الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

الرحّالة لويس بوكهارت يتحدث عن حرب إبراهيم باشا لبلدة الرس عام 1232هـ.


كتاب(ملاحظات عن البدو والوهابيين) جون لويس بوكهارت. ترجمه وعلّق عليه د عبدالله بن صالح العثيمين. دارة الملك عبدالعزيز الرياض. 1434هـ.
حروب محمد علي في الحجاز ونجد:
تحدث المؤلف عن حروب محمد علي باشا في الحجاز ونجد فقال عن الحروب التي قام بها أبناؤه في الرس (وبعد وصول طوسون وقدري أفندي إلى المدينة بقليل جعل الأخير نفسه كما هو واضح مكروها لدى تلميذه. فقتله هذا التلميذ في فورة غضبه. وعندئذ حدثت فوضى كبيرة في إدارة الأمور, فعلاقات الأتراك بالعرب المجاورين كانت تدار بسوء. وكان الجنود يرتكبون أعمال سلب ونهب. ولحاجة طوسون إلى الإبل أخذ كل تلك التي استطاع أن يجدها لدى البدو. وبدلا من أن يقوم محمد علي عند وصوله إلى المدينة بإجراءات هجومية ضد العدو أصبح مشغولا تماما بإصلاح النتائج السيئة لأخطاء ابنه, وأرسل مئتين وخمسين فارسا قيادة توماس كيث وإبراهيم آغا إلى طوسون. كما أرسل إليه كتيبة من المشاة الذين وصلوا من ينبع بقيادة أحمد بونابرت. الذي عاد لتوه من القاهرة, وبعد مسيرة دامت عشرة أيام أو أحد عشر يوما وصل طوسون إلى منطقة القصيم, وذلك في أوائل مايو وقد هاجم في أثناء مسيره بادية هُتَيم, وأخذ من إبلهم خمس مئة بعير فأرسلها إلى المدينة لنقل المؤن من ينبع, وعند وصوله إلى الرس إحدى بلدان القصيم الرئيسة أو قراها الكبيرة المحصّنة بسور, انضم إليه الفرسان الذين سبقوه في الوصول إلى هناك. وقدم إليه شيوخ الجهات المختلفة في القصيم ليبحثوا معه الإجراءات التي يجب اتخاذها. لكن زعيم القصيم الكبير حُجَيلان لم يأت إليه, ذلك أنه كان دائما مخلصا لسعود ثم لابنه عبدالله, إذ جمع لمساعدته أتباعه من العرب في بلدة تسمى بُرَيدة).
الصلح بين عبدالله بن سعود وطوسون:
وتحت عنوان (دخول عبدالله بن سعود القصيم والصلح بينه وبين طوسون) قال المؤلف(ص523)(وفي أثناء ذلك لم يهمل عبدالله بن سعود واجبه, فقد دخل منطقة القصيم أيضا, بجيش من حاصرة نجد وباديتها. وجعل مركز قيادته في الشنانة التي لا تبعد إلاّ خمس ساعات عن الخبراء حيث يُخيّم طوسون باشا. لكن طوسون وجد نفسه في موقف حرج, فقد سمع أن خازن ماله إبراهيم آغا أو توماس كيث قد أحيط به في الطريق, وأنه برغم مقاومته الباسلة قد مُزّق هو وكل فرسانه إربا. وكان من الممكن أن تمد منطقة القصيم الخصبة جيشا أكثر بكثير من جيشه. لكن عدد قوات الوهابيين خفيفة الحركة كان على أي حال قريبا من عدد الأتراك الذين كان كل اعتمادهم على قريتين أو ثلاث قرى في طعامهم اليومي. وهذا هو ما جعلهم يتنبّئون بأنه سيصبح حتما شحيحا جدا. وكان العدو يحتل الطريق إلى المدينة, ولم يكن من الممكن الحصول على أخبار الخطوات التي اتخذها محمد علي.
ثم استمر الكاتب بوكهارت يروي ما كان بين عبدالله بن سعود وطوسون باشا: (ولم يكن في استطاعة طوسون باشا أن يضع ثقة كبيرة في البدو الذين كانوا معه لأنه كان يعلم أنهم مستعدون للانضمام إلى الجانب الآخر في أول نكسة للأتراك. وقد رغب في أن ينهي كل حساباته المعلّقة بمعركة. لكن ضباطه وجنوده لم يكونوا على استعداد لذلك. فقد أخافهم الوهابيون الذين يفوقونهم عددا. واقتنعوا بأنهم لو هُزموا فلن يستطيع أيّ واحد منهم الهرب. فرأوا من الحكمة أن يصلوا إلى حل مع العدو بدلا من محاربته, والأكثر من هذا أن محمد علي كان قد خوّل ابنه أن يعمل صلحا إذا استطاع أن يصل إلى ذلك وفق شروط مُفضّلة. وقد استخدم بعض البدو لاستطلاع رأي زعيم العدو. وحين علم عبدالله ابن سعود بالوضع أرسل حبّابا أحد رجاله ليكشف نيّة طوسون الحقيقية. وأعطى أمانا لأي إنسان قد يرسل إلى المخيّم الوهابي. ومهما بدت هذه الأمور مُشجّعة لعبدالله فقد تنبّأ أنه لو حطّم كل قوة طوسون المكوّنة من ألف ومئتي رجل فسيكون ذلك قليل الفائدة له. إذ سيضطر محمد علي إلى أن يوجّه كل قواته ضد هذه المنطقة. وسيكون ذلك النصر الجزئي أكثر ضررا بالقضية الوهابية العامة. وإضافة إلى هذه فقد علم أن موارد مصر من الكثرة بحيث ستمكّن محمد علي من إطالة الحرب في الحجاز لأي وقت شاء. لقد عانى الأتراك كثيرا من الهزائم, لكنهم كانوا دائما يُعوّضون خسائرهم ويصبحون أقوى من ذي قبل. وكانوا أيضا يملكون وسائل الرشوة والزعيم الوهابي يعلم جيدا أن بعضا من رفاقه الحاضرين كانوا أعداءه في قلوبهم. وبتوصّله إلى صلح يستطيع أن يضمن تبعية تلك القبائل التي لم تنضمّ بعد إلى الجانب التركي.
استقبل طوسون حبّابا استقبالا طيبا. وأرسل فورا طبيبه السوري يحيى أفندي الذي يتكلم العربية أفضل من أيّ تركي. ليفاوض عبدالله وحمّله بعض الهدايا إليه, وبقي يحيى ثلاثة أيام في المخيّم الوهابي, ولأن كلا الطرفين كان راغبا في الصلح فإن المفاوضات سرعان ما انتهت إلى صلح. وذهب أحد رجال حاشية عبدالله إلى طوسون منتظرا توقيعه على الاتفاق الذي تضمّن تخلّي عبدالله عن كل مطالبه في امتلاك الأماكن المقدسة, وتعهد بأن يسمي نفسه تابع السلطان المطيع. وحصوله على حُريّة كل أتباعه, في المرور على الأراضي التركية. وهو ما سَيُمكّنه من أداء الحج متى شاء, وتخلى طوسون لعبدالله بن سعود عن تلك البلدان التي استولى عليها في القصيم, وأبعد عنه كل زعماء تلك البلاد التي سبق أن انضمّوا إليه, كما تخلّى له عن كل تلك القبائل البدوية التي مراعيها خلف الحناكية. محتفظا لنفسه فقط بتلك التي تسكن بين هذا المكان والمدينة وفي أراضي البلاد المقدّسة. ولم يَقُل شيء عن الوهابيين الجنوبيين.
عبدالله بن سعود يعاقب البدو:
ويواصل المؤلف حديثه (ص 525) ونتيجة لذلك عاقب عبدالله ـ بعد ذهاب طوسون مباشرة ـ البدو وبخاصة قبيلة مطير التي سبق أن انضمت إلى أعدائه, ولأن كل فريق توقع خيانة من الآخر قامت بعض الصعوبات في شأن أولوية المغادرة. وقبل عبدالله في نهاية الأمر أن يغادر المكان, لكنه أصرّ على أن يصحبه أربعة من كبار ضباط الباشا رهائن لديه حتى يصل إلى مكان آمن ثم يعيدهم إليه. وتلكّأ طوسون بعض الوقت تجاه هذه المسالة ربما ليغطي ضعفه. وتراسل الطرفان, وفي حوزتي الآن عدد من رسائل عبدالله الأصلية. وأكثرها توضح صراحة اللغة التي امتاز بها دائما البدو وشجاعتها, إذ تختلف كثيرا عن الأسلوب الرسمي التبجيلي المعتاد بين الأمم الشرقية الأخرى في مثل هذه الأحوال, مكلها مكتوبة بإملاء مباشر من عبدالله نفسه معبرة عن المشاعر الصادقة التي يحس بها تلك اللحظة. ويوضح الخط الذي كُتِب به أنه لم يستغرق إلا وقت قصير. في وضع تلك المشاعر على الورق.

طوسون يغادر القصيم:
وبعد ذلك عاد طوسون من الخبراء إلى الرس. ثم غادر منطقة القصيم بعد أن أقام فيها ثمانية عشر يوما. ووصل إلى المدينة قرب نهاية يونيو سنة 1815م وكان معه مبعوثان وهابيان من عبدالله إلى محمد علي يحملان بنود الاتفاق على الصلح, كما يحملان رسالتين إحداهما إلى الباشا والثانية إلى السلطان العثماني) أ.هـ.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.

السبت، 15 ديسمبر 2018

الرحّالة أندرو كرايتون يتحدث عن حرب إبراهيم باشا لبلدة الرس عام 1232هـ.


# كتاب(تاريخ الوهابيين وحياة العرب الاجتماعية) تاليف:أندرو كرايتون. ترجمة الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين. دارة الملك عبدالعزيز بالرياض. عام 1434هـ. قال:
الحرب في الجزيرة العربية:
يقول المؤلف (ص 85) بعدما تحدث عن العمليات الحربية لمحمد علي باشا في جنوب الجزيرة (وتُرَكت بقية الحرب في الجزيرة العربية عند ذاك في يد طوسون باشا, الذي كان قد وجّه عمليات في الشمال ضد عبدالله بن سعود حينما كان أبوه يخضع القبائل الجنوبية. وعندما أصبح نجاح محمد علي معروفا عند العرب على حدود نجد قدم كثير من زعمائهم إلى المدينة. واقترحوا على طوسون أن ينضموا إليه ضد الوهابيين الذين عانوا من قوتهم أكثر مما عانوا من الآخرين البعيدين بدرجة كبيرة. وبتلك التأكيدات صارت لديه آمال في إخضاع منطقة نجد ومنافسة أبيه في الشهرة. وانطلق في حملة صغيرة مكونة من (2500) رجل مشاة وفرسانا, وقرر أن يجرّب حظه بالهجوم على القصيم, وبعد مسيرة عشرة أيام أو أحد عشر يوما وصل إلى الرس, وهي بلدة ذات شأن, محاطة بسور للدفاع عنها, وأبدت تلك البلدة مع عدة قرى كبيرة خضوعها له. لكنه وجد نفسه هناك في وضع غير ثابت. فقد اكتشف أنه ـ مثل أكثر الأتراك ـ لم يُقدّر وسائله تقديرا كافيا, فجنود الوهابيين الخفيفة الحركة كانوا يتجوّلون من حوله, وقد جعلوا جيشه كله معتمدا على قريتين أو ثلاث قرى, للحصول على حاجاتهم اليومية, والطريق إلى المدينة كان مُحتلا من قبل العدو, وفي تلك المناسبة أحاطت بالشجاع توماس كيث قوة كبيرة, بينما كان مسارعا بخمسين ومئتي فارس لنجدة قائده, وسقط مع جنوده الذين مُزّقوا إربا. وفي ذلك الحدث قتل الاسكتلندي الشجاع أربعة من الأعداء بيده.
تصدي عبدالله بن سعود لطوسون:
ثم يكمل المؤلف (ص 87) (وفي أثناء ذلك لم يهمل عبدالله واجبه, إذ دخل هو الآخر بجيشه منطقة القصيم واتخذ قاعدة له بلدة الشنانة, التي لا تبعد إلا خمس ساعات فقط عن بلدة الخبراء, حيث خيّم طوسون. وفي تلك الورطة رغب الباشا المغامر أن ينهي حالة القلق والترقب بالدخول في معركة. لكن ضباطه وجنوده رأوا أن من الحكمة لمن هم في وضعهم أن يصطلحوا بدلا من الحرب. وكان محمد علي قد كتب أيضا إلى عبدالله قبل مغادرة الحجاز, حاثا إياه على الطاعة وعرض عليه شروطا للسلم, وفي الوقت نفسه خوّل ابنه أن يتوصل إلى هدنة معه إذا أمكن. تحقيق ذلك بشروط مناسبة له. وكان عبدالله ـ من جانبه ـ لديه أسباب لإيصال الأمور إلى نهاية هادئة. فقد رأى أنه حتى تحطيم قوة طوسون كلها سيكون ذا فائدة حقيقية قليلة بالنسبة له. طالما أن الأتراب في إمكانهم أن يعوضوا خسائرهم من المصادر الكثيرة في مصر. وعلم أيضا أنهم يمتلكون وسائل الرشوة, وأن بعضا من رفاق سلاحه كانوا في قرارة نفوسهم حلفاء لأعدائه.
وسرعان ما توصل الطرفان إلى اتفاق تنازل بموجبه عبدالله عن كل إدعاء بالمدن المقدسة, ورضي بأن يلقب نفسه بالتابع المطيع للسلطان, وأن تكون الطريق مفتوحة بحرية أمام الوهابيين لأداء الحج متى رغبوا ذلك. وأعاد طوسون بلدان القصيم التي استولى عليها, وفصل من جيشه كل الزعماء الذين انضموا إليه من أهل تلك المنطقة. وتُبودِل التصديق على الاتفاق باحتفاء لائق. وكانت كلمات بيانه الذي اعترف فيه زعيم الصحراء بتبعيته للباب العالي كما يأتي: "إلى طوسون إني أقف أمام أبواب رحمتك ـ أيها السيد ـ وأسأل عفو الله وعفو سموك, وأرغب أن أُقبل في عداد رعايا السلطان المؤمنين, ومن هذا اليوم فصاعدا سأطيع أوامره بالدعاء لشخصه الجليل في كل يوم جمعة في مساجدنا وفي أعالي الجبال. وأخيرا من جانبنا لن تكون هناك أي محاولة للعصيان, وعندما قُرئ ذلك على الجيش الوهابي  صاحوا بصوت واحد نعم.. نحن سنطيع". وبسرعة امتلآ الجو بالدعاء للسلطان بالعافية والمجد لجيشه. وحينئذ قلّد مندوب طوسون عبدالله نياشين الطاعة. وهي معطف وسيف وعدد من الخيل المزركشة. وقال له في إهدائه السيف هذه هو عهد إخلاصك. وسيكون حاميك ما دمت وفيا بوعدك, لكن إن عصيت أوامر السلطان سيدنا فسيكون أداة ثأره. ومرة أخرى ارتفعت أصوات المُخيّم بالصياح لرخاء السيد الأعظم, ووعدوا أن يُردّدا اسمه في صلوات الجمعة.
