( حول المعركة ضد الجيش الفرنسي )
[معركة ميسلون عدد من أبطالها من هنا .. وبعضهم أحياء يرزقون ]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لقد جاء في مقابلة ضيف الجزيرة التي أجريت مع العم خليل إبراهيم الرواف بتاريخ 5 / 6 / 1406هـ أن مجموعة كبيرة تقدر بحوالي خمسمائة رجل من أبناء نجد قد شاركت في معركة ميسلون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي ، وأن بعضاً منهم قد سقطوا شهداء في تلك المعركة .
ولقد بقيت هذه الحادثة التاريخية الهامة مجهولة من قبل أبناء المملكة وأبناء سوريا وأبناء الوطن العربي بصفة عامة ، ولكنها معروفة ومتناقلة بالأحاديث بين بعض أبناء العقيلات من سلالة الأسر النجدية التي قامت في الماضي بالتجارة بين نجد والعراق وبلاد الشام ومصر ومناطق أخرى . وليست هذه المرة الأولى التي يشار بها في صحيفة عربية لدور النجديين في معركة ميسلون . فلقد قام والدي ياسين إبراهيم الرواف رحمه بكتابة مقالة في جريدة النصر السورية بدمشق منذ حوالي خمسة وعشرين عاماً ، يذكر فيها الأشقاء العرب في سوريا ببطولة النجديين المنسية في معركة ميسلون .
وعلى أثر مقابلة الجزيرة المشار إليها اتصل الأستاذ يعقوب الرشيد بالعم خليل الرواف الذي تربطه به معرفة قديمة وأخبره بأن القائد النجدي لمعركة ميسلون حي يرزق ويقيم حالياً في الرياض .
ثم اطلعت على المزيد من التفاصيل حيث أخبرت بأن أحد أبطال معركة ميسلون والذي كان له شرف قيادة النجديين فيها هو الشيخ ناصر ابن علي بن دغيثر من مواليد الرس وأن حي يرزق يقيم في الرياض . وذهبت لمقابلة الرجل الشجاع الذي تجاوز السابعة والتسعين من العمر ليحدثني عن دور النجديين غير المدوّن في تاريخ معركة ميسلون .
ولقد أخبرني الشيخ ناصر بن دغيثر بأنه كان مقاتلاً قائدا في جيش الريف فيصل بن الحسين وأنه صحب القائد البريطاني لورنس في مقاتلة الجيش التركي أثناء الحرب العالمية الأولى ، وأن لورنس قد ذكر اسمه في عدة مواضع في كتابه الشهير أعمدة الحكم السبعة ، ويقول ابن دغيثر بأنه بعد عدة شهور من دخول الجيش العربي إلى سوريا وتتويج الملك فيصل ملكاً عليها كلفه الشريف المتوج بتشكيل فرقة من المقاتلين لمجابهة الجيش الفرنسي القادم من لبنان . وأنه قام بتسجيل خمسمائة مقاتل من أفراد القوات العربية التي دخلت إلى سوريا . ويضيف الشيخ ابن دغيثر بأن الفرقة النجدية التي اشتركت معه في حرب ميسلون تكونت من عدة فصائل كان على رأس كل منها قائد من أبناء نجد وتولىهو القيادة العامة. ولقد زودنا الشيخ ناصر بأسماء أبرز قادة الفصائل الذين يتذكرهم في معركة ميسلون وهم :
1 ـ عبد الله بن سليمان بن عيسى . وكيل الأمن العام السابق في المنطقة الشرقية ـ من بريدة .
2 ـ فهد بن شارخ ، من الرس .
3 ـ سعد السكيني ، من الرس .
4 ـ فهد الوهيبي ، من الخبراء .
5 ـ عبد الله بن مكرش ، من عنيزة .
6 ـ ناصر بن حمود بن عبيد الله ، من عنيزة .
ويقول الشيخ ناصر بن دغيثر بأن الجيش الفرنسي تمكن بعد قتال مرير استخدم فيه الطائرات والمدرعات ، من اقتحام صفوف الجيش العربي ولكن قادته تمكنوا من تنظيم عملية الانسحاب لتقليل عدد الخسائر في الأرواح ، ولقد تم إحصاء بعض النجديين القتلى في المعركة كما يقول الشيخ ناصر ويتذكر منهم :
1 ـ صالح بن جليدان ، من الرس .
