الاثنين، 24 سبتمبر 2018

صالح بن محمد بن عبدالله الصائغ.


صالح بن محمد الصائغ
... ـ 1184هـ.
اسمه وأسرته: هو صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد الصائغ.
أما أسرته فإن القاضي يذكر أن المؤرخ ابن عيسى يقول بأن أسرته من آل ابن عمار. قدمت الأسرة من الداخلة ثم إلى المذنب ثم عنيزة.
والشيخ صالح ليس من أهل الرس، وإنما أردنا أن نترجم له باعتباره أول من ولي قضاء الرس حيث كان قضاة القصيم في عهده يندبونه إلى الرس وما حولها من بلدان القصيم للقضاء وحل المنازعات بين الناس، وحسبه أنه كتب أول وثيقة تم العثور عليها عن بلدة الرس بتاريخ: 6/3/1141 ثم ولي قضاء الرس بعده الشيخ رشيد بن زامل عام 1158هـ وهذا يعتبر أول قاض يتم تعيينه فيها.
وسوف نورد نص الوثيقة عند الحديث عن كتابة الشيخ صالح.  
مولده ونشأته: ولد في عنيزة ـ ولم يُوضح تاريخ ولادته ـ ونشأ فيها نشأة حسنة، وكان ضرير البصر فعوضه الله عن البصر بالبصيرة.
علمه وفضله: قرأ القرآن الكريم على مشايخ عصره، ثم أقبل على العلم إقبالا منقطع النظير ولازم علماء عنيزة في أصول الدين وفروعه والحديث. ويقول المؤرخ ابن عيسى (وكان له معرفة في الفقه) كما أثنى عليه المؤرخ ابن بشر في تاريخه حيث وصفه بسعة الإطلاع في الفقه وأنه أخذ عن عدة مشايخ.
كما وصفه القاضي في (روضة الناظرين) بأنه كان فقيها مطلعا وعنده قوة في الحفظ وسرعة في الفهم.
ووصفه البسام في (علماء نجد) فقال (العنزي بلدا النبيه الفقيه.. صار من أهل التدريس والإفتاء، حيث عقدت عنده حلقات الدروس وقصد بالأسئلة من البلدان فأجاب عليها بأجوبة مفيدة وتحريرات سديدة، وهكذا أصبح من كبار علماء مدينة عنيزة).
وقال البسام أيضا ( قال ابن حميد في السحب الوابلة حين ذكر المترجَم: مهر في الفقه وأفتى ودرس وأجاب في مسائل عديدة بأجوبة سديدة).
وأقول: لا شك بأن الشيخ صالح كان بارعا في الفقه وعالما من علماء عصره وكان يفتي ويعلّم الطلاّب وكان يكتب الوثائق ويعقد الأنكحة في عصره مع العلم بأن عصره مع شيخه عبدالله بن عضيب يقل فيه طلبة العلم في نجد وما حولها فيكون القاضي والعالم له شهرة بين الناس في الفتوى والقضاء.
كتب إجازة لتلميذه الشيخ سليمان بن إبراهيم الفداغي قال فيها ( فأجزت له أن يروي عني ما سمع مني من روايتي عن شيخيّ تغمدهما الله برحمته الشيخ الفاضل عبدالله بن إبراهيم بن سيف والشيخ العالم الأجل عبدالله بن أحمد بن عضيب . قال ذلك صالح بن محمد بن عبدالله بحضرة جماعة من المسلمين منهم منصور بن إبراهيم بن زامل وحسين ابن الشيخ وعلي بن عبد المحسن بن علي بن زامل، وكتبه من إملائه حرفا بحرف عبدالله بن علي بن زامل ثاني شهر الله الحرام سنة إحدى وثمانين ومائة وألف).
يقول الشيخ عبدالله البسام تعليقا على الإجازة (قلت: وأملى الإجازة على تلميذه لأنه كفيف البصر) وقال أيضا ( وأخبرني من رآه أنه أدركه مكفوف البصر، قال: فلا يدري هل هو من صغره أم عرض له في كبره. كذلك يذكر القاضي في (روضة الناظرين) يذكر بأن الشيخ صالح الصائغ كفيف البصر.
أقول: ما قاله الشيخ البسام والشيخ القاضي بأن الشيخ صالح الصائغ كفيف البصر، قد يكون كف بصره في آخر حياته لأن الشيخ صالح الصائغ في الوثيقة التي كتبها في الرس وهي (وثيقة الجفير) ونورد نصها فيما بعد قال (شهد به وكتبه وأثبته صالح بن محمد بن عبدالله) والكاتب عادة يقول ذلك إذا كان يكتب الخط بيده وقوله هذا يدل على أنه كتبها بخط يده فيكون مبصرا حال الكتابة في عام 1141، أما إذا كان الكاتب يملي الكتابة وغيره يكتب فيقول (أملاه فلان..) أو (كتبه فلان من إملاء الشيخ ..) لذا قد يكون كف بصره بعدما كبر سنه، مع العلم بأن بين كتابة الوثيقة وبين وفاة الشيخ أكثر من أربعين سنة.
أدرك الشيخ صالح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع مجموعة من العلماء وقد يكون بعضهم لم يتحمس لتلك الدعوة، وقد أورد المؤرخ حسين بن غنام في (تاريخ نجد) من كتاب الدرر السنية رسالة أرسلها الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب إلى مطاوعة أهل سدير والوشم والقصيم ومنهم الشيخ صالح خص فيها محمد بن عبيد وعبدالقادر العديلي وابنه وعبدالله بن سحيم وعبدالله بن عضيب وحميدان بن تركي وعلي بن زامل ومحمد أبا الخيل وصالح بن عبدالله.
