) (ماؤه عذب مزروع حوله قليل من النخل) ثم أرض الشقرة، ثم مشاش التناظم، وهذه جميعها صحاري ووديان. وأما الهضاب العالية التي كنا نشاهدها في مسيرنا فهي أيضا لها أسماء عند العرب للاسترشاد بها على الطريق، والهضبة عند العرب يطلق عليها اسم ضلع(6) وقد مررنا هذا النهار بضلع أظلم(7) وضلع ضيع(8) وضلع الضاين(9) وضلع غزلانات(10) وضلع شدخ(11).
ومشاش التناظم التي ورد ذكرها مرارا هي عبارة عن واد عظيم واسع كثير الأشجار الصغيرة المسماة بأشجار السمر وفيه منبع ماء ذو طعم مالح قليل، يحده شمالا بلدة الحناكية، جنوبا ضلع شدخ وماء الهرمة(12) شرقا ضلع الضاين غربا ضلع غزلانات.
أما الطريق في هذا النهار فقد كانت في ابتداء مسيرنا حسنة حيث أن جلالة الملك أمر بتصليحها فتم ذلك حتى أرض الحرة ولكن منذ وصولنا الحرة حتى مشاش التناظم مكان مبيتنا كانت وعرة، كثيرة الأحجار والأشجار الصغيرة وكانت هذه تعرقل سير السيارات وتسبب عطلها وأكثر من هذا وذاك مجاري السيل العظيمة التي كانت تسبب وقوف أكثر السيارات.
يوم السبت:
وفي صبيحة يوم السبت الموافق 5 رجب نهضنا من النوم وكان الليل مظلما والسكون سائدا، ونسيم الصبا يعب هبوبا قارصا وكان أول شئ طرق مسامعنا صدى صوت رخيم يخالط ذرات الهواء وهو يختلج في ذاك الكون السائد فدنوت مستقصيا عن مصدر هذا الصوت لما فيه من الرقة والعذوبة والخشوع في آن واحد، فلما قربت علمت أن جلالة الملك يقرأ القرآن كما هي عادته في كل صباح قبل طلوع الفجر. وكان جلالته يتلو القرآن تلاوة يتخللها بكاء بخشوع عند قراءة آيات الترهيب خوفا من الله عز وجل. فمما لا ريب فيه أن ليس هناك إنسان يسمع هذا الصوت بخشوع وقلبه يشعر إلا وعينه تدمع لمجرد سماع هذه القراءة الصادرة من ثغر ملك عظيم ملأت عدالته جزيرة العرب من مشرقها إلى مغربها.
بعد أن أتم تلاوة القرآن صلى صلاة الصبح ثم دخل سرادقه الخاص وأمرنا بالمجئ إلى سرادقه وبالمثول بين يديه وكان جلالته يقرأ أدعيته المأثورة التي يقرأها عادة عقب صلاة الفجر ثم شرب القهوة والشاهي وأمر بتحضير السيارات وبالتأهب للمسير.
مشى الموكب الملوكي من مشاش التناظم في الساعة الثانية تماما. وكان السير بصورة منظمة وسرعة السيارات معتدلة وكان كلما طرأ عطل على إحدى السيارات تعطي تلك السيارة إشارة بالصياح في مزمارها فتقف سيارة جلالة الملك ثم تقف جميع السيارات إلى أن يتم تصليحها.
حلقة (3):
وادي اللعباء:
لم يطرأ عطل ما هذا اليوم لأن الطريق كانت حسنة، تساعد على سير السيارات.
وفي الساعة الثالثة وصل المركب الملوكي إلى وادي اللعباء(1) فتناول جلالة الملك ورجال معيته طعام الغذاء ثم تابع الموكب سيره في الساعة الثالثة والدقيقة 45 وما زالت السيارات تقطع وديان وجبال حتى الساعة الحادية عشرة حتى وصلنا إلى مكان يدعى الحسو وهو المكان المعد للراحة في هذه الليلة.
حسو عليا:
كانت السيارات التي سارت في مقدمة الموكب والتي تحمل الزهاب قد جهزت كل شي قبل وصول الموكب وعند وصول الموكب نزل جلالته إلى سرادقه الخاصة وأمر بإقامة الصلاة ثم تناول الطعام وأقام صلاة المغرب والعشاء أيضا.
