الأحد، 24 مايو 2015

الملك سعود يوضح للقضاة مقدار الدية.

(الملك سعود في مراسلاته يوضّح للقضاة مقدار الدِّيَــةْ)
    
يقوم الملك عبدالعزيز رحمه الله في بداية توحيد المملكة بإيفاد القضاة والمرشدين والمطاوعة إلى كل مدن المملكة وفي كل المناطق من أجل الفصل في القضايا والخصومات بين الناس ونشر العقيدة الصحيحة والقضاء على الخرافات والبدع التي قد توجد في بعض المناطق. وكذلك يقوم الملك سعود ابن عبدالعزيز رحمه الله عندما كان وليا للعهد وبعد توليه الملك بإيفاد مجموعة من رجال الدين والقضاة من أجل إكمال مسيرة والده.
والملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله له مراسلات كثيرة مع القضاة في كل المدن والقرى داخل المملكة. حيث كان يبعث لهم الخطابات لتوجيههم لأمور دينهم وحثهم على الرفق بالرعية واحتساب الأجر من المولى عز وجل. وكان يخبرهم عن بعض أمور الدين وبعض الفتاوى التي تصدر من كبار العلماء والتعاميم اللازمة. وبقيت تلك الخطابات والتوجيهات وثائق تنير طريق العلم وتفتح للباحثين الفرصة لعرضها والكتابة عنها.  
     وسوف نستعرض في هذه المقالة وثيقة بعثها ولي العهد الأمير سعود ابن عبدالعزيز إلى الشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان عام 1370هـ حال كونه قاضيا في الرس يوضح فيها مقدار الدّيَـة. التي اختلف فيها كثير من الناس.
ـ نص الوثيقة:
(بسم الله الرحمن الرحيم. من سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم الشيخ صالح الطاسان سلمه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ذلك نظرا لما رأينا من اختلاف الناس فيما بينهم في حالة الدية وأفراد الجنايات استفتينا الشيخ محمد بن إبراهيم وكتب لنا ما يلي: من محمد بن إبراهيم إلى حضرة محترم المقام ولي العهد الفخم سعود ابن الإمام عبدالعزيز وفقه الله آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده حفظك الله تحرر لدينا مقدار الدية في الدراهم العربية باعتبار الفضة أصلا مستقلا بناء على القول الضعيف ثلاثة آلاف وسبعمائة وأربعة وثلاثون ريال عربي لكن غير خاف على سموكم رجحان اعتبار الإبل أصلا وحدها فقط أو قيمتها حالا وهو لا يقل عن خمسة عشر ألف ريال عربي على باب النازل فلو حصل هذا لكان خيرا وأحسن وأرفق ولا أعلم في العمل به أي محذور وإذا اعتبر القول الضعيف فأربعة الآلاف كافية ومهما زيد عليها كان أقرب للقول الراجح وفقكم الله للنشاط في العمل بالشريعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 13 شوال 1370هـ فبهذا رأينا أن الدية تكون أربعة آلاف ريال وان الجنايات المتنوعة يكون تقديرها من أصل أربعة الآلاف المذكورة وعممنا هالمكاتيب لجميع قضاتنا قصدنا إن لا يكون اختلاف بين المحاكم. نرجو أن الله يوفقنا وإياكم لما فيه الخير هذا ما لزم والسلام 11 ذو القعدة 1370هـ).
ـ والخطاب يوضح ما يلي:
ـ أن ملوكنا أعزهم الله منذ قيام الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة كانوا يقدرون العلماء والقضاة ويجلّونهم ويرفعون من قدرهم لأنهم هم الذين تعود إليهم الفتوى في أمور الدين وهم الذين يعوّل عليهم فيما أشكل على الخاصة والعامة. ثم إن حكامنا رحم الله السابقين منهم ورفع قدر الموجودين منذ عهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى إذ أشكل عليهم أمرا ردّوه إلى العلماء.