ولكن الذي نود معرفته هل الشيخ محمد أرسلها لهم وخصّهم بها لأنهم عارضوا دعوته السلفية أو عارضوا بعض الأفكار التي جاء بها أو أنهم اتهموه بالغلو كما يصرّح بذلك، نقتطف بعضا من رسالة الشيخ محمد، يقول الشيخ محمد في خاتمة رسالته للمشايخ بعد أن بيّن توحيد الله وتحريم دعوة الأنبياء والصالحين ومنهج الكفّار( فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم هزؤا وجهلا، كما هي عادتكم، ولا تقبلونه، فانظروا في "الإقناع" في باب "حكم المرتد" وما ذكر فيه من الأمور الهائلة التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها فقد ارتد وحل دمه، مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين، وجعلهم وسائط بينه وبين الله، ومثل: الطيران في الهواء والمشي في الماء، فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم مثل [السائح والأعرج] ونحوه، تعتقدون صلاحه وولايته فقد صرح في "الإقناع" بكفره، فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
فإن بان لكم من كلامي هذا شيء من الغلو من أن هذه الأفاعيل لو كانت حراما فلا تخرج عن الإسلام وأن فِعْلَ أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر، وعند قبور الأنبياء والصالحين ليست من هذه بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه.
وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته بين الناس، وتعليمه النساء والرجال فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله وأقرّ على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعسى أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى. والسلام).        
كذلك يروي الشيخ البسام بأن الشيخ صالح الصائغ كان ممن عارض دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية وأورد مطلع قصيدة لم يرد أن يكملها وهي من نظم الشيخ صالح يرد فيها على الصنعاني. وأقول: أخشى أن تكون تلك وشاية ممن لا يرتاح للشيخ صالح كما سبق أن اتهم في مثل ذلك كاتب الرس الشيخ إبراهيم بن محمد الضويان بأنه يعادي دعوة الشيخ محمد بن إبراهيم وثبت بأنها وشاية.
مشايخه وتلاميذه: درس الشيخ صالح على العالم الجليل الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري الحنبلي، وعلى الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف والد صاحب العذب الفائض في علم الفرائض. كما درس على الشيخ علي بن زامل.  
وقد درس بين يديه مجموعة من التلاميذ وطلبة العلم منهم: العالم الفرضي الشيخ محمد بن علي بن سلوم والشيخ أحمد بن شبانه وغيرهم. ومن تلاميذه الشيخ سليمان بن إبراهيم الفداغي وقد منحه إجازة، كما برز من تلاميذه النابهين الأمير العالم الجليل دخيل بن رشيد بن محمد الجراح والشيخ منصور بن محمد أبو الخيل إمام وقاضي الخبراء والشيخ عبدالله بن علي بن زامل ومنصور بن إبراهيم ابن زامل. 
أعماله وآثاره: من آثاره العلمية وأعماله ما يلي:
1ـ وليَ الشيخ صالح القضاء في عنيزة خلفا لزميله الشيخ محمد بن علي آل زامل الملقب (أبو شامة).
2ـ وللشيخ صالح مجموعة من الرسائل منها: رسالة في علم النحو، وهي مخطوطة.
3ـ كذلك كان الشيخ صالح يقول الشعر وله فيه مقطوعات جميلة وجيدة من قصائد الشعر. وأورد البسام في (علماء نجد) في ترجمة الشيخ قصيدة من (12) بيتا يرد فيها على قصيدة الصنعاني التي قالها في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقول في مطلعها:
سلام من الرحمن أحلى من الشهد         وأطيب عرفا من شذا المسك والورد
إلى معشر  الإخوان  أهل  محبتي         وأهل   ودادي  نعم   ذلك   من  ود
وبعد  فقد   جاءت  إلينا   رسالة         بها قول زور خارج  من  لدن  زيدي
كتابته: كتب الشيخ صالح بن محمد الصائغ أول وثيقة تم العثور عليها عن الرس وتسمى (وثيقة الجفير) وهي تبين بيع ورثة حمد بن علي بن محمد أبا الحصين نصيبهم من الجفير على قرناس بن حمد وهذا نص الوثيقة:
( الحمد لله وحده.. يعلم الواقف على هذا الكتاب أنه حضر عندي ورثة حمد ابن علي بن محمد أبا الحصين وهم ابنه علي الملقب أبا الحصين وابنه الأبكم الأصم تولى عليه عقاب بن علي بعدما تابوا لله تعالى وبنات حمد سلمى وقرنيسة وورثة غالية وزوجات حمد عقيلة بنت علي بن زهير وفاطمة بنت سليمان بن محمد وجويزية بنت عبدالله بن محمد باع جميع من ذكرنا وولي الأبكم نصيبهم إرثهم من حمد المذكور في الجفير في الرس معروفا في ذلك المكان مشهور شهرته كافية عن التحديد باعوه بجميع حقوقه وحدوده من مسيل وغيره على قرناس بن حمد المذكور بثمن معلوم قدره وجنسه وصفته واشترى منهم قرناس بذلك وكل من المتبايعين عارف الثمن والمثمن معرفة نافية للجهالة ويلغهم الثمن كاملا وتمت بينهم شروط البيع فلما رأيت ذلك حكمت بصحته شهد بذلك جماعة من المسلمين شهد به وكتبه وأثبته صالح بن محمد بن عبدالله سادس ربيع الآخر سنة 1141 وهذا البيع المذكور بعدما فسخ سليمان بن حميدان رهنه الذي في الجفير المذكور وأبرى الميت من الدين شهد بذلك جاسر بن حمد وشهد به وأثبته صالح نقله بحروفه حرفا بحرف سليمان بن حمد الرميح وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم حرر في ج سنة 1347 أ. هـ.     
