الاثنين، 26 نوفمبر 2018

صالح بن عبدالله بن خميس نائب أمير الرس عامي 1352/1353هـ





صالح بن عبدالله الخميس ينوب عن أمير الرس عند سفره إلى نجران: 1352/1353هـ.
عساف بن حسين بن منصور بن سيف العساف. تولى إمارة الرس من عام 1339هـ حتى وفاته عام 1373هـ.
وعندما سافر أمير الرس عساف الحسين إلى نجران ليتولى أمارتها بأمر الملك عبدالعزيز  كان يقوم بأعمال إمارة الرس صالح بن عبدالله بن سليمان الخميس وكان ذو مكانة كبيرة عند الأمير عساف وله هيبة لدى الناس كمهابة الأمير، ثم استمر في أمارة الرس حتى وفاته في شهر رجب عام 1364هـ. أما قيامه بأمارة الرس فقد كان في عامي 1352/1353هـ عندما سافر الأمير عساف إلى نجران. وقد ورد ذلك في وثيقة كتبها محمد بن إبراهيم الخربوش بإملاء الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن رشيد في محرم عام 1364هـ وصادق عليها أمير الرس عساف الحسين المنصور مع ختمه. وتتضمن الصلح على شعبة للماء بين مزرعتين. وبشهادة سليمان البراهيم العبودي ونائب الأمير صالح بن خميس وفهد بن سيف بن عضيب.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل.. الرس.


الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

معركة وادي الرمة.


(معركة وادي الرمة)
(ملحمة عسكرية في مرحلة التأسيس)
في ذكرى يومنا الوطني المجيد وفي كل عام يحلو لنا أن نتحدث عن الملحمة البطولية التي قام بها الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء بتوحيد بلادنا الغالية ونشر الأمن والعلم والرخاء ومحاربة الخوف والجهل والفقر في كل أرجاء هذا الوطن المعطاء. كما يحلو لي بمناسبة يومنا الوطني 88 أن أتحدث عن معركة وادي الرمة التي وقعت عام 1322هـ بين الملك عبدالعزيز وعبدالعزيز بن رشيد على ضفة وادي الرمة الجنوبية قرب بلدة قصر ابن عقيّل الواقعة غرب محافظة الرس.
وسوف أستعرض تلك المعركة كما تحدث عنها صاحب كتاب (أولي النهى والعرفان) وهو الذي أجاد في تفصيل أحداثها. فأقول مستعينا بالله:   
معركة وادي الرمة.
ـ بعد حديثه عن معركة البكيرية وما جرى فيها من الخطب الفادح كما ذكر. قال المؤلف (ص 25):
ـ (ولما علم ابن رشيد بزحف ابن سعود إلى البكيرية أهمه أن يهجم عليها وهي مركزه العام للجيش وفيها ذخائره وعتاده فأرسل إليها سرية كبرى بعدها سرية وسرية حتى أرسل إليها ألفا وخمسمائة خيال بقيادة سلطان بن حمود بن رشيد فصادموه بخيالة ابن سعود وهي ستمائة وخمسون عند انفجار الصبح قرب البكيرية فكانت الهزيمة على سلطان بن رشيد وجنوده ثم دخلها ابن سعود وفتك بحامية ابن رشيد فيها فقتل أكثر رجالها وانهزم الباقون وهربوا فارين, ثم طاردت الخيل السعودية خيل ابن رشيد حتى أوقفتهم في الخبراء فرحل ابن رشيد منها إلى الرس فهجموا على بواديه وغنموا عددا كبيرا من الإبل, ثم نزل ابن رشيد في الشنانة على مسافة ساعة من الرس جنوبا فنزل ابن سعود في الرس, ثم أنه قام ابن رشيد فنصب مدافعه على الرس وجعل يضربها كما ضربها إبراهيم باشا في طليعة القرن الماضي. وما أشبه الحالتين فدافع أهل الرس على عادتهم في الشجاعة حتى الرمق الأخير وثبتوا ثباتا عظيما.