طوسون يغادر القصيم:
وقد غادر طوسون جزيرة العرب في بداية نوفمبر. ورُحِّب به في القاهرة بكل أنواع التشريف لشجاعته ومكانته السامية. واُطلِقت المدفعية إيذانا بوصوله. وازدحمت الشوارع بالجماهير لتحيي مُخلّص المدن المقدسة. لكنه قوبل بفتور من قبل والده وتاريخه الأتي قصير. فقد عُيّن لقيادة مجموعة كبيرة من الجنود معسكرة في رشيد للدفاع عن الساحل, وتوفي هناك بالطاعون في سبتمبر من السنة التالية 1818م. ولم يكن محمد على مخلصا في عرضه للسلم, وقد وجد بسهولة ذرائع لتجديد الحرب. فرسائله إلى عبدالله بالقبول كانت مبهمة جدا, لقد طلب إعادة الكنوز التي أخذها والده من قبر النبي صلى الله عليه وسلم, كما طلب أن تخضع الدرعية لسلطة حاكم المدينة, ورفض أن يؤكد الاتفاقية ما لم يتخلّ الوهابيون له عن منطقة الأحساء. وكان الخداع إحدى أعظم صفات محمد علي والملامح الممقوتة في شخصيته...) أ.هـ.
حملة إبراهيم باشا على نجد:
ثم يكمل الرحالة كرايتون حديثه(ص 91) عن حملة إبراهيم باشا على نجد بالتفصيل فيقول (وأظهر الباشا من جانبه نشاطا مساويا. فعندما زال خطر الغزو والثورة في مصر أمر بأن تُعدّ إلى الحجاز حملة قوية, عهد بقيادتها إلى ابنه المُتبنّى إبراهيم. وهو أمير مشهور بالشجاعة, ميّز نفسه من قبل بالقضاء على المماليك. المتمردين.. وفد خّصصت ستة شهور لنقل الذخائر العسكرية. وفي سبتمبر من عام 1816م غادر القائد القاهرة مصحوبا بنحو ألفين من المشاة الذين أبحروا من القصير على ينبع وألف وخمس مائة من فرسان البدو الليبيين الذين ساروا عن طريق البر, وكان معه بعض الضباط الفرنسيين. والبطل العربي الشيخ راجح. الذي سبق أن أُرسل إلى مصر مُقيّدا, لكنه الآن أُطلق سراحه, لأنه قد يبرهن على أن خدماته مفيدة للحملة. وكانت الأوامر أن يهاجم الدرعية عن طريق المدينة فالقصيم. وبعد عشرة أيام من وصوله إلى ينبع وصل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وهناك نذر ألا يغمد سيفه أبدا. وأن لا يشرب النبيذ أو أي شراب محرّم حتى يقضي تماما على أعداء الدين. وبسلوكه الطريق التي سبق أن سلطها طوسون وصل إلى الحناكية, حتى بقي هناك عدة أسابيع في مناوشات ونهب. وانضم إليه بعض الزعماء المجاورين وبينهم غانم شيخ حرب الذي أحضر معه خمس مئة من قبيلته. ولم يكن هناك شيء أكثر حاجة من مثل تلك التعزيزات. وذلك أن جنوده كانوا يعانون من أمراض وبائية. ومن حرب الصحراء المرهقة, فقد وجد العرب طرقا للتسلّل إلى معسكر الأتراك. حيث كانوا يقتلون إبلهم وخيلهم أن يقطعون أرجلها وأيديها.
حصار إبراهيم باشا للرس:
ويكمل المؤلف حديثه (ص 93) فيقول: وقد خيّم عبدالله بجوار عنيزة, وكان يضمر مشروعا جريئا, وهو السير إلى المدينة على رأس ثلاثين ألف رجل, في حين يسير أخوه فيصل إلى جدة ومكة وينبع, وبذلك يقطع خطوط الجنود والمؤن القادمة من مصر, وقد منعه عن القيام بتلك الحملة ثورة بعض حلفائه. وهزيمة جيش كان يقوده شخصيا, مكوّن من عشرة آلاف جندي, وكانت بلدة الرس أول بلدة شكّلت عقبة خطيرة في وجه تقدّم إبراهيم. وقد كانت محصّنة بقوة وميّز أهلها أنفسهم بشجاعة رائعة, وساعدت النساء فيها مدافعيها البواسل, فصُدّ المحاصرون في كل المواضع وقّتل من الأتراك ثلاثة آلاف. وكانت الضحايا تزداد يوميا ولقد عُرضت أمام السكان مئات من رؤوس الوهابيين المقتولين أملا في أن ذلك المشهد قد يرعبهم فيستسلمون, لكن ذلك زاد رغبتهم في الثأر.
رفع الحصار عن الرس:
وأمام ذلك الوضع الخطير والوقوع في محنة شديدة, اضطر إبراهيم إلى رفع الحصار بعد أن أضاع ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما في مجهود غير مفيد. لكن ذلك كان ـ على أي حال ـ هو الانتكاسة الوحيدة التي واجهها, وبدا كأن حظ أبيه قد عاد فجأة, فقد تقدّم في مسيرته من نصر إلى نصر, وغسل دم الضالين بسرعة الإهانات التي تلقّاها جيشه أمام سور الرس, فقد استسلمت له الخبراء بعد قصفها بالمدفعية بضع ساعات, ثم تلتها عنيزة وفرّ بعض الجنود دون أن ينتظروا مواد الاستسلام. وخضعت جميع بلدان القصيم وقبائله للأتراك. أما عبدالله فتراجع من موقع إلى آخر أمام الغزاة. ورأى كل حصونه تسقط في أيديهم. بريدة فشقراء فضرما التي استولى عليها العدو وخُرّبت) أ.هـ.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

الرحّالة فيلكس مانجان يتحدث عن حرب إبراهيم باشا لبلدة الرس عام 1232هـ.

والرحّالة (فيلكس مانجان) في كتابه(تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية) حتى عام: 1823م الذي ترجمه أد. محمد خير محمود البقاعي ونشرته دارة الملك عبدالعزيز في الرياض. ط1/1424هـ. وقد ذكر الرس في مذكراته.
حملة طوسون باشا على نجد:
قال (ص 91) متحدثا عن حملة طوسون باشا على نجد (أما طوسون باشا فقد ترك في المدينة المنورة جيشا يبلغ عدده 2500 من الفرسان والمشاة تحت قيادة أحمد آغا بيلاني بوكوردان, واتجه على رأس قواته نحو بلاد نجد, وقد كان معه ناهيك عن المدافع الثلاثة كثير من البدو المتحالفين مع الأتراك والتقى خلال سيره بعض الأعداء الذين اضطروا إلى الهرب, وأسر ثلاث مئة رجل ولما وصل إلى حدود منطقة القصيم, ذهب إلى الشنانة التي استسلمت له بعد حصار دام يومين. وانتشر خبر هذه البداية المظفرة. وانتشر الخوف من جيش طوسون المسلح, وجاءه إلى مقر قيادته العامة زعماء بلدة الرس ليعقدوا معه اتفاقية يقدمون بموجبها للجيش مؤنا مدفوعة الثمن, على ألا يدخل الجيش البلدة, وتعهد طوسون باشا بتنفيذ ما يتعلق به من الاتفاقية, بيد أنه اتخذ تدابير للاقتراب من البلدة. وقد كان قد أصدر أمرا بالرحيل عندما وصل والده إلى المدينة المنورة مما جعله يعلن مشروعة في الاستيلاء على نجد, وعاد إلى الحناكية بهدف رؤية والده, وبينما كان في طريقه إليها أتاه خبر عاجل من المعسكر عند الرس بأن عبدالله بن سعود يتقدم على رأس جيشه نحو الرس, وأنه إذا لم يسارع بالعودة فإن قواته ستعاني معاناة كبيرة. خصوصا وأنه يبدو أن العدو ينوي قطع طرق الاتصال بين نجد والحجاز, ولما علم طوسون بذلك عاد مسرعا نحو قواته, وقد كان يسير بسرعة كبيرة تمكن بها من الوصول أمام الرس قبل أن يتمكن عبدالله من الحيلولة دون ذلك. هجم عبدالله على البدو الموالين للجيش التركي, وتمكنت قواته المنتشرة في الأرياف من الاستيلاء على قافلة تحمل ذخائر حرب قادمة من المدينة المنورة. يحرسها 200 من الفرسان قتلوا جميعا, وكان يقودهم خزندار طوسون باشا وقد لقي المصير نفسه. وقد حزن عليه طوسون باشا حزنا شديدا, وجاء مشايخ الرس يقدمون فروض الطاعة لطوسون باشا. فاستقبلهم أحسن استقبال, وخلع عليهم الخلع وأتحفهم بالهدايا, وأوصاهم بالخطبة للسلطان في صلاة يوم الجمعة, وقام أمامهم بتعليم إمام البلدة طريقة تلاوة الخطبة للسلطان. كان باستطاعة طوسون بهذا العدد القليل من القوات التي ترافقه أن يتوغل إلى مسافة أبعد, ولكنه كان يأمل بوصول دعم جديد يسمح له بالسير نحو الدرعية. وعلى الرغم من أنه تم الاتفاق على ألا يدخل الأتراك الرس, إلا أن طوسون دخلها يوم الجمعة, بحجة الذهاب إلى المسجد كما هي العادة. وبعد أن أدى الصلاة ذهب إلى منزل كبير المشايخ, كما لو كان مدعوا للغداء, وما أن دخل المنزل الذي كان يشبه القلعة حتى أرسل سرا يأمر المشاة بالمجيء للإحاطة به, وأن يتمركزوا على أبواب المدينة, حيث اتخذ لقواته كلها سكنا فهدموا قسما من أسوار البلدة والحصون, لمنع السعوديين من التحصن فيها بعد الآن. وبعد هذه الترتيبات حدد طوسون رواتب البدو, وطلب أن يتركوا لديه بعض الرهائن, واشترى قمحا وشعيرا وذرة لتموين جيشه. وبينما كان مقيما في الرس جاءه زعماء الخبراء والبكيرية والهلالية والشنانة يجددون ولاءهم. وبعد ثمانية أيام وجد نفسه مجبرا على الذهاب لنصب معسكره في الخبراء, لقد أصبحت القرى المحيطة بالرس في وضع مزر لم يبق فيها مراع, إذ كان البدو الموالون للأتراك وحدهم يمتلكون أكثر من عشرين ألف جمل ومائتي ألف رأس غنم, وقد ذهب طوسون باشا بعد ذلك إلى الشبيبية, وترك فيها بعض القوات.
وكان عبد الله بن سعود موجودا في عنيزة وكانت قواته تسيطر على المناطق المحيطة بها. وكان البدو الموالون للأتراك يشتبكون غالبا مع أنصاره من البدو, واستمرت المناوشات عشرين يوما متتالية.
وعلم طوسون باشا في صباح أحد الأيام أن السعوديين يتجهون صوب معسكره. فأرسل قوات استطلاع من الفرسان ونصب مدفعين ومدفع حصار, وبعد بضع ساعات ظهرت جماعات مسلحة, وانقضى ما بقي من سحابة اليوم. في مناوشة بين البدو الذين كانوا في طليعة الجيشين. فخسر السعوديون خمسين قتيلا, وأربعة وثلاثين جريحا. ولم يغب عن المعركة من البدو إلا عشرين رجلا. ولما اشتد الحر (35) وبدت للسعوديين استحالة مهاجمة المعسكر انسحبوا.
وفي اليوم التالي خصص الباشا ثلاثين تالرا لكل جريح من البدو. وكمية من الرز والسكر ومائة تالر لأهل كل قتيل منهم. وإذا كان بينهم أب للقتيل أو أخ فإنه يعطيهم ألبسة أيضا. وأرسل في اليوم التالي فرقة مدعمة من الفرسان باتجاه عنيزة التي كان السعوديون يسيطرون عليها. ووقع اشتباك دام عدة ساعات انفصل الجيشان بعدها, وفي أثناء عودتها قابلت تلك القوات قافلة محملة بالتمر والقمح والذرة. فاقتادوها إلى المعسكر, بعد أن قتل من قتل من حراسها ولاذ الآخرون بالفرار.
وجاء بعض البدو في اليوم نفسه يخبرون طوسون باشا أن التونونجي الذي أرسله في مهمة لمقابلة محمد علي في المدينة المنورة قُتل في أثناء عودته مع حاشيته قريبا من الرس. قتله جماعة من العدو, وكان البدو الذين حملوا إليه النبأ من الحرس الذين استطاعوا النجاة. وأكدوا لطوسون أن نائب الملك غادر المدينة المنورة إلى مصر. وأن القوات المتمركزة في المدينة المنورة انتقلت إلى الحناكية. وأن نقص المؤن ووسائل النقل منعها من الوصول إلى معسكر طوسون, لقد وقف طوسون حائرا أمام تلك الأنباء. فقد كان ينتظر وصول والده مع الدعم بالرجال والمؤن, لقد وجد نفسه في موقف حرج بعيدا عن المدينة المنورة يحيط به الأعداء من كل جانب بلا نقود ولا ذخائر ولا مؤن. ووصلت لدعم السعوديين قوات جديدة فانتشروا حول المعسكر ليمنعوا الجمال وقطعان الماشية من الذهاب إلى المراعي, وكانوا كلما التقوا البدو الموالين للباشا يسألونهم عن سبب قدومهم إلى قلب بلادهم: " كانوا يصيحون في وجوههم لستم عربا لستم إلا كلابا وخدما أذلاء للأتراك. وستكونون عام قريب صيدا سهلا لنا انتم وقائدكم الذي جاء بكم إلى هنا " وكان البدو ينقلون هذه الشتائم والسباب إلى طوسون ويقولون له: إنهم لا يستطيعون الصبر على مثل هذا الهوان, وأنهم يريدون القتال مهما كان الثمن.
كان السعوديون قد أحكموا الحصار حول المعسكر ولم يعد بالإمكان أن تصل إليه أي مساعدة. ولما حاولت إحدى القوافل القادمة من الرس المؤلفة من مائة جمل محملة بالمؤن الوصول إلى المعسكر استولى عليها السعوديون على بُعد فرسخ منه. وحزم طوسون أمره على التراجع نحو الرس التي لم تكن تبعد عنه أكثر من مسير ست ساعات. ولم يخبر بذلك أحدا, ووضع خطة الانسحاب دون ضجة حتى لا يأتي الأعداء لمضايقته أثناء تنفيذها, كانت القوات تعاني من نقص المؤن وقام الباشا بجمع قادة الوحدات العسكرية جميعا وأخبرهم أنه ينوي القتال, وسعى إلى بث الشجاعة في نفوسهم عندما قال لهم: إنه إذا كان السعوديون واثقين من قوتهم فإنهم سيبادرون هم أنفسهم بمهاجمته, ووزع في الوقت نفسه الذخيرة على الجنود وجهّز الجمال للنقل.
واستمر الرحالة فيلكس مانجان يروي أمر الحرب ويقول: وعند منتصف الليل تنادى المعسكر بالرحيل. وانتشر الخوف واللغط بين الناس لاعتقادهم أنهم سائرون باتجاه العدو, وأوكل طوسون باشا مدفعيته إلى فرسان قبيلة حرب الذين كانوا في طليعة القوات, وكلفهم بقيادة المشاة عبر طرق غير رملية, وأعلنت طلقة مدفع حلول وقت الرحيل, واتجه البدو من قبيلة الحويطات إلى أكمة تشرف على المعسكر السعودي ونصبوا عليها البيارق ليظن السعوديون أن الهجوم قد بدأ.
وركب طوسون على رأس الفرسان وكان بدو الحويطات يحمون مؤخرات القوات, وقبل الظهر كانت القوات قد وصلت آبار الحجناوي, فتزود الجميع بالماء واتجهوا من هناك إلى الرس دون أي إطلاق نار.