ـ إن حكامنا كثيرا ما يوجهون النصح للعامة من الناس, ويكتبون إلى العلماء والقضاة ورجال الدولة بالنصح والتوجيه من أجل التعامل مع المواطنين بالرفق واللين. كما يوضحون لهم ما أشكل عليهم من الفتوى.
ـ الملك سعود رحمه الله كثيرا ما يبعث الخطابات للقضاة من أجل توجيههم للقضاء أو الدعوة في المناطق التي تحتاج لذلك. وكان رحمه الله يقصدهم بأسمائهم ويوجه الخطابات لهم شخصيا رفعة لمقامهم وإعلاء لشأنهم. 
ـ الملك سعود رحمه الله في هذا الخطاب يوجه قاضي الرس صالح بن إبراهيم الطاسان بعد أن أخذ رأي الشيخ محمد بن إبراهيم بمقدار الدّية (أربعة آلاف ريال) قياسا بالفضة وهي الأصل في تقدير الدّية. أما الجنايات على مختلف أنواعها فيتم تقديرها من قبل القاضي من أصل هذا المبلغ المذكور.
ـ التعريف بالألفاظ:
ـ الدِّيَة لغة: من: وَدَيْتُ القتيلَ أَدِيهِ دِيةً، إذا أعطيت ديته، والجمع: ديات. وشرعاً: هي المال المؤدَّى للمجني عليه أو لوليه بسبب الجناية.
وتسمى أيضاً (العَقْل) لأن القاتل كان يجمع الدية من الإبل، فيعقلها بفناء أولياء المقتول ليسلمها إليهم.
والدية واجبة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) [النساء: 92]. وأما السنة: فحديث أبي هريرة (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى وإما أن يقتل) وكذا حديث عمرو بن حزم في الكتاب الذي كتبه له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه مقادير الديات. وأجمع أهل العلم على وجوب الدية. أما الحكمة من مشروعيتها: فهي حفظ الأرواح، وحقن دماء الأبرياء، والزجر، والردع عن الاستهانة بالأنفس.
ـ الجنايات: جمع جنابة. ومعناها لغة: التعدي على نفس أو مال. وشرعا: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو يوجب مالا. وتسمى الجناية على النفس: القتل. وتسمى الجناية على المال: غصب أو سرقة أو نهبا أو خيانة أو إتلافا.
ـ الفضة: من المعادن الكريمة. وهو معدن أبيض يستخدم في النقود والحلي تماماً كالذهب ألا أنه أقل قيمة. والفضة من العناصر الانتقالية، عدده الذري 47 وكتلته الذرية 107.868 ودرجة انصهاره 961.63 ْس ودرجة غليانه 2212 ْس، والكثافة 10.5غ/سم3.
ـ التعريف بالأعيان:
ـ الملك سعود:
هو الملك سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود. هو الابن الثاني للمؤسس رحمهما الله وثاني ملوك المملكة العربية السعودية ولد في الكويت في: 5 شوال 1319هـ كان في شبابه يحضر مجالس والده الملك عبدالعزيز ومجالس جده عبدالرحمن الفيصل. ويتعلم منهما أمور الحكم والسياسة والإدارة حتى أتقن ذلك وكسب ثقة والده وفوضه للمهام التي تكسبه إدارة الحكم والسياسة الخارجية. توفي في: 6 ذي الحجة 1388هـ رحمه الله رحمة واسعة.
ـ الشيخ محمد بن إبراهيم:
هو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب. ولد يوم عاشوراء من عام 1311هـ . نشأ في بيئة دين وعلم وصلاح ثم درس في الكتاتيب وهو صغير. ثم فقد بصره في شبابه فعوضه الله عنها بالبصيرة. فعاش متبحرا في العلم. حفظ القرآن في صغره وطلب العلم على مشائخ عصره مثل الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج وعلى عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ سعد بن عتيق والشيخ محمد بن مانع وغيرهم. حتى نبغ فيه وتصدّر للتدريس والفتوى. توفي رحمه الله يوم: 24 رمضان 1389هـ.