وبعد ذلك جلس في سرادقه كما هي عادته في السمرة وأمرنا بالمثول بين يديه وبدأ يحدثنا بأحاديثه التاريخية العذبة المملوءة بالحكم وذكر لنا بعض النصائح الدينية والدنيوية حتى كانت الساعة الرابعة وهو الوقت الذي تنتهي به سمرة جلالته فذهبنا على مكان النوم.
الأماكن، الطريق، السير:
عقب خروجنا من مشاش التناظم مررنا بأرض الملاح ثم أرض اللعباء ثم وادي المغاري ثم خشم الكهيان وفيه ما عذب يسمى ماء الكهيان، ثم وادي بقر ثم وادي الزبالي ثم وادي الحسو.
وقد كانت الطريق في هذا النهار جيدة جدا لعدم وجود مجاري سيل وأرض وعرة كاليوم السابق تعيق سير السيارات وتسبب عطلها وجميع الأراضي التي مررنا منها هذا النهار هي أراض صالحة للزراعة.
أما الحسو فهو واد فسيح فيه ماء عذب، يحده شمالا ماء بلغة، جنوبا ماء ثرب، غربا ماء  المروة وضلع الحمر وماء ذريع، شرقا ماء الحسو وضلع طلال.
وكان مقدار سيرنا في هذا النهار خمس ساعات قطعنا خلالها مسافة 133 كيلو متر.
يوم الأحد:
وفي اليوم التالي أي يوم الأحد الموافق 6 رجب نهضنا من النوم باكرا في الساعة الحادية عشرة وجلالة الملك يقرأ القرآن. ثم بعد أداء صلاة الفجر وتناول القهوة والشاي مشى الموكب الملوكي من الحسو في الساعة الواحدة والدقيقة 45 وكان السير منظما كاليوم الفائت وكل سيارة يطرأ عليها أقل عطل تقف جميع السيارات حتى يتم تصليحها ولهذا كانت جميع السيارات تسير بانتظام حتى الساعة الثالثة والدقيقة 10 حيث وصلنا إلى مجرى سيل عظيم يقال له (شعيب طلال) رست فيه جميع السيارات إلا سيارة جلالة الملك ولم ننته من إخراج السيارات من ذاك الشعيب حتى الساعة الرابعة والدقيقة 10.
وعندها أمر جلالة الملك بإحضار الطعام وبعد تناول الطعام والقهوة مشى الموكب الملوكي من شعيب طلال في الساعة الخامسة تماما وبعدما قطعنا مسافة عدة أميال مررنا بواد عظيم يسمى وادي الجرير وهو واد عظيم فسيح الأرجاء فيه كثير من الأشجار الصغيرة ومن مجاري السيل.
حلقة (4):
ضلع المضيّح:
عندما وصلنا إلى نهاية الوادي في جانب ضلع يسمى (ضلع المضيّح) مررنا ببضعة أشخاص من البدو القاطنين في ذلك المكان. فما كادوا أن يروا السيارات حتى أتوا إليها مسرعين وهو يصيحون بأعلى صوتهم (يا هلا فيك يا أبو تركي الله يحييك يا أبو تركي) ثم وقفت سيارة جلالة الملك ووقفت جميع السيارات حتى وصلوا وأدوا تحيتهم إلى جلالة الملك وكانت تظهر على وجوههم ملامح البشر والسرور برؤية جلالة مليكهم. وكأنما لسان حالهم يقول أيد الله ملكك يا من أصبح بعدله تسير الشاة والذئب جنبا إلى جنب في جزيرة العرب من مبدأها إلى منتهاها. ففي المكان الذي كان بالأمس لا تجسر قبيلة مؤلفة من الألوف من الرجال أن تقطن فيه خوفا من شن الغارات عليها من طرف القبائل المجاورة قد أصبح اليوم يقطنه رجل واحد أو رجلان مع عائلتهم ومواشيهم آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأرزاقهم.