ولما وردت أنباء تحركات الجيش التركي, استنفر السعوديون قواتهم واستعدوا لرد الهجوم ولكنهم ما إن رأوا الأتراك ينسحبون حتى انطلقوا في أثرهم, ولما وصل طوسون باشا إلى الرس نظم قواته من جديد. وأرسل بعض الفصائل إلى الهلالية والبكيرية لشراء المؤن. وسارع أهل القرية الأولى إلى الفرار منها, أما أهل البكيرية فتلقوا جنود طوسون باشا بالرصاص, حتى وصلت فصيلة جديدة من المشاة اضطرتهم إلى الاستسلام وقد عيد طوسون باشا على هاتين القريتين حاكمين من طرفه وهدم أسوارهما. ولما علم أهل الشنانة أن السعوديين استولوا على قافلة كانت متوجهة إلى معسكر الأتراك اتفقوا مع أهل الرس على مفاجأة الحامية التركية في الرس والفتك بها. وعلى الرغم من أتن أهل الرس كانوا على استعداد لتقديم العون لأبناء جلدتهم غير أن خطتهم غير المحكمة أبطلها حاكم الرس الذي علم بالأمر في الوقت المناسب فأمر بنزع الأسلحة من الأهالي.
وبعد أن أخضع الهلالية والبكيرية أرسل الباشا قواته إلى الشنانة وحاصرها أربعة أيام. وخسروا مائتي رجل ثم استسلموا. فأمر طوسون باشا بهدم البيوت وتشتيت شمل الأهالي.
الصلح بن عبدالله بن سعود وطوسون باشا:
استمر مانجان يتحدث عن الحرب بين الطرفين فقال (ص98) (كان السعوديون يعسكرون حينئذ في الحجناوي على بُعد ثلاثة فراسخ من الرس, واستقر الرأي على أن تذهب قوات طوسون لمهاجمة السعوديين, كانت نهاية الهدنة قد اقتربت وأراد طوسون أن يستغل حالة السلم ليفاجئ السعوديين, وقرر ناهيك عما سبق أن عبدالله إذا أرسل أحدا ليقدم اقتراحات جديدة فإن الجواب سيكون أنه ليس هناك أي مجال لإجراء أي مفاوضات حتى تسليم الدرعية. وحتى يضع نفسه وجميع أقرباءه تحت سلطة الجيش التركي. ليجر ينقله إلى استانبول. وفي اليوم الذي تلا هذه الترتيبات استولى السعوديون على قطعان ماشية البدو  التي كانت متجهة إلى المراعي. فأمر طوسون أن تستعاد القطعان بقوة السلاح. وقاد الخزندار بنفسه القوات, وهجم على العدو الذي كان في انتظاره. مستعدا للقتال. كان الحر شديدا طوال ذلك اليوم. حتى أن الجنود الذين أنهكهم الحر طوال النهار لم يكونوا يستطيعون المشي في وسط الرمال. وعاد الخزندار إلى مواقعه. وقد بدأ له أن أمامه صعوبات ضخمة ينبغي تجاوزها. حينئذ بادر القادة الذين اختاروا الحرب عندما سئلوا إلى الصباح بأعلى أصواتهم: أنه ما دام عبدالله يطلب السلام وبعد الخضوع للسلطان فإنه ينبغي الموافقة على ذلك بشرطين هما:
1ـ أن يترك الأتراك في الرس والخبراء قوات يقدم إليها الأهالي المؤن بأسعار يتفق عليها.
2ـ أن يقدم السعوديون رهائن بانتظار أن يوافق نائب السلطان على الاتفاقية أو يرفضها. فإذا رفضها عاد الرهائن إلى ذويهم ورحلت القوات التركية عن الأراضي التي تحتلها.... وقد قبل عبدالله بهذه الشروط وعقد طوسون معه اتفاقية حسب الشروط المذكورة.... وبعد أن انفض المجلس وانصرف عبدالله إلى خيمته جمع طوسون باشا قادة الجيش وأعلمهم بالاتفاقية التي وقعها لتوه, وأخبرهم أنه ينوي الاستيلاء على الرس عسكريا وأن يرسل قوات إلى الدرعية لتقيم هناك إلى جانب عبدالله بن سعود, وأن يأخذ منه رهائن حتى يعود المبعوثون من القاهرة, ولما كان لا يرغب القيام بأي شيء دون موافقة قادة الجيش, فإنه أمهلهم يومين للتفكير بتلك الإجراءات, لكي يتمكن كل واحد منهم من ممارسة حقه الذي يوفره له القانون, في الإدلاء برأيه وعرض الأمر نفسه على شيوخ البدو بعد أن جمعهم وقال لهم: إن كونهم قوما رحلا شأنهم شأن أهالي نجد يجعلهم أكثر قدرة على فهم عاداتهم وتقاليدهم, وأوصاهم بعقد مجلس استشاري وأن ينقلوا إليه بعد يومين النتائج التي تجمع عليها آراؤهم. وقد شارك في هذه الاجتماعات وجهاء المدينة المنورة الذين كانوا في المعسكر.
وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية كانت بجميع بنودها لصالح الجيش التركي, فإن ما جعله يقبل بها هو الحالة الحرجة التي كان عليها, كان ينقص جيش طوسون باشا المؤن والأموال والقوى اللازمة لمتابعة الحرب. ولم يكن هناك بارقة أمل في وصول الدعم. لأن الخزندار أحمد آغا أكد لطوسون باشا أن الإمكانيات المالية انخفضت في مصر انخفاضا ملموسا, وأن الدعم لن يصل إلا متأخرا, وأنه من المستحيل الحصول على المؤن وذخائر الحرب من المدينة المنورة. التي تبعد مسيرة اثني عشر يوما من الرس, ولا من أي مكان آخر بسبب نقص الجمال لنقل الدعم. ونقص الجنود الذين يحرسونها)أ.هـ.
بعد الصلـح:
ثم يتابع الرحّالة مانجان حديثه عن الحرب حول الرس (ص111) بعد أن تم توقيع الاتفاقية قال (كان عبدالله بن سعود قد عيّن وجيهين من وجهاء الدرعية مبعوثين له أرسلهما إلى القاهرة وهما: عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم حفيد الشيخ وعبدالله بن محمد بن بنيان, ومنذ أن استلما رسائل اعتمادهما, وآخر توجيهات أميرهما أمر بمرافقتهم وأرسل معهم الرهائن حتى مدينة الرس, حيث كان معسكر العثمانيين وكان طوسون بانتظارهم, وفي اليوم التالي لوصولهم أمر طوسون باشا معسكره بالرحيل باتجاه المدينة المنورة يحمل معه الرهائن, وأرسل مبعوثي عبدالله بن سعود إلى مصر بقيادة سلحداره. وما إن غادر الجيش التركي أنحاء الرس حتى توجه عبدالله بن سعود إلى عنيزة وجمع زعماء منطقة القصيم وأرسلهم إلى الدرعية, وعيّن آخرين في مناصبهم. وعاقب أنصار الأتراك وزرع بذور الشقاق بين حلفاء الأتراك من البدو, واتخذ إجراءات لتحصين الدرعية والمدن الكبرى في الأراضي التابعة له...).
حرب إبراهيم باشا على الرس:
ثم أخذ الكاتب مانجان يروي قصة الحرب بين إبراهيم باشا وأهل الرس, تلك الحرب التي دامت ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما من: 25/8/1232هـ حتى تاريخ: 12/12/1232هـ وقال قبل وصف المعركة (ص134) (وعلى الرغم من الوباء الذي كان يجتاح معسكره كان إبراهيم باشا يستعد لمحاولة القيام بهجوم مفاجئ على الرس, واختار 1500 رجل وانضم إليهم ما يقارب 1200 بدوي) كما قال عن عبدالله بن سعود الذي يستعد للتصدي إبراهيم باشا (ص 138) (وأرسل إلى الرس دعما قوامه مائتا رجل وذخائر).
ثم إن عبدالله بن سعود بدأ يجهز نفسه وجيشه لملاقاة إبراهيم باشا الذي قدم إلى نجد بجيش تركي كبير... كما أن فيصل الدويش أراد أن ينظم إلى الجيش التركي بقيادة إبراهيم باشا مع الحذر أن يطارده عبدالله بن سعود. وأرسل ابن أخيه للباشا يخبره بأنه ما إن يصل أمام الرس حتى يأتي فيصل لمفاوضته.
وصف الحرب:
ثم بدأ المؤلف مانجان يصف الحرب بين إبراهيم باشا وأهل الرس (ص 140) فقال (ودفعت هذه التطمينات إبراهيم باشا إلى الرحيل, لقد انطلق من ماوية في الأيام الأولى من شهر يوليو على رأس 4000 من الجنود المشاة و 1200 فارس, ناهيك عن البدو, واعتلت صحته بسبب التعب الذي تكبده من قبل, ولم يفعل شيئا للعناية بها فشعر خلال الطريق بشيء من الإنهاك, أجبره على لزوم خيمته مدة ستة أيام. وطلب من علي أزن أن يسبقه, وأعطاه ألفي رجل وسلحه بثلاثة مدافع وأرقى أكثر الجيش معه. وما كاد يتماثل للشفاء حتى نهض للسير, وما لبث أن أدرك رجال الطليعة على بُعد يومين من الرس. كان الجيش يتقدم بحذر خوفا من ملاقاة العدو ويتخذ من تقدمه التدابير اللازمة. وكان كلما أوغل في المسير أصبح الماء الصالح للشرب نادر الوجود. وكان لا يكاد يكفي الرجال والخيول, أما الجمال فإنها ليست المرة الأولى التي تظل فيها ثلاثة أيام دون أن ترد الماء. وبينما كان الجيش يتقدم نحو الرس. برّ فيصل الدويش بوعده لإبراهيم باشا, وجاء لملاقاته على رأس أبناء قبيلته. وعقدا اجتماعا طويلا ووعده إبراهيم باشا بتعيينه حاكما على الدرعية. لقد أصبح فيصل الدويش تابعا للقيادة العامة, وقدم لحليفه وسائل النقل والمؤن, ومنذ ذلك الوقت أصبحت قبيلته جزءا من الجيش التركي. كانت بلدة الشنانة التي ظهرت للجنود في الأفق البعيد تبدو من خلال الخضرة التي تكتنفها بلدة كثيرة الخيرات وافرة النعم, ولكن عبدالله بن سعود كان قد خربها, وأخذ القادرين من أهلها على حمل السلاح لتعزيز القوات الموجودة في الرس. أما الشيوخ والنساء والأطفال فقد تراجعوا مع الماشية إلى نواحي شقراء. وكان التعب والإعياء قد نال من القوات فأقامت ثمانية أيام في واحة الشنانة لأنها كانت تحتاج إلى الراحة بعد المشقة والتعب.
وقبل أن يصل إبراهيم باشا بقواته أمام الرس قام على رأس 500 فارس بعملية استطلاع لمراقبة الوضع والمكان. وعاد في اليوم التالي إلى معسكره, وقد قتل اثنان من رجاله وجرح خمسة, في مناوشة مع مفرزة من جنود الحامية السعودية.
وفي اليوم التالي صدرت الأوامر بالمسير, ولما وصلوا أمام الرس حاصروها ونُصبت المدافع في الحال, ولم يكلف الجيش نفسه عناء اكتشاف أضعف الأماكن في التحصينات, وبدأ إطلاق النار على السور المحدق بالمدينة, كنا نرى القنابل تهدم البيوت وكان بعضها ينفجر قبل أن يكمل خط سيره المنحني, وبعد ستة أيام من القصف المستمر أمر إبراهيم باشا بالهجوم في الساعة الثانية ليلا, دون أن يحدث نقبا في السور يدخل منه المهاجمون, ودون أن تمتلك القوات المهاجمة أي وسيلة لمحاولة تسلق السور, ودون أن تقع عيونهم على حفرة عميقة وعريضة تقع بالقرب منه. وكانت العلامة المتفق عليها لهجوم المشاة هي طلقة مدفع. وما إن أُطلقت حتى تحركت قوات المشاة, في حين كانت بعض الوحدات تستكشف الريف, وتسهر على ألا تهاجم الحامية والأهالي. وكان علي أزن مع الدلاة والمغاربة مكلفين بلفت نظر العدو إلى موقع معين. والتظاهر بالهجوم عليه, ولم يكن في ذلك الموقع إلا مدفعان إلا أن المحاصرين استرشدوا بدوي المدافع التركية لمعرفة موقع القوات المعادية. التي بذلت جهدا بلا طائل. كانت النساء وراء الأسوار يشعلن سعف النخل الجاف المطلي بالصمغ, لإضاءة الميدان للمدافعين عنهم وكان إطلاق النار من البنادق مستمرا, ولم تهدأ حجة الهجوم خلال أربع ساعات. لقد تصدى المحاصرون لهجوم الأتراك في كل المواقع, فاضطر هؤلاء إلى التراجع ولم نكن نرى إلا القتلى والجرحى. وقد أدى هذا الهجوم المميت الذي كان التخطيط له سيئا إلى إصابة 800 رجل بين قتيل وجريح. ولم يفت هذا المنقلب السيئ من عضد إبراهيم باشا الذي لم يكن يأمل بوصول الدعم. بعد أن توغل إلى مسافة بعيدة في وسط الصحراء. وكان يعلم أن عبدالله بن سعود يعسكر بين عنيزة وبريدة. وأن أخاه فيصلا الذي كان في حملة استطلاع في أنحاء الرس يمكن أن يأتي لدعم المدينة المحاصرة. ولكن إبراهيم باشا حافظ على هدوئه وصفاء نفسه, وكانت بشاشته تواسي جنوده, من الإخفاق الذي حاق بهم. وقد كان ينبغي على الرغم من ذلك إيجاد وسيلة للاستيلاء على الموقع. وقام جنود إبراهيم باشا بناء على رأي أحد المهندسين الأتراك في الحملة بقطع عدد كبير من أشجار النخيل وقام هذا المهندس الأخرق باستخدام هذه الأشجار بعد أن قطعها إلى قطع متساوية لبناء متاريس ينصب عليها المدافع, ولم يكن هذا العمل الذي أقيم بلا أية رؤية فنية متينا. وانهار انهيارا تاما عند أول هجوم.
كان عدد القتلى يتزايد كل يوم وكانت غالبيتهم على وشك الموت, إما بسبب جراحهم البالغة وإما بتأثير الطقس وسوء وضعهم. وقد تعززت قوات إبراهيم باشا بوصول دعم قدره 900 رجل بقيادة البنباشي ياور علي. عوض الخسارة التي نزلت به منذ بدء الحصار, وما إن وصلت هذه القوات حتى كان إبراهيم باشا يفكر بالقيام بهجوم آخر. وعند طلوع الفجر توجهت القوات نحو المدينة, ولم يسفر الهجوم عن شيء وأجبرت بسالة المدافعين المحصورين الأتراك على التراجع, ولم تكن نتيجة هذا الهجوم أقل سوءا من الهجوم الأول, وأصيب ياور علي الذي كان في الطليعة مع بعض من أكثر الجنود شجاعة بجرح بالغ.
بسالة أهل الرس في الحرب:
ثم يكمل الكاتب مانجان حديثه عن الحرب (ص 142) فيقول: كان فيصل شقيق عبدالله بن سعود يتجول في المناطق المجاورة ولكنه لم يجرؤ على التصدي للأتراك ومساعدة أهل الرس. كان أهالي المدينة يدافعون عن أنفسهم بشجاعة ويقومون ببعض الغارات, ولما لم تكن لديهم الإمكانيات الكافية ولا الخبرة في فنون الحرب, فإنهم اكتفوا برد طلائع المهاجمين, والانقضاض على المدافع دون أن يسدوا ثقوبها بالمسامير لتصبح غير صالحة للاستعمال, كانوا يهاجمون أعداءهم بالبنادق ذوات الفتيلة والرماح, وحينما رأى المحاصِرون ما حل بهم فكروا بزرع ثلاث متفجرات ولكن المحاصَرون أبطلوا مفعولها. ولم يبق لدى الأتراك وسيلة يعتمدون عليها سوى الهجوم بكل مل يملكون من قوة, إذا لقد حاولوا القيام بهجوم ثالث ولم تكن نتائجه مختلفة في فشله وخيبته عن الهجومين الأولين.