ـ الشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان:
هو صالح بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد بن عبدالرحمن الطاسان. ولد في الرس عام 1328هـ درس على مجموعة من العلماء في الرس ومكة والرياض. تولى القضاء في عدة مواقع منها: مكة المكرمة وبني مالك والقحمة والرس والأسياح والخرمة ورنية والقويعية والبكيرية. وتوفي في الرس يوم/ 11 صفر 1420هـ.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
نشر المقال في صحيفة الجزيرة العدد (15578) الأحد: 6/8/1436هـ
ــــــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 20 مايو 2015

محاولة قتل الشيخ قرناس وهروبه.

محاولة قتل الشيخ قرناس وهروبه.
عندما عجز إبراهيم باشا وجنده عن احتلال الرس تركوها واتجهوا نحو الدرعية مقر ابن سعود وقاتلوا حتى سقطت الدرعية في أيديهم عام 1233هـ أراد إبراهيم باشا القضاء على مجموعة من الرجال الأبطال بسبب ما لقيه منهم من مقاومة وصبر وشجاعة عند التصدي له، فأرسل وهو في طريق العودة مجموعة من جنده إلى الرس وأوصاهم بقتل الشيخ قرناس بن عبدالرحمن حيث كان هو القائد الذي هزمه في حرب الرس، فأدركوه وهو يصلي بالناس صلاة الفجر، ثم إن الشيخ قرناس أحس وهو يصلي بالمسجد بأصوات غير معتادة وكان يقرأ جهرا في سورة القيامة ولما وصل إلى آية {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أخذ يرددها وكان المؤذن محمد بن عبدالله الخميس يفهم ما يقصده الشيخ قرناس فرد عليه بقوله (إلى أبان الحمر) موحيا له بالمكان الآمن للفرار دون أن يفهمها الجنود الترك، ثم سجد قرناس وأطال في سجوده وهرب من المسجد تاركا الناس ساجدين متجها إلى جبل أبان الحمر قرب بلدة النبهانية وبذلك نجا من القتل. ويروى بأن الذي رد عليه أحد الأعراب عندما دخل المسجد ورأى الجنود ومعهم السلاح.
روى الرحّالة ديفيد كمنز في كتابه (الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية) نقله إلى العربية عبدالله بن إبراهيم العسكر. جداول للنشر والترجمة والتوزيع بيروت. ط2/ 2013م.
 قال (ص 85) عن الشيخ قرناس بن عبدالرحمن (كان قرناس بن عبدالرحمن بن قرناس القاضي السعودي في المدينة, ثم أصبح قاضيا في بلدة الرس في القصيم. لكنه هرب حين مرّ جيش إبراهيم باشا بها خلال انسحابه من نجد. ثم عاد ليصبح قاضيا في الإمارة الثانية حتى موته عام 1846م).
كما قال المؤرخ منير العجلاني في كتابه (تاريخ البلاد العربية السعودية/ الدولة السعودية الأولى ج 4) أراد إبراهيم باشا القضاء على مجموعة من أبطال الجزيرة العربية بسبب ما لقيه منهم من مقاومة وصبر وشجاعة عند التصدي له. فأرسل مجموعة من جنده إلى الرس وأوصاهم بقتل الشيخ قرناس بن عبد الرحمن حيث كان هو القائد الذي هزمه في حرب الرس، فأدركوه وهو يصلي بالناس، ثم إن الشيخ قرناس أحس وهو يصلي بالمسجد بأصوات غير معتادة وكان يقرأ جهرا في سورة القيامة ولما وصل إلى آية {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أخذ يرددها وكان المؤذن محمد بن عبدالله الخميس يفهم ما يقصده الشيخ قرناس فرد عليه بقوله (إلى أبان الحمر) موحيا له بالمكان الآمن للفرار دون أن يفهمها الجنود الترك ، ثم سجد قرناس وأطال في سجوده وهرب من المسجد تاركا الناس ساجدين متجها إلى جبل أبان الحمر وبذلك نجا من القتل.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل.

الأربعاء، 13 مايو 2015

حسو المروى بالرس (ريق البنات)

(حسو المروى) في الرس.