أقول: إن معركة وادي الرمة هي امتداد لمعركة البكيرية. فبعد هزيمة ابن رشيد في البكيرية وبعد أن فتك ابن سعود بجنود ابن رشيد خرج ابن رشيد  فارا مرورا بالخبراء حتى وصل إلى الرس ونهب منها إبلا ووصل بلدة الشنانة. ووجّه مدافعه على الرس وأخذ يضربها فتصدى له أهل الرس كما تصدوا لإبراهيم باشا قبله. ولقنوا ابن رشيد درسا في الدفاع عن بلدتهم كما كان مع الباشا.
ـ وفي(ص 25) بعنوان (ذكر واقعة الجندلية وما جرى من ابن رشيد) قال:
معركة الجندلية:
(لما طوّق ابن رشيد الرس بالحصار وشدد الوطأة عليها هلك أمير الرس في أثناء الحصار ومع موته وتوالي ضرب القنابل عليها فإنها لم تسلّم واستبسل أهلها وثبتوا في سبيل الدفاع عن أنفسهم لخوفهم من فضاعته وظلمه إن تولاهم. وكان ابن رشيد قد استنزل قائدا من قواد الرس يدعى ناصر خالد الهديان بالعهد والميثاق فلما قبض عليه قتله غدرا ومعه بضعة رجال. فأقام عبدالعزيز بن عبدالرحمن في الرس ثلاثة أشهر من تاريخ منتصف جمادى الأولى إلى تاريخ منتصف شعبان.
أقول: أمير الرس الذي مات هو صالح بن عبدالعزيز الرشيد. لم يمت من الحرب ولكن بسبب المرض حيث كان كبير السن وتولى إمارة الرس عدة مرات ولعدة سنوات. ولد في حدود عام 1262هـ وتوفي عام 1324هـ.
أما ضرب ابن رشيد الرس بالمدافع: فقد تصدى له أهلها واستبسلوا في الدفاع عنها لعلمهم بظلم ابن رشيد وأنه أتى للتدمير وليس للتعمير.
وأما حصار الجندلية: فهذا حصل عندما وصل ابن رشيد إلى الرس. والجندلية: هي نخيل ومزارع واقعة غرب الرس قريبة منها وسميت بذلك: نسبة إلى الجندل (جندل الوطاة) وملخصه: أن خيلا لابن رشيد أغارت على مزارع الرويضة الواقعة شمال الرس فقدم رجل من أهل الرويضة إلى الرس وصاح بأهلها يطلب النجدة من خيل ابن رشيد فقام القائد ناصر بن خالد بن عبدالعزيز الرشيد ومعه أربعون رجلا من الرس لنجدتهم ولكن أمير الرس آنذاك صالح بن عبدالعزيز الرشيد حاول منعهم خوفا عليهم من قوة ابن رشيد فلم يوافقوا وتصدوا لخيل ابن رشيد وقتلوا من رجال ابن رشيد عددا كثيرا, ولما هاجمهم قائد ابن رشيد دخلوا حصن الجندلية فحاصرهم من الصباح حتى بعد العصر، فطلب منهم قائد ابن رشيد أن ينزلوا بعهد الله ثم بعهد ابن رشيد، فتشاوروا بأن يبقوا حتى الليل ثم ينزلوا خفية ويهربوا إلى الرس ويسلموا من بطش عدوهم ولكن القائد ناصر الخالد أصرّ على النزول ومعه أحد عشر رجلا من جماعته فغدر بهم قائد ابن رشيد وقتلهم جميعا. وهم: ناصر بن خالد الرشيد وعيال مجمول وعلي بن منصور الخليوي ومنيع الصالح والحميدي وسوهج وخيّال ومطلق الحناكي وإبراهيم الطاسان وهزّاع وسليمان الهزّاع. أما البقية فقد بقوا في القلعة ولما غشاهم الليل جاء تركي بن راشد الدبيان وفَتَل لهم حبلا من عمائمهم وسراويلهم ونزلوا وهربوا إلى الرس وهم: سالمين وسلمان الحناكي وسليمان الرشيد والمسعودي ومحمد بن منصور الخليوي وعلي بن عبدالعزيز العقيلي وعبدالله الصالح.