موقف إبراهيم باشا من الحرب:
كان موقف إبراهيم باشا حرجا لأن ثلاثة آلف رجل من رجاله لقوا مصرعهم عند أسوار الرس. ونفدت ذخائره وبدأ النقص في الأغذية, وكانت المجاعة تهدد بقية جيشه, وعلى الرغم من ذلك كله فإن إبراهيم باشا ظل محتفظا بموفقه الحربي.
كان فيصل الدويش يرغب في سقوط عبدالله بن سعود فبذل كل ما في وسعه لجعل البدو الموالين لعبدالله ينفضون من حوله. لقد كان لتدخل فيصل هذا ومعه غانم بن مضيان الفضل في إبقاء طرق المواصلات وراء الجيش التركي آمنة.
كان كل شيء في حصار الرس يفسد الجهود التي يبذلها إبراهيم باشا, إذ ما لبث الجو أن أصبح عاصفا, وكانت الرياح العاصفة العاتية تثير عاصفة كثيفة من الغبار وتقلع الخيام وتكاد تسلب الجيش القدرة على التنفس. كان الجرحى في وسط هذه العاصفة يموتون متأثرين بجراحهم. وأسهمت المعنويات المنخفضة لدى الجنود الذين تأثروا كثيرا لما حدث, إسهاما كبيرا في انتشار الأمراض, وفي الجانب الآخر كانت بعض فصائل السعوديين تقوم بغارات على الأماكن القريبة من المعسكر, وكانوا قد استولوا على ما يقارب مائة من الجمال مع سائقيها وحرسها, ولما سمع إبراهيم باشا بهذا الخبر امتطى جواده وتبعه حوالي ألف رجل, وبعد مسيرة أربع ساعات التقى بأعدائه فمزق شملهم في وقت قصير. وكان علي أزن صفيه المخلص يرافقه في هذه الحملة وقتل في هذا الالتحام 300 سعودي وقُطعت رؤوس الجرحى وعرضت على أسوار الرس على مرأى من الذين هم تحت الحصار. وملأ هذا العرض الشنيع نفوسهم رعبا, وأصبحوا يتحرقون شوقا للانتقام. لقد جعلوا الأتراك يدفعون غاليا ثمن ذلك الانتصار الذي حققوه.
طلب الصلـح:
كان عبدالله بن سعود يستطيع تخليص بلاده من أعدائه بقوة السلاح ولكنه أيضا أراد اللجوء إلى المفاوضات, فأرسل اثنين من مستشاريه الشيخ محمد الحنبلي وعبدالعزيز بن محمد إلى مقر القيادة العامة للجيش التركي, وعرض السلام على إبراهيم باشا شرط أن يرفع الحصار عن الرس, ولكن إبراهيم باشا لم يستمع إلى ما يحمله هذان المبعوثان وكان جوابه أن أنذر محمد بن مزروع أمير مدينة الرس بوجوب تسليم المدينة, فقال له الشيخ محمد الحنبلي " إن هذا ضرب من الخيلاء فأنت تهاجم الرس منذ زمن طويل ولن تستطيع الاستيلاء عليها" فاغتاظ إبراهيم باشا من هذا الكلام ولكنه جعل الشيخ بعد ذلك يندم على كلامه المهين. أما رد أمير الرس فكان بعبارات التهديد المشهورة " تعال خذها " واستؤنف القتال وخسر الأتراك بلا طائل كثيرا من الرجال والذخيرة. كان الجنود يطلقون النار بلا هدف ظنا منهم أنهم يرهبون حامية المدينة بإطلاق النار المتكرر, ولكن إخفاق جيش إبراهيم باشا في تحقيق النجاح لم يمنع السعوديين من متابعة مفاوضات الصلح. لأنه كان يود أن يكسب الوقت ليتيح لإخوته الزمن اللازم ليتحصنوا. فأرسل إلى إبراهيم باشا بمقترحات جديدة, ولكن هذا الأخير طلب منه أن يدفع نفقات الحرب, ومتأخر الرواتب للجنود, وأن يقدم ألفي جواد وثلاثة آلاف من الإبل ومؤنا تكفي الجيش ستة أشهر, وأن يرسل اثنين من أبنائه رهينتين لدى إبراهيم. ولما سمع صالح بن رشيد مبعوث عبدالله هذه الشروط المجحفة قال لإبراهيم باشا " إنه لا يتفاوض مع فلاح مصري وأن خصمه هو أمير نجد وحاكمها محارب شديد المراس, مشهود له بالشجاعة في المواطن كلها " ولم يتوصل الطرفان إلى الاتفاق على شيء.
الموافقة على الصلح:
ثم يكمل مانجان حديث المشاهد والمتابع عن حرب الرس فيقول (ص 145) بيد أن الأسى كان عظيما, إذ لم تُتخذ أي إجراءات لجعل المدينة تستسلم. تلك المدينة التي ما كانت لتصمد يومين لو أن الهجوم عليها كان منظما. أما فيصل الدويش الذي عاد من غارة على بعض القبائل المعادية فإنه حمل معه بعض الأسرى السعوديين, وما إن مثل هؤلاء الأسرى بين يدي إبراهيم باشا حتى أصدر عليهم حكما بالموت. وكان على الرغم من الإنهاك الذي حل بقواته لا يني يطالب باستسلام المدينة. أما الأهالي الذين أنهكهم الحصار فإنهم قرروا بالاتفاق مع حاكمهم إلى طلب هدنة يُتفق بعدها على تثبيت بنود اتفاق لم يكن فيه كثير مما يشرف الجيش التركي, فبعد ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما من الحصار أقر إبراهيم باشا بالخطر الذي يحيق به, ووافق على شروط صعبة دفعه للموافقة عليها وضع جنوده, ومقاومة المحاصرين.
بنود الصلـح:
اتفق الطرفان على أن يُرفع الحصار عن الرس, وعلى أن يذهب إبراهيم باشا مع جيشه حيث شاء, وعلى ألا يدخل هو أو أحد جنوده مدينة الرس, وأن الأهالي ليسوا مجبرين أن يقدموا أي شيء للجيش, وألا يُطلب منهم لا مؤن ولا غرامات, وأن مدينة الرس لن تقبل أن تقيم فيها حامية تركية. إلا إذا استطاع إبراهيم باشا الاستيلاء على عنيزة. وأنه إذا لم يتمكن من ذلك فإن المعارك تبدأ من جديد بين الطرفين المتنازعين. وبلغ عدد القتلى الأتراك الذين سقطوا أمام أسوار الرس 3400 رجل. وأما الأهالي والحامية السعودية فقد قتل منهم 160 رجلا, وجُرح عدد قليل. ولكن هذه كانت آخر الهزائم التي تلقتها قوات إبراهيم باشا. إذ فجأة وكأن قوة خارقة تدخلت لتغير مسار مصيره. بدأ هذا الأمير يسير من نصر إلى نصر وغسل بدماء السعوديين العار الذي لحق بقواته أمام أسوار الرس. ولم تكن هذه الانتصارات من فعل المصادفة فقط, لقد استطاع إبراهيم باشا بجسارته ورباطة جأشه أن يتغلب على المصاعب التي كان يمكن أن تفت بعضد رجل أقل بسالة منه. ولما رفع إبراهيم الحصار عن الرس توجه إلى الخبراء, التي ما لبثت أن استسلمت بعد أن تعرضت لنيران المدافع على مدى ساعتين, واستراح بها الجنود أحد عشر يوما, وقدم الأهالي إليهم القمح والشعير وحاجات أخرى بادر الأتراك إلى دفع ثمنها نقدا. وجاء فيصل الدويش وغانم بن مضيان من قبيلتيهما بالجمال اللازمة للنقل واتجه الجميع إلى عنيزة. ولما علم عبدالله بن سعود بالاتفاقية التي عقدت أمام الرس انسحب باتجاه بريدة, ونصب الجيش التركي خيامه في نواحي عنيزة حيث كان السعوديون فقد عسكروا قبل ثمان ساعات) أ.هـ.
انتقام إبراهيم باشا من خصومه:
وتحدث مانجان عن انتقام إبراهيم باشا من خصومه فقال (ص 179) وبعد رحيل عبدالله أمر إبراهيم بالقبض على الشيخين أحمد الحنبلي وصالح بن رشيد الذين سمحا لأنفسهما عندما جاءا إلى معسكره في الرس مبعوثين من عبدالله بمخاطبته بطريقة غير لائقة فأمر بخلع أسنان الأول ووضع الثاني على فوهة المدفع بعد أن أمر بضربه بالعصي) أ.هـ.
قتل أهل القصيم مطاوعتهم:
كما قال مانجان عن قتل أهل القصيم لمطاوعتهم (ص 265) وفي عام 1780م 1196هـ تواطأت بلدان القصيم على التمرد باستثناء بريدة والرس والتنومة وتآمر الأعيان سرا خلال اجتماع عقدوه في عنيزة وقتلوا أتباع عبدالعزيز الذين كانوا موزعين في أنحاء الإقليم, ولم يشعر بذلك أحد, وقبل أن ينفض الاجتماع أرسل الأعيان رسولا إلى سعدون يخبرونه بما عزموا عليه, ويطلبون منه الانضمام إليهم. سر سعدون كل السرور بهذا الخبر حتى أنه أهدى الرسول هدية ثمينة. وما لبث أن جمع قومه وسار بهم نحو إقليم القصيم, ولما علم المتآمرون باقترابه قتلوا عمال عبدالعزيز جميعا, فقام أهل الخبراء بقتل إمامهم ـ منصور أبا الخيل ـ وهو يصلي في المسجد, وفي الخبراء شنق المتآمرون أميرهم علي بن حوشان. وتآمر ثلاثة من أعيان بريدة لإشعال نار الفتنة في المدينة ولما علم أميرها حجيلان بن حمد بمؤامرتهم قبض عليهم وقتلهم. وقد أحرق في نواحي عنيزة كفيف مسكين. وفي عنيزة نفسها قبضوا على اثنين من عمال الزكاة وأرسلوهما إلى سعدون فقتلهما....) أ.هـ.
ثم قال مانجان (ص 368) (يُذكر في هذا الكتاب أن الرس تقع على مسافة اثني عشر يوما من المدينة المنورة.. والأيام المذكورة هي من ثماني ساعات فقط).
التعليق:
ـ قال متحدثا عن طوسون باشا (واتجه على رأس قواته نحو بلاد نجد, وقد كان معه ناهيك عن المدافع الثلاثة كثير من البدو المتحالفين مع الأتراك).
وأقول: لا يستغرب أن يقوم بعض أفراد البادية بالانضمام لجيش إبراهيم باشا لعدة أسباب. أولها: خوفهم من بطشه عندما يمر على ديارهم. ثانيها: أنه كان يغدق عليهم الأموال والملابس والأطعمة ليغريهم بأن ينضموا إلى جيشه, مع العلم بأنهم يعانون من الفقر وعطايا الباشا تغنيهم, ثالثها: أن بعضهم ليسوا موالين للدولة السعودية خاصة أهل المناطق البعيدة عن منطقة الحكم. وقد يبحثون عمن لديه القدرة في القضاء على الدولة. رابعها: أن قادة ومشايخ البدو لا يهمهم من يحكم الدولة, بل يهمهم من يعيشون تحت ظله بأمان. وقد يوجد أسباب أخرى. 
ـ قال (والتقى خلال سيره بعض الأعداء الذين اضطروا إلى الهرب).
وأقول: كان طوسون باشا يواجه بعض الهجوم من زعماء البادية الذين يمر من ديارهم خوفا من الهلاك من جيشه الذي لا يرحم أحدا, كما أن أفراد جيش الباشا يرغمون البدو على تقديم الأعلاف للإبل والخيول وقد يأخذون منهم ذلك بدون مقابل, كما أنهم يشترون حاجاتهم من إنتاج البادية وقد يظلمونهم في إيفائهم حقهم, ولا ننس بأن الباشا وجنوده يرون بأن من يخالفهم عدوا خارجا عليهم. مع العلم بأنهم هم المعتدون.
ـ قال (ولما وصل إلى حدود منطقة القصيم, ذهب إلى الشنانة التي استسلمت له بعد حصار دام يومين).
وأقول: الغريب أن بلدة الشنانة الصغيرة والقريبة من الرس صارت مسرحا للعمليات الحربية عند وصول طوسون باشا وإبراهيم باشا, وبعدهما عبدالعزيز ابن رشيد في معركة الوادي عام 1322هـ. وسبب ذلك: أنه عندما قدم طوسون باشا مع قواته إلى الرس وكانت غير محصّنة وليس فيها سور يحميها من الأعداء, اختلف أهلها منهم من يرى أن يتم التصدّي لطوسون باشا ومنعه من احتلال البلدة وهؤلاء قلّة, بينما يرى آخرون وهم الأكثر التسليم لطوسون لعدم وجود القوة الكافية لديهم للتصدي لجيش كثير العدد والعدة, ولذا فإن الذين يرون التصدّي لطوسون خرجوا من بلدة الرس وتحصنوا في مرقب الشنانة فأغار عليهم جيش طوسون وحاصروهم لمدة يومين لكنهم استسلموا لعدم قدرتهم على المواجهة.

ـ قال (وانتشر خبر هذه البداية المظفرة. وانتشر الخوف من جيش طوسون المسلح).
أقول: جيش طوسون باشا كان كثير العدد في حدود (4200) رجل بينما عدد أهل الرس حينها (300) رجل فقط فكيف لهم أن يتصدوا لهذا الجيش الغادر والذي يهدف إلى هدم البلدة وقتل أهلها. ثم إن قتل مجموعة من رجال البلدة غدرا في مرقب الشنانة لا شك بأنه يرهب البقية الذي يملكون عددا من البنادق البسيطة فقط.

ـ قال (وجاءه إلى مقر قيادته العامة زعماء بلدة الرس ليعقدوا معه اتفاقية يقدمون بموجبها للجيش مؤنا مدفوعة الثمن, على ألا يدخل الجيش البلدة).
وأقول: أن من أهداف حملات أبناء محمد علي باشا القضاء على كل الحكومات والإمارات وتدمير كل شيء يمرون عليه وهذا ما حصل, ولا شك بأن أهل الرس وغيرهم يحاولون قدر الإمكان المحافظة على بلدتهم من التدمير وعلى أنفسهم وأهلهم وأموالهم من القتل والنهب. لذا فإن عقلائهم رأوا عدم الخوض في حرب غير متكافئة ومعروف نتائجها, وتقدموا بطلب الصلح للمحافظة على مقدراتهم البسيطة فوافق طوسون لما رأى رغبتهم وبهذا حافظوا على أنفسهم وعلى بلدتهم.
ـ قال (خصوصا وأنه يبدو أن العدو ينوي قطع طرق الاتصال بين نجد والحجاز, ولما علم طوسون بذلك عاد مسرعا نحو قواته).