وفاته: توفي رحمه الله في عنيزة عام 1184هـ. وقد ذكر المحقق ابن بشر في (عنوان المجد) وفاة الشيخ صالح فقال في معرض حديثه عن وفيات سنة 1184هـ: وفيها مات العالم القاضي في ناحية القصيم صالح بن عبدالله بن ـ نقص في كتابة الاسم ـ وكان له معرفة في الفقه. أخذ عن عدة مشايخ منهم الشيخ الفقيه عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري الحنبلي.
رحم الله الشيخ صالح وأسكنه فسيح جناته وجمعنا وإياه ووالدينا مع عباده الصالحين في جنات النعيم.
                              كتبه: عبدالله بن صالح العقيل.الرس.
                                   
المراجع:
# ـ تاريخ نجد ـ للشيخ ابن غنام ـ حرره وحققه الدكتور ناصر الدين الأسد ـ دار الشروق ـ ط4 ـ 1415هـ.
# ـ روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين ـ محمد بن عثمان القاضي ـ مطبعة الحلبي ـ  ط2 ـ 1403هـ.
# ـ علماء نجد خلال ثمانية قرون ـ الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام ـ ج2 ـ دار العاصمة ـ ط2 ـ 1419هـ.
# ـ علماء آل سليم وتلامذتهم ـ صالح بن سليمان العمري ـ ط1 ـ 1405هـ.      
# ـ عنوان المجد في تاريخ نجد ـ العلامة عثمان بن بشر ـ مكتبة الرياض الحديثة. 
# ـ وثيقة بيع الجفير في الرس ـ توجد في مكتبة الباحث.

السبت، 22 سبتمبر 2018

يومنا الوطني .. المجد والعزة والكرامة.


(يومنا الوطني.. المجد والعزة والكرامة)

في كل زمان ومكان تنتهي أمة وتسود أخرى، وتتنوع الولاية على الناس من عدل وظلم وخير وشر وصلاح وفساد، ثم يهئ الله للأمم من ينهض بها ويخرجها مما هي فيه من الفقر الظلم والفساد والجهل إلى الغنى والعدل والصلاح والعلم، والجزيرة العربية قيَض الله لها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي بدأها بعهد جديد منذ فتح الله على يديه مدينة الرياض فأخرجها من عزلتها وحررها من قيود العابثين وحقد الحاقدين، فانضمت إلى حظيرة الدولة السعودية دولة العدل والرخاء، فعم الخير في أرضها والعدل بين أهلها وأخذت بوسائل الحياة الجديدة، ثم جاء تاريخ الأول من برج  الميزان عام 1351هـ عندما قام الملك العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن بتوحيد المملكة العربية السعودية في كيان واحد فغدت دولة ذات سيادة وعضوا في المنظمات العربية والدولية وأصبحت ورائدة للأمتين العربية والإسلامية تتحدث باسمها وتدافع عن قضاياها وحريتها.
لذا فقد قام الملك عبد العزيز بتوحيد أجزاء الجزيرة العربية ورسم على صفحة التاريخ أكبر وحدة وطنية تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والإيمان العظيم والثقة الكبيرة بأبناء الشعب السعودي وعلى المعاني السامية فاستتب الأمن واجتمع الشمل وعاش الناس في رغد وارتاح الحجاج وزال الخوف وانتشر العلم واتضحت حنكة الملك عبد العزيز في إدارة البلاد وأخذ بأسباب الحياة العصرية من تطور ونماء وعيش رغيد، فأحبه الناس وزالت الحواجز بينه وبينهم فصار أخا لكبيرهم وأبا لصغيرهم يتحدث معهم ويقربهم إلى مجلسه ويعطف عليهم ويعطيهم ما يحتاجونه من مال ليسد عوزهم. وكان في حياته متمسكا بآداب الإسلام حريصا على الوفاء بأداء الأمانة التي يحملها تجاه شعبه وكان زاهدا قوي الإيمان قوي الإرادة شجاعا في الحرب ومحنكا وحكيما عادلا متواضعا كريم الخلق لديه بُعد نظر فيما يفكر فيه في السلم والحرب، قال رحمه الله ( أنا أدعو لدين الإسلام ولنشره بين الأقوام وأنا داعية لعقيدة السلف الصالح وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) كما قالت عنه إحدى الصحف الغربية (ابن سعود رجل ذو خلق قوي وإرادة نافذة استطاع بها أن يؤسس مملكته الواسعة التي لم يسبق لها أن عرفت السلام قط إلا أيام حكمه وهو يعتبر أعظم شخصية في العالم العربي اليوم) ويقول عنه موريس جورنو(إذا كان ابن سعود قد نجح في لم شعب الجزيرة العربية تحت لوائه وإذا كان قد جعل من بلد مضطرب آهل بالعصابات جعله البلد الأكثر أمنا في العالم فمرد ذلك ليس القوة والسيف فحسب بل لأنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عواطف التماسك أي التقيد الشديد بأحكام القرآن) وأقول: علينا أن نستلهم العبر وأن نعتز ببلادنا ونفخر بها، وأن ندعو لمن كان السبب فيما نحن فيه من أمن وأمان وخيرات .     