2 ـ محمد بن عقيل ، من الرس .
3 ـ محمد بن رشيد بن بلاع ، من عنيزة .
4 ـ مبارك الدغيثر ، من عنيزة .
وبما أن الشيء بالشيء يذكر ، فلقد أخبرني الأخ يعقوب الرشيد الذي رافقني لزيارة الشيخ ناصر بن دغيثر ، بأن معركة ميسلون ليست المرة الوحيدة التي يقاتل فيها النجديون في معارك عربية مصيرية ، فهو يعرف تمام المعرفة بأن كوكبة من أبناء العقيلات قد اشتركت في حرب فلسطين مع جيش الإنقاذ بقيادة القائد فوزي القاوقجي والتي تم تدريبها في منطقة المزّة في سوريا وقاتلت في صفد وشمال فلسطين . وهم من أبناء العقيلات ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي غير فصيلة المجاهدين السعوديين التي قادها المرحوم فهد الحارس والتي كانت ترابط في منطقة أخرى في شرق فلسطين . كما أنها تختلف أيضاً عن الجيش السعودي النظامي الذي قاتل بقيادة اللواء سعيد عبد الله كردي مع الجيش المصري في جنوب فلسطين .
وعودة إلى معركة ميسلون فإنني ادعوا الصحافة السعودية لمقابلة الشيخ ناصر بن دغيثر وذلك لإلقاء الضوء على المزيد من خفايا التاريخ في ميسلون ويجب أن نسعى لتوثيق مشاركة النجديين في هذه المعركة في صفحات التاريخ العربي . ولعل قسم التاريخ بجامعة الملك سعود والجمعية السعودية للتاريخ يهتمان بمتابعة هذا الأمر وجمع المعلومات عنه واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيله في التاريخ العربي . وعندما استعرضت دور النجديين في معركة ميسلون مع أحد أساتذة قسم التاريخ في جامعة الملك سعود . أخبرني بأن روح البطولة ومقاتلة الاستعمار ليست غريبة على عربان الجزيرة الذين قاموا بمساعدة أبناء وادي النيل في محاربة حملة نابليون على مصر .
د . عثمان ياسين الرواف
رئيس قسم العلوم السياسية جامعة الملك سعود
جريدة الرياض: الأربعاء 23 رجب 1406هـ ـ 2 إبريل 1986م
( ميسلون وأبطال نجـــــــــــد )
اتصل بي هاتفياً من الرياض الصديق الأستاذ يعقوب الرشيد معقباً على ما نشرته الزميلة جريدة الرياض في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق 23 / 7 / 1406هـ حول معركة ميسلون التي خاضها أبناء نجد إلى جانب السوريين في مواجهة القوات الفرنسية الغازية . في أوائل العشرينات الميلادية وقد ذكر لي الصديق الرشيد بعض الملاحظات الإيضاحية حول هذه المعركة على نحو يمثل الحقيقة على اعتبار أنه من أحد متتبعي أحداثها .. فالحقائق التاريخية التي انبثقت منها معطيات هذه المعركة تتمثل في أن المجموعة التي كان قوامها خمسمائة رجل كانت من المتطوعين من أبناء نجد وليست من الجيش النظامي الذي كان يقوده يوسف العظمة.. وأن هذه المجموعة من أبناء نجد كانت تحت قيادة ناصر ابن دغيثر ويبلغ الآن من العمر سبعة وتسعين عاماً وقد اتخذ من مدينة الرس مقراً له في الوقت الحالي .. أمــا في الجيش النظامي فلم يشترك اشتراكاً فعلياً في هذه المعركة .
ومما يجدر ذكره أن أحد المصورين التقط صورة مكبرة للسيد ناصر الدغيثر بساحة المرجة في دمشق وهو يمتطي جواده ويمسك السيف بقبضة يده اليمنى وقد كتب على الصورة بطل ميسلون .
وفيما يتعلق بالتحاقه بالجيش النظامي فيقال أنه التحق بالدولة العثمانية عندما توجه إلى المدينة المنورة وسجل اسمه بالجيش النظامي القائم عليه في ذلك الوقت عبد الله بن فيصل وهو من رجال الشريف حسين .