هذا (الحسو) أي البئر له شهرة كبيرة في محافظة الرس. ويقع جنوب البلدة القديمة بينها وبين بلدة الحوطة. على الجانب الغربي من شعيب الحرمل (الذي يسمى قديما وادي الرس في أشعار زهير بن أبي سلمى) ويقع معلم الجريف عنه في الجهة الشرقية. ويمتاز ويشتهر بعذوبة مائه وحلاوته. لذا فهو يسمى قديما وحديثا (ريق البنات) لعذوبة الماء المتوفر فيه. يروى بأن الشيخ صالح بن قرناس بن عبدالرحمن القرناس (1253ـ 1336هـ) هو الذي حفره في عام 1333هـ وجعله وقفا لأهل الرس. وكان أهل البلدة قديما (يروون) منه أي يأخذوا منه الماء لمنازلهم.
هذا البئر ذكره الرحّالة سعد بن أحمد الربيعة. في كتابه (رحلة الحاج من بلد الزبير بن العوام إلى البلد الحرام) مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز. الطبعة الثانية 1429هـ.
قال الرحّالة (ص 51) تحت عنوان (يوم الأربعاء 16 من ذي القعدة 1345هـ) مانصّه (نمنا ليل الأربعاء بعد أن أحضرنا دليلا من إحدى قرى البدائع والسكون والاطمئنان مخيمان علينا, وفي الساعة 7:30 قمنا على صوت رغاء الإبل وشددنا الرحال, وفي الساعة الثامنة غادرنا البدائع وكان الجو بديعا والقمر ينير طريقنا, وبعد طلوع الفجر أدينا الصلاة جماعات, وفي الساعة الثانية نهارا نزلنا على "الرس" في فسحة من البساتين يبعد عن البلد زهاء عشرين دقيقة, والماء كثير ولشدة حلاوته سمي "ريق البنات" ألقينا عصا التسيار وسقينا الإبل وشربنا من الماء النمير, وأرقنا الماء الذي نحمله من البدائع وقصيعة, ولهونا بشرب القهوة والشاي, والساعة3:30 تغدينا ونمنا).
والبئر لا تزال موجودة, وهي على ما كانت عليه من عذوبتها وحلاوة مائها. وتتولى إدارة المياه بالرس حاليا جلب الماء منه وتوزيعه على المنازل.
                كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل.
ــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 9 مايو 2015

أسباب هزيمة إبراهيم باشا أمام قلعة الرس.

أسباب عجز إبراهيم باشا عن الاستيلاء على الرس.. في أقوال الرحّالة سادلير ومانجان:

يقول زهير بن أبي سلمى:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم        وما هو عنها بالحديث المرجّم
والحروب: تعني القتل للإنسان, والدمار للديار. والجميع يعرف عواقبها وما تؤل إليه.
وبلدة الرس تعرضت في عام 1232هـ لعدوان غاشم من محمد علي باشا وأبنائه بحجة أنها مفتاح الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى. التي جاءوا للقضاء عليها. وقام إبراهيم باشا بإحكام الحصار على بلدة الرس لمدة ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما من تاريخ:25/8/1232هـ حتى تاريخ: 12/12/1232هـ. وأؤكد بأنهم فشلوا في الاستيلاء عليها. بل إن إبراهيم باشا انهزم أمام عزيمة أهل الرس وعقيدتهم وقوة بأسهم, وأمام قلعة البلدة المحصّنة تحصينا جيدا حيث تحطمت داخل سورها قنابله وقذائفه التي كان يرسلها ليلا ونهارا من المدافع العملاقة.