ولم نصادف في هذه الرحلة جماعة من البدو مخيمة في مكان أكثر من ثلاثة بيوت من الشعر وهذا أعظم إثبات على الأمن المخيّم في جزيرة العرب وكيف لا يكون ذلك وقد أصبح البدوي الذي كان يسرق وينهب ويسفك الدماء البريئة في الأمس، يؤدي الزكاة من ماله ويقيم الحدود الشرعية على نفسه وإخوانه من تلقاء نفسه فلا يسعنا والحالة هذه إلا أن نسجد لله شكرا على هذه النعمة العظيمة التي أنعمها الله تعالى على هذه الجزيرة فأعاد إليها سؤددها ومجدها القديم الذي خسرته منذ زمن الخلفاء الراشدين وما ذلك إلا بفضل عاهلها المعظم جلالة الملك عبدالعزيز أيده الله، وعدالته وحسن إدارته وسياسته التي يعجز القلم عن وصفها.
نبع عواضة:
ثم وصلنا في الساعة السادسة إلى نبع ماء عذب يدعى (نبع عواضة) أمر جلالة الملك بالاستسقاء منه. ومن أجمل ما رأيت في ذلك المكان أن جلالة الملك نزل من سيارته وأخذ مقدارا من (البسكوت) والحلويات ووزع منها على أولاد البدو الفقراء الجالسين في جانب ذاك المنبع. فذكرتني هذه الحادثة بتاريخ سيدنا عمر بن الخطاب ورأفته على الفقراء وبالسعي إلى تطييب خاطرهم والقيام بخدمتهم بنفسه. ثم بعد أن أتم سائقو السيارات أخذ المياه الكافية لسياراتهم أمر جلالة الملك بالمسير من نبع عوّاضة وكانت الساعة السابعة تماما. مشت سيارات الموكب الملوكي من نبع عوّاضة بسرعتها المعتادة دون أن يطرأ عطل على إحداها إلى أن وصلنا في منتصف الساعة العاشرة إلى مكان يدعى(قاعة صفو) وهنا طرأ عطل عظيم على سيارة المؤن لا يمكن تصليحه بأقل من ثلاث أو أربع ساعات ونظرا لبعد المكان المعدّ للمبيت في تلك الليلة أمر جلالة الملك بالمبيت في هذا المكان.
قاعة صفو:
نصبت السرادق هنا وأدينا صلاة الظهر والعصر وفي المساء جلس جلالة الملك في سرادقه الخاص كما هي عادته في السمرة وأمرنا بالمثول بين يديه وأخذ يذكر لنا بعض أراء جلالته وأفكاره في تعبيد الطرق بين بلدان الجزيرة ليسهل سير السيارات وتأمين المواصلات والنقليات وما يعود من النفع العظيم على سكان الجزيرة حقق الله أمانيه وأطال الله عمره.
الأماكن، قاعة صفو، السير:
عقيب خروجنا من وادي حسو عليا مررنا بوادي طلال ثم وادي الفريضيحية ثم وادي الجرير وباسمه كانت تتغزل إحدى فتيات العرب بقولها:
يا ليتني طير إبجنح حرير           وألحق الركب في وادي الجرير
وفي نهاية هذا الوادي نبع عوّاضة الذي مر ذكره ونبع صدغا ثم مررنا بعده بوادي الشبرم فقاعة صفو. وفي شمالها ماء يسمى ماء الصفوية.
أما قاعة صفو فهي مكان في سفح جبل يقال له (ضلع صفو) وهو إلى الجهة الغربية الجنوبية من هذا الضلع أرضها معدومة من الأشجار ومفروشة بأحجار صغيرة سوداء. تحدها شمالا ضلع صفو ونبع ماء الصفوية جنوبا ضلع عقلة وماء الصفو شرقا ماء ظفرة غربا ماء. وكان مقدار سيرنا هذا النهار أربع ساعات و40 دقيقة قطعنا خلالها 11كيلو مترا.
نهار الاثنين:
نهضنا من النوم نهار الاثنين الموافق 7 رجب في الساعة الحادية عشرة وجلالة الملك يقرأ القرآن كعادته، ثم بعد أداء صلاة الفجر وشرب القهوة والشاي مشى الموكب الملوكي من قاعة صفو في الساعة الواحدة والدقيقة 40 وكان الطريق جيدا لذلك لم يطرأ على السيارات عطل قط.
وادي المياه:
وفي الساعة الثالثة والدقيقة الخامسة عشرة وصلنا إلى واد عظيم فسيح الأرجاء قد كساه المولى عز وجل كسوة خضراء من العشب الأخضر الجميل.