وأقول: الغريب في الأمر أن الأتراك زمن معهم من الرحّالة يصفون أهل نجد سواء كانوا حكاما أو مواطنين بألفاظ من الأولى أنها تطلق عليهم لأنهم هم المعتدين والذين دخلوا الجزيرة بقصد القضاء على الحكومة والمواطنين والبلدان. من تلك الألفاظ (الأعداء) (الخوارج) (الملاعين) (الخونة) وغيرها. وهم في هذا يصفون الإمام عبدالله بن سعود بأنه (العدو) مع أنهم يدركون بأنه يدافع عن ملكه. وأن أهل نجد يدافعون عن بلادهم ضد المعتدين.
ـ قال (وقد كان يسير بسرعة كبيرة تمكن بها من الوصول أمام الرس قبل أن يتمكن عبدالله من الحيلولة دون ذلك).
وأقول: هجم عبدالله على البدو الموالين للجيش التركي, وتمكنت قواته المنتشرة في الأرياف من الاستيلاء على قافلة تحمل ذخائر حرب قادمة من المدينة المنورة. يحرسها 200 من الفرسان قتلوا جميعا, وكان يقودهم خزندار طوسون باشا وقد لقي المصير نفسه. وقد حزن عليه طوسون باشا حزنا شديدا,
ـ قال (وجاء مشايخ الرس يقدمون فروض الطاعة لطوسون باشا. فاستقبلهم أحسن استقبال, وخلع عليهم الخلع وأتحفهم بالهدايا, وأوصاهم بالخطبة للسلطان في صلاة يوم الجمعة, وقام أمامهم بتعليم إمام البلدة طريقة تلاوة الخطبة للسلطان).
وأقول: لم يقل أحد من المؤرخين بأن أهل الرس جاءوا إلى طوسون باشا مستسلمين. ولكن ربما يُفسّر ذلك: بأن أهل الرس لم يكونوا مستعدين لمواجهة الأتراك وكان عددهم قليل وليس لهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم أمام جيش كثير العدد ويحمل السلاح الفتّاك. كما أن البلدة حينها لم تكن محصّنة بسور منيع يصد الأعداء. ثم إن أهل الرس انقسموا مجموعتين في موقفهم من حرب طوسون باشا. الأمر الذي جعل من بقي في البلدة ولم يخرج إلى الشنانة موقفهم ضعيف وحولهم النساء والأطفال ويصعب الزج بهم في حرب غير متكافئة. فلعلهم أرادوا مهادنة طوسون من أجل أن يتقوا شرّه.          
ـ قال (وعلى الرغم من أنه تم الاتفاق على ألا يدخل الأتراك الرس, إلا أن طوسون دخلها يوم الجمعة, بحجة الذهاب إلى المسجد كما هي العادة. وبعد أن أدى الصلاة ذهب إلى منزل كبير المشايخ, كما لو كان مدعوا للغداء. وما أن دخل المنزل الذي كان يشبه القلعة حتى أرسل سرا يأمر المشاة بالمجيء للإحاطة به, وأن يتمركزوا على أبواب المدينة, حيث اتخذ لقواته كلها سكنا فهدموا قسما من أسوار البلدة والحصون, لمنع السعوديين من التحصن فيها بعد الآن).
وأقول: يروي أهل الرس بأن طوسون باشا بعدما حضر صلاة الجمعة في مسجد الشيخ قرناس دعاه الشيخ للقهوة في منزله فأجاب الدعوة ولكنه كان خائفا من الغدر به. لذا قد يكون دعا بعض المشاة من جنوده بان يطوقوا البلدة ومنزل الشيخ خوفا من الاعتداء عليه. كما قد يكون أمرهم بهدم قسما من سورها لأن هذا نهجهم التخريب والقتل. ولكنهم لم يتخذوا كل البلدة سكنا لهم. ولو كان ذلك صحيحا فأين ذهب أهل البلدة ؟. الذين يبلغ عددهم (300) رجل عدا النساء والأطفال. وكم مساحة البلدة حتى تستوعب كل الجنود الذين قادهم طوسون باشا ؟.
ـ وقال (وبينما كان مقيما في الرس جاءه زعماء الخبراء والبكيرية والهلالية والشنانة يجددون ولاءهم. وبعد ثمانية أيام وجد نفسه مجبرا على الذهاب لنصب معسكره في الخبراء).
وأقول: كل بلدات القصيم لم يكن حولها أسوار تحميها. ورجالها لم يمارسوا الحروب الكبيرة مثل جيوش محمد علي باشا. لذا ليس عليهم ملامة عندما يطلبون الصلح واتقاء شر جيش كبير مدجج بالسلاح والمدافع وأن يحافظوا على أهلهم ومنازلهم.     
ـ قال (وقد ذهب طوسون باشا بعد ذلك إلى الشبيبية, وترك فيها بعض القوات)
وأقول: الشبيبية مثل الحجناوي والشنانة والخبراء كلها كانت مسرحا للحروب الطاحنة بين أهل القصيم وطوسون باشا وبعده أخيه إبراهيم باشا. الذين أتوا للدمار والقتل فحسب.
ـ وقال (وفي اليوم التالي خصص الباشا ثلاثين تالرا لكل جريح من البدو. وكمية من الرز والسكر ومائة تالر لأهل كل قتيل منهم. وإذا كان بينهم أب للقتيل أو أخ فإنه يعطيهم ألبسة أيضا).
وأقول: هذا نهج الطغاة والمحاربين يجلبون معهم إلى مواقع الصراع بعض الأطعمة والألبسة والمبالغ من أجل أن يستميلوا بها عواطف السكان ومن حولهم. وأبناء محمد علي عندما قدموا إلى نجد أخذوا يتقربون من البدو الذين يسكنون حول البلدات التي يمرون عليها حتى يأخذونهم أدلاّء ومحاربين).  
ـ ثم قال (وبعد أن أخضع الهلالية والبكيرية أرسل الباشا قواته إلى الشنانة وحاصرها أربعة أيام. وخسروا مائتي رجل ثم استسلموا. فأمر طوسون باشا بهدم البيوت وتشتيت شمل الأهالي).
وأقول: كان في الشنانة مجموعة من أهل الرس تحصنوا في مرقبها بعد أن اختلفوا مع مجموعة أخرى بشأن التصدي لجيش طوسون باشا أو مهادنته. وعندها أرسل لهم طوسون باشا قوة لقتالهم. لكنهم أخذوا يصطادون جنود الباشا بالبنادق من فوق المرقب حتى أبادوا منهم مائتي رجل. فانتقم الباشا منهم بهدم المنازل وتفريق الأهالي. وهذا نهج الغزاة إذا عجزوا عن مقاومة الرجال جعلوا انتقامهم في الأهالي العزّل وهدم المنازل.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ــ الرس.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

الرحّالة فوستر سادلير يتحدث عن حرب إبراهيم باشا لبلدة الرس عام 1232هـ


الرحالة (فورستر سادلير) في مذكراته(رحلة عبر الجزيرة العربية) في عام 1819م الذي ترجمها أنس الرفاعي وحققها ونشرها سعود بن غانم العجمي. ط2/ 2005م. وقد ذكر الرس في مذكراته.
حرب إبراهيم باشا على الرس:
قال سادلير في (ص 146) متحدثا عن حرب إبراهيم باشا وأهل الرس, وكان سادلير قد وصل الرس بعد مغادرة إبراهيم باشا لها (وغذ سعادته السير مع قواته حتى وصل تلك البلدة التي قال: إنه مصمم على أن يستولي عليها قبل أن يعطي إذنه بإقامة معسكره وقبل أن يترجل فرسانه عن خيولهم, لذلك أمر طوبشي باشا أن يدفع سلاح المدفعية إلى الأمام حتى يصل إلى بُعد ثماني خطوات عن الأسوار وأن يباشر الرشق المدفعي باتجاه أقوى المعاقل. ونظرا لكون جنوده مكشوفين ولتعرض رجال المدفعية إلى رشق كثيف من نيران الأسلحة الخفيفة فقد تجاوز القتل في الأتراك عشرة أضعاف ما قتل من المحاصَرين الذين دافعوا عن المدينة بمعنويات عالية. مرت ثلاثة أيام وسعادته يرشق نيران مدفعيته على هذا المعقل وعلى السور المحاذي له والذي ذُكر أخيرا أنه خُرق, أمر بالهجوم ولكي يتمكن المشاة من عبور الخندق أمر بصنع حزم كبيرة من عيدان طويلة لفروع أشجار النخيل وملء عدد من الأكياس بالقش, ثم انتقاء ستمائة من المشاة من أجل الهجوم, فرمى هؤلاء الرجال بأنفسهم في الخندق لكنهم لم يستطيعوا أن يصعدوا إذ تبين أن حزم العيدان والأكياس لم تكن كافية وفتح العدو نارا مدمرة من فوق الأسوار على الجنود وعلى المواد السريعة الاشتعال التي تحيط بهم, وصار الباشا بمعاونة مماليكه يرمي بالرصاص كل جندي يحاول الانسحاب. وكان نتيجة ذلك أن عانى المشاة التعساء من خسائر فادحة. وقد أصدر أمره بحرمان أولئك الذين قتلوا من حقهم من الدفن بسبب تأجج غضبه من الهزيمة. وامتد حصار رَسّ ثلاثة أشهر ونصف. وهي فترة أبدى فيها وهابيو رَسّ فنا وعلما أكثر مما أبداه القائد التركي. كلفت بطاريات المدفعية التي شكلها الباشا اثنين وخمسين ألف كراون ألماني, واستهلكت أحمال أربعمائة جمل من ذخيرة البنادق لإطلاق النار إلى داخل البلدة. ورمى رجال المدفعية ثلاثين ألف قذيفة بلا جدوى. شيدت منصات من أشجار النخيل إلى ارتفاع مناسب يمكّن الجند من الرمي إلى داخل البلدة وقُرّب المدفع بحيث لامس حافة الخندق. ثم جربوا هجومين آخرين لكن عدوهم استطاع أن يصدهم في المرتين ويُفقدهم عددا كبيرا من الرجال. وعندما رأى الباشا أنه عاجز عن إنجاز مهمته اضطر أخيرا إلى الدخول في مفاوضات وإلى رفع الحصار. لم يُسمح لجندي من جنوده بالتغلغل في المدينة, وسمح لهم بشراء كل ما يحتاجون إليه من السكان. بينما تبقى الرس في حالة حياد إلى أن يتقرر مصير عنيزة. قتل في هذه المعركة تسعمائة تركي وجرح ألف وآلت بهم الأمور إلى محنة شنيعة. أما المحاصرون من سكان الرس فقد فقدوا خمسين قتيلا فقط وسبعين جريحا. وحافل حظ طيب حاميتين كانتا تنقلان كميات كبيرة من المؤن بالوصول بسلام. وهذا يدل بلا شك على قلة اليقظة والاحتراس من جانب الأتراك لأن المنطقة منبسطة ومكشوفة بكاملها. وقد أكّد سكان رَسّ أن التراب الأصفر الذي شيدت منه أسوارهم يتميز بالالتصاق والتماسك السريع إلى درجة أن قنابلهم لم تؤثّر فيه)أ.هـ.
وثيقة إبراهيم باشا:
ثم أورد المؤلف سادلير (ص 283) إحدى الوثائق المهمة في حرب إبراهيم الباشا لأهل الرس وهي تبين قوة باس أهل الرس في الدفاع عن بلدتهم أمام الباشا قال:
مصدر الوثيقة: دار الوثائق القومية ـ القاهرة.
وحدة حفظها: محفظة (5) بحر برا.
رقمها في وحدة الحفظ (15).
تاريخها: 23 محرم 1232هـ/ 3 ديسمبر 1817م.
موضوعها: حول العلميات في الرس وعنيزة.
 ونص الوثيقة: يعرض عبدكم (حيث أن أفندينا ولي النعم, كثير الكرم, حضرة صاحب الدولة والعناية والعطوفة إبراهيم باشا, نجل ولي النعم, حاصر" قلعة الرس" منذ اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان المبارك وأن القلعة المذكورة ذات متانة زائدة, كما أن عدد الملاعين الذين فيها كثير, ثم صار ذلك معلوما لعبدكم, فقد طالت أيام الحصار. وبينما كنت قلقا في حالة لا يقر لي معها قرار ومنتظرا ورود خبر, من طرف أفندينا المشار إليه بسبب وجود ابن سعود المعدوم العافية, في قرية عنيزة التي تبعد عن القلعة المذكورة بمسافة اثنتي عشرة ساعة وترصده للفرصة, علمت من مآل المكاتبة الواردة من طرف أفندينا المشار إليه.بعودة عبدكم جليك مصطفى آغا. الذي كان أرسل سابقا بالجبخانة والمهمات, إذ بعد الزحف الواقع فيما تقدم رتب أخيرا زحفا آخرا برغبته بالعساكر.وبينما عدد من العساكر دخل إلى الداخل كان جميع المحصورين الذين يؤلفون عددا كبيرا من الطائفة المكروهة في المحل الذي جرى الزحف عليه, وأنهم منعوا جنود الموحدين برصاص البنادق, وهللت كثير من العساكر وعليه لم يحصل التوفيق في فتح القلعة المذكورة في هذه المرة أيضا. وبالنظر إلى ما قرره عبدكم جليك مصطفى آغا المذكور, علم أن أفندينا المشار إليه استل سيفه عندما أدرك ارتداد العساكر إلى الوراء. لكونهم ضربوا كثيرا برصاص البنادق أثناء الزحف, وبينما كان هو زاحفا بالذات تعلق به الخازندار والبعض من التوابع الخاصة, ومنعوه من ذلك, كما أنهم استأذنوه بأن يقوموا هم بالزحف, ثم أنه وإن كان المشار إليه إذن لجميع الأغوات الموجودة وسيرهم بالزحف. إلا أن ذلك لم ينتج بالفائدة وعليه فإن العساكر دخلوا في المتاريس, لأنهم كانوا مضروبين بدرجة زائدة وقد بلغ عدد الشهداء والمجروحين من هؤلاء العساكر خمسمائة نفر. وجرح خازندار أفندينا المشار إليه والحاج علي آغا, وأطه لي اسماعيل آغا وجولاق حسين آغا الدرمللي من الرؤساء. وعدد مقدار خمسين من الرؤساء الصغار, فالمولى سبحانه وتعالى يهب مولانا السلطان ومولاي ذو الرحمة وأفندينا المشار إليه عمرا طويلا.
هذا ولقد جعلت هذه المسألة عبدكم غريق الغم والألم. إذ إني قرأت أمر ولي النعم بالدموع السائلة من عيني. وفي اليوم التالي ذهبت إلى مرقد أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه, ودعوت لأفندينا المشار إليه ولجنود الموحدين الذين في معية دولته, والآن جاري الاستمرار في الدعاء ليكون أفندينا المشار إليه منصورا, وذلك بإعطاء عطايا في التكايا في سبيل تلاوة التوحيد سبعين ألف مرة. فالمولى مسهل الأمور يجعل في العهد القريب مولانا السلطان ومولاي ذو المرحمة وجميع عبيدهما مسرورين, بفوز وانتصار أفندينا المشار إليه آمين)أ.هـ.
الحرب بين عبدالله بن سعود ومطير:
كما ذكر سادلير (ص 395) عن اتخاذ عبدالله بن سعود الرس معسكرا لحرب مطير قال (وفيها ـ أي سنة 1229هـ ـ آخر رمضان سار عبدالله بن سعود بجميع المسلمين من أهل نجد الحاضرة والبادية وقصد القصيم فأقام فيه مدة قرب الرس. ثم أنه جهز جيشا أغار على عربان بريه والجبلين المعروفين من مُطير فأخذ مواشيهم).