وأقول: كما أن لأهل الرس مواقف مشهودة في التصدي لابن رشيد وهزيمته في معركة وادي الرمة, وقد وجدت ضمن كتابات العم محمد بن إبراهيم الخربوش في كراساته (وثيقة رقم 45) قولا عن حرب الشنانة وهزيمة ابن رشيد في عام 1322هـ نورده فيما يلي:
(أمر الملك عبدالعزيز الجنود أن يخرجوا في طلب عبدالعزيز بن متعب بن رشيد يوم يرتحل من منزله في الشنانة يريد الهرب من شدة ما نزل به وبجنوده من اليأس والجوع والمرض ونزل في الوادي عند قصر ابن عقيل أمر الملك عبدالعزيز جنوده عامة أن يخرجوا بطلبه وأمر رجاله بالأمر على أهل الدكاكين في بلد الرس من كان عنده فشك ـ أي ذخيرة ـ يأخذه ويكتب اسمه وأخذ ما وجد .. وبعد مدة أرسل الملك لأهل الحقوق وأعطاهم.. ولما خرج الجنود بطلب ابن رشيد نزل وبات بالوادي وكان أهل الرس بهم حقد شديد على ابن رشيد بسبب فتك رجالهم بالجندلية بأربعين رجلا من أهل الرس مع أميـرهم ناصر بن خالد بن رشيد فلم يطيق أهل الرس إلا أن رابطوا على ابن رشيد في الليل خوفا من أن يهرب ولم يأخذوا ثأرهم منه، فلما أصبح نادى في الرحيل فلم يطيق أهل الرس الصبر فحلوا عليه حلة رجل واحد من قلب واحد حزين لأخذ ثأرهم وأخذوا نصف النهار فاقتفوا أثرهم أهل بريدة وباقي أهل القصيم خرجوا من القصر مددا لهم فأمر الله بالهزيمة على ابن رشيد وانهزم هزيمة عظيمة وأخذوا جميع ما معه وذبحوا ناس كثيرون ومعهم جنود من الدولة العثمانية ولم يخرج معه من جميع جنوده ورجاله إلا القليل وكل شئ بقضاء الله وقدره وذلك في سنة 1322هـ).
أقول: وهذه القصة تدل دلالة واضحة على أن عبدالعزيز بن رشيد لقي من أهل الرس في حرب وادي الرمة هزيمة منكرة هرب منها بنفسه وقُتل جمع كبير من رجاله وجنود الدولة العثمانية وغنم جنود الملك عبدالعزيز منهم غنائم كثيرة، وبعد تلك الهزيمة لم تقم لابن رشيد قائمة وانقطع عن محاربة الدولة السعودية واستقر الأمن في بلدان القصيم ودخلت تحت لواء صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.

إكمال الحديث عن معركة الوادي:
ثم قال صاحب كتاب تذكرة أولي النهى: هذا وابن رشيد في الشنانة ولم يكن في غالب هذه المدة بينهما مزاحفة إنما هو مناوشات بالخيل ومطاردات حتى ملّ الناس من تلك الحال, فقد أنتنت الأمكنة من جثث القتلى وانتشرت الأمراض الوبائية الفاتكة بين العسكريين, والسيف أعظم فتكا من تلك الأمراض الوبائية, فعند ذلك قام البدو يتفلتون كل عن أميره لأن ذلك الوقت هو فصل الربيع يريدون أن ترعى مواشيهم وتسمن استعدادا للقيض, وصاحوا بالضرر كل يشكو إلى أميره, فلما أحس ابن سعود بذلك أرسل رسولا من قبله إلى عبدالعزيز بن رشيد وهذا الرسول هو فهد بن علي الرشودي وكان فتى ندبا عاقلا وذا رأي سديد ومن أكبر أعضاء أهل بريدة بعثه ابن سعود يدعو عبدالعزيز بن رشيد إلى الصلح والهدنة. وكان ابن سعود يعلم بعناد ابن رشيد وتصلبه وجبروته وهكذا كان فقد قابل الرسول بالاستهزاء والسخرية والوعد والوعيد لأهل نجد).