حلقة (5):
وادي المياه:
وفي هذا الوادي ينابيع عديدة ماؤها عذب ولذلك يطلق عليه اسم وادي المياه.وقفت السيارات على أحد ينابيع هذا الوادي المسمى (نبع أبرقية) فتناولنا الطعام في هذا الوادي الجميل الذي لم نصادف نظيره في هذه الرحلة ثم مشى الموكب من نبع أبرقية في الساعة الرابعة تماما وأخذت السيارات تسير سيرها السريع وتقطع وديان وجبال عديدة حتى وصلنا في الساعة العاشرة إلى مكان يدعى (وادي القاعة) دون أن يحصل أي عطل على السيارات وبعد أداء صلاة العصر مشى الموكب الملوكي من وادي القاعة إلى أن وصل إلى بلدة الشعرة في الساعة الثانية عشرة تماما وهو المكان للمبيت في تلك الليلة.
الشعرة:
دخل الموكب الملوكي بلدة الشعرة وكان الأهلون في المساجد يؤدون صلاة المغرب فوقفت السيارات أمام منزل أمير البلدة فدخلنا إلى هذا المنزل ثم قدمت الوفود من كافة الطبقات للسلام على جلالة الملك والجميع يحمدون الله ويشكرونه على ما هم عليه من الأمن ورخاء المعيشة.
وبعد تناول الطعام في دار الأمير جلس جلالة الملك كما هي عادته بالسمرة وأخذ يستقبل الوفود التي كانت قدمت للسلام إلى أن دنت الساعة الرابعة من الليل وهو الوقت الذي تنتهي به سمرة جلالته فذهب كل من إلى الدار التي أعدت لمبيته في تلك الليلة وقد أعدت عشرة منازل من منازل وجهاء البلدة إلى رجال الموكب وجلالته حل ضيفا كريما في دار أمير البلدة.
الأماكن، الشعرة، السير:
عقب خروجنا من قاعة صفو مررنا بوادي ظفرة، فوادي المياه، ثم خشم ضلع أم المشاعيب، فوادي العثاء، ثم وادي القاعة (وفي جانبه الأيمن جبل يدعى جبل النير) ثم وادي الرشا ثم قربة الشعرة.
وبلدة الشعرة هذه هي عبارة عن بلدة صغيرة تاريخ عمرانها قديم جدا يحدها شمالا ضلع أبو دخن، جنوبا هضبة يتمية، شرقا هضبة المسلوخة، غربا وادي الرشا وجبل زهلان، وصناعة أهلها تربية المواشي والزراعة.
وكان مسيرنا في هذه الديار ست ساعات و40 دقيقة قطعنا خلالها 177 كيلو متر.
يوم الثلاثاء:
وفي صباح الثلاثاء 8 رجب غَصّ المنزل بجماهير الأهلين على اختلاف طبقاتهم. وقد التمسوا من جلالته البقاء هذا اليوم في بلدتهم فلم يقبل وأنعم على أكثرهم بإنعامات ملوكية ثم أمر جلالته تحضير السيارات وبالتأهب للمسير، فمشى المركب من أمام دار أمير الشعرة في منتصف الساعة الثالثة وكان جميع أهالي البلدة مصطفين على طرفي الشارع إلى خارج البلدة لوداع جلالته ولما وصلت السيارات إلى خارج المدينة وأخذت تسير سيرها السريع المعتاد ثم مررنا في منتصف الساعة الخامسة من جانب بلدة تسمى (الدوادمي) ولم تقف فيها السيارات لضيق الوقت وهي لا تقل مساحة عن الشعرة وتبعد عنها 36 كيلو مترا. ثم أمر جلالة الملك بتناول الطعام في صحراء كبيرة تدعى صحراء الدوادمي، وفي الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة مشى الموكب الملوكي من صحراء الدوادمي وأخذت السيارات تنهب الأرض نهبا كأنها طيور تطير على وجه الأرض إلى أن وصلنا إلى مكان يدعى (شعيب الدميثات) ثم تابعنا السير فوصلنا الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة مكانا يدعى (علو الخفيف) وهنا وقفت السيارات وبينما كنا نهم بالمسير نظرنا عن بعد قدوم ثلاث سيارات إلينا ثم تبين أنها سيارات المستقبلين تقل صاحب السمو الأمير سعود كبير أنجال صاحب الجلالة وولي عهده قادما لاستقبال صاحب الجلالة والده وفي معيته أصحاب السمو الأمراء أبناء عم جلالة الملك وهم (سليمان بن محمد بن سعود ، وفيصل بن عبدالعزيز بن سعود، ومحمد بن عبدالعزيز بن سعود، وناصر بن سعود، وعبدالعزيز بن تركي بن سعود، ومحمد بن تركي، وسعود بن عبدالله، وتركي بن عبدالله بن سعود) ومن آل الرشيد (محمد بن طلال الرشيد، وعبدالله بن متعب الرشيد)
وبعد أداء مراسم السلام أمر جلالة الملك بالمسير نظرا لضيق الوقت وبُعْد المكان المُعَدّ للمبيت في تلك الليلة فسار المركب والسيارات تطوي الأرض بسيرها السريع ولم يطرأ عليها شيء رغما من وعورة الطريق إلى أن وصلنا إلى بلدة مراة في منتصف الساعة الخامسة من الليل. فحل جلالة الملك ضيفا كريما في دار أمير البلدة وذهب كل منا توّا إلى المنزل المعد لمبيته في تلك الليلة.
