الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

الرحّالة فيلكس مانجان يتحدث عن حرب إبراهيم باشا لبلدة الرس عام 1232هـ.

والرحّالة (فيلكس مانجان) في كتابه(تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية) حتى عام: 1823م الذي ترجمه أد. محمد خير محمود البقاعي ونشرته دارة الملك عبدالعزيز في الرياض. ط1/1424هـ. وقد ذكر الرس في مذكراته.
حملة طوسون باشا على نجد:
قال (ص 91) متحدثا عن حملة طوسون باشا على نجد (أما طوسون باشا فقد ترك في المدينة المنورة جيشا يبلغ عدده 2500 من الفرسان والمشاة تحت قيادة أحمد آغا بيلاني بوكوردان, واتجه على رأس قواته نحو بلاد نجد, وقد كان معه ناهيك عن المدافع الثلاثة كثير من البدو المتحالفين مع الأتراك والتقى خلال سيره بعض الأعداء الذين اضطروا إلى الهرب, وأسر ثلاث مئة رجل ولما وصل إلى حدود منطقة القصيم, ذهب إلى الشنانة التي استسلمت له بعد حصار دام يومين. وانتشر خبر هذه البداية المظفرة. وانتشر الخوف من جيش طوسون المسلح, وجاءه إلى مقر قيادته العامة زعماء بلدة الرس ليعقدوا معه اتفاقية يقدمون بموجبها للجيش مؤنا مدفوعة الثمن, على ألا يدخل الجيش البلدة, وتعهد طوسون باشا بتنفيذ ما يتعلق به من الاتفاقية, بيد أنه اتخذ تدابير للاقتراب من البلدة. وقد كان قد أصدر أمرا بالرحيل عندما وصل والده إلى المدينة المنورة مما جعله يعلن مشروعة في الاستيلاء على نجد, وعاد إلى الحناكية بهدف رؤية والده, وبينما كان في طريقه إليها أتاه خبر عاجل من المعسكر عند الرس بأن عبدالله بن سعود يتقدم على رأس جيشه نحو الرس, وأنه إذا لم يسارع بالعودة فإن قواته ستعاني معاناة كبيرة. خصوصا وأنه يبدو أن العدو ينوي قطع طرق الاتصال بين نجد والحجاز, ولما علم طوسون بذلك عاد مسرعا نحو قواته, وقد كان يسير بسرعة كبيرة تمكن بها من الوصول أمام الرس قبل أن يتمكن عبدالله من الحيلولة دون ذلك. هجم عبدالله على البدو الموالين للجيش التركي, وتمكنت قواته المنتشرة في الأرياف من الاستيلاء على قافلة تحمل ذخائر حرب قادمة من المدينة المنورة. يحرسها 200 من الفرسان قتلوا جميعا, وكان يقودهم خزندار طوسون باشا وقد لقي المصير نفسه. وقد حزن عليه طوسون باشا حزنا شديدا, وجاء مشايخ الرس يقدمون فروض الطاعة لطوسون باشا. فاستقبلهم أحسن استقبال, وخلع عليهم الخلع وأتحفهم بالهدايا, وأوصاهم بالخطبة للسلطان في صلاة يوم الجمعة, وقام أمامهم بتعليم إمام البلدة طريقة تلاوة الخطبة للسلطان. كان باستطاعة طوسون بهذا العدد القليل من القوات التي ترافقه أن يتوغل إلى مسافة أبعد, ولكنه كان يأمل بوصول دعم جديد يسمح له بالسير نحو الدرعية. وعلى الرغم من أنه تم الاتفاق على ألا يدخل الأتراك الرس, إلا أن طوسون دخلها يوم الجمعة, بحجة الذهاب إلى المسجد كما هي العادة. وبعد أن أدى الصلاة ذهب إلى منزل كبير المشايخ, كما لو كان مدعوا للغداء, وما أن دخل المنزل الذي كان يشبه القلعة حتى أرسل سرا يأمر المشاة بالمجيء للإحاطة به, وأن يتمركزوا على أبواب المدينة, حيث اتخذ لقواته كلها سكنا فهدموا قسما من أسوار البلدة والحصون, لمنع السعوديين من التحصن فيها بعد الآن. وبعد هذه الترتيبات حدد طوسون رواتب البدو, وطلب أن يتركوا لديه بعض الرهائن, واشترى قمحا وشعيرا وذرة لتموين جيشه. وبينما كان مقيما في الرس جاءه زعماء الخبراء والبكيرية والهلالية والشنانة يجددون ولاءهم. وبعد ثمانية أيام وجد نفسه مجبرا على الذهاب لنصب معسكره في الخبراء, لقد أصبحت القرى المحيطة بالرس في وضع مزر لم يبق فيها مراع, إذ كان البدو الموالون للأتراك وحدهم يمتلكون أكثر من عشرين ألف جمل ومائتي ألف رأس غنم, وقد ذهب طوسون باشا بعد ذلك إلى الشبيبية, وترك فيها بعض القوات.
وكان عبد الله بن سعود موجودا في عنيزة وكانت قواته تسيطر على المناطق المحيطة بها. وكان البدو الموالون للأتراك يشتبكون غالبا مع أنصاره من البدو, واستمرت المناوشات عشرين يوما متتالية.
وعلم طوسون باشا في صباح أحد الأيام أن السعوديين يتجهون صوب معسكره. فأرسل قوات استطلاع من الفرسان ونصب مدفعين ومدفع حصار, وبعد بضع ساعات ظهرت جماعات مسلحة, وانقضى ما بقي من سحابة اليوم. في مناوشة بين البدو الذين كانوا في طليعة الجيشين. فخسر السعوديون خمسين قتيلا, وأربعة وثلاثين جريحا. ولم يغب عن المعركة من البدو إلا عشرين رجلا. ولما اشتد الحر (35) وبدت للسعوديين استحالة مهاجمة المعسكر انسحبوا.
وفي اليوم التالي خصص الباشا ثلاثين تالرا لكل جريح من البدو. وكمية من الرز والسكر ومائة تالر لأهل كل قتيل منهم. وإذا كان بينهم أب للقتيل أو أخ فإنه يعطيهم ألبسة أيضا. وأرسل في اليوم التالي فرقة مدعمة من الفرسان باتجاه عنيزة التي كان السعوديون يسيطرون عليها. ووقع اشتباك دام عدة ساعات انفصل الجيشان بعدها, وفي أثناء عودتها قابلت تلك القوات قافلة محملة بالتمر والقمح والذرة. فاقتادوها إلى المعسكر, بعد أن قتل من قتل من حراسها ولاذ الآخرون بالفرار.
وجاء بعض البدو في اليوم نفسه يخبرون طوسون باشا أن التونونجي الذي أرسله في مهمة لمقابلة محمد علي في المدينة المنورة قُتل في أثناء عودته مع حاشيته قريبا من الرس. قتله جماعة من العدو, وكان البدو الذين حملوا إليه النبأ من الحرس الذين استطاعوا النجاة. وأكدوا لطوسون أن نائب الملك غادر المدينة المنورة إلى مصر. وأن القوات المتمركزة في المدينة المنورة انتقلت إلى الحناكية. وأن نقص المؤن ووسائل النقل منعها من الوصول إلى معسكر طوسون, لقد وقف طوسون حائرا أمام تلك الأنباء. فقد كان ينتظر وصول والده مع الدعم بالرجال والمؤن, لقد وجد نفسه في موقف حرج بعيدا عن المدينة المنورة يحيط به الأعداء من كل جانب بلا نقود ولا ذخائر ولا مؤن. ووصلت لدعم السعوديين قوات جديدة فانتشروا حول المعسكر ليمنعوا الجمال وقطعان الماشية من الذهاب إلى المراعي, وكانوا كلما التقوا البدو الموالين للباشا يسألونهم عن سبب قدومهم إلى قلب بلادهم: " كانوا يصيحون في وجوههم لستم عربا لستم إلا كلابا وخدما أذلاء للأتراك. وستكونون عام قريب صيدا سهلا لنا انتم وقائدكم الذي جاء بكم إلى هنا " وكان البدو ينقلون هذه الشتائم والسباب إلى طوسون ويقولون له: إنهم لا يستطيعون الصبر على مثل هذا الهوان, وأنهم يريدون القتال مهما كان الثمن.