ثم جاء أبناؤه البررة فرفعوا الراية وحملوا شعلة الخير والنماء وجعلوا شعار الحكمة والموعظة والإخاء أساسا يسيرون عليه فظهرت في مملكتنا الغالية مشاعل النور وأنارت ما حولها وسارت بين الأمم المتحضرة تحمل الخير والعدل والرخاء معتمدة على الله فآتت ثمارها يانعة لهذا الوطن الغالي أمنا وأمانا وللأمة الإسلامية نصرة وعونا.
إن النهضة الحضارية التي تعيشها بلادنا جاءت بفضل الله ثم بفضل جهود القائد المؤسس الذي بناها على تقوى من الله وتابعها أبناؤه بكل ثقة، فها هي أحكام الشريعة السمحة يتم تطبيقها في بلادنا ومشاريع الخير والرخاء والتنمية والبناء مثل النهضة التعليمية والزراعية والمصانع والنقل والكهرباء والمياه والرعاية الصحية ومشروعات الخير في الحرمين الشريفين وغيرها كلها تحكي قصة نهضة حضارية عملاقة تسير بخطى ثابتة ترفدها أياد سعودية مخلصة تحافظ على وحدتها وسيادتها تحت لواء شريعة سمحة وفي ظل سياسة متينة تتجه نحو العالم المتحضر.
وفي مقابل هذه السياسة الحكيمة من ولاة أمرنا تجاه هذا الشعب الكريم نرى بعض الحاقدين الذين دأبوا على أذية المسلمين من داخل المملكة وخارجها حيث امتلأت قلوبهم بالحقد والضغينة وهم من أبناء المسلمين وأخذوا يتعمدون التفجيرات والفساد والقتل والتحريض عليها داخل المملكة ظلما وعدوانا وتحركهم أيدي الشر من الجبناء ممن خرجوا على ولاة أمرنا وأخذوا بالسب والشتم حتى وصل بهم الأمر إلى التهديد بالقتل والفساد في الأرض الطاهرة التي نشأوا عليها واستظلوا بظلها وأكلوا من خيراتها وهم الذين وصفهم الله سبحانه بقوله في سورة البقرة (204ـ206) {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} فهم بعيدون عن مبادئ الإنسانية وعن أصول الشريعة واتخذوا من الشياطين سادة ومعبودين.
 ومع الأسف فإن فئة من شبابنا بل من صغار السن من داخل المملكة ممن غرّر بهم أهل الشر والفساد فاستعملوهم ضد بلادنا وأعموا بصائرهم فأطاعوهم واستمعوا إلى خطبهم المتباكية وشعاراتهم الزائفة التي تصدر من عقولهم الضّالة يبثونها بالأبواق الرنّانة والأناشيد التي يسمونها بالأناشيد الإسلامية والتي تحث على الجهاد وتدعو إليه كما تدعو إلى عقوق الوالدين. ويستقبلون منشوراتهم التي تبث الحقد والغل ضد بلادنا وولاة أمرنا وعلمائنا ومشايخنا فشجعوهم وأيّدوهم على أفعالهم بل عمدوا إلى استعمال هؤلاء الشباب في تكفير ولاة الأمر في بلادنا وتسفيه العلماء بل وتكفير كل من يخالفهم أو من يسير ضد منهجهم مدّعين بأن ذلك من الجهاد ويحاولون بجهلهم وعنادهم أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المفسدون والحاقدون، قال الله تعالى في سورة آل عمران { لا يغرّنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد }.
إنها دعوة أوجهها لكل المسئولين بوزارة التربية والتعليم ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد والجامعات وإدارات التربية والتعليم وجميع فئات المجتمع ومنهم المعلمين والمربين والمشرفين التربويين والقائمين على المراكز الصيفية والمخيمات الطلابية والكشفية كذلك رجال الدعوة في المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد والمعلمين في حلقات تحفيظ القرآن وأنشطة جمعيات البر الخيرية بشتى أنواعها في الداخل والخارج أن يتقوا الله في شبابنا وأن يستعملوهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم، إن فئة من أبنائنا لم تبلغ أعمارهم الثانية عشرة يجهلون شروط الصلاة وواجباتها قاموا يرددون العبارات الضالة التي يسمعونها من سادتهم ومنظريهم ويدعون إلى الجهاد المزعوم وتعلموا معنى الخروج على ولي الأمر وخلع البيعة ويطلقون عبارات التكفير على من يخالف منهجهم والمدح والثناء على من يطيعهم، بل إنهم يستقبلون النشرات عبر وسائل الاتصال المنوعة ويوزعونها مع جهلهم بما تحتويه من سموم ويفرقون بين المسلمين، إن هؤلاء الناشئة يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم ويوجههم الوجهة الصحيحة ويحميهم من الأفكار السيئة الضالة ويربطهم بولاة أمرهم وعلمائهم ويبين لهم الصواب ويحذرهم من الغلو والانحراف وينير عقولهم وأنفسهم بنور الإيمان لتكون سياجا منيعا يحميهم من الزيغ والظلال، قال الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان } وقال الشاعر الحكيم:
والبيت لا يبتنى إلا على عمد        ولا ثبات إذا لم تقو أركان
كما إن على العلماء والفقهاء والدعاة وأئمة المساجد والكتّاب والمربين وغيرهم أن يبينوا لهؤلاء الشباب أمور دينهم وأن يحصّنوا النشء الجديد من سموم الغلو والانحراف ومما تبثه الفضائيات من شرور ومفاسد.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وألهمنا حب الخير وبغض الشر، وأهدنا جميعا إلى الصراط المستقيم، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه،اللهم احم بلادنا من كل شر، واجعلها بلاد خير وصلاح، اللهم أصلح شباب المسلمين واعصمهم بدينك وكتابك من كيد الكائدين وحقد الحاقدين، اللهم فقّههم في كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وجنبنا وإياهم الغلو في الدين واجعلهم هداة مهتدين، اللهم أنصر بلادنا وأحفظ ولاة أمرنا وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلّهم على الخير وتنهاهم عن الشر، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان وانصرهم على أعدائهم واجعل عملهم خالصا لوجهك الكريم ، اللهم صلّ على سيدنا محمد  وعلى آله وصحبه أجمعين.