أقول: هذا القول يدل على أن المعركة لم تقع في محيط بلدة الشنانة, وإنما كان يحصل بين الفريقين مناوشات ومطاردات بالخيل وحصل بينهم قتل لبعض العساكر ولكن لم يكن فيها معركة. وهو ما يؤكد بأن المعركة الحامية حصلت في موقع يسمى (المغارة) على ضفة وادي الرمة بعدما انتقل ابن رشيد من الشنانة إلى قصر ابن عقيّل هاربا من مضايقه عسكر الملك عبدالعزيز وبعدما هدم منازل البلدة وقتل من أهلها وخرّب أرضها وآبارها وقطع نخيلها وهو ما يسمى (قطعة الشنانة) وهذا ديدنه في البلدات التي يمر عليها.       
ـ ثم قال (ص 28) (أضف إلى ذلك تهديده الذي شد عزائم السعوديين على مهاجمته والقضاء عليه, فلما عزم على الرحيل ذلك اليوم لم يشعر إلاّ وقد هجم ابن سعود عليه بخيوله ليحول دون ذلك يقول أنا أخو الأنور لا أدعهم يرحلون إلا المناجزة فتصادموا وتقارعوا من صلاة الفجر يوم سادس عشر شعبان إلى غروب الشمس, فارتحلت بادية ابن رشيد قبله وتركته وراءها فخرج ابن رشيد من الشنانة وجعل ابن سعود يطارده إلى أن أذنت الشمس بالمغيب, فنصب ابن رشيد خيامه إذ ذاك خدعة للمبيت فانخدع له ابن سعود ورجع بخيله بعد أن أقام هناك بعض الحرس والكشافة, فشرع ابن رشيد يتأهب للرحيل. وكانت خطة ابن سعود الحربية أن ينهك خصمه بالمفاجآت والمناوشات فإذا أضعفه ضربه ضربة تكون هي القاضية.
ولما رجع ـ أي ابن سعود ـ مساء إلى مركزه بالرس من يومه وجلس على العشاء جاءه أحد الكشافة يقول: رحل ابن رشيد فقام وترك العشاء هو ورجاله وسارعوا إلى الخيل وأخذوا قافية العدو ولما قربوا منه رأوا سوادا ظنوه غنما فأغاروا عليها فإذا بها عساكر الترك وكان قد جن الليل فنازلوهم ساعة دون نتيجة تذكر.