كان السعوديون قد أحكموا الحصار حول المعسكر ولم يعد بالإمكان أن تصل إليه أي مساعدة. ولما حاولت إحدى القوافل القادمة من الرس المؤلفة من مائة جمل محملة بالمؤن الوصول إلى المعسكر استولى عليها السعوديون على بُعد فرسخ منه. وحزم طوسون أمره على التراجع نحو الرس التي لم تكن تبعد عنه أكثر من مسير ست ساعات. ولم يخبر بذلك أحدا, ووضع خطة الانسحاب دون ضجة حتى لا يأتي الأعداء لمضايقته أثناء تنفيذها, كانت القوات تعاني من نقص المؤن وقام الباشا بجمع قادة الوحدات العسكرية جميعا وأخبرهم أنه ينوي القتال, وسعى إلى بث الشجاعة في نفوسهم عندما قال لهم: إنه إذا كان السعوديون واثقين من قوتهم فإنهم سيبادرون هم أنفسهم بمهاجمته, ووزع في الوقت نفسه الذخيرة على الجنود وجهّز الجمال للنقل.
واستمر الرحالة فيلكس مانجان يروي أمر الحرب ويقول: وعند منتصف الليل تنادى المعسكر بالرحيل. وانتشر الخوف واللغط بين الناس لاعتقادهم أنهم سائرون باتجاه العدو, وأوكل طوسون باشا مدفعيته إلى فرسان قبيلة حرب الذين كانوا في طليعة القوات, وكلفهم بقيادة المشاة عبر طرق غير رملية, وأعلنت طلقة مدفع حلول وقت الرحيل, واتجه البدو من قبيلة الحويطات إلى أكمة تشرف على المعسكر السعودي ونصبوا عليها البيارق ليظن السعوديون أن الهجوم قد بدأ.
وركب طوسون على رأس الفرسان وكان بدو الحويطات يحمون مؤخرات القوات, وقبل الظهر كانت القوات قد وصلت آبار الحجناوي, فتزود الجميع بالماء واتجهوا من هناك إلى الرس دون أي إطلاق نار.
ولما وردت أنباء تحركات الجيش التركي, استنفر السعوديون قواتهم واستعدوا لرد الهجوم ولكنهم ما إن رأوا الأتراك ينسحبون حتى انطلقوا في أثرهم, ولما وصل طوسون باشا إلى الرس نظم قواته من جديد. وأرسل بعض الفصائل إلى الهلالية والبكيرية لشراء المؤن. وسارع أهل القرية الأولى إلى الفرار منها, أما أهل البكيرية فتلقوا جنود طوسون باشا بالرصاص, حتى وصلت فصيلة جديدة من المشاة اضطرتهم إلى الاستسلام وقد عيد طوسون باشا على هاتين القريتين حاكمين من طرفه وهدم أسوارهما. ولما علم أهل الشنانة أن السعوديين استولوا على قافلة كانت متوجهة إلى معسكر الأتراك اتفقوا مع أهل الرس على مفاجأة الحامية التركية في الرس والفتك بها. وعلى الرغم من أتن أهل الرس كانوا على استعداد لتقديم العون لأبناء جلدتهم غير أن خطتهم غير المحكمة أبطلها حاكم الرس الذي علم بالأمر في الوقت المناسب فأمر بنزع الأسلحة من الأهالي.
وبعد أن أخضع الهلالية والبكيرية أرسل الباشا قواته إلى الشنانة وحاصرها أربعة أيام. وخسروا مائتي رجل ثم استسلموا. فأمر طوسون باشا بهدم البيوت وتشتيت شمل الأهالي.
الصلح بن عبدالله بن سعود وطوسون باشا:
استمر مانجان يتحدث عن الحرب بين الطرفين فقال (ص98) (كان السعوديون يعسكرون حينئذ في الحجناوي على بُعد ثلاثة فراسخ من الرس, واستقر الرأي على أن تذهب قوات طوسون لمهاجمة السعوديين, كانت نهاية الهدنة قد اقتربت وأراد طوسون أن يستغل حالة السلم ليفاجئ السعوديين, وقرر ناهيك عما سبق أن عبدالله إذا أرسل أحدا ليقدم اقتراحات جديدة فإن الجواب سيكون أنه ليس هناك أي مجال لإجراء أي مفاوضات حتى تسليم الدرعية. وحتى يضع نفسه وجميع أقرباءه تحت سلطة الجيش التركي. ليجر ينقله إلى استانبول. وفي اليوم الذي تلا هذه الترتيبات استولى السعوديون على قطعان ماشية البدو  التي كانت متجهة إلى المراعي. فأمر طوسون أن تستعاد القطعان بقوة السلاح. وقاد الخزندار بنفسه القوات, وهجم على العدو الذي كان في انتظاره. مستعدا للقتال. كان الحر شديدا طوال ذلك اليوم. حتى أن الجنود الذين أنهكهم الحر طوال النهار لم يكونوا يستطيعون المشي في وسط الرمال. وعاد الخزندار إلى مواقعه. وقد بدأ له أن أمامه صعوبات ضخمة ينبغي تجاوزها. حينئذ بادر القادة الذين اختاروا الحرب عندما سئلوا إلى الصباح بأعلى أصواتهم: أنه ما دام عبدالله يطلب السلام وبعد الخضوع للسلطان فإنه ينبغي الموافقة على ذلك بشرطين هما:
1ـ أن يترك الأتراك في الرس والخبراء قوات يقدم إليها الأهالي المؤن بأسعار يتفق عليها.
2ـ أن يقدم السعوديون رهائن بانتظار أن يوافق نائب السلطان على الاتفاقية أو يرفضها. فإذا رفضها عاد الرهائن إلى ذويهم ورحلت القوات التركية عن الأراضي التي تحتلها.... وقد قبل عبدالله بهذه الشروط وعقد طوسون معه اتفاقية حسب الشروط المذكورة.... وبعد أن انفض المجلس وانصرف عبدالله إلى خيمته جمع طوسون باشا قادة الجيش وأعلمهم بالاتفاقية التي وقعها لتوه, وأخبرهم أنه ينوي الاستيلاء على الرس عسكريا وأن يرسل قوات إلى الدرعية لتقيم هناك إلى جانب عبدالله بن سعود, وأن يأخذ منه رهائن حتى يعود المبعوثون من القاهرة, ولما كان لا يرغب القيام بأي شيء دون موافقة قادة الجيش, فإنه أمهلهم يومين للتفكير بتلك الإجراءات, لكي يتمكن كل واحد منهم من ممارسة حقه الذي يوفره له القانون, في الإدلاء برأيه وعرض الأمر نفسه على شيوخ البدو بعد أن جمعهم وقال لهم: إن كونهم قوما رحلا شأنهم شأن أهالي نجد يجعلهم أكثر قدرة على فهم عاداتهم وتقاليدهم, وأوصاهم بعقد مجلس استشاري وأن ينقلوا إليه بعد يومين النتائج التي تجمع عليها آراؤهم. وقد شارك في هذه الاجتماعات وجهاء المدينة المنورة الذين كانوا في المعسكر.
وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية كانت بجميع بنودها لصالح الجيش التركي, فإن ما جعله يقبل بها هو الحالة الحرجة التي كان عليها, كان ينقص جيش طوسون باشا المؤن والأموال والقوى اللازمة لمتابعة الحرب. ولم يكن هناك بارقة أمل في وصول الدعم. لأن الخزندار أحمد آغا أكد لطوسون باشا أن الإمكانيات المالية انخفضت في مصر انخفاضا ملموسا, وأن الدعم لن يصل إلا متأخرا, وأنه من المستحيل الحصول على المؤن وذخائر الحرب من المدينة المنورة. التي تبعد مسيرة اثني عشر يوما من الرس, ولا من أي مكان آخر بسبب نقص الجمال لنقل الدعم. ونقص الجنود الذين يحرسونها)أ.هـ.