                              عبدالله بن صالح العقيل. الرس.
                             


الجمعة، 21 سبتمبر 2018

معركة وادي الرمة 1322هـ


(معركة وادي الرمة)
في ذكرى يومنا الوطني المجيد وفي كل عام يحلو لنا أن نتحدث عن الملحمة البطولية التي قام بها الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء بتوحيد بلادنا الغالية ونشر الأمن والعلم والرخاء ومحاربة الخوف والجهل والفقر في كل أرجاء هذا الوطن المعطاء. كما يحلو لي بمناسبة يومنا الوطني 88 أن أتحدث عن معركة وادي الرمة التي وقعت عام 1322هـ بين الملك عبدالعزيز وعبدالعزيز بن رشيد على ضفة وادي الرمة الجنوبية قرب بلدة قصر ابن عقيّل الواقعة غرب محافظة الرس.
وسوف أستعرض تلك المعركة كما تحدث عنها صاحب كتاب (أولي النهى والعرفان) وهو الذي أجاد في تفصيل أحداثها. فأقول مستعينا بالله:    
معركة وادي الرمة.
ـ بعد حديثه عن معركة البكيرية وما جرى فيها من الخطب الفادح كما ذكر. قال المؤلف (ص 25):
ـ (ولما علم ابن رشيد بزحف ابن سعود إلى البكيرية أهمه أن يهجم عليها وهي مركزه العام للجيش وفيها ذخائره وعتاده فأرسل إليها سرية كبرى بعدها سرية وسرية حتى أرسل إليها ألفا وخمسمائة خيال بقيادة سلطان بن حمود بن رشيد فصادموه بخيالة ابن سعود وهي ستمائة وخمسون عند انفجار الصبح قرب البكيرية فكانت الهزيمة على سلطان بن رشيد وجنوده ثم دخلها ابن سعود وفتك بحامية ابن رشيد فيها فقتل أكثر رجالها وانهزم الباقون وهربوا فارين, ثم طاردت الخيل السعودية خيل ابن رشيد حتى أوقفتهم في الخبراء فرحل ابن رشيد منها إلى الرس فهجموا على بواديه وغنموا عددا كبيرا من الإبل, ثم نزل ابن رشيد في الشنانة على مسافة ساعة من الرس جنوبا فنزل ابن سعود في الرس, ثم أنه قام ابن رشيد فنصب مدافعه على الرس وجعل يضربها كما ضربها إبراهيم باشا في طليعة القرن الماضي. وما أشبه الحالتين فدافع أهل الرس على عادتهم في الشجاعة حتى الرمق الأخير وثبتوا ثباتا عظيما.
أقول: إن معركة وادي الرمة هي امتداد لمعركة البكيرية. فبعد هزيمة ابن رشيد في البكيرية وبعد أن فتك ابن سعود بجنود ابن رشيد خرج ابن رشيد  فارا مرورا بالخبراء حتى وصل إلى الرس ونهب منها إبلا ووصل بلدة الشنانة. ووجّه مدافعه على الرس وأخذ يضربها فتصدى له أهل الرس كما تصدوا لإبراهيم باشا قبله. ولقنوا ابن رشيد درسا في الدفاع عن بلدتهم كما كان مع الباشا.
ـ وفي(ص 25) بعنوان (ذكر واقعة الجندلية وما جرى من ابن رشيد) قال:
معركة الجندلية:
(لما طوّق ابن رشيد الرس بالحصار وشدد الوطأة عليها هلك أمير الرس في أثناء الحصار ومع موته وتوالي ضرب القنابل عليها فإنها لم تسلّم واستبسل أهلها وثبتوا في سبيل الدفاع عن أنفسهم لخوفهم من فضاعته وظلمه إن تولاهم. وكان ابن رشيد قد استنزل قائدا من قواد الرس يدعى ناصر خالد الهديان بالعهد والميثاق فلما قبض عليه قتله غدرا ومعه بضعة رجال. فأقام عبدالعزيز بن عبدالرحمن في الرس ثلاثة أشهر من تاريخ منتصف جمادى الأولى إلى تاريخ منتصف شعبان.
أقول: أمير الرس الذي مات هو صالح بن عبدالعزيز الرشيد. لم يمت من الحرب ولكن بسبب المرض حيث كان كبير السن وتولى إمارة الرس عدة مرات ولعدة سنوات. ولد في حدود عام 1262هـ وتوفي عام 1324هـ.
أما ضرب ابن رشيد الرس بالمدافع: فقد تصدى له أهلها واستبسلوا في الدفاع عنها لعلمهم بظلم ابن رشيد وأنه أتى للتدمير وليس للتعمير.