طوسون باشا في القصيم:
ثم قال (ص399) في أحداث سنة 1230هـ (ورجع محمد علي إلى مصر لما بلغه من اختلاف وقع فيه من الغزو رؤساء دولته. وفي مسير محمد علي هذا إلى تهامة وابنه أحمد طوسون في المدينة النبوية يجهّز العساكر إلى نجد وأرسل إلى أهل الرس وأهل الخبرا القريتان المعروفتان في القصيم وكاتبوه, فأرسل طوسون إلى العسكر الذي في الحناكية وأمرهم أن يسيروا إليهما, فساروا إلى القصيم وأطاع أهل الخبرا والرس فدخلوهما الروم واستوطنوهما. واستولوا على ما فوقهما من القصيرات والمزارع مثل ضرية ومسكة والبصيري ونجخ المعروفات (128/ب) في تلك الناحية. وثبت بقية بلدان القصيم وحاربوا الترك.
فلما بلغ ذلك عبدالله بن سعود استنفر جميع المسلمين من أهل الجبل والقصيم ووادي الدواسر والأحساء وعُمان. وما بين ذلك من نواحي نجد, فخرج من الدرعية على استهلال جمادى الأولى واجتمع عليه المسلمون ونزل المذنب القرية المعروفة في القصيم. ثم رحل منه ونزل الرويضة المعروفة فوق الرس فقطع منها نخيلا ودمرها وأهلك غالب زرعها وأقام عليها يومين, فخرج عسكر الترك من الرس وحصل رمي المدفع من بعيد ولم يقاربوه. ثم ذكر لعبدالله عربان مجتمعون من بوادي حرب ومطير نازلين على البصيري الماء المعروف في عالية نجد. فرحل من الرويضة وقصدهم. ثم بلغه في أثناء طريقه أن أحمد طوسون وعسكر الترك أقبلوا من المدينة ونزلوا الداث الماء المعروف قرب بلد الرس, فحرف عبدالله جيوش المسلمين وأراد أن يبغتهم على ذلك الماء ويناجزهم فإذا هم قد رحلوا من الداث وقصدوا الرس, فأمر عبدالله على شوكة أهل القصيم أن يرجعوا وينزلوا عند بلدانهم, لئلا يقع خلل فيها, فأغار على أهل البصيري ودهمهم وأخذ محلتهم وأمتعتهم وأغنامهم, وكانوا قد هربوا بالإبل وزبنوها, ثم ذكر له عسكر من الترك على البعجاء قرب البصيري نازلين عليه قاصدين الرس. فقصدهم عبدالله فلما علموا به العسكر دخلوا قصر البعجاء وتحصّنوا به فحشدت عليهم الجموع وثلموا جدار القصر وتسوروه عليهم وقتلوهم أجمعين. وهم نحو مائة وعشرة رجال كلهم من رؤساء الترك وآغاواتهم. ثم رجع عبد\الله من البعجاء ونزل قصر المذنب وكان طوسون قد استوطن الخبرا  وأرسل عسكرا ونزل الشبيبية المعروفة بين عنيزة والخبرا ومعهم بوادي حرب. وقد أراد طوسون أن يرحل بعدهم من الرس وينزل عنيزة " فلما علم بذلك " عبدالله رحل من المذنب ونزل عنيزة وأميرها يومئذ من جهة عبدالله (129أ) إبراهيم بن حسن بن مشاري بن سعود, فأقام عبدالله في عنيزة أياما وهو يبعث السرايا على الترك والبوادي الذين في الشبيبية ويَشُنّ عليهم الغارات فضيقوا عليهم وندم كثير من أهل الرس على إطاعتهم الترك وانحاز عدة رجال منهم إلى الشنانة النخل المعروفة فوق الرس وصاروا في قلعتها, فسار الترك إليهم وحاصروهم أشد الحصار ورموهم بالمدافع والقنابر فثبتوا وقتلوا من الترك عدة قتلى, ورحلوا عنهم ورحل العسكر والبوادي الذين في الشبيبية وانهزموا إلى الرس.
ثم رحل عبدالله بن سعود من عنيزة ونزل الحجناوي الماء المعروف بين عنيزة والرس, واحتصر الترك في الخبرا والرس, فأقام عبدالله ومن معه من المسلمين على الحجناوي قريب شهرين يصابرون الترك, ويقع مقاتلات ومجاولات بينهم من بعيد, ثم أن الله سبحانه وتعالى ألقى الرعب في قلوب الترك وجنحوا للسلم. وذلك أنه أقبل ثلاث ركايب عليها ثلاثة رجال, رجلين من حرب ومطير رجل من رؤساء الترك بالأمر لطوسون بالمصالحة. فوقعوا في قوم عبدالله يحسبونهم عسكر الترك, فأخذهم رجال وأتوا بهم عبدالله فضرب عنق الرجلين وأظهر التركي كتابا معه وأنه أتى للمصالحة، فأكرمه عبدالله وأرسله إلى أصحابه فوقع الصلح بينهم. وانعقد بين طوسون عبدالله على وضع الحرب بين الفئتين. وأن الترك يرفعوا أيديهم عن نجد وأعمالها وأن السابلة تمشي آمنة بين الطرفين من بلد الشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبدالله, وكل منهم يحج آمنا, وكتبوا بذلك سجلا. ورحل الترك من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة. وبعث عبدالله معهم بكتاب الصلح عبدالله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية والقاضي عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر, فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح)أ.هـ.
وقعة محيط ومحرّش:
كما قال سادلير (ص403) في أحداث سنة 1231هـ (وقعة محيط ومحرش) بعدما هدم سور الخبرا وسور البكيرية عقوبة لهما على استدعائهما الترك ومسيره إلى العلم قرب الحناكية قال (... ثم قفل راجعا إلى وطنه وأمسك ثلاثة رجال من رؤساء أهل الرس وسار بهم إلى الدرعية رئيس الرس شارخ واثنان معه, وأحاط في هذه الغزوة على مياه القبلة الشمالية والجنوبية. وسميت هذه غزوة محيط ومحرش, لأنه حدث النقض من الروم بسببها. لأنه ركب إلى مصر رجال من أهل القصيم والبوادي وزخرفوا القول لصاحبها وتلقى قولهم بالقبول فشمّر في تجهيز العساكر إلى نجد مع ابنه وابن زوجته إبراهيم وذلك بتقدير العزيز العليم) أ.هـ.
حصار إبراهيم باشا للرس:
ثم ختم سادلير حديثه عن حصار إبراهيم باشا للرس (ص406) في أحداث سنة 1232هـ بعدما تحدث عن هزيمة عبدالله بن سعود ومن معه من الأعراب قرب الحناكية قال (وأما إبراهيم فإنه لما صارت الهزيمة على عبدالله رحل من الحناكية وقصد ماوية, واجتمع بالعسكر الذي فيها " ثم رحل منها " بجميع عساكره ومن معه من العدد والعُدّة والكيد الهائل مما ليس له نظير كان معه كان معه مدفع وقبوس هائلة كل واحد يثور مرتين, مرة في بطنه ومرة تثور رصاصته وسط الجدار بعدما تثبت فيه فتهدمه فاقبل عساكر الترك مع (131/ب) باشتها إبراهيم ونزلوا الرس لخمس بقين من شعبان ثبتوا له وحاربوه وأرسل إليهم عبدالله مرابطة مع حسن بن مزروع والهزاني صاحب حريق نعام, فحاصرهم الترك أشدّ الحصار. وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار كل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم. بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدومة. فأنزل الله السكينة على أهل البلاد والمرابطة وقاتلوا قتال من حمى الأهل والعيال وصبروا صبرا ليس له مثال. فكلما هدمت القبوس السور بالنهار بنوه بالليل. وكلما حفر الترك حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه. وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون وطال الحصار إلى اثني عشر ذي الحجة, وذكر أن الترك رموه في ليلة خمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس. وأهلكوا ما خلف القلعة من النخيل وغيرها.
هذا وعبدالله بن سعود وجنود المسلمين في عنيزة على الحال المذكورة. (وأرسل) أهل الرس إليه إما أن يرحل إلى الترك ويناجزهم, وإما أن يأذن لهم بالمصالحة, فأقبل عساكر وقبوس وإمداد من الترك كثيرة ونزلوا على إبراهيم ومن معه في الرس. واستعظم أمره وكثرت دولته, فوقعت المصالحة بينه وبين أهل الرس على ومائهم وأموالهم وسلاحهم وبلادهم وجميع من عندهم, والمرابطة يخرجون إلى مأمنهم بسلاحهم وبجميع ما معهم, فخرجوا من الرس وقصدوا عبدالله وهو في عنيزة. وقتل من أهل الرس والمرابطة في هذه الحرب نحو سبعين رجلا, وقتل من عسكر الترك ما ينيف على ست مائة رجل, (فلما استقر) الصلح بين أهل الرس والباشا رحل منه بعساكر الترك ونزل بلد الخبرا, فلما نزلوها وقع الرعب في قلوب المسلمين وتفرقت البوادي...)أ.هـ.
التعليق:
نقلنا مشاهدات المستشرق سادلير عن حرب إبراهيم باشا مع أهل الرس وهزيمته فيها. وعما جاء في الوثيقة الثالثة رقم (15) وتاريخ: 23 محرم 1232هـ/ 3 ديسمبر 1817م. وهنا نقوم بالتعليق والتوضيح لما جاء فيها.
1ـ يقول سادلير(قال ـ يقصد إبراهيم باشا ـ إنه مصمم على أن يستولي عليها أي (الرس) قبل أن يعطي إذنه بإقامة معسكره وقبل أن يترجل فرسانه عن خيولهم).
وأقول: إن إبراهيم باشا عندما توجّه من مصر إلى نجد كان يضع في حسابه أن الرس هي المفتاح للاستيلاء على ما بعدها من مواقع. ثم إن الرس كانت مسرحا للعمليات الحربية أيام غارة طوسون باشا على نجد عام 1230هـ. حيث اختلف أهل الرس فيما بينهم. بعضهم يرى التسليم لطوسون وعدم مواجهته لأنهم لا يملكون القوة والقدرة للتصدي له, كما أن البلدة ليست محصّنة بسور يمنع عنها المعتدي, كما أنهم ليس لديهم الخبرة الحربية الكافية للتصدي لجيش مسلّح يملك العتاد والمدافع والذخيرة وأهل الخبرة من المهندسين والعسكريين. بينما البعض الآخر من أهل الرس يرى عدم التسليم ومواجهة طوسون بالحرب. لذا خرج المعارضون للتسليم إلى الشنانة فأغار طوسون باشا عليهم ووجّه مدافعه إليهم وحاربهم. فكانت الرس والشنانة حينئذ مسرحا للعمليات الحربية.
2ـ يقول (وأن يباشر الرشق المدفعي باتجاه أقوى المعاقل).
وأقول: إن أهل الرس بعد غارة طوسون باشا عليها قاموا بتحصين بلدتهم تحصينا قويا. حيث بنوا برجها المرتفع قبل وصول إبراهيم باشا بأشهر قليلة. وبنوا سورها بأمر من الأمير منصور العساف حيث يتكون من سورين الأول من الخارج وبني من لبن الطين الأصفر مع التبن والذي يتميز بالالتصاق والتماسك بحيث لا توثر فيه المدافع. وطول اللبنة ثلاثين سنتيمترا وعرضها عشرين سنتيمترا, أما السور الثاني فيجاوره من الداخل ويقل ارتفاعه عن السور الخارجي من أجل أن يسير الرقيبة على السور الداخلي للحراسة ومعاينة الأعداء ولا يشاهده من بالخارج. وبين السورين مسافة عشرين سنتيمترا مليئة بالرمل من أجل أن تستقر فيه القنبلة ولا تنفذ إلى السور الداخلي. هكذا كان أهل الرس يحصنون بلدتهم استعدادا للحرب.
3ـ يقول (ونظرا لكون جنوده مكشوفين ولتعرض رجال المدفعية إلى رشق كثيف من نيران الأسلحة الخفيفة فقد تجاوز القتل في الأتراك عشرة أضعاف ما قتل من المحاصَرين الذين دافعوا عن المدينة بمعنويات عالية).
أقول: عندما عسكر إبراهيم باشا بجنوده في الجهة الجنوبية من البلدة كانوا في موقع مكشوف للعيان وكان أهل الرس يصوّبون بنادقهم على الجنود من أعلى البرج وسور البلدة وقتلوا منهم الكثير, حيث قُتل في تلك الحرب من أهل الرس (64) رجلا وامرأة دفنوهم في مقبرة الشهداء الموجودة حاليا داخل موقع السور. كما قام إبراهيم باشا بحفر نفق طوله حوالي (180) مترا للدخول إلى البلدة ولكن أهل الرس اكتشفوا ذلك وقاموا بتفجيره بذكاء أعجز وحيّر إبراهيم باشا وقُتل فيه من جنود الباشا حوالي (500) جندي. كما تفيد وثيقة أخرى. كما أن أهل الرس كانوا يصنعون ملح البارود في موقع مشهور يسمى (الجريف) ويجمعونه للحرب. كما أن أهل الرس يدافعون عنها بمعنويات عالية لأنهم يرون بأن دفاعهم عن بلدتهم جهادا يثابون عليه.
4ـ يقول (وصار الباشا بمعاونة مماليكه يرمي بالرصاص كل جندي يحاول الانسحاب. وكان نتيجة ذلك أن عانى المشاة التعساء من خسائر فادحة. وقد أصدر أمره بحرمان أولئك الذين قتلوا من حقهم من الدفن بسبب تأجج غضبه من الهزيمة).
وأقول: إن إبراهيم باشا عندما قام بحفر النفق (يسميه سادلير خندق والصحيح أنه نفق) كان يهدف أن يدخل البلدة من أسفل السور ويقوم الجنود بمهاجمة أهل الرس في عقر دارهم ولكنهم لم يستطيعوا ذلك. حيث كانوا يقاتلون أهل الرس وهم لا يعلمون كيف يكون مصيرهم أمام قوة وبسالة أهل الرس. ثم إن الباشا كان يجبرهم على الدخول في الخندق الذي تم تعبئته بالرصاص الجاهز للانفجار حتى لا يضطرون للهروب. ولكن أهل الرس لما علموا بالنفق فجّروه بحيلة لا يعلمها الباشا وجنوده فقتل من الجنود (500) رجل ولكن الباشا أصابه الذهول والغضب من ذلك فأمر بعدم دفن الموتى لعد استطاعتهم الانتصار على أهل الرس. 
5ـ يقول (وامتد حصار رَسّ ثلاثة أشهر ونصف. وهي فترة أبدى فيها وهابيو رَسّ فنا وعلما أكثر مما أبداه القائد التركي ـ ورمى رجال المدفعية ثلاثين ألف قذيفة بلا جدوى. شيدت منصات من أشجار النخيل إلى ارتفاع مناسب يمكّن الجند من الرمي إلى داخل البلدة وقُرّب المدفع بحيث لامس حافة الخندق).
وأقول: بدأ حصار الرس من: 25/8/1232هـ حتى: 12/12/1232هـ أي ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما. أبدا فيها أهل الرس ـــ كما يقول سادلير ـــ قوة وشجاعة وفنا حربيا أكثر مما أبداه القائد التركي, وهذا أذهل إبراهيم باشا وجنوده من الأتراك والمصريين والفرنسيين والمغاربة المرتزقة والمستشارين المرافقين له وجعلته يحقد على جنوده ويصفهم بالجبناء والضعفاء, وحدا به ذلك إلى أن يمنعهم من الخروج من النفق فإما أن يقتحموا القلعة وينتصروا وإما أن يهلكوا داخل النفق.