بعد الصلـح:
ثم يتابع الرحّالة مانجان حديثه عن الحرب حول الرس (ص111) بعد أن تم توقيع الاتفاقية قال (كان عبدالله بن سعود قد عيّن وجيهين من وجهاء الدرعية مبعوثين له أرسلهما إلى القاهرة وهما: عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم حفيد الشيخ وعبدالله بن محمد بن بنيان, ومنذ أن استلما رسائل اعتمادهما, وآخر توجيهات أميرهما أمر بمرافقتهم وأرسل معهم الرهائن حتى مدينة الرس, حيث كان معسكر العثمانيين وكان طوسون بانتظارهم, وفي اليوم التالي لوصولهم أمر طوسون باشا معسكره بالرحيل باتجاه المدينة المنورة يحمل معه الرهائن, وأرسل مبعوثي عبدالله بن سعود إلى مصر بقيادة سلحداره. وما إن غادر الجيش التركي أنحاء الرس حتى توجه عبدالله بن سعود إلى عنيزة وجمع زعماء منطقة القصيم وأرسلهم إلى الدرعية, وعيّن آخرين في مناصبهم. وعاقب أنصار الأتراك وزرع بذور الشقاق بين حلفاء الأتراك من البدو, واتخذ إجراءات لتحصين الدرعية والمدن الكبرى في الأراضي التابعة له...).
حرب إبراهيم باشا على الرس:
ثم أخذ الكاتب مانجان يروي قصة الحرب بين إبراهيم باشا وأهل الرس, تلك الحرب التي دامت ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما من: 25/8/1232هـ حتى تاريخ: 12/12/1232هـ وقال قبل وصف المعركة (ص134) (وعلى الرغم من الوباء الذي كان يجتاح معسكره كان إبراهيم باشا يستعد لمحاولة القيام بهجوم مفاجئ على الرس, واختار 1500 رجل وانضم إليهم ما يقارب 1200 بدوي) كما قال عن عبدالله بن سعود الذي يستعد للتصدي إبراهيم باشا (ص 138) (وأرسل إلى الرس دعما قوامه مائتا رجل وذخائر).
ثم إن عبدالله بن سعود بدأ يجهز نفسه وجيشه لملاقاة إبراهيم باشا الذي قدم إلى نجد بجيش تركي كبير... كما أن فيصل الدويش أراد أن ينظم إلى الجيش التركي بقيادة إبراهيم باشا مع الحذر أن يطارده عبدالله بن سعود. وأرسل ابن أخيه للباشا يخبره بأنه ما إن يصل أمام الرس حتى يأتي فيصل لمفاوضته.
وصف الحرب:
ثم بدأ المؤلف مانجان يصف الحرب بين إبراهيم باشا وأهل الرس (ص 140) فقال (ودفعت هذه التطمينات إبراهيم باشا إلى الرحيل, لقد انطلق من ماوية في الأيام الأولى من شهر يوليو على رأس 4000 من الجنود المشاة و 1200 فارس, ناهيك عن البدو, واعتلت صحته بسبب التعب الذي تكبده من قبل, ولم يفعل شيئا للعناية بها فشعر خلال الطريق بشيء من الإنهاك, أجبره على لزوم خيمته مدة ستة أيام. وطلب من علي أزن أن يسبقه, وأعطاه ألفي رجل وسلحه بثلاثة مدافع وأرقى أكثر الجيش معه. وما كاد يتماثل للشفاء حتى نهض للسير, وما لبث أن أدرك رجال الطليعة على بُعد يومين من الرس. كان الجيش يتقدم بحذر خوفا من ملاقاة العدو ويتخذ من تقدمه التدابير اللازمة. وكان كلما أوغل في المسير أصبح الماء الصالح للشرب نادر الوجود. وكان لا يكاد يكفي الرجال والخيول, أما الجمال فإنها ليست المرة الأولى التي تظل فيها ثلاثة أيام دون أن ترد الماء. وبينما كان الجيش يتقدم نحو الرس. برّ فيصل الدويش بوعده لإبراهيم باشا, وجاء لملاقاته على رأس أبناء قبيلته. وعقدا اجتماعا طويلا ووعده إبراهيم باشا بتعيينه حاكما على الدرعية. لقد أصبح فيصل الدويش تابعا للقيادة العامة, وقدم لحليفه وسائل النقل والمؤن, ومنذ ذلك الوقت أصبحت قبيلته جزءا من الجيش التركي. كانت بلدة الشنانة التي ظهرت للجنود في الأفق البعيد تبدو من خلال الخضرة التي تكتنفها بلدة كثيرة الخيرات وافرة النعم, ولكن عبدالله بن سعود كان قد خربها, وأخذ القادرين من أهلها على حمل السلاح لتعزيز القوات الموجودة في الرس. أما الشيوخ والنساء والأطفال فقد تراجعوا مع الماشية إلى نواحي شقراء. وكان التعب والإعياء قد نال من القوات فأقامت ثمانية أيام في واحة الشنانة لأنها كانت تحتاج إلى الراحة بعد المشقة والتعب.
وقبل أن يصل إبراهيم باشا بقواته أمام الرس قام على رأس 500 فارس بعملية استطلاع لمراقبة الوضع والمكان. وعاد في اليوم التالي إلى معسكره, وقد قتل اثنان من رجاله وجرح خمسة, في مناوشة مع مفرزة من جنود الحامية السعودية.
وفي اليوم التالي صدرت الأوامر بالمسير, ولما وصلوا أمام الرس حاصروها ونُصبت المدافع في الحال, ولم يكلف الجيش نفسه عناء اكتشاف أضعف الأماكن في التحصينات, وبدأ إطلاق النار على السور المحدق بالمدينة, كنا نرى القنابل تهدم البيوت وكان بعضها ينفجر قبل أن يكمل خط سيره المنحني, وبعد ستة أيام من القصف المستمر أمر إبراهيم باشا بالهجوم في الساعة الثانية ليلا, دون أن يحدث نقبا في السور يدخل منه المهاجمون, ودون أن تمتلك القوات المهاجمة أي وسيلة لمحاولة تسلق السور, ودون أن تقع عيونهم على حفرة عميقة وعريضة تقع بالقرب منه. وكانت العلامة المتفق عليها لهجوم المشاة هي طلقة مدفع. وما إن أُطلقت حتى تحركت قوات المشاة, في حين كانت بعض الوحدات تستكشف الريف, وتسهر على ألا تهاجم الحامية والأهالي. وكان علي أزن مع الدلاة والمغاربة مكلفين بلفت نظر العدو إلى موقع معين. والتظاهر بالهجوم عليه, ولم يكن في ذلك الموقع إلا مدفعان إلا أن المحاصرين استرشدوا بدوي المدافع التركية لمعرفة موقع القوات المعادية. التي بذلت جهدا بلا طائل. كانت النساء وراء الأسوار يشعلن سعف النخل الجاف المطلي بالصمغ, لإضاءة الميدان للمدافعين عنهم وكان إطلاق النار من البنادق مستمرا, ولم تهدأ حجة الهجوم خلال أربع ساعات. لقد تصدى المحاصرون لهجوم الأتراك في كل المواقع, فاضطر هؤلاء إلى التراجع ولم نكن نرى إلا القتلى والجرحى. وقد أدى هذا الهجوم المميت الذي كان التخطيط له سيئا إلى إصابة 800 رجل بين قتيل وجريح. ولم يفت هذا المنقلب السيئ من عضد إبراهيم باشا الذي لم يكن يأمل بوصول الدعم. بعد أن توغل إلى مسافة بعيدة في وسط الصحراء. وكان يعلم أن عبدالله بن سعود يعسكر بين عنيزة وبريدة. وأن أخاه فيصلا الذي كان في حملة استطلاع في أنحاء الرس يمكن أن يأتي لدعم المدينة المحاصرة. ولكن إبراهيم باشا حافظ على هدوئه وصفاء نفسه, وكانت بشاشته تواسي جنوده, من الإخفاق الذي حاق بهم. وقد كان ينبغي على الرغم من ذلك إيجاد وسيلة للاستيلاء على الموقع. وقام جنود إبراهيم باشا بناء على رأي أحد المهندسين الأتراك في الحملة بقطع عدد كبير من أشجار النخيل وقام هذا المهندس الأخرق باستخدام هذه الأشجار بعد أن قطعها إلى قطع متساوية لبناء متاريس ينصب عليها المدافع, ولم يكن هذا العمل الذي أقيم بلا أية رؤية فنية متينا. وانهار انهيارا تاما عند أول هجوم.