ثم عاد ابن سعود وجنوده إلى الرس, وترك كشافته على حسب العادة في مكان معلوم ومعهم رجال من أسرتهم وزودهم بهذه التعليمات, إذا رحل ابن رشيد وقرب إلى الخنق (وهو موضع بين جبلي أبان معروف) فأرسلوا إليّ لتخبروني وتقفّوه لتعلموا بمسيره أما إذا مشى إلى قصر ابن عقيّل فعليكم أنتم يا آل سعود أن تسبقوه إلى القصر لتشجعوا أهله وتقولوا لهم أننا مسارعون إلى نجدتهم. وكان في قصر ابن عقيّل سرية لابن سعود. فلما ذهب ابن رشيد تلك الليلة نزل على الجوعى (القوعي) ودنا من قصر ابن عقيّل فزحف إليه يريد ضربه وكان القصر منيعا ولا يخشى عليه إلا من المدافع أن تثلم جدره, فهمّ ابن رشيد في صباح تلك الليلة بالهجوم عليه ولكن سبقه ابن سعود إليه (الصحيح سبقه آل سعود) وأرسلوا يخبرون عبدالعزيز, وما أن وصل ابن رشيد إلى القصر ركّب في الحال مدافعه كلها عليه وشرع يضرب القصر, فلما جاء الخبر إلى ابن سعود ظهرا أن ابن رشيد حصر قصر ابن عقيّل صاح برجاله قائلا. انهزم ابن رشيد ونريد أن نعمل مناورة خارج البلدة فاستبشروا واخرجوا للمناورة. فكشف لهم عن قصده الحقيقي وأمرهم بالزحف إلى قصر ابن عقيّل فترددوا لأنهم لم يكونوا متأهبين للرحيل وما معهم ماء ولا زاد وكان ذلك في الساعة الأخيرة من النهار, والمسافة بينهم وبين القصر قدر عشرين ميلا. فخطب فيهم ابن سعود محرضا مستنهضا, ثم قال: أنا واحد منكم ومثلكم أنتم خاشون وأنا أخشى. انتم حفاة وأنا والله لا أنتعل وهذا نعلي وهذا ذلولي, قال ذلك وهو يضع النعل في الخرج ويلقي بحبل الذلول على غاربه, ثم مشى أمامهم حافيا فمشوا وراءه متحمسين, وعندما وصلوا إلى القصر قبل نصف الليل بساعة أرادوا أن يهجموا على ابن رشيد في ذلك الحين فمنعهم عبدالعزيز لعلمه بما حلّ بهم من التعب والجوع, فدخلوا القصر واستراحوا تلك الليلة.
ثم قال مكملا: أما ابن رشيد فبعد أن شغّل مدافعه على القصر بضع ساعات بدون طائل رحل في صباح اليوم 18 بعدما وصل ابن سعود قصر ابن عقيّل. فلما رآه ابن سعود يرحّل إبله ويحمل أطوابه أمهل حتى مشى برجاله والعساكر ثم أنه خرج بخيله وجنده. وأتبع ساقتهم بجيوشه للمفاجأة فأدركوهم في وادي الرمة. وكان هذا الوادي لا يوجد في جزيرة العرب مثله في الطول بحيث يخترق القصيم ويمتد شرقا حتى حرة خيبر إلى الرس, ثم شرقا بشمال إلى البصرة وهو بين عنيزة وبريدة, وكذلك البكيرية والخبراء والشنانة واقعات على ضفافه. وكذلك الشيحية والجبل ممتد هناك بضعة وخمسين ميلا من الرس. فجرى على ابن رشيد في هذا الوادي ملحمة فاصلة).
    
نهاية معركة الـوادي:
ـ وفي (ص 28) تحت صاحب كتاب تذكرة أولي النهى تحت عنوان(ذكر واقعة وادي الرمة سنة 1322) قال:
(لما طارد السعوديون ابن رشيد من قصر ابن عقيّل وأغاروا عليه أدركوه في وادي الرمة في اليوم 18 من شعبان فأناخ هناك وجمع جيوشه, ثم أنه نصب المدافع وبنى بيوت الحرب وشجّع قومه استبسلهم فثبتوا للسعوديين فتهاجم الفريقان إلى منتصف النهار وكانت الغلبة أولا لابن رشيد.