كما أن إبراهيم باشا أمر جنوده بأن يقطعوا النخيل ويعملوا منها منصّة ملاصقة لسور البلدة ليعلوا عليها المدفع الفرنسي الكبير (اوبوس) حتى يتمكنوا من رمي البلدة من الداخل بالقنابر والقبوس من ارتفاع مناسب من أجل سرعة سقوطها. فرموها بثلاثين ألف قذيفة حارقة ولكنهم لم يتمكنوا من إسقاطها بسبب شجاعة أهلها وبسالتهم حيث كانوا يبطلون كل حيلة وقوة يبديها الباشا وجنوده.
6ـ يقول (ثم جربوا هجومين آخرين لكن عدوهم استطاع أن يصدهم في المرتين ويُفقدهم عددا كبيرا من الرجال).
أقول: كان جنود إبراهيم باشا يحاولون الدخول إلى البلدة عن طريق النفق فلم تفلح طرقهم التي سلكوها بسبب تصدي أهل الرس لهم. وفي مصدر آخر أفاد الباشا أن الجنود طلبوا منه أن يفتحوا بوابة السور ليدخلوا منها ويهاجموا أهل البلدة فسمح لهم. وعندما فتحوها ودخل عشرون جنديا منهم كان أهل الرس ينتظرونهم بالبنادق فقتلوهم جميعا قبل أن يتمكنوا من الانتشار. ثم طلب منه مجموعة أخرى أن يكرروا العملية لكنه لم يأذن لهم.
7ـ يقول إبراهيم باشا في وثيقته (القلعة المذكورة ذات متانة زائدة, كما أن عدد الملاعين الذين فيها كثير).
وأقول: إبراهيم باشا يعترف بكثير من خطاباته التي كان يرسلها إلى والده بأن الرس قلعة حصينة جدا ويصعب الاستيلاء عليها ويحرسها ويدافع عنها من داخلها رجال أقوياء. كما كان يسمي أهل الرس بالملاعين والخوارج والكفرة والطائفة المكروهة. لأنهم منعوه من الاستيلاء على بلدتهم ولم يسلموها له. بينما يسمي جنوده بالموحدين.
8ـ ويقول (كان جميع المحصورين الذين يؤلفون عددا كبيرا من الطائفة المكروهة في المحل الذي جرى الزحف عليه وأنهم منعوا جنود الموحدين برصاص البنادق, وهلكت كثير من العساكر وعليه لم يحصل التوفيق في فتح القلعة المذكورة في هذه المرة أيضا).
وأقول: إن إبراهيم باشا كان يعتقد بأن عدد أهل الرس المحصورين في داخل القلعة كثير ولا يعلم بأن عددهم (300) رجل فقط. وأنهم طائفة مكروهة وأنهم هم الذين خرجوا على السلطان. كما أنه يعترف بأن أهل الرس كانوا بالمرصاد للجنود الذين يحاولون الدخول إلى داخل البلدة. وأنهم يتمركزون في كل ناحية يرون أنها قد تسبب ثغرة لدخول جنود الباشا منها. كما كانوا يبيدون كل من يحاول اقتحام القلعة. لكنهم كانوا على إيمان قوي وكانوا يسعون لطلب النصر من ربهم. كما أنهم يرون بأن دفاعهم عن بلدتهم جهادا. كما أن إبراهيم باشا يعترف بأن عددا كبيرا من جنوده قد هلكوا أمام القلعة, وأنه لم يوفق في فتحها.
9ـ ويقول (عندما أدرك ارتداد العساكر إلى الوراء. لكونهم ضربوا كثيرا برصاص البنادق أثناء الزحف).
وأقول: هذا إبراهيم باشا يعترف بأن جنوده عندما يشتد عليهم ضرب البنادق من أهل الرس يرتدون إلى الوراء منهزمين لأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا هجوم أهل الرس عليهم أو تصديهم لهم. كما أن قادة الجيش التركي كانوا يتصدون للجنود الذين يفرون من المواجهة مع أهل الرس ويرمونهم بالمدفع والبنادق ليقتلوهم, لأنهم في نظرهم خونة وجبناء في انهزامهم.
10ـ كما يقول (وعليه فإن العساكر دخلوا في المتاريس, لأنهم كانوا مضروبين بدرجة زائدة وقد بلغ عدد الشهداء والمجروحين من هؤلاء العساكر خمسمائة نفر. وجرح خازندار أفندينا المشار إليه والحاج علي آغا, وأطه لي اسماعيل آغا وجولاق حسين آغا الدرمللي من الرؤساء. وعدد مقدار خمسين من الرؤساء الصغار).
أقول: إن جنود إبراهيم باشا كانوا يجدون مواجهة قوية وعنيفة من أهل الرس ليمنعوهم من الاستيلاء على بلدتهم. كما كانوا يلجئون إلى المتاريس والنفق الذي حفروه لينفذوا من أسفل السور. وهو يعترف أيضا بقتل خمسمائة من جنوده وعدد من قادته المشهورين معه من الأغوات الذين ذكرهم في الوثيقة.
11ـ يقول إبراهيم باشا (هذا ولقد جعلت هذه المسألة عبدكم غريق الغم والألم. إذ إني قرأت أمر ولي النعم بالدموع السائلة من عيني ـ وفي اليوم التالي ذهبت إلى مرقد أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه, ودعوت لأفندينا المشار إليه ولجنود الموحدين الذين في معية دولته, والآن جاري الاستمرار في الدعاء ليكون أفندينا المشار إليه منصورا).
وأقول في ختام التعليق على الوثيقة: إن إبراهيم باشا يجد في نفسه غما وهما وألما شديدا بسبب عدم انتصاره في حربه مع أهل الرس. وأنه يبكي بكاء مرا من عدم تحقيق النصر, ثم أنه يلجأ إلى القربة بالأولياء مثل قبر أبي أيوب الأنصاري ويدعو بأن ينتصر في مهمته ليكون مقربا لوليه السلطان.
ـ قال (وقصد القصيم فأقام فيه مدة قرب الرس).
أقول: في عام 1229هـ خرج عبدالله بن سعود من الدرعية وقصد القصيم. ولا شك بأنه قد علم بأن محمد علي باشا كان يخطط لأن يغير على نجد للقضاء على الدولة السعودية فأراد أن يتجهز للحرب. فقد كانت القصيم في الطريق بين المدينة والدرعية واحتلالها بداية لاحتلال الدرعية. كما أن سقوطها يعني سقوط الدرعية. ثم إنه عسكر قرب الرس لأن الرس هي بدية منطقة القصيم من الجهة الغربية والجنوبية. وبداية الحروب تبدأ منها.
ـ يقول (وأرسل إلى أهل الرس وأهل الخبرا القريتان المعروفتان في القصيم وكاتبوه).
أقول: يتحدث سادلير عن عام 1230هـ أي في بداية غارات محمد علي على نجد, وذلك عندما كان ابنه طوسون باشا في المدينة ويقوم بتجهيز الجيوش للحروب في نجد, قام بمراسلة أهل الرس والخبراء من أجل أن يستكشف الوضع فأطاعوه ولم يرغبوا المواجهة لأنهم لا يملكون السلاح والعدّة للحرب فلم يكن لديهم إلا التسليم. فاستأمن طوسون على الوضع وقام بتجهيز الجيوش.  
ـ ثم قال (فساروا إلى القصيم وأطاع أهل الخبرا والرس فدخلوهما الروم واستوطنوهما).
وأقول: سار طوسون باشا من المدينة المنورة بالجيوش العظيمة المجهّزة بالعتاد والرجال ووصل إلى القصيم فسلّم له أهل الرس والخبراء لعدم قدرتهم على المواجهة. ولكن يبقى أن دخول الروم إليهما واستيطانهم كما يقول سادلير يحتاج إلى تأكيد, لأنه لم يذكر أحد من المؤرخين الذين كتبوا عن الحرب عن دخولهم. 
ـ ويقول (واستولوا على ما فوقهما من القصيرات والمزارع مثل ضرية ومسكة والبصيري ونجخ).
أقول: هذا كان في الطريق من المدينة إلى نجد, حيث كان طريق الجيش من المدينة إلى الحناكية ثم ضرية فمسكة ثم البعجاء والبصيري ونجخ وكلها سلمت لطوسون, لأنهم كما قلنا لا يستطيعون مواجهة جيش يبدأ قوامه بألفي رجل مع أسلحتهم وعتادهم. 
ـ قال عن عبدالله ين سعود (ثم رحل منه ونزل الرويضة المعروفة فوق الرس فقطع منها نخيلا ودمرها وأهلك غالب زرعها وأقام عليها يومين).
أقول: عندما توجه عبدالله بن سعود من الدرعية وكان يقصد الرس والخبراء ليعاقبهم بعدما سلّموا لطوسون باشا ووصل المذنب وأقام فيها واجتمع له العربان من أهل نجد وحائل والأحساء ووادي الدواسر وعُمان وغيرها, توجّه إلى الرس ونزل الرويضة, وهي مجموعة من المزارع المشهورة تقع شمال بلدة الرس وتغذي أهلها بالتمور والمنتجات الزراعية, فأقام فيها يومين وقطع نخيلها وأفسد زرعها نكاية بأهلها. وهذا بداية الظلم الذي وقع على أهل الرس, مما حدا بهم إلى تسليح أنفسهم وتحصين بلدتهم والتجهيز للجهاد أمام كل من أراد الغدر بهم.
ـ ثم قال (فأمر عبدالله على شوكة أهل القصيم أن يرجعوا وينزلوا عند بلدانهم, لئلا يقع خلل).
أقول: أي أن عبدالله بن سعود وهو يتتبع جنود الترك في الداث عندما علم بأنهم اتجهوا نحو الرس أمر العربان الذين في جيشه وهو في الداث أن يعودوا إلى بلدانهم في القصيم لحمايتها من الترك. وهو يخاف من تسليمهم فتضيع من يده.
ـ قال (وكان طوسون قد استوطن الخبرا وأرسل عسكرا ونزل الشبيبية المعروفة بين عنيزة والخبرا ومعهم بوادي حرب).
وأقول: كل من الشبيبية الواقعة قرب البدائع والحجناوي الواقعة بين الرس والبدائع والشنانة الواقعة جنوب غرب ومعها الخبراء والرس كلها اشتهرت بأنها كانت مسرحا للحرب بين الأتراك والدولة السعودية.
ـ وقال (وندم كثير من أهل الرس على إطاعتهم الترك وانحاز عدة رجال منهم إلى الشنانة النخل المعروفة فوق الرس وصاروا في قلعتها, فسار الترك إليهم وحاصروهم أشد الحصار ورموهم بالمدافع والقنابر فثبتوا وقتلوا من الترك عدة قتلى).
وأقول: السبب الذي جعل الشنانة مسرحا للعمليات الحربية بين أهل نجد وطوسون باشا أنه عندما وصل طوسون باشا إلى الرس والخبراء وأطاعوه, اختلف أهل الرس فيما بينهم بالتسليم لطوسون منهم من يوافق على التسليم وهو الذين ينظرون إلى عدم توفر السلاح لديهم وضرورة المحافظة على السكان من الرجال الضعفاء والنساء والأطفال والخوف من البطش بهم من قبل جنود الباشا, ومنهم من يرى المواجهة وعدم التسليم وهؤلاء لا يرضون الخنوع لطوسون باشا وجنوده وسيطرتهم. فقام هؤلاء المعارضون وخرجوا من الرس وأقاموا في قلعة الشنانة فحاصرهم جنود الباشا ورموهم بالقنابر والمدافع ولكنهم دافعوا عن أنفسهم بالبنادق والبارود وقتلوا عدة جنود من الترك حتى هزموهم وتراجعوا.
والقنابر: عبارة عن كرة صلبة وثقيلة مصنوعة من الحديد والرمل المتماسك بقطر 25سم تقريبا يقوم يملئوها الجنود بالرصاص وتوضع في فوهة المدفع وعندما تُرمى على الهدف تنفجر مرتين الأولى في نفسها فتفتح فيها فتحة والثانية تنفجر على الهدف فتدمّره. ويوجد نموذج لها في متحف المواطن سليمان بن محمد الدبيان في الرس. هذه القنابر أُلقي على أهل الرس منها في ليلة واحدة حوالي ثلاثة آلاف، وكانت نساء أهل الرس يتلقين تلك القنابر بعد صولها إلى الأرض وعندما تنفجر للمرة الأولى يسارعن بنقلها وإلقائها في قدور كبيرة مليئة بالماء وعندما تنطفئ ينقلن عبوتها من ملح البارود إلى الرجال الذين يضعونها في البنادق ويقتلون بها جنود إبراهيم باشا. بطولة وشجاعة لم ير التاريخ مثلها.
ـ يقول (ثم رحل عبدالله بن سعود من عنيزة ونزل الحجناوي الماء المعروف بين عنيزة والرس, واحتصر الترك في الخبرا والرس).
وأقول: يفيد عن وضع الإمام عبدالله بن سعود الذي كان يعسكر في عنيزة مراقبا الوضع وقلبه على الدرعية ومن فيها. فبعد أن انهزم جنود طوسون باشا بعد الغارة على من في الشنانة من أهل الرس وقتل مجموعة من الجنود انحاز بعض جنود طوسون إلى الخبراء وتحصنوا فيها بينما بقي الآخرون في الرس. أما عبدالله بن سعود فقد وصل من عنيزة إلى الحجناوي الواقع بين عنيزة والرس ينتظر المواجهة مع من بقي في الرس من الجنود.   
ـ ويقول (فوقع الصلح بينهم وانعقد بين طوسون وعبدالله على وضع الحرب بين الفئتين. وأن الترك يرفعوا أيديهم عن نجد وأعمالها وأن السابلة تمشي آمنة بين الطرفين من بلد الشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبدالله, وكل منهم يحج آمنا, وكتبوا بذلك سجلا).
أقول: هذا الصلح الذي عُقد بين عبدالله بن سعود وطوسون باشا بعد تلك المناوشات والركود ليتبصّر كل منهما بحاله ويتجهز للحرب القادمة.. وبنود الصلح ما يلي:
1ـ أن تضع الحرب بين الطرفين ويلتزم كل منهما بذلك.
2ـ أن يرفع الأتراك أيديهم عن نجد ويرحلوا عنها.
3ـ أن يحج كل منهما آمنا بدون مشاكل أو هجوم.
4ـ أن يشيع الأمن في نجد. وأن تسير السابلة من مصر والشام وكل الممالك إلى نجد آمنة ولا يعتدي عليها أحد.
وكتبوا سجلا بذلك وقعه كل من الطرفين وبقي أن يُعرض على محمد علي باشا في مصر لإقراره.
ـ يقول (ورحل الترك من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة).
أقول: أي رحل الأتراك عن نجد في شعبان عام 1230هـ وانتهى برحيلهم دور طوسون باشا في نجد. وكان رحيلهم إلى المدينة المنورة ثم يتابعوا رحلتهم إلى مصر. ولا شك أن بنود هذا الصلح في جيب طوسون ليعرضه على والده محمد علي باشا.
ـ قال (وبعث عبدالله معهم بكتاب الصلح عبدالله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية والقاضي عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر, فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح).
أقول: كان عبدالله بن سعود أوفد معه رجلين ليشهدا توقيع الباشا وهما: عبدالله ابن محمد بن بنيان من الدرعية والقاضي عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم.. فوصلوا جميعا إلى مصر وعرضوا على محمد علي بنود الصلح لكنه لم يوافق عليها. وانتظم الصالح بين الطرفين.. حتى عاد إبراهيم باشا في عام 1232هـ ليواصل الحرب على نجد وأهلها.. وهو ما سوف يتحدث عنه سادلير ويتم التعليق عليه.    