وعندما أعلن الشريف حسين الثورة ضد الدولة العثمانية انضم هو من معه من رجال إلى جيش الشريف فيصل وبدأت المعركة ضد الدولة العثمانية بدءاً بمدينة الوجه ثم واصل الجيش مسيرته إلى معان ثم إلى عمان وانتهت بدير الزور ثم عاد إلى دمشق بعد أن توج الشريف فيصل ملكاً على سوريا الذي كلف ابن دغيثر بإعادة تشكيل الجيش من أبناء الجزيرة العربية .
وبعد فهذه الحقائق التاريخية التي اقترنت باسم السيد ناصر الدغيثر ومعركة ميسلون الشهيرة التي اشترك فيها أبناء نجد إلى جانب السوريين ضد القوات الفرنسية ، دفعني إلى تسجيلها الرغبة في إيضاح ما لم نكن نعرف عنه شيئاً .
يوسف حسين دمنهوري
جريدة النــــــــــدوة : 6 / 4 / 1986
ملحوظة: كُتب هذا المقال نصاً في جريدة الرياض أخبار الأسبوع في يوم الخميس: 17 / 4 / 1986م .
(معركة ميسلون والعقيــــــلات)
تلقينا من الكاتب الكبير والمؤرخ الأستاذ سليمان الموسى التعقيب التالي على ما نشر في العدد الماضي عن دور المجاهدين النجديين في محاربة الاستعمار الفرنسي في سوريا الشقيقة :
قرأت باهتمام ما جاء في جريدة أخبار الأسبوع ( العدد الصادر في 17 / 4 / 86 ) عن مساهمة العقيلات في معركة ميسلون التي وقعت في تموز 1920م وسررت لأن قائد العقيلات ناصر بن دغيثر ما يزال حياً يرزق وأن هناك من يهتم بالدور الذي لعبه العقيلات في تلك المعركة لقد عدت إلى كتاب ( أعمدة الحكمة السبعة ) من تأليف لورنس فوجدت أنه يشيد بذكر ناصر بن دغيثر ويذكر ابن دخيل ( لا نعرف اسمه الأول ) ويشيد خاصة بذكر سعد السكيني ولو أن لورنس كان قريباً من ميسلون في أيام وقوع المعركة فربما أعطانا بعض التفصيلات المفيدة ولكن هناك مصدراً عربياً مهما يتضمن نبذة تعطي أولئك الرجال البواسل حقهم من الثناء لقد وردت هذه النبذة في مذكرات الدكتور أحمد قدري عن الثورة العربية في صفحة 274 وجاء فيها عن متطوعة العقيل النظامية أنهم :
" أبلوا بلاءً حسناً في مقاومة الجيش الفرنسي ولم يمكنوه من دخول وادي بردى للالتقاء بالقوى الفرنسية التي سلكت الطريق العام فضحّوا محتسبين شهداء كثيرين إلى أن اضطروا للانسحاب وقد أكرمهم الملك فيصل فوزع عليهم ما كان قد تبقى في حوزته وهو يقرب من سبعة آلاف جنيه لا يملك بعدها ما يستحق الذكر " .
وكم كنت أود أن يعهد الأستاذ يعقوب الرشيد إلى كتابة ما استطاع أن يتوصل إليه من معلومات عن دور العقيلات في معركة ميسلون وهل كان ابن دغيثر قائدهم أم هو ابن دخيل ومن أية قبائل جاء هؤلاء العقيلات ولماذا يطلق عليهم اسم ( عقيلات ) أو ( عقيل ) وكان في ظني أن عدداً من رجال الأشراف اشترك مع أولئك العقيلات في المعركة أذكرمنهم : محمد علي البدوي والشريف علي بن عربد ، ومع الأسف لم أطلع على ما ورد في جريدة الرياض بتاريخ 2 نيسان ولم يذكر أحد ـ فيما أعلم ـ اسم الشيخ خليل الرواف وأنه كان قائداً للمجاهدين ومعتمداً من قبل الشريف حسين فأين كان معتمداً ؟ أما القول بأن العقيلات كانوا يقدرون بخمسمائة رجل فيحتاج إلى توكيد وتمحيص وكنت قد اشتركت في المؤتمر الذي عقد في الرياض في شهر كانون الأول 1985 عن تاريخ الملك عبد العزيز ولو كنت أعرف أن الشيخ الرواف أو الشيخ ناصر بن دغيثر يقيمان هناك لسعيت إليهما لأسعد بلقائهما وكنت قد أشدت ببطولة أبناء شبه الجزيرة العربية الذين اشتركوا في حرب 1948 ، ونشرت في كتابي أسماء الشهداء الذين سالت دماؤهم الطاهرة على تراب فلسطين وبينهم كثيرون من أبناء شبه الجزيرة العربية ويهمني ويهم متتبعي التاريخ أن نعرف ما إذا كان العقيلات هم من ضمن القوة العربية التي دخلت إلى دمشق بعد أن انسحب الجيش العثماني منها وذلك صباح يوم 1 تشرين الأول 1918 وأية تفاصيل تتعلق بذلك .. آملين من الشيخ يعقوب الرشيد أن يزودنا بما لديه .