كان عدد القتلى يتزايد كل يوم وكانت غالبيتهم على وشك الموت, إما بسبب جراحهم البالغة وإما بتأثير الطقس وسوء وضعهم. وقد تعززت قوات إبراهيم باشا بوصول دعم قدره 900 رجل بقيادة البنباشي ياور علي. عوض الخسارة التي نزلت به منذ بدء الحصار, وما إن وصلت هذه القوات حتى كان إبراهيم باشا يفكر بالقيام بهجوم آخر. وعند طلوع الفجر توجهت القوات نحو المدينة, ولم يسفر الهجوم عن شيء وأجبرت بسالة المدافعين المحصورين الأتراك على التراجع, ولم تكن نتيجة هذا الهجوم أقل سوءا من الهجوم الأول, وأصيب ياور علي الذي كان في الطليعة مع بعض من أكثر الجنود شجاعة بجرح بالغ.
بسالة أهل الرس في الحرب:
ثم يكمل الكاتب مانجان حديثه عن الحرب (ص 142) فيقول: كان فيصل شقيق عبدالله بن سعود يتجول في المناطق المجاورة ولكنه لم يجرؤ على التصدي للأتراك ومساعدة أهل الرس. كان أهالي المدينة يدافعون عن أنفسهم بشجاعة ويقومون ببعض الغارات, ولما لم تكن لديهم الإمكانيات الكافية ولا الخبرة في فنون الحرب, فإنهم اكتفوا برد طلائع المهاجمين, والانقضاض على المدافع دون أن يسدوا ثقوبها بالمسامير لتصبح غير صالحة للاستعمال, كانوا يهاجمون أعداءهم بالبنادق ذوات الفتيلة والرماح, وحينما رأى المحاصِرون ما حل بهم فكروا بزرع ثلاث متفجرات ولكن المحاصَرون أبطلوا مفعولها. ولم يبق لدى الأتراك وسيلة يعتمدون عليها سوى الهجوم بكل مل يملكون من قوة, إذا لقد حاولوا القيام بهجوم ثالث ولم تكن نتائجه مختلفة في فشله وخيبته عن الهجومين الأولين.
موقف إبراهيم باشا من الحرب:
كان موقف إبراهيم باشا حرجا لأن ثلاثة آلف رجل من رجاله لقوا مصرعهم عند أسوار الرس. ونفدت ذخائره وبدأ النقص في الأغذية, وكانت المجاعة تهدد بقية جيشه, وعلى الرغم من ذلك كله فإن إبراهيم باشا ظل محتفظا بموفقه الحربي.
كان فيصل الدويش يرغب في سقوط عبدالله بن سعود فبذل كل ما في وسعه لجعل البدو الموالين لعبدالله ينفضون من حوله. لقد كان لتدخل فيصل هذا ومعه غانم بن مضيان الفضل في إبقاء طرق المواصلات وراء الجيش التركي آمنة.
كان كل شيء في حصار الرس يفسد الجهود التي يبذلها إبراهيم باشا, إذ ما لبث الجو أن أصبح عاصفا, وكانت الرياح العاصفة العاتية تثير عاصفة كثيفة من الغبار وتقلع الخيام وتكاد تسلب الجيش القدرة على التنفس. كان الجرحى في وسط هذه العاصفة يموتون متأثرين بجراحهم. وأسهمت المعنويات المنخفضة لدى الجنود الذين تأثروا كثيرا لما حدث, إسهاما كبيرا في انتشار الأمراض, وفي الجانب الآخر كانت بعض فصائل السعوديين تقوم بغارات على الأماكن القريبة من المعسكر, وكانوا قد استولوا على ما يقارب مائة من الجمال مع سائقيها وحرسها, ولما سمع إبراهيم باشا بهذا الخبر امتطى جواده وتبعه حوالي ألف رجل, وبعد مسيرة أربع ساعات التقى بأعدائه فمزق شملهم في وقت قصير. وكان علي أزن صفيه المخلص يرافقه في هذه الحملة وقتل في هذا الالتحام 300 سعودي وقُطعت رؤوس الجرحى وعرضت على أسوار الرس على مرأى من الذين هم تحت الحصار. وملأ هذا العرض الشنيع نفوسهم رعبا, وأصبحوا يتحرقون شوقا للانتقام. لقد جعلوا الأتراك يدفعون غاليا ثمن ذلك الانتصار الذي حققوه.
طلب الصلـح:
كان عبدالله بن سعود يستطيع تخليص بلاده من أعدائه بقوة السلاح ولكنه أيضا أراد اللجوء إلى المفاوضات, فأرسل اثنين من مستشاريه الشيخ محمد الحنبلي وعبدالعزيز بن محمد إلى مقر القيادة العامة للجيش التركي, وعرض السلام على إبراهيم باشا شرط أن يرفع الحصار عن الرس, ولكن إبراهيم باشا لم يستمع إلى ما يحمله هذان المبعوثان وكان جوابه أن أنذر محمد بن مزروع أمير مدينة الرس بوجوب تسليم المدينة, فقال له الشيخ محمد الحنبلي " إن هذا ضرب من الخيلاء فأنت تهاجم الرس منذ زمن طويل ولن تستطيع الاستيلاء عليها" فاغتاظ إبراهيم باشا من هذا الكلام ولكنه جعل الشيخ بعد ذلك يندم على كلامه المهين. أما رد أمير الرس فكان بعبارات التهديد المشهورة " تعال خذها " واستؤنف القتال وخسر الأتراك بلا طائل كثيرا من الرجال والذخيرة. كان الجنود يطلقون النار بلا هدف ظنا منهم أنهم يرهبون حامية المدينة بإطلاق النار المتكرر, ولكن إخفاق جيش إبراهيم باشا في تحقيق النجاح لم يمنع السعوديين من متابعة مفاوضات الصلح. لأنه كان يود أن يكسب الوقت ليتيح لإخوته الزمن اللازم ليتحصنوا. فأرسل إلى إبراهيم باشا بمقترحات جديدة, ولكن هذا الأخير طلب منه أن يدفع نفقات الحرب, ومتأخر الرواتب للجنود, وأن يقدم ألفي جواد وثلاثة آلاف من الإبل ومؤنا تكفي الجيش ستة أشهر, وأن يرسل اثنين من أبنائه رهينتين لدى إبراهيم. ولما سمع صالح بن رشيد مبعوث عبدالله هذه الشروط المجحفة قال لإبراهيم باشا " إنه لا يتفاوض مع فلاح مصري وأن خصمه هو أمير نجد وحاكمها محارب شديد المراس, مشهود له بالشجاعة في المواطن كلها " ولم يتوصل الطرفان إلى الاتفاق على شيء.
الموافقة على الصلح:
ثم يكمل مانجان حديث المشاهد والمتابع عن حرب الرس فيقول (ص 145) بيد أن الأسى كان عظيما, إذ لم تُتخذ أي إجراءات لجعل المدينة تستسلم. تلك المدينة التي ما كانت لتصمد يومين لو أن الهجوم عليها كان منظما. أما فيصل الدويش الذي عاد من غارة على بعض القبائل المعادية فإنه حمل معه بعض الأسرى السعوديين, وما إن مثل هؤلاء الأسرى بين يدي إبراهيم باشا حتى أصدر عليهم حكما بالموت. وكان على الرغم من الإنهاك الذي حل بقواته لا يني يطالب باستسلام المدينة. أما الأهالي الذين أنهكهم الحصار فإنهم قرروا بالاتفاق مع حاكمهم إلى طلب هدنة يُتفق بعدها على تثبيت بنود اتفاق لم يكن فيه كثير مما يشرف الجيش التركي, فبعد ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما من الحصار أقر إبراهيم باشا بالخطر الذي يحيق به, ووافق على شروط صعبة دفعه للموافقة عليها وضع جنوده, ومقاومة المحاصرين.
بنود الصلـح:
اتفق الطرفان على أن يُرفع الحصار عن الرس, وعلى أن يذهب إبراهيم باشا مع جيشه حيث شاء, وعلى ألا يدخل هو أو أحد جنوده مدينة الرس, وأن الأهالي ليسوا مجبرين أن يقدموا أي شيء للجيش, وألا يُطلب منهم لا مؤن ولا غرامات, وأن مدينة الرس لن تقبل أن تقيم فيها حامية تركية. إلا إذا استطاع إبراهيم باشا الاستيلاء على عنيزة. وأنه إذا لم يتمكن من ذلك فإن المعارك تبدأ من جديد بين الطرفين المتنازعين. وبلغ عدد القتلى الأتراك الذين سقطوا أمام أسوار الرس 3400 رجل. وأما الأهالي والحامية السعودية فقد قتل منهم 160 رجلا, وجُرح عدد قليل. ولكن هذه كانت آخر الهزائم التي تلقتها قوات إبراهيم باشا. إذ فجأة وكأن قوة خارقة تدخلت لتغير مسار مصيره. بدأ هذا الأمير يسير من نصر إلى نصر وغسل بدماء السعوديين العار الذي لحق بقواته أمام أسوار الرس. ولم تكن هذه الانتصارات من فعل المصادفة فقط, لقد استطاع إبراهيم باشا بجسارته ورباطة جأشه أن يتغلب على المصاعب التي كان يمكن أن تفت بعضد رجل أقل بسالة منه. ولما رفع إبراهيم الحصار عن الرس توجه إلى الخبراء, التي ما لبثت أن استسلمت بعد أن تعرضت لنيران المدافع على مدى ساعتين, واستراح بها الجنود أحد عشر يوما, وقدم الأهالي إليهم القمح والشعير وحاجات أخرى بادر الأتراك إلى دفع ثمنها نقدا. وجاء فيصل الدويش وغانم بن مضيان من قبيلتيهما بالجمال اللازمة للنقل واتجه الجميع إلى عنيزة. ولما علم عبدالله بن سعود بالاتفاقية التي عقدت أمام الرس انسحب باتجاه بريدة, ونصب الجيش التركي خيامه في نواحي عنيزة حيث كان السعوديون فقد عسكروا قبل ثمان ساعات) أ.هـ.
انتقام إبراهيم باشا من خصومه:
وتحدث مانجان عن انتقام إبراهيم باشا من خصومه فقال (ص 179) وبعد رحيل عبدالله أمر إبراهيم بالقبض على الشيخين أحمد الحنبلي وصالح بن رشيد الذين سمحا لأنفسهما عندما جاءا إلى معسكره في الرس مبعوثين من عبدالله بمخاطبته بطريقة غير لائقة فأمر بخلع أسنان الأول ووضع الثاني على فوهة المدفع بعد أن أمر بضربه بالعصي) أ.هـ.
قتل أهل القصيم مطاوعتهم:
كما قال مانجان عن قتل أهل القصيم لمطاوعتهم (ص 265) وفي عام 1780م 1196هـ تواطأت بلدان القصيم على التمرد باستثناء بريدة والرس والتنومة وتآمر الأعيان سرا خلال اجتماع عقدوه في عنيزة وقتلوا أتباع عبدالعزيز الذين كانوا موزعين في أنحاء الإقليم, ولم يشعر بذلك أحد, وقبل أن ينفض الاجتماع أرسل الأعيان رسولا إلى سعدون يخبرونه بما عزموا عليه, ويطلبون منه الانضمام إليهم. سر سعدون كل السرور بهذا الخبر حتى أنه أهدى الرسول هدية ثمينة. وما لبث أن جمع قومه وسار بهم نحو إقليم القصيم, ولما علم المتآمرون باقترابه قتلوا عمال عبدالعزيز جميعا, فقام أهل الخبراء بقتل إمامهم ـ منصور أبا الخيل ـ وهو يصلي في المسجد, وفي الخبراء شنق المتآمرون أميرهم علي بن حوشان. وتآمر ثلاثة من أعيان بريدة لإشعال نار الفتنة في المدينة ولما علم أميرها حجيلان بن حمد بمؤامرتهم قبض عليهم وقتلهم. وقد أحرق في نواحي عنيزة كفيف مسكين. وفي عنيزة نفسها قبضوا على اثنين من عمال الزكاة وأرسلوهما إلى سعدون فقتلهما....) أ.هـ.
ثم قال مانجان (ص 368) (يُذكر في هذا الكتاب أن الرس تقع على مسافة اثني عشر يوما من المدينة المنورة.. والأيام المذكورة هي من ثماني ساعات فقط).
التعليق:
ـ قال متحدثا عن طوسون باشا (واتجه على رأس قواته نحو بلاد نجد, وقد كان معه ناهيك عن المدافع الثلاثة كثير من البدو المتحالفين مع الأتراك).
وأقول: لا يستغرب أن يقوم بعض أفراد البادية بالانضمام لجيش إبراهيم باشا لعدة أسباب. أولها: خوفهم من بطشه عندما يمر على ديارهم. ثانيها: أنه كان يغدق عليهم الأموال والملابس والأطعمة ليغريهم بأن ينضموا إلى جيشه, مع العلم بأنهم يعانون من الفقر وعطايا الباشا تغنيهم, ثالثها: أن بعضهم ليسوا موالين للدولة السعودية خاصة أهل المناطق البعيدة عن منطقة الحكم. وقد يبحثون عمن لديه القدرة في القضاء على الدولة. رابعها: أن قادة ومشايخ البدو لا يهمهم من يحكم الدولة, بل يهمهم من يعيشون تحت ظله بأمان. وقد يوجد أسباب أخرى. 
ـ قال (والتقى خلال سيره بعض الأعداء الذين اضطروا إلى الهرب).
وأقول: كان طوسون باشا يواجه بعض الهجوم من زعماء البادية الذين يمر من ديارهم خوفا من الهلاك من جيشه الذي لا يرحم أحدا, كما أن أفراد جيش الباشا يرغمون البدو على تقديم الأعلاف للإبل والخيول وقد يأخذون منهم ذلك بدون مقابل, كما أنهم يشترون حاجاتهم من إنتاج البادية وقد يظلمونهم في إيفائهم حقهم, ولا ننس بأن الباشا وجنوده يرون بأن من يخالفهم عدوا خارجا عليهم. مع العلم بأنهم هم المعتدون.
ـ قال (ولما وصل إلى حدود منطقة القصيم, ذهب إلى الشنانة التي استسلمت له بعد حصار دام يومين).
وأقول: الغريب أن بلدة الشنانة الصغيرة والقريبة من الرس صارت مسرحا للعمليات الحربية عند وصول طوسون باشا وإبراهيم باشا, وبعدهما عبدالعزيز ابن رشيد في معركة الوادي عام 1322هـ. وسبب ذلك: أنه عندما قدم طوسون باشا مع قواته إلى الرس وكانت غير محصّنة وليس فيها سور يحميها من الأعداء, اختلف أهلها منهم من يرى أن يتم التصدّي لطوسون باشا ومنعه من احتلال البلدة وهؤلاء قلّة, بينما يرى آخرون وهم الأكثر التسليم لطوسون لعدم وجود القوة الكافية لديهم للتصدي لجيش كثير العدد والعدة, ولذا فإن الذين يرون التصدّي لطوسون خرجوا من بلدة الرس وتحصنوا في مرقب الشنانة فأغار عليهم جيش طوسون وحاصروهم لمدة يومين لكنهم استسلموا لعدم قدرتهم على المواجهة.