ـ قال سادلير عن وقعة محيط ومحرّش عام 1231هـ (وقعة محيط ومحرش) ثم قفل راجعا إلى وطنه وأمسك ثلاثة رجال من رؤساء أهل الرس وسار بهم إلى الدرعية رئيس الرس شارخ واثنان معه, وأحاط في هذه الغزوة على مياه القبلة الشمالية والجنوبية. وسميت هذه غزوة محيط ومحرش).
أقول: عندما انتهى عبدالله بن سعود من توقيع الصلح مع طوسون باشا نما إلى علمه بأن بعض أهل القصيم هم الذين دعوا محمد علي باشا ليسير إلى نجد ويقضي على الدولة السعودية أراد أن يعاقب الذين ذهبوا من أهل القصيم. فهدم سور الخبراء وسور البكيرية عقوبة لهما, ثم قبض على أمير الرس شارخ بن فوزان بن شارخ بن محمد بن علي آل أبا الحصين ومعه اثنان من أهل الرس وسار بهم إلى الدرعية.. 
ـ ثم قال (لأنه ركب إلى مصر رجال من أهل القصيم والبوادي وزخرفوا القول لصاحبها وتلقى قولهم بالقبول فشمّر في تجهيز العساكر إلى نجد مع ابنه وابن زوجته إبراهيم وذلك بتقدير العزيز العليم).
أقول: يُروى أن أهل القصيم ومعهم مجموعة من أهل البادية ذهبوا إلى محمد علي باشا في مصر قبل بداية الحملات على نجد وتحدثوا إليه عن حال الأوضاع في نجد وأنهم يتذمرون من الفقر والحروب, وطلبوا منه أن يتدخّل من أجل إنقاذ حالهم ونشر الأمن في بلادهم. كما أن من المؤرخين من يرى عدم صحة ذلك. وأن كل ما يحصل من مشاكل أمنية أو حروب يأتي من ينسبها لأهل القصيم خاصة. وهم يشككون بصحة تلك التهم. أما عبدالله بن سعود فقد كان يعاقب أهل القصيم بحربهم وهدم أسوار بلداتهم بسبب تلك التهم.
ـ يقول (ثم رحل منها بجميع عساكره ومن معه من العدد والعُدّة والكيد الهائل مما ليس له نظير كان معه مدفع وقبوس هائلة كل واحد يثور مرتين, مرة في بطنه ومرة تثور رصاصته وسط الجدار بعدما تثبت فيه فتهدمه).
أقول: أنه بعدما هُزم عبدالله بن سعود ومن معه في الحناكية من قبل جنود الباشا. رحل منها إبراهيم باشا متجها نحو الماوية ورافقه من فيها من الجنود سالكين الطريق نحو البعجاء والبصيري ثم نجخ حتى وصلوا إلى بلدة الرس ومعهم الكثير من السلاح والعتاد الذي ادخروه لحرب تلك البلدة الصغيرة في حجمها القوية بعزيمة رجالها وشجاعتهم وقوة بأسهم. وكان مع الباشا المدفع الشهير عند الأتراك المسمى(أوبوس) الذي يشتهر بقوة قذفه وصلابة رصاصه. والذي عملوا له منصّة من جذوع النخل في الجهة الجنوبية من سور البلدة ليرتفع بمحاذاة أعلى السور حتى يتم تركيز الرمي مباشرة على أهل البلدة. ولكن المولى سبحانه أفشل خطتهم وهزمهم ونصر أهل الرس عليهم. 
ـ يقول (فاقبل عساكر الترك مع (131/ب) باشتها إبراهيم ونزلوا الرس لخمس بقين من شعبان ثبتوا له وحاربوه).
أقول: وصل إبراهيم باشا وجحافل الروم ومعهم جنود من ألبانيا وفرنسا ومصر والمغرب أكثرهم من المرتزقة الذين يؤجّرون ويتلذذون بقتال الناس وتعذيبهم وهدم منازلهم. وصلوا في اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان عام 1232هـ إلى الرس وحاصروها حتى اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام 1232هـ.
ـ يقول (وأرسل إليهم عبدالله مرابطة مع حسن بن مزروع والهزاني صاحب حريق نعام, فحاصرهم الترك أشدّ الحصار).
أقول: لما رأى عبدالله بن سعود أن الحرب على الرس قائمة لا محالة وأنه عاجز عن الدخول فيها والتصدّي لتلك الحملة أرسل إلى أهل الرس مرابطة من حوالي (160) رجلا كما يُروى يقودهم حسن بن مزروع من أجل مساعدة أهل البلدة في الدفاع عنها. ولكنهم كانوا عبئا على أهل الرس يحتاجون للطعام والماء مما ادّخروه لهم ولعائلاتهم أثناء الحرب.
ـ ثم قال (فحاصرهم الترك أشدّ الحصار. وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار كل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم. بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدوم).
أقول: كان الحصار على أهل الرس محكما بدقّة ومشددا في كل الأيام التي دامت ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما. وكان الجنود يستعرضون قوتهم وخبرتهم في تلك الحرب التي ليس لها ما يبررها إلا حاجة في نفس محمد على باشا من الظلم والكبر والبطش والتعالي أمام الدولة العثمانية حتى يكسب ثقتها وودها. وكان إبراهيم باشا قد عمل كل الحيل والخطط وأحضر معه ذوي الخبرة من مهندسي الحروب من الفرنسيين والأتراك من أجل السيطرة على أهل نجد وبدأها بأهل الرس الذين تصدوا له ولجنوده وأعجزوهم عن فتح بلدتهم التي حصّنوها بالسور المنيع والبرج العالي والمقاصير المحكمة. حتى أن جنود الباشا وقفوا عاجزين عن هدم سور البلدة. وكلما أحدثوا شرحا في السور في النهار بناه أهل الرس في الليل متحدّين تلك القوة الهائلة لجيش الباشا. وكلما حفر الجنود نفقا للدخول إلى البلدة من أسفل السور اكتشفه أهل الرس وأبطلوه. ثم شكا إبراهيم باشا إلى والده عن عجزه عن فتح القلعة المنحوسة المحكمة البناء واخبره أنها مبنية من الطين المتماسك والرمل, فأمره والده بأن يسلّط عليه خراطيم الماء ولكنه لم يستطع تأمين الماء ليشرب الجند فكيف يجده لهدم السور. 
ـ ثم قال (أنزل الله السكينة على أهل البلاد والمرابطة وقاتلوا قتال من حمى الأهل والعيال وصبروا صبرا ليس له مثال. فكلما هدمت القبوس السور بالنهار بنوه بالليل).
أقول: وهذه شهادة (والحق ما شهدت به الأعداء) الكاتب سادلير كان شاهدا على زمن حصار الرس ويشيد ببسالة أهل الرس وأنهم يقاتلون من أجل حماية الأهل والعيال فقهروا الباشا وجنوده. وصبروا صبرا ليس له مثال لأنهم كانوا أمام عدوهم الذي أغار عليهم في جهاد طلبا لمرضاة رب العباد. وكان من شجاعتهم وصبرهم أنهم كلما هدم جنود الباشا السور بالقنابل والقبوس في النهار بناه أهل الرس بالليل. وللعلم فإن كلمة (هدمت القبوس السور) ليست على إطلاقها لأنهم لو هدموا السور حقيقة لتمكن الجنود من الدخول إلى البلدة وقضوا على أهلها. ولكنهم قد يحدثون شرحا بسيطا في السور الخارجي فقط فيقوم أهل الرس بترميمه في حينه. أما الداخلي فهو مُحصن بشكل قويّ لا تنفذ منه القذيفة. ولقد شاهدت بقية السور قبل هدمه بحيث يزيد سمكه عن متر. وهذا جعل القذائف والقبوس لا تنفذ منه إلى الداخل.       
ـ يقول (وكلما حفر الترك حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه. وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون).
أقول: وهذه قصة عجيبة يجب أن تُروى..
لما وجد الباشا نفسه عاجزا عن فتح بلدة الرس أراد أن يكيد لأهلها من أجل أن يأخذهم بالقوة والغدر وهذا نهجه في حصار البلدة.. حفر جنود الباشا تحت الأرض نفقا من الجهة الجنوبية بدأوه من جوار(حصاة بعيران) وعندما وصل الحفر إلى شعيب الحرمل أخذ التراب ينهلّ عليهم وعجزوا عن الاستمرار بالحفر ثم انتقلوا إلى الجهة الغربية من البلدة من مكان يسمى(الحنبوصي) وكانوا يحفرون النفق ويحشونه بالبارود.
وفي يوم: 29 شوال 1232هـ في إحدى الليالي ـ وكما يُروى ـ أن امرأة تسكن في أحد البيوت المجاورة وكانت تخيط أو تطحن سمعت صوت الجنود وهم يحفرون أسفل المنزل فبلّغوا الشيخ قرناس بذلك.. فلما علم بالحيلة التي بدأ الباشا يدبرها لتفجير السور قام بعمل فتحة صغيرة أعلى النفق وأحضر قطّا وربط في ذيله قبسا من النار وأطلقه في الفتحة إلى داخل النفق فثار البارود فيمن داخل النفق وقتل مجموعة كبيرة من الجنود الذين بداخله ويُروى بأن عدد القتلى من الأتراك في النفق (500) فرد. فاشتد غضب الباشا من هذا الفعل، ويُروى بأنه حفر حفرة بجوار مكان الحصار ودفن فيها من مات في النفق. والنفق طوله (180) مترا وعرضه حوالي مترين. وقد خلّد الشاعر ذلك بقوله:
ونشدتنا   عن  طول  دبل  المغازين        وعرضه ومبدأ مدخله بالتمام
تسعين بوع الطول ومن حدر بوعين         ويمشّي الرجال  الثلاثة  قيام
ومبداه بالحمبوصي اللي على  يمين         ومسنّد  للجو  شرق   الهدام
ـ يقول (وذكر أن الترك رموه في ليلة خمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس. وأهلكوا ما خلف القلعة من النخيل وغيرها).
أقول: لم يترك إبراهيم باشا حيلة إلا فعلها مع أهل الرس وكان يستميت من أجل أن يقضي عليهم وعلى بلدتهم. وهذه شهادة ممن حضر الحرب تفيد بأن إبراهيم باشا رمى بلدة الرس بخمسة آلاف رمية بالمدافع في ليلة واحدة. وأنهم أهلكوا كل ما حول السور من المزارع والنخيل. وكانوا يصنعون من جذوع النخيل منصّة ترتفع على ارتفاع السور ويضعون عليها المدفع أوبوس من أجل أن يتمكنوا من الرمي من أعلى السور. ولكن الله سبحانه نصر أهل الرس وخذل الباشا وجنوده.
وكان أهل الرس قبل الحرب يصنعون ملح البارود في موقع يسمى (الجريف) وهو معروف حاليا. وأثناء الحرب كانوا يصنعونه في منزل أمير الرس سعد الدهلاوي داخل السور. وكان هذا المنتج هو سلاحهم في الحرب.
يقول شاعر الحرب بالرس إبراهيم بن دخيل الخربوش:
سلام يا ربع يصفون الجريف العتيق هو ملحهم بالكون عابينه نهار الزحام
ويقول في قصيدة حربية أخرى:
والله ما جينا من الرس عانينا          إلا ندور الحرب ياللي تدورونه
معنا سلاح  ننقله  في  يمانينا         ملح  الجريف  محيّل له يزلونه
ويقول الشاعر شايع الفتال من الرس:
من زبنّا  رقى  روس  الرجوم          ما تجيه البيارق والخيام
نجني الملح من روس الحزوم         معتّبينه  لحزات  الرجام    
والشاعر علي بن رشيد الخياط من عنيزة المتوفى عام 1294هـ يذكر ملح الجريف وأهميته للبنادق والحروب, وهذا يدل على أن أهل البلدان الأخرى يستفيدون من ملح الجريف ويستخدمونه في حروبهم. قال في قصيدته التي مطلعها:
يا دارنا  لا ترهبي  يومك  سعيد       حنا حماة الدار وشب شعالها
قال يمدح بندقه ويذكر ملح الجريف:
لي بندق ترمي اللحم لو هو      بعيد       ما دوّجت بالسوق مع دلاّلها
خمس رصاصه ستة أشبار       تزيد       ملح الجريف محيّل يعبا  لها
     ـ ثم يقول سادلير (هذا وعبدالله بن سعود وجنود المسلمين في عنيزة على الحال المذكورة. (وأرسل) أهل الرس إليه إما أن يرحل إلى الترك ويناجزهم, وإما أن يأذن لهم بالمصالحة).
وأقول: لاشك بأن عبدالله بن سعود في حينها ليس له القدرة للتصدي لإبراهيم باشا. وكان يراقب الوضع من بعيد ليرى النتائج. فإما أن ينتصر الباشا ويستولي على الرس وتبدأ المرحلة القادمة من الحرب في الدرعية. وإما أن يعجز عن فتحها ويتغير مجرى الحرب إلى مسار جديد. 
ـ يقول (فأقبل عساكر وقبوس وأمداد من الترك كثيرة ونزلوا على إبراهيم ومن معه في الرس. واستعظم أمره وكثرت دولته).
وأقول: ليست هذه المرة الأولى التي يصل فيها المدد لإبراهيم باشا بل من بداية خروجه من مصر والمدد مستمر لم ينقطع.. ولكن تلك القوة قلّت أو كثرت تعتبر كبيرة عند حصار الرس التي يمتلك أهله أولا الإيمان بالله والجهاد بعقيدة راسخة ترجو المثوبة من ربها. ثم ثانيها ثقتهم بأنفسهم وبقائدهم وأنهم سوف ينالوا النصر أهام عدو ظالم وغادر. مع أنه يمتلك القوة والحيل الكثيرة في الحرب والرجال الأقوياء.
ـ يقول (فوقعت المصالحة بينه وبين أهل الرس على دمائهم وأموالهم وسلاحهم وبلادهم وجميع من عندهم).
أقول: كل بنود الصلح جاءت في صالح أهل الرس لأنهم في مركز كبير من القوة. وإلا لو كان إبراهيم باشا في موقف من القوة وأنه يثق بالنصر لما وافق على الصلح على الإطلاق وآثر دخول البلدة وتدميرها وإذلال أهلها كما كان هذا نهجه مع غيرهم. وهذه سياسة الحروب. أما بنود الصلح فهي:
1ـ ألا يدخل جنود إبراهيم باشا البلدة عنوة إطلاقا بدون إذن أهلها.
2ـ ألا يقوم إبراهيم باشا بإجبار أهل الرس على تقديم مساعدات للجيش العثماني أيا كان نوعها.
3ـ أن يقيم أهل الرس على الحياد أثناء صراع قوات إبراهيم باشا مع آل سعود.
4ـ إذا استولت القوات العثمانية على عنيزة بدون قتال تسلم لها الرس. وإذا لم تستول عليها فيعتبر القتال متجددا بين الطرفين. 
ـ ويختم سادلير حديثه بقوله (وقتل من أهل الرس والمرابطة في هذه الحرب نحو سبعين رجلا, وقتل من عسكر الترك ما ينيف على ست مائة رجل).
وأقول: يروى بأن القتلى من أهل الرس (53) رجلا (11) امرأة قاموا بدفنهم في مقبرة داخل السور المُحاصر تسمى حاليا (مقبرة الشهداء) وتقع شمال فتحة الموجودة حاليا النفق بينهما خمسون مترا. ويروى بأن عدد القتلى من جنود الباشا حوالي(600) رجل أمر إبراهيم باشا بأن يُحفر لهم حفرة ويدفنون جماعيا في موقع الحرب.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ــ الرس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