سليمان موسى
( أخبار الأسبوع ) تلتقي بطل معركة ميسلون المجاهد " ابن دغيثر " الخميس : 26 / 6 / 1986
" أديت الحج مع المحمل الشامي والمحمل المصري "
" شاركت في الثورة العربية الكبرى ـ نزلت معان والعقبة ومأدبا "
ما زلنا نعيش أيام ذكرى الثورة العربية الكبرى وهي ذكريات غالية على كل عربي وتبقى معركة ميسلون ومضة نور في تاريخ هذه الأمة التي تعاني اليوم من الفرقة والانقسام التشرذم.
نتذكر منها ما مضى من تاريخ أمتنا يوم هبت أمة العرب كلها من محيطها إلى خليجها تتسابق دفاعاً عن هذا الوطن في صد المستعمرين عن أرضه وترابه لا فرق بين يمني أو حجازي أو نجدي أو أردني أو سوري أو عراقي أو مصري أو مغربي عندما كانت بلاد المغرب بلداً واحداً والسودان ومصر بلداً واحداً ويحضرنا في هذه المناسبة قصة بطل نجدي هب وهو لا يملك شروى نقير في ذلك العهد ليجاهد في سبيل الله والعروبة والإسلام ذلك هو الشيخ ناصر بن علي بن دغيثر مضحياً بحياته وبمن هو مسؤول عنهم في سبيل وحدة العرب وكرامة العرب وحرية العرب .
وفي لقاء مع مندوبنا بالرياض الزميل يوسف الحمدني تكلم المجاهد الشيخ :
ـ حقيقة يجب أن أقولها قبل أن نغوص في هذا الحديث التاريخي الجاد بأن أي تحقيق صحفي كنت أكلف بإعداده لم يأخذ من الوقت ما أخذه هذا التحقيق والسبب يعود إلى دهشتي مما سمعته حيث توقفت كثيراً قبل الإقدام على هذا العمل حيث تم لقائي مع شخص معمر تجاوز عمره المائة عام يحمل في ذاكرته أحداث تلك الفترة التي نسمع عنها ولم نعشها هذا الشخص جاء إلى الأردن من الحجاز واتجه إلى سوريا فقاتل الفرنسيين في معركة ميسلون الشهيرة وقبل ذلك عاصر فترة حكم العثمانيين فهل تصدق عزيزي القارئ أنه لا يزال على قيد الحياة ... نعم وقد قابلته وهو لا يزال يتمتع بصحة جيدة وذاكرة جيدة ذاكراً وشاكراً للأخ الأستاذ يعقوب الرشيد والذي أمدنا بهذه الحلقة التاريخية الخالدة وسهل مهمتنا في هذا اللقاء الهام المأخوذ مباشرة من هذا المعمر أمد الله بعمره ويبقى للتاريخ والمؤرخين الدور المباشر والفعال في الاستزادة من المعلومات عن هذه الحقبة من تاريخنا الحديث من هذا المعمر هو الشيخ ناصر بن علي بن دغيثر وبالحوار أجاب :
شيخ ناصر .. سنة 1318هـ ماذا تعني لك ؟
ـ والدي حج في هذه السنة ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى .
كم كان عمرك آنذاك ؟
ـ تسع سنوات .
وبعدها؟
ـ عشت مع والدتي وجدتي .
وفي سنة 1323هـ ؟
ـ ذهبت إلى الحج في مكة المكرمة وأصبحت راعي إبل .