ثم إن ابن سعود عندما رأى جناح العدو متقهقرا صمد لهم بهجمة عنيفة وشوهد منه بسالة لا تُنسى, فهدم بيوت الحرب واشتد الحرب والضرب والطعان, واشتبكت بين الفريقين ملاحم تشيب لها النواصي وتعجز عن مقاساتها الجبال الرواسي. وحصلت ذبحة هائلة فانكسر ابن رشيد وولت عساكر الترك الأدبار لا يلوي أحد على أحد. وانهزم ابن رشيد ورجاله وفرّ الجميع هاربين, فأراد ابن سعود أن يتعقبهم ولكن الحملات والأموال الغنائم شغلتهم عن تتبع الفارّين. فشغلوا بها حتى جن الليل وهم ينهبون بها. ثم عادوا في اليوم الثاني والثالث والرابع وظلوا عشرة أيام وهم يجمعون الغنائم من الأسلحة والذخائر والأمتعة والثياب والنقود سوى الإبل والغنم وما وجدوا من الأموال بين تلك الأحمال من صناديق الذهب والفرش والمؤن فحملوها إلى عنيزة مقر ابن سعود فوزعها مثل بقية الغنائم على رجاله ولم يأخذ منها شيئا لنفسه. تالله إنها لغنيمة عظيمة جسيمة قسمها ابن سعود على رجاله فأصاب الرجل الواحد مائة وخمسين ليرة ذهبا وبضعة وعشرين بعيرا إلى مالا يقدر من الأثاث وغيره من الأشياء الثمينة. وقضت هذه الوقعة على ابن رشيد وعساكر الدولة ما قضت وقعة ذي قار على الفرس, وكانت هذه الوقعة الحاسمة قد غيّرت مجرى التاريخ في جزيرة العرب وانفصلت عن نتيجتين, إحداهما: نفوذ الأتراك وهيبتهم في نجد قضاء مبرما, وزعزعت ملك ابن رشيد فلم تقم له قائمة بعدها.
أما العساكر فقد تفرقوا شذر مذر بعضهم من الوباء وغالبهم قام عليهم أهالي القصيم يصطادونهم ويذبحونهم حتى جرت مواضع السانية من دمائهم, لأنهم كانوا يختفون بها فينحرون هناك, فهذا ما جرى من ذكر هذه الوقعات ولم يجر في القصيم مثلها. ومما قال الشيخ سليمان بن سحمان قدس الله روحه في ذكر مقامات صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأن ذكره فيها يستحق أن يشكر ويخلد مجده بين الأنام ولا ينكر. كيف لا وقد دفع الله بفتوحاته البلاء عن العالمين ونصر الله بطلعته سنة سيد المرسلين الأولين والآخرين. فجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين).
أقول: عندما اشتد الكرب في المعركة وأراد الملك عبدالعزيز أن ينهيها لصالحه أمر بهدم بيوت الحرب حيث شارك في هدمها من الرس البطل عبدالله بن سليمان الخميس السبيعي العنزي وهو شهيد الرس في هذه المعركة رحمه الله.
تشتيت جنود ابن رشيد:
ـ ثم ختم المؤلف حديثه في (ص32) فقال (وبعد هذه الوقعات في القصيم تشتت بقية الجنود التركية على حالة سيئة, فجزء منهم يسير مع ابن رشيد وهام آخرون في الفيافي كالسائمة وقتلوا, ومنهم من لجأ إلى ابن سعود فآواهم وكساهم وأعطاهم الأمان وكان يوجد من نسل هؤلاء اللاجئين رهط قليل في القصيم. أما ابن رشيد فإنه فر هاربا إلى الكهفة وهي قرية من قرى حائل, وأرسل إلى الدولة يستنجدها مرة أخرى. وقد نُكبت الدولة العثمانية نكبتين نكبة في نجد ونكبة في اليمن في هذه السنة) أ.هـ.
أقول: وبعد هذه المعركة لم تقم لابن رشيد قائمة, حيث تشتت ملكه وبادت أمارته ودخلت منطقة القصيم عامة في ملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وساهمت في النهضة التي قادها عبدالعزيز ورسّخها أبناؤه البررة. وساد بعدها الأمن في القصيم وحائل.
المرجع: كتاب (تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الدّيّان وذكر حوادث الزمان) المؤرخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن ج2 ط1 مؤسسة النور للطباعة والتجليد.
كتبه: عبدالله ين صالح العقيل. الرس.