ولهزيمة إبراهيم باشا في الرس أسباب عدة نجملها فيما يلي:
1ـ عدم توكّل إبراهيم باشا وجنوده على الله في أمورهم. بينما أهل الرس يعتبرون دفاعهم عن بلدتهم جهادا:
ـ قال الرحالة (فورستر سادلير) في مذكراته(رحلة عبر الجزيرة العربية) عام: 1819م. في (ص 146) إن إبراهيم باشا مصمم على أن يستولي على البلدة قبل أن يعطي إذنه بإقامة معسكره وقبل أن يترجل فرسانه عن خيولهم, لذلك أمر طوبشي باشا أن يدفع سلاح المدفعية إلى الأمام حتى يصل إلى بُعد ثماني خطوات عن الأسوار وأن يباشر الرشق المدفعي باتجاه أقوى المعاقل. ونظرا لكون جنوده مكشوفين ولتعرض رجال المدفعية إلى رشق كثيف من نيران الأسلحة الخفيفة فقد تجاوز القتل في الأتراك عشرة أضعاف ما قتل من المحاصَرين الذين دافعوا عن المدينة بمعنويات عالية.
وقال: رمى الرجال بأنفسهم في الخندق لكنهم لم يستطيعوا أن يصعدوا إذ تبين أن حزم العيدان والأكياس لم تكن كافية وفتح العدو نارا مدمرة من فوق الأسوار على الجنود وعلى المواد السريعة الاشتعال التي تحيط بهم, وصار الباشا بمعاونة مماليكه يرمي بالرصاص كل جندي يحاول الانسحاب. وكان نتيجة ذلك أن عانى المشاة التعساء من خسائر فادحة. وقد أصدر أمره بحرمان أولئك الذين قتلوا من حقهم من الدفن بسبب تأجج غضبه من الهزيمة.
2ـ كثرة القتلى من جنود الباشا:
ـ قال سادلير: وعندما رأى الباشا أنه عاجز عن إنجاز مهمته اضطر أخيرا إلى الدخول في مفاوضات وإلى رفع الحصار. وقتل في هذه المعركة تسعمائة تركي وجرح ألف وآلت بهم الأمور إلى محنة شنيعة. أما المحاصرون من سكان الرس فقد فقدوا خمسين قتيلا فقط وسبعين جريحا.
3ـ قوة ومتانة سور الرس وقلاعه:
ـ في وثيقة كتبها إبراهيم باشا إلى والده رقمها في وحدة الحفظ (15) تاريخ 1232هـ (القلعة المذكورة ذات متانة زائدة, كما أن عدد الملاعين الذين فيها كثير, ثم صار ذلك معلوما لعبدكم, فقد طالت أيام الحصار. وبينما كنت قلقا في حالة لا يقر لي معها قرار).
4ـ التخبط الذي أصاب إبراهيم باشا وجنوده من أثر قوة سور الرس وشجاعة أهله.
يقول الرحّالة (فيلكس مانجان) في كتابه(تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية) حتى عام: 1823م.
ـ قال (ص 140) عندما وصل إبراهيم باشا إلى الرس ومعه (4000) من الجنود المشاة و(1200) فارس وبدأ إطلاق النار على السور المحدق بالمدينة, كنا نرى القنابل تهدم البيوت وكان بعضها ينفجر قبل أن يكمل خط سيره المنحني, وبعد ستة أيام من القصف المستمر أمر إبراهيم باشا بالهجوم في الساعة الثانية ليلا, دون أن يحدث نقبا في السور يدخل منه المهاجمون, ودون أن تمتلك القوات المهاجمة أي وسيلة لمحاولة تسلق السور, ودون أن تقع عيونهم على حفرة عميقة وعريضة تقع بالقرب منه.
5ـ مشاركة نساء أهل الرس للرجال في الحرب. وكثرة القتلى في جنود الباشا:
ـ يقول مانجان: كانت النساء وراء الأسوار يشعلن سعف النخل الجاف المطلي بالصمغ, لإضاءة الميدان للمدافعين عنهم وكان إطلاق النار من البنادق مستمرا. لقد تصدى المحاصرون لهجوم الأتراك في كل المواقع, فاضطر هؤلاء إلى التراجع ولم نكن نرى إلا القتلى والجرحى. وقد أدى هذا الهجوم المميت الذي كان التخطيط له سيئا إلى إصابة 800 رجل بين قتيل وجريح.