كم كنت تتقاضى ؟
ـ عشر ريالات .
ـ ثم جلست عند أحد أهل الكويت الملاكين في المدينة حيث كنت أعمل له القهوة وأذهب برفقته إلى السوق لمساعدته في شراء الحاجيات .
مقابل ماذا ؟
ـ مقابل الأكل والشرب والكسوة والمأوى .
كم مكثت عنده .
ـ سنة ثم توفي وأخذت من عنده عشر ريالات .
متى رأيت القطار ؟
ـ أول مرة سنة 1327هـ في عهد العثمانيين.
خط سير هذا القطار ؟
ـ من تركيا .. حلب ـ حمص ـ حماة دمشق عمان معان المدينة المنورة .
ماذا كنت تعمل ؟
ـ في عهد العثمانيين بدأوا يكتبون محافظين ( حراس ) على الخط الحديدي لسكة القطار وفتحنا الدفتر وكتبنا 300هجان .
ومن هو شيخكم ؟
ـ عبد الله بن دخيل .
ثم؟
ـ حججنا مع المحمل الشامي والمحمل المصري .
محافظة على خط سكة الحديد ؟
ـ وأيضاً محافظة على الحجاج وعلى كل شيء يهم الدولة.
ولما انتهى موسم الحج ؟
صار بيننا وبين البدو إشكال عند الماء وقتلنا منهم رجلاً ثم رافقنا المحمل المصري والمحمل الشامي إلى المدينة المنورة .
وعندما توفي السلطان عبد الحميد ؟
ـ تولى السلطان محمد إرشاد وبالتالي تغير وضع الحكومة العثمانية مما دفع رئيسنا إلى الانسحاب من الخدمة أما نحن فمنّا من ترك الخدمة ومنا من استمر لعدة شهور وأنا ضمن من استمر .
وبعد تركك الخدمة ؟
ـ اشتغلت في تجارة كل شيء من الجمال .. إلى السلاح .
كيف؟
ـ أنا في ذلك الوقت كنت أهرب السلاح اليوناني والطلياني وكان هناك أشخاص يجلبون السلاح عن طريق البحر بواسطة السفن وعندما استلم الدفعة المهرّبة أسير بها عن طريق البر ولا أنزال بالمدينة إلى أن أصل إلى رابغ حيث كان لي عميل هناك يستلمها مني .
شيخ ناصر .. سنة 1331هـ ؟
ـ قال لي الشريف افتح الدفتر واكتب .
وماذا يعني فتح الدفتر؟
ـ يعني أبدأ بتسجيل الهجانة .
وبعد ذلك؟
ـ بدا يكتب الشريف أفراد الهجانة من مكة وضواحيها والطائف وجندهم معه .
وأنت يا شيخ ناصر ؟
ـ بدأنا نكتب في المدينة وجندنا من عندنا لكن هو ( الشريف ) رئيسنا جميعا .
ولماذا اقتربت الحرب بين العثمانيين والشريف ؟
ـ جاء الشريف فيصل وأخوه علي إلى المدينة ثم خرجنا من المدينة وكان معنا فخري باشا مندوب الدولة العثمانية .
وبعد ذلك ؟
ـ شبت المعارك بين العثمانيين والشريف وأول عمل بدأناه تعطيل خط سكة الحديد .
ومن الذي قام بهذه المهمة ؟
ـ أنا الذي قمت بها .
كيف ؟
ـ أخذت المفاتيح الخاصة بالتفكيك وذهبت ليلاً وقمت بتفكيك جميع البراغي الرابطة بين الوصلات الحديدية ووضعتها في أوعية وبالتالي انقطعت خطوط تموين الأتراك .
لماذا لم تستخدموا المتفجرات ؟
ـ لم نكن نعرفها .
وبعد ذلك ؟
ـ كلفت بقطع الطرق المؤدية إلى المدينة .
ومن كان معك ؟
ـ مائة هجان .
ثم يا شيخ ناصر ؟
ـ قامت الدولة العثمانية بالاعتداء على الشريف وقتلت من قومه تسعمائة رجل منهم ثمانمائة رجل من البدو .
أبو علي .. عندما جاءك لورانس من كان معه ؟
ـ عوده أبو تايه والشريف ناصر .