الأماكن، السير:
عقيب خروجنا من بلدة الشعرة مررنا بصحراء الدوادمي (وهي صحراء عظيمة وفيها بلدة الدوادمي التي ذكرناها) ثم الخفيف، ثم علو الخفيف، ثم نفود السر، ثم خشم قنيفدة، ثم وادي قنيفدة، ثم مراة.
ومراة هي بلدة قديمة محاطة بسور مساحتها أكبر من الشعرة والدوادمي وعدد سكانها أكثر، يحدها شمالا ضلع كميت، جنوبا ضلع المنصة، غربا ضلع الصادرة، شرقا النفود(النفود هي جبال الرمل) وضلع المشيرف.
وصناعة أهلها تربية المواشي والزراعة، ويزرع فيها بكثرة شجر النارنج والكباد. ومياهها من الأمطار وفيها خزان ماء يرجع تاريخ بنائه إلى أيام فتوحات خالد بن الوليد القائد العربي الشهير على ما يقال.
وكان سيرنا في هذا النهار سبع ساعات و45 دقيقة قطعنا خلالها مسافة 188 كيلو متر.
يوم الأربعاء:
في هذا اليوم توافدت الوفود إلى دار أمير البلدة من جميع الطبقات للسلام على جلالة الملك استمرت حتى الساعة الثامنة، ورغما عن استرحام أمير البلدة لجلالة الملك لتناول طعام المساء في معية جلالته لم يوافق على ذلك لرغبة جلالته بالمسير.
وفي منتصف الساعة التاسعة مشى الموكب الملوكي من مراة وكان الطريق صالحا لسير السيارات لأن أكثره مروج خضراء وسهول واسعة يسهل على السيارات قطعها في مدة وجيزة.
وفي الساعة الثانية عشرة تماما وصلنا مكانا يدعى (رأس وادي حنيفة) وهناك كان مخيما جيش صاحب السمو الأمير سعود ومتأهبا لاستقبال جلالة الملك وعند الوصول كانت الجنود مصطفّة.
حلقة (6):
وادي حنيفة:
فنزل جلالته حيث أدينا الصلاة وتناولنا الطعام ثم جلس جلالته في سرادقه الخاص وأمرنا بالمثول بين يديه نحن وجميع أفراد العائلة وكانت السمرة في تلك الليلة من أجمل الليالي العائلية بسبب اجتماع جميع أفراد العائلة المالكة تقريبا في سرادق واحد وكان جلالته يخاطب كلا منهم ويؤانسه ويتحدث في أمور عديدة حتى الساعة الرابعة من الليل حيث ذهب كل منا إلى مكان مبيته تلك الليلة.