وأما حصار الجندلية: فهذا حصل عندما وصل ابن رشيد إلى الرس. والجندلية: هي نخيل ومزارع واقعة غرب الرس قريبة منها وسميت بذلك: نسبة إلى الجندل (جندل الوطاة) وملخصه: أن خيلا لابن رشيد أغارت على مزارع الرويضة الواقعة شمال الرس فقدم رجل من أهل الرويضة إلى الرس وصاح بأهلها يطلب النجدة من خيل ابن رشيد فقام القائد ناصر بن خالد بن عبدالعزيز الرشيد ومعه أربعون رجلا من الرس لنجدتهم ولكن أمير الرس آنذاك صالح بن عبدالعزيز الرشيد حاول منعهم خوفا عليهم من قوة ابن رشيد فلم يوافقوا وتصدوا لخيل ابن رشيد وقتلوا من رجال ابن رشيد عددا كثيرا, ولما هاجمهم قائد ابن رشيد دخلوا حصن الجندلية فحاصرهم من الصباح حتى بعد العصر، فطلب منهم قائد ابن رشيد أن ينزلوا بعهد الله ثم بعهد ابن رشيد، فتشاوروا بأن يبقوا حتى الليل ثم ينزلوا خفية ويهربوا إلى الرس ويسلموا من بطش عدوهم ولكن القائد ناصر الخالد أصرّ على النزول ومعه أحد عشر رجلا من جماعته فغدر بهم قائد ابن رشيد وقتلهم جميعا. وهم: ناصر بن خالد الرشيد وعيال مجمول وعلي بن منصور الخليوي ومنيع الصالح والحميدي وسوهج وخيّال ومطلق الحناكي وإبراهيم الطاسان وهزّاع وسليمان الهزّاع. أما البقية فقد بقوا في القلعة ولما غشاهم الليل جاء تركي بن راشد الدبيان وفَتَل لهم حبلا من عمائمهم وسراويلهم ونزلوا وهربوا إلى الرس وهم: سالمين وسلمان الحناكي وسليمان الرشيد والمسعودي ومحمد بن منصور الخليوي وعلي بن عبدالعزيز العقيلي وعبدالله الصالح.
وأقول: كما أن لأهل الرس مواقف مشهودة في التصدي لابن رشيد وهزيمته في معركة وادي الرمة, وقد وجدت ضمن كتابات العم محمد بن إبراهيم الخربوش في كراساته (وثيقة رقم 45) قولا عن حرب الشنانة وهزيمة ابن رشيد في عام 1322هـ نورده فيما يلي بشئ من التعديل:
(أمر الملك عبدالعزيز الجنود أن يخرجوا في طلب عبدالعزيز بن متعب بن رشيد يوم يرتحل من منزله في الشنانة يريد الهرب من شدة ما نزل به وبجنوده من اليأس والجوع والمرض ونزل في الوادي عند قصر ابن عقيل أمر الملك عبدالعزيز جنوده عامة أن يخرجوا بطلبه وأمر رجاله بالأمر على أهل الدكاكين في بلد الرس من كان عنده فشك ـ أي ذخيرة ـ يأخذه ويكتب اسمه وأخذ ما وجد .. وبعد مدة أرسل الملك لأهل الحقوق وأعطاهم.. ولما خرج الجنود بطلب ابن رشيد نزل وبات بالوادي وكان أهل الرس بهم حقد شديد على ابن رشيد بسبب فتك رجالهم بالجندلية بأربعين رجلا من أهل الرس مع أميـرهم ناصر بن خالد بن رشيد فلم يطيق أهل الرس إلا أن رابطوا على ابن رشيد في الليل خوفا من أن يهرب ولم يأخذوا ثأرهم منه، فلما أصبح نادى في الرحيل فلم يطيق أهل الرس الصبر فحلوا عليه حلة رجل واحد من قلب واحد حزين لأخذ ثأرهم وأخذوا نصف النهار فاقتفوا أثرهم أهل بريدة وباقي أهل القصيم خرجوا من القصر مددا لهم فأمر الله بالهزيمة على ابن رشيد وانهزم هزيمة عظيمة وأخذوا جميع ما معه وذبحوا ناس كثيرون ومعهم جنود من الدولة العثمانية ولم يخرج معه من جميع جنوده ورجاله إلا القليل وكل شئ بقضاء الله وقدره وذلك في سنة 1322هـ).
أقول: وهذه القصة تدل دلالة واضحة على أن عبدالعزيز بن رشيد لقي من أهل الرس في حرب وادي الرمة هزيمة منكرة هرب منها بنفسه وقُتل جمع كبير من رجاله وجنود الدولة العثمانية وغنم جنود الملك عبدالعزيز منهم غنائم كثيرة، وبعد تلك الهزيمة لم تقم لابن رشيد قائمة وانقطع عن محاربة الدولة السعودية واستقر الأمن في بلدان القصيم ودخلت تحت لواء صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.
إكمال الحديث عن معركة الوادي:
ثم قال صاحب كتاب تذكرة أولي النهى: هذا وابن رشيد في الشنانة ولم يكن في غالب هذه المدة بينهما مزاحفة إنما هو مناوشات بالخيل ومطاردات حتى ملّ الناس من تلك الحال, فقد أنتنت الأمكنة من جثث القتلى وانتشرت الأمراض الوبائية الفاتكة بين العسكريين, والسيف أعظم فتكا من تلك الأمراض الوبائية, فعند ذلك قام البدو يتفلتون كل عن أميره لأن ذلك الوقت هو فصل الربيع يريدون أن ترعى مواشيهم وتسمن استعدادا للقيض, وصاحوا بالضرر كل يشكو إلى أميره, فلما أحس ابن سعود بذلك أرسل رسولا من قبله إلى عبدالعزيز بن رشيد وهذا الرسول هو فهد بن علي الرشودي وكان فتى ندبا عاقلا وذا رأي سديد ومن أكبر أعضاء أهل بريدة بعثه ابن سعود يدعو عبدالعزيز بن رشيد إلى الصلح والهدنة. وكان ابن سعود يعلم بعناد ابن رشيد وتصلبه وجبروته وهكذا كان فقد قابل الرسول بالاستهزاء والسخرية والوعد والوعيد لأهل نجد).