ولماذا جاءوك ؟
ـ كان معهم أمر من الشريف فيصل للالتحاق بهم .
كيف نفذت هذا الأمر ؟
ـ اطلعت رجالي من العقيل الذين كانوا معي والبالغ عددهم 250 شخصاً على فحوى هذا الأمر وقلت لهم من أراد أهله فليذهب في حال سبيله فأنا لا أعلم إلى أين المسير وكم سيستغرق من الوقت وهل ذهبوا ؟
ـ نعم ولم يبق معي سوى 42 شخصاً .
وإلى أين اتجهتم ؟
ـ على غرب معان ومكثنا بها يومين .
وبعد ذلك ؟
ـ نزلنا إلى مركز القويرة وبقينا يوماً أو يومين حيث سيطرنا عليها.
والعقبة أيضاً وصلت لها ؟
ـ نعم .. وبقينا فيها يومين وإذا لم تخنّي الذاكرة كبيرهم يقال له درمش وفي العقبة أيضاً أرسلنا وقدم إلينا من جهة البحر وجنوده براً .
ما هو دور لورانس في تلك الفترة ؟
ـ الذي أعرفه أن لورانس كان دائماً يتجول في خيمته ويسجل مشاهداته فقط والحقيقة أن كافة الأمور كانت ملقاة على عاتقي وعاتق عودة أبو تايه .
بعد ذلك ؟
ـ نزلنا الأزرق ومنها انطلق الشريف وجنوده إلى سوريا وأنا ذهبت نحو مثقال باشا من بني صخر وكان عنده جنود بزيريا ثم ذهبت إلى مادبا والتقيت فيها بمحمد بن فرح قبيل غياب الشمس بثلث ساعة .
قال : قوكم يا رجال .
قلت : قواك الله .
قال : تراني ( معزبكم ) ا لليلة .
قلت : نصيبك .
وقام بذبح ذبيحة إكراماً لنا وأقمنا عنده تلك الليلة .
وعندما أصبحتم .
ـ وضعت عمان على يسراي ومشيت إلى أن وصلت سحاب شرقي عمان .
لماذا ؟
ـ لتقصي الأخبار .
ثم ؟
ـ وإذا راعي تلك المضافة وعندما وصلته وتحدثت معه اكتشفت عنه عقيلي فسألته من أين قال أنا من أهل عنيزة ما اسمك قال : مبارك ابن سحيم .
وماذا عن ميسلون ؟
ـ بعد أن أذنت للعقيل بعدة شهور قال الشريف افتح الدفتر وجنّد .
وكم جنّدت ؟
ـ خمسمائة وكل مائة وضعت عليهم ثلاثة أفراد .
وبعد ذلك بعدة أيام ؟
ـ جاءتنا مسألة ميسلون واتجهنا نحوها وعندما بلغنا نظرت إلى رجالي فوجدت أن أسلحتهم محدودة وكذلك الذخيرة بمعنى أن استعدادنا كان ضعيفاً .. المهم أن المعركة بدأت بيننا وبين الفرنسيين وبعد ساعة أو نصف ساعة انتهى العتاد الذي كان معنا وهنا فكرت كيف الخلاص .. فقلت لرجال أطلقوا الهجن ( الجمال ) فلما رأى الفرنسيون انهزام الهجن جاءوا مع دربها وهذا الذي كنت أريده فقهرناهم جبراً مما دفعهم لمقاتلتنا بالطائرات والتي لا نملك تجاهها أية حيلة .
ولماذا خرجتم من ميسلون ؟
ـ تفقدت رجالي فوجدت أن الذين استشهدوا في هذه المعركة ثلاثة عشر رجلاً .
شيخ ناصر .. هل أنت قائد معركة ميسلون ؟
ـ نعم .
تردد كثيراً .. أن صورتك وأنت ممتط جوادك وقد وضعت في مكان بارز بساحة المرجة في دمشق وكتب تحتها بطل ميسلون ؟
ـ أنا رجعت على سوريا بعد سنتين وأصدقائي ومعارفي قالوا أنهم شاهدوا عكس الصورة في ساحة المرجة والله أعلم .
( جريدة الجزيرة ) 28 / 10 / 1986م .