6ـ كان أهل الرس يستخدمون كل الحيل لإفساد الهجوم عليهم:
ـ قال مانجان ص (142) (كان أهالي المدينة يدافعون عن أنفسهم بشجاعة ويقومون ببعض الغارات, ولما لم تكن لديهم الإمكانيات الكافية ولا الخبرة في فنون الحرب, فإنهم اكتفوا برد طلائع المهاجمين, والانقضاض على المدافع ليسدوا ثقوبها بالمسامير لتصبح غير صالحة للاستعمال, كانوا يهاجمون أعداءهم بالبنادق ذوات الفتيلة والرماح, وحينما رأى المحاصِِرون ما حل بهم فكروا بزرع ثلاث متفجرات ولكن المحاصََرون أبطلوا مفعولها).
7ـ الحرج الذي أصاب إبراهيم باشا بكثرة القتلى ونقص المؤن والذخيرة:
ـ قال مانجان (كان موقف إبراهيم باشا حرجا لأن ثلاثة آلاف رجل من رجاله لقوا مصرعهم عند أسوار الرس. ونفدت ذخائره وبدأ النقص في الأغذية, وكانت المجاعة تهدد بقية جيشه, وعلى الرغم من ذلك كله فإن إبراهيم باشا ظل محتفظا بموفقه الحربي).
ثم قال (وكانت الرياح العاصفة العاتية تثير عاصفة كثيفة من الغبار وتقلع الخيام وتكاد تسلب الجيش القدرة على التنفس. كان الجرحى في وسط هذه العاصفة يموتون متأثرين بجراحهم. وأسهمت المعنويات المنخفضة لدى الجنود الذين تأثروا كثيرا لما حدث, إسهاما كبيرا في انتشار الأمراض).
8ـ التصرفات المخالفة للعرف والدين التي يقوم بها جنود الباشا:
ـ يقول مانجان (كان جنود الباشا يقطعون رؤوس الجرحى ويعرضونها على أسوار الرس على مرأى من الذين هم تحت الحصار. وملأ هذا العرض الشنيع نفوسهم رعبا, وأصبحوا يتحرقون شوقا للانتقام. لقد جعلوا الأتراك يدفعون غاليا ثمن ذلك الانتصار الذي حققوه).
9ـ قوة بأس المجاهدين من أهل الرس ومن معهم وصيغة التحدي التي يجابهون بها إبراهيم باشا:
ـ قال مانجان (وعرض عبدالله بن سعود السلام على إبراهيم باشا شرط أن يرفع الحصار عن الرس, ولكن إبراهيم باشا استمع إلى ما يحمله المبعوثان وكان جوابه أن أنذر محمد بن مزروع أمير مدينة الرس بوجوب تسليم المدينة, فقال له الشيخ محمد الحنبلي " إن هذا ضرب من الخيلاء فأنت تهاجم الرس منذ زمن طويل ولن تستطيع الاستيلاء عليها" فاغتاظ إبراهيم باشا من هذا الكلام ولكنه جعل الشيخ بعد ذلك يندم على كلامه المهين. أما رد أمير الرس فكان بعبارات التهديد المشهورة  "تعال خذها" واستؤنف القتال وخسر الأتراك بلا طائل كثيرا من الرجال والذخيرة.
10ـ الشروط التي كان يمليها إبراهيم باشا ويرفضها أهل الرس:
ـ قال مانجان: أرسل عبدالله بن سعود إلى إبراهيم باشا بمقترحات جديدة للصلح, ولكن الباشا طلب منه أربعة شروط:
ـ أن يدفع نفقات الحرب.
ـ وأن يدفع متأخر الرواتب للجنود.
ـ وأن يقدم ألفي جواد وثلاثة آلاف من الإبل ومؤنا تكفي الجيش ستة أشهر.
ـ وأن يرسل اثنين من أبنائه رهينتين لدى إبراهيم.
ولما سمع صالح بن راشد الحربي مبعوث عبدالله هذه الشروط المجحفة قال لإبراهيم باشا " إنك لا تتفاوض مع فلاح مصري وأن خصمك هو أمير نجد وحاكمها محارب شديد المراس, مشهود له بالشجاعة في المواطن كلها " فغضب الباشا من كلامه وانتقم منه. ولم يتوصل الطرفان إلى الاتفاق على شيء.