أقول: هذا القول يدل على أن المعركة لم تقع في محيط بلدة الشنانة, وإنما كان يحصل بين الفريقين مناوشات ومطاردات بالخيل وحصل بينهم قتل لبعض العساكر ولكن لم يكن فيها معركة. وهو ما يؤكد بأن المعركة الحامية حصلت في موقع يسمى (المغارة) على ضفة وادي الرمة بعدما انتقل ابن رشيد من الشنانة إلى قصر ابن عقيّل هاربا من مضايقه عسكر الملك عبدالعزيز وبعدما هدم منازل البلدة وقتل من أهلها وخرّب أرضها وآبارها وقطع نخيلها وهو ما يسمى (قطعة الشنانة) وهذا ديدنه في البلدات التي يمر عليها.       
ـ ثم قال (ص 28) (أضف إلى ذلك تهديده الذي شد عزائم السعوديين على مهاجمته والقضاء عليه, فلما عزم على الرحيل ذلك اليوم لم يشعر إلاّ وقد هجم ابن سعود عليه بخيوله ليحول دون ذلك يقول أنا أخو الأنور لا أدعهم يرحلون إلا المناجزة فتصادموا وتقارعوا من صلاة الفجر يوم سادس عشر شعبان إلى غروب الشمس, فارتحلت بادية ابن رشيد قبله وتركته وراءها فخرج ابن رشيد من الشنانة وجعل ابن سعود يطارده إلى أن أذنت الشمس بالمغيب, فنصب ابن رشيد خيامه إذ ذاك خدعة للمبيت فانخدع له ابن سعود ورجع بخيله بعد أن أقام هناك بعض الحرس والكشافة, فشرع ابن رشيد يتأهب للرحيل. وكانت خطة ابن سعود الحربية أن ينهك خصمه بالمفاجآت والمناوشات فإذا أضعفه ضربه ضربة تكون هي القاضية.
ولما رجع ـ أي ابن سعود ـ مساء إلى مركزه بالرس من يومه وجلس على العشاء جاءه أحد الكشافة يقول: رحل ابن رشيد فقام وترك العشاء هو ورجاله وسارعوا إلى الخيل وأخذوا قافية العدو ولما قربوا منه رأوا سوادا ظنوه غنما فأغاروا عليها فإذا بها عساكر الترك وكان قد جن الليل فنازلوهم ساعة دون نتيجة تذكر.
ثم عاد ابن سعود وجنوده إلى الرس, وترك كشافته على حسب العادة في مكان معلوم ومعهم رجال من أسرتهم وزودهم بهذه التعليمات, إذا رحل ابن رشيد وقرب إلى الخنق (وهو موضع بين جبلي أبان معروف) فأرسلوا إليّ لتخبروني وتقفّوه لتعلموا بمسيره أما إذا مشى إلى قصر ابن عقيّل فعليكم أنتم يا آل سعود أن تسبقوه إلى القصر لتشجعوا أهله وتقولوا لهم أننا مسارعون إلى نجدتهم. وكان في قصر ابن عقيّل سرية لابن سعود. فلما ذهب ابن رشيد تلك الليلة نزل على الجوعى (القوعي) ودنا من قصر ابن عقيّل فزحف إليه يريد ضربه وكان القصر منيعا ولا يخشى عليه إلا من المدافع أن تثلم جدره, فهمّ ابن رشيد في صباح تلك الليلة بالهجوم عليه ولكن سبقه ابن سعود إليه (الصحيح سبقه آل سعود) وأرسلوا يخبرون عبدالعزيز, وما أن وصل ابن رشيد إلى القصر ركّب في الحال مدافعه كلها عليه وشرع يضرب القصر, فلما جاء الخبر إلى ابن سعود ظهرا أن ابن رشيد حصر قصر ابن عقيّل صاح برجاله قائلا. انهزم ابن رشيد ونريد أن نعمل مناورة خارج البلدة فاستبشروا واخرجوا للمناورة. فكشف لهم عن قصده الحقيقي وأمرهم بالزحف إلى قصر ابن عقيّل فترددوا لأنهم لم يكونوا متأهبين للرحيل وما معهم ماء ولا زاد وكان ذلك في الساعة الأخيرة من النهار, والمسافة بينهم وبين القصر قدر عشرين ميلا. فخطب فيهم ابن سعود محرضا مستنهضا, ثم قال: أنا واحد منكم ومثلكم أنتم خاشون وأنا أخشى. انتم حفاة وأنا والله لا أنتعل وهذا نعلي وهذا ذلولي, قال ذلك وهو يضع النعل في الخرج ويلقي بحبل الذلول على غاربه, ثم مشى أمامهم حافيا فمشوا وراءه متحمسين, وعندما وصلوا إلى القصر قبل نصف الليل بساعة أرادوا أن يهجموا على ابن رشيد في ذلك الحين فمنعهم عبدالعزيز لعلمه بما حلّ بهم من التعب والجوع, فدخلوا القصر واستراحوا تلك الليلة.