الشيخ ابن دغيثر في المستشفى العسكـــــــــــري
تم إدخال الشيخ ناصر بن علي بن دغيثر ( 110 ) سنوات إلى المستشفى العسكري بالرياض بعد نقله من مدينة الرس ، وكان الشيخ ابن دغيثر ـ الذي سبق أن استضافته الجزيرة ـ قائداً لمعركة ميسلون وبطلها ، وكان في حينه قائداً لجيش الهجانة في الحرب العالمية الأولى ، المكوّن من حاضرة نجد وباديتها . وهو أول من دخل دمشق واحتل قلعة حلب ووصل إلى دير الزور . وهنا حادثة في دير الزور ذهبت مثلاً حتى الآن . وكان ابن دغيثر من أبطالها كما أنه اصطدم بالجيش الفرنسي عند دخوله لدمشق وأوقف تقدمه بعد أن التحم فعلياً معه . وقد أشاد الجنرال غورو نفسه ببسالته وبسالة أهل نجد على وجه العموم . كما أن عدداً من المؤرخين العرب والأجانب نوهوا بدوره وبطولته في معركة ميسلون ومنهم المؤرخ الدكتور أحمد قدري وسليمان موسى وساطع الحصري . كما أشاد به كبار الشعراء ومنهم أحمد شوقي ، ووضعت صورته في ساحة دمشق فترة طويلة وهو على ظهر جواده العربي شاهراً سيفه وكتب تحت صورته ( بطل ميسلون ) .
كما أن لورنس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة أشار إليه في عدة مواقع . واصفاً إياه بالبطل ابن دغيثر ودوره في معارك الحرب العالمية الأولى لا ينكر بينما كان عوده أو تايه يقود جماعته الحويطات فقط . أما ابن دغيثر فكان قائداً لأهل نجد وهوالذي احتل درعا وأول من دخل دمشق.
والسبب في شهرة أبوتاية ولورنس أنهما وضعا تحت الأضواء في عمان ولندن ، بينما ابن دغيثر عاد إلى نجد ، وعينه جلالة الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله رئيساً لجباية الزكاة في عالية نجد وبطبيعة الحال لم يكن الإعلام قد انتشر في ذلك الوقت حتى ينال من الشهرة ما ناله غيره .
( جريدة الجزيرة ) 30 / 12 / 1986م
( مساحة للتفكير )
المواطنـــــــــــــــــة :
تحدث خادم الحرمين الشريفين عن معنى " المواطنة " في عدة مناسبات وعن أهميتها في تقدم الأمم والشعوب كما تحدث صاحب السمو الملكي الأمر نايف بن عبد العزيز في أحد لقاءاته بالمسؤولين عن " الحس الوطني " وأهميته في أداء المسؤولية ولمصلحة الوطن . وتحدث الكثير من الكتاب عن أهمية التربية الوطنية لزرع هذا الشعور وتنميته وهو موجود ولله الحمد ، ويجب التذكير به فقط فبلادنا المعطاء هي أساس المواطنة والوفاء ، فقديماً كان المحاربون من قبائل هذه البلاد الخيّرة يلبون دعوة الجهاد والدفاع عن الوطن بقدراتهم الذاتية من سلاح وزاد ومال وبدون تردد أو بخل في البذل والتضحية ولم يكن هناك رواتب أو بدلات أو انتدابات الخ ..
بل كان الجميع يتسارعون في تلبية نداء الواجب بدون تمنع أو منّة وإنما فخر وسرور ، وهذه المشاعر النبيلة موجودة ولله الحمد في أبناء وأحفاد أولئك الأبطال .
ولقد أعجبت بما كتبه الأستاذ / فهد العريفي بمجلة اليمامة الغراء عن المرحوم ناصر الدغيثر أحد أبطال معركة " ميسلون " في سوريا واستعداده ورفاقه للموت دفاعاً عن شرف وعزة إخوانهم في الدين والوطن وما تحلوا به من المشاعر العميقة ليقبلوا التضحية بعيداً عن وطنهم وأبنائهم لأنهم كانوا يعرفون حتى في ذلك الزمن الذي تميز بقلة العلم والعلماء كانوا يعرفون أهمية المواطنة وأهمية رفعة سمعة وطنهم حتى وهم بعيدون عنه .