11ـ عدد القتلى من جنود الباشا والتحدي الذي أبداه أهل الرس كان له الأثر الكبير في نفسيته:
ـ وقال مانجان: عن عدد القتلى في الحرب: بلغ عدد القتلى الأتراك الذين سقطوا أمام أسوار الرس 3400 رجل. وأما الأهالي والحامية السعودية فقد قتل منهم 160 رجلا, وجُرح عدد قليل.
ـ وتحدث مانجان عن انتقام إبراهيم باشا من خصومه فقال (ص 179) وبعد رحيل عبدالله أمر إبراهيم بالقبض على الشيخين أحمد الحنبلي وصالح بن رشيد الذين سمحا لأنفسهما عندما جاءا إلى معسكره في الرس مبعوثين من عبدالله بمخاطبته بطريقة غير لائقة فأمر بخلع أسنان الأول ووضع الثاني على فوهة المدفع بعد أن أمر بضربه بالعصي).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأخيرا: فقد وصف المؤرخ المصري الجبرتي (محمد بن حسن الجبرتي الحنفي) في تاريخه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) صلاح جيش أهل نجد وفساد جيش إبراهيم باشا) فقال في تاريخه ج 4/ص 140 وهو ينقل ما دار بينه وبين احد أكابر عسكر إبراهيم باشا لما قاتلوا النجديين.. فهو يصّور القضية فانظر ماذا يقول :
( ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدّعون الصلاح والتورع:
ـ أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة. وفيهم من لا يتدين بدين. ولا ينتحل مذهبا. 
ـ وصحبتنا صناديق المسكرات. 
ـ ولا يسمع في عرصاتنا آذان. 
ـ ولا تقام بينهم  فريضة. 
ـ ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الإسلام).
فلما انتهى من وصف عساكر باشا انتقل للكلام عن النجديين فقال:
ـ والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون. وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد. بخشوع وخضوع.
ـ وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذنون. وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة.
ـ وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته).
وإبراهيم باشا على كل حال كان يكفّر النجديين كما نقل ذلك الجبرتي في  تاريخه حتى تعلم أن المسألة لم تكن متوقفة على طرف دون آخر.
كما ورد في تاريخ الجبرتي ج4/ص 289 في حوادث 1233هـ وهذا الكلام.
(يجلس الكثير من جنود إبراهيم باشا في الأسواق يأكلون ويشربون ويمرون بالشوارع وبأيديهم أقصاب للدخان والتتن من غير احتشام ولا احترام لشهر الصوم, وفي اعتقادهم أن خروجهم بقصد الجهاد وغزو الكفار المخالفين لدين الإسلام .. ).
                     كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل.
ــــــــــــــــــــــــــ
               

الخميس، 7 مايو 2015

كتابات ونقوش في جبل سواج


مرت على الجزيرة العربية مجموعة من الحضارات العربية التي سادت فترة من الزمن ثم انقرضت وتلتها حضارات أخرى استوطنت في الجزيرة وحصل بينها وبين من جاورها من الأمم بعض الحروب والأيام المشهورة، التي خلدها التاريخ وسجلها لنا، من تلك الأمم والحضارات التي استوطنت في الجزيرة العربية مثل: عاد وثمود وسبأ وتدمر وكندة وغيرها من الأمم التي سادت فترة من الزمن وتعرضت لعدد من الحروب التي أبادتها ودمرت مساكنها وفرقت جموعها.
جميع تلك الحضارات التي مرت على الجزيرة العربية خلدها التاريخ وذكرتها الكتب، ويوجد في بعض المواقع ما يدل على إن تلك الأمم كان لها حضارة ومرت عليها حروب وقد قام بعض الأفراد من تلك الأمم بتسجيل ما يدل عليها في بعض الكتابات والرسوم والنقوش. وأرى كما يرى غيري من الباحثين بأن الجبال هي أكثر المواقع التي يوجد بها كتابات لأنها مسارح الحروب وموطن المعارك مثل ما حصل من معارك وأيام في جبل خزاز وجبل طخفة وغيرهما من المواقع.