ـ قال (وانتشر خبر هذه البداية المظفرة. وانتشر الخوف من جيش طوسون المسلح).
أقول: جيش طوسون باشا كان كثير العدد في حدود (4200) رجل بينما عدد أهل الرس حينها (300) رجل فقط فكيف لهم أن يتصدوا لهذا الجيش الغادر والذي يهدف إلى هدم البلدة وقتل أهلها. ثم إن قتل مجموعة من رجال البلدة غدرا في مرقب الشنانة لا شك بأنه يرهب البقية الذي يملكون عددا من البنادق البسيطة فقط.

ـ قال (وجاءه إلى مقر قيادته العامة زعماء بلدة الرس ليعقدوا معه اتفاقية يقدمون بموجبها للجيش مؤنا مدفوعة الثمن, على ألا يدخل الجيش البلدة).
وأقول: أن من أهداف حملات أبناء محمد علي باشا القضاء على كل الحكومات والإمارات وتدمير كل شيء يمرون عليه وهذا ما حصل, ولا شك بأن أهل الرس وغيرهم يحاولون قدر الإمكان المحافظة على بلدتهم من التدمير وعلى أنفسهم وأهلهم وأموالهم من القتل والنهب. لذا فإن عقلائهم رأوا عدم الخوض في حرب غير متكافئة ومعروف نتائجها, وتقدموا بطلب الصلح للمحافظة على مقدراتهم البسيطة فوافق طوسون لما رأى رغبتهم وبهذا حافظوا على أنفسهم وعلى بلدتهم.
ـ قال (خصوصا وأنه يبدو أن العدو ينوي قطع طرق الاتصال بين نجد والحجاز, ولما علم طوسون بذلك عاد مسرعا نحو قواته).
وأقول: الغريب في الأمر أن الأتراك زمن معهم من الرحّالة يصفون أهل نجد سواء كانوا حكاما أو مواطنين بألفاظ من الأولى أنها تطلق عليهم لأنهم هم المعتدين والذين دخلوا الجزيرة بقصد القضاء على الحكومة والمواطنين والبلدان. من تلك الألفاظ (الأعداء) (الخوارج) (الملاعين) (الخونة) وغيرها. وهم في هذا يصفون الإمام عبدالله بن سعود بأنه (العدو) مع أنهم يدركون بأنه يدافع عن ملكه. وأن أهل نجد يدافعون عن بلادهم ضد المعتدين.
ـ قال (وقد كان يسير بسرعة كبيرة تمكن بها من الوصول أمام الرس قبل أن يتمكن عبدالله من الحيلولة دون ذلك).
وأقول: هجم عبدالله على البدو الموالين للجيش التركي, وتمكنت قواته المنتشرة في الأرياف من الاستيلاء على قافلة تحمل ذخائر حرب قادمة من المدينة المنورة. يحرسها 200 من الفرسان قتلوا جميعا, وكان يقودهم خزندار طوسون باشا وقد لقي المصير نفسه. وقد حزن عليه طوسون باشا حزنا شديدا,
ـ قال (وجاء مشايخ الرس يقدمون فروض الطاعة لطوسون باشا. فاستقبلهم أحسن استقبال, وخلع عليهم الخلع وأتحفهم بالهدايا, وأوصاهم بالخطبة للسلطان في صلاة يوم الجمعة, وقام أمامهم بتعليم إمام البلدة طريقة تلاوة الخطبة للسلطان).
وأقول: لم يقل أحد من المؤرخين بأن أهل الرس جاءوا إلى طوسون باشا مستسلمين. ولكن ربما يُفسّر ذلك: بأن أهل الرس لم يكونوا مستعدين لمواجهة الأتراك وكان عددهم قليل وليس لهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم أمام جيش كثير العدد ويحمل السلاح الفتّاك. كما أن البلدة حينها لم تكن محصّنة بسور منيع يصد الأعداء. ثم إن أهل الرس انقسموا مجموعتين في موقفهم من حرب طوسون باشا. الأمر الذي جعل من بقي في البلدة ولم يخرج إلى الشنانة موقفهم ضعيف وحولهم النساء والأطفال ويصعب الزج بهم في حرب غير متكافئة. فلعلهم أرادوا مهادنة طوسون من أجل أن يتقوا شرّه.          
ـ قال (وعلى الرغم من أنه تم الاتفاق على ألا يدخل الأتراك الرس, إلا أن طوسون دخلها يوم الجمعة, بحجة الذهاب إلى المسجد كما هي العادة. وبعد أن أدى الصلاة ذهب إلى منزل كبير المشايخ, كما لو كان مدعوا للغداء. وما أن دخل المنزل الذي كان يشبه القلعة حتى أرسل سرا يأمر المشاة بالمجيء للإحاطة به, وأن يتمركزوا على أبواب المدينة, حيث اتخذ لقواته كلها سكنا فهدموا قسما من أسوار البلدة والحصون, لمنع السعوديين من التحصن فيها بعد الآن).
وأقول: يروي أهل الرس بأن طوسون باشا بعدما حضر صلاة الجمعة في مسجد الشيخ قرناس دعاه الشيخ للقهوة في منزله فأجاب الدعوة ولكنه كان خائفا من الغدر به. لذا قد يكون دعا بعض المشاة من جنوده بان يطوقوا البلدة ومنزل الشيخ خوفا من الاعتداء عليه. كما قد يكون أمرهم بهدم قسما من سورها لأن هذا نهجهم التخريب والقتل. ولكنهم لم يتخذوا كل البلدة سكنا لهم. ولو كان ذلك صحيحا فأين ذهب أهل البلدة ؟. الذين يبلغ عددهم (300) رجل عدا النساء والأطفال. وكم مساحة البلدة حتى تستوعب كل الجنود الذين قادهم طوسون باشا ؟.
ـ وقال (وبينما كان مقيما في الرس جاءه زعماء الخبراء والبكيرية والهلالية والشنانة يجددون ولاءهم. وبعد ثمانية أيام وجد نفسه مجبرا على الذهاب لنصب معسكره في الخبراء).
وأقول: كل بلدات القصيم لم يكن حولها أسوار تحميها. ورجالها لم يمارسوا الحروب الكبيرة مثل جيوش محمد علي باشا. لذا ليس عليهم ملامة عندما يطلبون الصلح واتقاء شر جيش كبير مدجج بالسلاح والمدافع وأن يحافظوا على أهلهم ومنازلهم.     
ـ قال (وقد ذهب طوسون باشا بعد ذلك إلى الشبيبية, وترك فيها بعض القوات)
وأقول: الشبيبية مثل الحجناوي والشنانة والخبراء كلها كانت مسرحا للحروب الطاحنة بين أهل القصيم وطوسون باشا وبعده أخيه إبراهيم باشا. الذين أتوا للدمار والقتل فحسب.
ـ وقال (وفي اليوم التالي خصص الباشا ثلاثين تالرا لكل جريح من البدو. وكمية من الرز والسكر ومائة تالر لأهل كل قتيل منهم. وإذا كان بينهم أب للقتيل أو أخ فإنه يعطيهم ألبسة أيضا).
وأقول: هذا نهج الطغاة والمحاربين يجلبون معهم إلى مواقع الصراع بعض الأطعمة والألبسة والمبالغ من أجل أن يستميلوا بها عواطف السكان ومن حولهم. وأبناء محمد علي عندما قدموا إلى نجد أخذوا يتقربون من البدو الذين يسكنون حول البلدات التي يمرون عليها حتى يأخذونهم أدلاّء ومحاربين).  
ـ ثم قال (وبعد أن أخضع الهلالية والبكيرية أرسل الباشا قواته إلى الشنانة وحاصرها أربعة أيام. وخسروا مائتي رجل ثم استسلموا. فأمر طوسون باشا بهدم البيوت وتشتيت شمل الأهالي).
وأقول: كان في الشنانة مجموعة من أهل الرس تحصنوا في مرقبها بعد أن اختلفوا مع مجموعة أخرى بشأن التصدي لجيش طوسون باشا أو مهادنته. وعندها أرسل لهم طوسون باشا قوة لقتالهم. لكنهم أخذوا يصطادون جنود الباشا بالبنادق من فوق المرقب حتى أبادوا منهم مائتي رجل. فانتقم الباشا منهم بهدم المنازل وتفريق الأهالي. وهذا نهج الغزاة إذا عجزوا عن مقاومة الرجال جعلوا انتقامهم في الأهالي العزّل وهدم المنازل.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ــ الرس.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك تعليق واحد:



  1. كما قرأنا ماكتب ، هناك مفرقات في بعض التحليل ، فكيف يتم بناء برج الشنانة او الرس قبل ان يتم بناء اسوار و قلاع تحمي البلدة .
    اذا كان موجود برج الشنانه بذلك الوقت كما قال الكاتب ، فكيف لم يذكر برج الرس الذي تم بناءة متزامن مع برج الشنانه .

    تحصين القرى باسوار لم يكن الى بعد هجمات الاتراك لقرى وادي القصيم كما ذكر الكتاب ، فكيف يتم ذكر ان اهل الرس خرجوا وتحصنوا في ( برج الشنانه ) ولم يذكر البته فاعلية برج الرس والذي ركز على جدار او حصن للقرية تم هدم البعض عند دخول طوسون لاداء صلاة الجمعه ... و كذلك تم رفع المدافع بالنخيل لتسقط الذخيرة داخل القرية الرس ...

    نستنتج ان : تحصين القرى جميعاً اتت بعد نشاة الدولة
    السعودية الاولى التي ايقنت ان سقوط قرى ووادي القصيم هو سقوط للدرعية وبذلك تم تحصين جميع القرى ذات الفغالية لتاخير تقدم او هزيمة العدو ، و الكتاب ذكر عدة نقاط انة تم هدم اسوار وبعض منازل الرس أو الشنانة لماذا ؟ لانها تعيق السيطرة عليها وتاخر تقدم العدو . ليس كما في السابق لا توجد اسوار و حصون على القرى ..