ثم قال مكملا: أما ابن رشيد فبعد أن شغّل مدافعه على القصر بضع ساعات بدون طائل رحل في صباح اليوم 18 بعدما وصل ابن سعود قصر ابن عقيّل. فلما رآه ابن سعود يرحّل إبله ويحمل أطوابه أمهل حتى مشى برجاله والعساكر ثم أنه خرج بخيله وجنده. وأتبع ساقتهم بجيوشه للمفاجأة فأدركوهم في وادي الرمة. وكان هذا الوادي لا يوجد في جزيرة العرب مثله في الطول بحيث يخترق القصيم ويمتد شرقا حتى حرة خيبر إلى الرس, ثم شرقا بشمال إلى البصرة وهو بين عنيزة وبريدة, وكذلك البكيرية والخبراء والشنانة واقعات على ضفافه. وكذلك الشيحية والجبل ممتد هناك بضعة وخمسين ميلا من الرس. فجرى على ابن رشيد في هذا الوادي ملحمة فاصلة).
نهاية معركة الـوادي:
ـ وفي (ص 28) تحت عنوان(ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322) قال:
(لما طارد السعوديون ابن رشيد من قصر ابن عقيّل وأغاروا عليه أدركوه في وادي الرمة في اليوم 18 من شعبان فأناخ هناك وجمع جيوشه, ثم أنه نصب المدافع وبنى بيوت الحرب وشجّع قومه استبسلهم فثبتوا للسعوديين فتهاجم الفريقان إلى منتصف النهار وكانت الغلبة أولا لابن رشيد.
ثم إن ابن سعود عندما رأى جناح العدو متقهقرا صمد لهم بهجمة عنيفة وشوهد منه بسالة لا تنسى, فهدم بيوت الحرب واشتد الحرب والضرب والطعان, واشتبكت بين الفريقين ملاحم تشيب لها النواصي وتعجز عن مقاساتها الجبال الرواسي. وحصلت ذبحة هائلة فانكسر ابن رشيد وولت عساكر الترك الأدبار لا يلوي أحد على أحد. وانهزم ابن رشيد ورجاله وفرّ الجميع هاربين, فأراد ابن سعود أن يتعقبهم ولكن الحملات والأموال الغنائم شغلتهم عن تتبع الفارّين. فشغلوا بها حتى جن الليل وهم ينهبون بها. ثم عادوا في اليوم الثاني والثالث والرابع وظلوا عشرة أيام وهم يجمعون الغنائم من الأسلحة والذخائر والأمتعة والثياب والنقود سوى الإبل والغنم وما وجدوا من الأموال بين تلك الأحمال من صناديق الذهب والفرش والمؤن فحملوها إلى عنيزة مقر ابن سعود فوزعها مثل بقية الغنائم على رجاله ولم يأخذ منها شيئا لنفسه. تالله إنها لغنيمة عظيمة جسيمة قسمها ابن سعود على رجاله فأصاب الرجل الواحد مائة وخمسين ليرة ذهبا وبضعة وعشرين بعيرا إلى مالا يقدر من الأثاث وغيره من الأشياء الثمينة. وقضت هذه الوقعة على ابن رشيد وعساكر الدولة ما قضت وقعة ذي قار على الفرس, وكانت هذه الوقعة الحاسمة قد غيّرت مجرى التاريخ في جزيرة العرب وانفصلت عن نتيجتين, إحداهما: نفوذ الأتراك وهيبتهم في نجد قضاء مبرما, وزعزعت ملك ابن رشيد فلم تقم له قائمة بعدها.
أما العساكر فقد تفرقوا شذر مذر بعضهم من الوباء وغالبهم قام عليهم أهالي القصيم يصطادونهم ويذبحونهم حتى جرت مواضع السانية من دمائهم, لأنهم كانوا يختفون بها فينحرون هناك, فهذا ما جرى من ذكر هذه الوقعات ولم يجر في القصيم مثلها. ومما قال الشيخ سليمان بن سحمان قدس الله روحه في ذكر مقامات صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأن ذكره فيها يستحق أن يشكر ويخلد مجده بين الأنام ولا ينكر. كيف لا وقد دفع الله بفتوحاته البلاء عن العالمين ونصر الله بطلعته سنة سيد المرسلين الأولين والآخرين. فجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين).

أقول: عندما اشتد الكرب في المعركة وأراد الملك عبدالعزيز أن ينهيها لصالحه أمر بهدم بيوت الحرب حيث شارك في هدمها من الرس البطل عبدالله بن سليمان الخميس السبيعي العنزي وهو شهيد الرس في هذه المعركة رحمه الله.
تشتيت جنود ابن رشيد:
ـ ثم ختم المؤلف حديثه في (ص32) فقال (وبعد هذه الوقعات في القصيم تشتت بقية الجنود التركية على حالة سيئة, فجزء منهم يسير مع ابن رشيد وهام آخرون في الفيافي كالسائمة وقتلوا, ومنهم من لجأ إلى ابن سعود فآواهم وكساهم وأعطاهم الأمان وكان يوجد من نسل هؤلاء اللاجئين رهط قليل في القصيم. أما ابن رشيد فإنه فر هاربا إلى الكهفة وهي قرية من قرى حائل, وأرسل إلى الدولة يستنجدها مرة أخرى. وقد نُكبت الدولة العثمانية نكبتين نكبة في نجد ونكبة في اليمن في هذه السنة) أ.هـ.
أقول: وبعد هذه المعركة لم تقم لابن رشيد قائمة, حيث تشتت ملكه وبادت أمارته ودخلت منطقة القصيم عامة في ملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وساهمت في النهضة التي قادها عبدالعزيز ورسّخها أبناؤه البررة. وساد بعدها الأمن في القصيم وحائل.
المرجع: كتاب (تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الدّيّان وذكر حوادث الزمان) المؤرخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن ج2 ط1 مؤسسة النور للطباعة والتجليد.
كتبه: عبدالله ين صالح العقيل. الرس.