وأثناء رحلة بتاريخ 25/7/1419ه الى جبل سواج الذي يقع في المنطقة الجنوبية من محافظة الرس اطلعت على مجموعة من الرسومات والكتابات التي تدل على وجود حضارة استقرت في هذا الجبل، ولاشك بأن تلك الكتابات تحكي قصة حروب دارت بين تلك الامم وما جاورها من الأمم الأخرى.
أما جبل سواج فسوف أتحدث عنه قليلاً: هو من جبال حمى ضرية ويسمى (سواج الحمى) كما يسمى (سواج طخفة) لوقوعه مجاوراً لجبل ظخفة المشهور من الشمال ويسمى سواج التناءة والتناءة اسم لهجرة الشبيكية التي تقع أسفل الجبل، كما يسمى (سواج الخيل) لأن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما حمى منطقة ضرية لتكون مقراً لإبل الصدقة أمر بأن يكون جبل سواج مكانا للخيل التي ترد من الصدقة. ويبعد الجبل عن محافظة الرس (85) كيلا في الجهة الجنوبية منها.
يقع الجبل بين خطي عرض (85،42 11 25) وطول 00 16 43) ويرتفع عن مستوى سطح البحر (1254) متراً.
والجبل يقع بين مجموعة من الجبال والهجر منها: من الشمال: النايع والنويع والمداري. ومن الجنوب: لعيبيبة وجضالا. ومن الشرق: المصعوكة. ومن الغرب هجرة فياضة وابرق العمالة.
وسواج جبل لغني من باهلة، وهو مقر تلك القبيلة في الجاهلية والاسلام، ولايزال بقية منهم يسكنون بعض القرى المجاورة منه مثل نفي والأثلة. وفي الوقت الحاضر يقطنه الذوبة من حرب خاصة في هجرة الشبيكية.وهو جبل مشهور قديما وحديثا يمر به طريق حاج البصرة إلى مكة المكرمة.
ويتخذ منه سكان منطقة القصيم منزلاً لرحلاتهم ونزهتهم ومتعتهم وكثيراً ما تغنى به الشعراء قديما وحديثاً.
أما الكتابات والرسوم التي شاهدناها في جبل سواج فهي توجد في إحدى الهضاب المرتفعة في وسط الجبل وتلك الكتابات تدل على استيطان بعض القبائل في الجبل وقد كتبت في مكان مرتفع وواضح يراه المشاهد من بعيد وفي اتجاه الجنوب ويبدو بأن وضعه مخالف للجهة الشمالية حتى لا يتعرض لعوامل التعرية التي تهب من الشمال.
وعندما نحاول قراءة تلك الكتابات والرسوم فهي تحتوي على بعض الرموز على شكل حروف لاتينية وعلامات حسابية وكذلك رسومات لحيوانات على شكل جمال وخيول كالتالي:
أقول: إن تلك الأشكال لاشك إذا كانت قديمة بأن لها معاني لدى من كتبها، فقد تمثل رموزا للديانات عندهم حيث كانوا يعبدون الحيوانات أو بعض المخلوقات، أو قد تكون رموزاً للآلهة التي يعبدونها، سواء دلالة على اسمها أو شكلها وهي دعوة إلى المهتمين بمثل تلك الرسوم والكتابات من الباحثين بأن يزوروا جبل سواج ليطلعوا عليها ويدرسونها لعل فيها ما يفيد في الكشف عن بعض الحضارات التي كانت تقطن في تلك النواحي من مملكتنا الغالية، كذلك البحث فيما حول تلك المنطقة من جبال وهجر قديمة قد تدل على وجود بعض الحضارات أو الاستيطان سواء قديمة أو حديثة مثل قبيلة بني أسد وغطفان وفزارة وبني عبس وغيرها.
عبد الله بن صالح العقيل – الرس
aa10101010@hotmail.com