    ونستنتج ايضاً : برج الرس و برج الشنانه تم بنائة و الاسوار و الحصون تم بنائها في عهد الدولة السعودية الاولى وعلى نفقتها عندما بداء الخوف يتزايد من هجمات الاتراك ...
    ففي بداية الحملات التركية لم تكن هناك حصون و اسوار و قلاع دفاعية او مراقبة على اغلبية القرى للقصيم ، وبعد ذلك تم بنائها لاكثر القرى بنفس التزامن كيف يكون ذلك ولماذا ؟ ولماذا يستخدم الاتراك اسلوب هدم الجدران و الحصون

    ونستنتج كذلك : الرس هي مفتاح نجد فسقوطها سيسقط جميع قرى القصيم وهذا معلوم لدى قياداة السعودية الاولى بذلك الوقت لقدوم العدو من المدينة المنورة ، لذلك تم تحصين الاماكن الحيوية مثل الرس ومزارع الرس منها الشنانه و الرويضة ،..

    حيث تم زرع ابراج مراقبة في الرس وتوايعها وهذه الابراج ليست دفاعية كما يستخدم على القلاع الملاصقة للسور او الحصن .. و لسبب زرع ابراج و تكثيفها في الرس لانها تكشف تقدم العدو نحو المنطقة بالكامل بحكم ان الرس ومزارعها الغربية هي حدود القصيم من غرب ..
    فاكتشاف العدو بالوقت المناسب
    مهم لجميع القرى و الدرعية ..

    ثانياً : مرقب او برج الشنانه يقع في اماكن مرتفعة عن بقية الاماكن كالرس بسبب التضاريس، لهذا تم دعم الرس ببرج اخر وبتفس الزمن ببرج الشنانة للمراقبة لغربي و جنوب و شمال الرس واعطى اشارة بين البرجين عند وجود ما يلزم لذلك ..

    فمن بناء برج الرس هو من بناء برج ابشنانه
    وبنفس التقنية و بنفس الايدي العاملة وبتفس الفترة الزمنية و تحت قيادة الدولة السعودية الاولى

    خروج ناس من الرس والذهاب للشنانة لملاقات الاتراك يدل على ان اهالي الشنانه هم اهالي الرس ونتقلوا للزاعة وذهب البعض من اهالي الرس للدفاع عن الشنانة لماذا ؟ و اين اهالي الشنانه عن الدفاع عن الرس ؟ يثبت ذلك ان الشنانة جزء لا يتجزء من الرس فقد خرج البعض من اهالي الرس للزاعه و استوطن هناك كما تم الايستيطان بالرويظة بذلك الوقت وكليهما ظمن حدود الرس ، فقط مزارع تم انشائهامن الاهالي لدعم الرس اقتصادياً اما الاهالي هم اهل الرس ..

    وبعذا نقول كاستنتاج نهائي : الرس الموقع الاستراتيجي و المفتاح الاساسي لنجد باكملها فتم تكثيف الحصون و الاسوار و القلاع في الرس ومزارعها المسكونة بذلك الوقت الرويضة و الشنانه للمراقبة ومنع تقدم العدو ..
    وتم استخدام الابراج كمراقبة ايام تقدم ابن رشيد على الرس ..

    هذه الاستنتاجات من ريظ ماذكر الكتاب بواقع الاحداث المتتالية و ربطها في تضاريس الرس لمعرفة متى بداءة القرى تتحصن ..
    مع الملاحظ ان اغلب القرى بالقصيم تشاهدها الان عليها اسوار و قلاع ذات تكاليف عالية ( جهد و مال) لماذا ؟ وكيف تم دعمها؟ ومن دعمها ؟ ولماذا تم دعمها ؟
    الاجابة بلاستنتاجات اعلاه ...

    ردحذف