الأماكن، وادي حنيفة، السير:
عقب خروجنا من بلدة مراة مررنا بقصور ابن دايل ثم نفود طريف الحبل ثم ديرة العويند ثم هيش الحيسية ثم طلعنا إلى رأس وادي حنيفة وفي طريقنا مررنا على بلدة تدعى البرّة وهي على يسارنا وتبعد عن مراة 41 كيلومتر. ورأس وادي حنيفة هو عبارة عن واد عظيم يدعى وادي حنيفة فيه كثير من الأشجار. وقبل طلوع السيارات إلى هذا المكان لقينا صعوبة عظيمة نظرا لارتفاع هذا المكان وعدم انتظام الطريق. على أن صاحب السمو الأمير سعود باذلا أقصى مجهوده في تصليحها وقد وجدنا كثير من العمال أثناء مرورنا تشتغل في تعبيده. وكان مقدار سيرنا في هذا النهار ساعتين ونصف قطعنا قطعنا خلالها مسافة 64 كيلومترا.
يوم الخميس:
نهضنا من النوم باكرا في صباح الخميس فمشى المركب الملوكي من رأس وادي حنيفة في الساعة الواحدة والدقيقة الثانية. وكان الطريق في هذا النهار من أصعب ما صادفناه في الأيام السابقة نظرا لوجود مجاري سيل عظيمة في هذا الوادي العظيم وعند وصولنا إلى جانب بلدة خاوية تدعى جبيلة كان هناك أحد أبناء عم جلالة الملك الأمير سعود بن عبدالعزيز بن سعود آل فيصل فتناولنا طعام الفطور هناك. ثم أمر جلالة الملك بالمسير فمشى الموكب الملوكي من جبيلة في الساعة الرابعة والدقيقة خمسين وكانت الطريق حسنة بسبب خروجنا من وادي حنيفة فسارت السيارات سيرها السريع وصارت تنهب الأرض نهبا إلى أن وصلنا الرياض في الساعة السادسة والدقيقة الثانية عشرة فنزلنا في مكان خارج المدينة يدعى الشمسية. حيث صلينا ثم دخل الموكب الملوكي المعظم بلدة الرياض وكانت الساعة السابعة والدقيقة العاشرة وكانت الجماهير من الأهالي تنتظره في خارج سور البلدة وآخرون واقفون على طرفي الطريق في داخل البلدة لاستقبال جلالة الملك وعلائم البشر والفرح والسرور تلوح على وجوههم بمناسبة قدوم جلالة مليكهم المحبوب. ثم وقفت السيارات أمام قصر صاحب المهابة الإمام والد صاحب الجلالة فنزل جلالته ودخل القصر ثم دخل كل من كان بمعيته من رجال الموكب. وكان والده الجليل جالسا في القاعة وبعد أن سلّم عليه جلالة الملك امتلأ القصر بوفود المهنئين ثم دخل صاحب الجلالة هو ووالده إلى غرفته الخاصة. وذهب كل منا إلى المكان المُعَدّ لنزوله.
الأماكن، الرياض، السير:
عقب مسيرنا من رأس وادي حنيفة وصلنا وادي حنيفة وفي داخل هذا الوادي يوجد بلدة عظيمة وقديمة خالية تدعى (العيينة) ويظهر من الآثار الدارسة أنها كانت بلدة عظيمة كبيرة حصينة منيعة مساحتها يستغرق أكثر من نصف هذا الوادي العظيم. ثم مررنا أيضا من جانب بلدة خربة أيضا تبعد عن الأولى بضعة كيلومترات لا يوجد فيها سوى رجل واحد عمره 95 سنة وله زوجة وولد تسمى (جميلة) ثم مررنا من ظهور عقربا ونفدنا إلى الرياض من طريق مغرزات.
الرياض:
بلدة قديمة محاطة بسور وتحيط بها جنائن وبساتين النخل وهواؤها جاف وماؤها عذب أما طرز عمرانها فقديم يزينها القصر الملوكي وتستغرق مساحته ثلث مساحة البلدة يتصل بعضه ببعض بجسور وبنيانه عظيم وغرفه وسيعة كبيرة ويحتوي هذا القصر على 25 دارا كبيرة. فيها سوق واحد تباع فيه جميع الحاجيات.
وكان مقدار سيرنا في هذا النهار ساعتين ونصف تماما قطعنا فيها مسافة 94 كيلو مترا.
فمجموع المسافة مابين الرياض والمدينة المنورة هي 879 كيلو مترا قطعتها السيارات بمدة ثلاث وثلاثين ساعة وأربعين دقيقة.
                        الطبيب المرافق: مدحت شيخ الأرض.