وما أحوجنا أن نذكر دائماً وأن نحفز الجيل الحاضر ببرامج تعليمية وتثقيفية بتاريخ وطنه وبأمجاده وتضحياته ، لتنمية شعور المواطنة والبذل فإن ما يربطنا بهذا التراب الطاهر أكبر من عملية أخذ وعطاء بل أنه عطاء متواصل وعز مستمر وشرف يزداد يوماً بعد يوم ويجب على المواطن أن يسأل نفسه يومياً ليس عما قدم له الوطن وإنما مقدار ما يقدمه هو للوطن وهذه على فكرة ليست مقولة الرئيس الأمريكي الراحل جون كندي فقد ثبت أنه استعارها من أيام الحضارة اليونانية وكلنا نعرف تأثير الحضارة العربية عليها وربما أبلغ منها قول الشاعر العربي :
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي الكرام
والله الموفق ..
عبد العزيز نايف العريعر
ومات بطل " ميسلـــــــــــــون " !
بطل ( ميسلون ) هو يوسف العظمة يرحمه الله .. ولكن هناك بطلاً آخر من نجد ومن مدينة الرس العريقة في بطولات أبنائها حين صدّت بقوة جحافل حملة إبراهيم ( باشا ) التي اتجهت بعد ذلك للدرعية في حوالي عام 1232هـ .
هذا البطل اسمه ناصر بن علي بن دغيثر قاد جيش ( الهجّانة ) عام 1920م وقوامه مجموعة من الأبطال والشجعان فيهم أكثر من ثمانمائة بطل من أبناء نجد انطلقوا يدافعون عن دمشق عن شرف سوريا ضد القوات الفرنسية الغازية بقيادة الجنرال ( غورو ) التي أتت لسحقها وتدميرها .
كان معظم هؤلاء الأبطال ويسمونهم عُقيل جاءوا من مختلف مناطق نجد لا للحرب والقتال بل لطلب الرزق ، لبيع مجلوباتهم من إبل وغنم وسمن .. وعندما وجدوا أبناء سوريا في محنة قاموا قومة رجل واحد لمساعدتهم والذود عن حمى سوريا العزيزة .
لم يقل ناصر بن علي بن دغيثر ورفاقه ( الثمانمائة )ما لنا وللحروب نجلس في الميدان ودوما والصالحية ودير الزور والقامشلي وضمير وغيرها حتى ينجلي الموقف .!! .
ولكنهم تركوا كل ما جاءوا من أجله واختاروا بيع أعمارهم ، اختاروا النصر أو الشهادة واندفعوا للدفاع عن جزء عزيز وغال من وطنهم الكبير .. حملوا سلاحهم ودافعوا ببسالة وشرف شهد بهما الجنرال غوروا : ( والحق ما شهدت به الأعداء ) !! .
مات في المستشفى العسكري فجر الثلاثاء الموافق 15/4/1407هـ ناصر بن علي دغيثر ـ يرحمه الله ـ عن عمر يناهز المائة والعشر سنوات .. لم يترك الأموال المنقولة والعقار .. ولكنه ترك السمعة الطيبة والذكرى الحسنة .. ترك مثل هذا الموقف الذي يدلل بأن أبناء هذا التراب كانوا مع أمتهم في الرخاء والشدة .
هذا الموقف العظيم للراحل ورفاقه الذين استشهدوا معظمهم في معركة ( ميسلون ) المشهورة ودفنوا بجوار قبر الشهيد يوسف العظمة يثبت بأن الأمة العربية في عهدها السابق خير منها في عهودها اللاحقة .. حيث يذبح الآن على بعد أكيال قليلة من مقبرة شهداء معركة ميسلون الأطفال والنساء والشيوخ لا بأيدي الإسرائيلين وحدهم بل بأيدٍ عربية يا للحزن !! ويا للعار !! يذبحون في شاتيلا !! وفي صبرا !! وفي مخيم نهر البارد وفي كل مكان !! والأمة العربية من محيطها إلى خليجها تنظر وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد !! .
ناصر الدغيثر ورفاقه تركوا ( الجمل بما حمل ) وأنستهم الشهامة والشجاعة وقوة الإيمان والنخوة العربية ( زغب الحواصل في العارض والقصيم وحائل وسدير والوشم وغيرها ) نسوا بأن خلفهم في نجد ( قبل توحيدها ) من ينتظر عودتهم ليخفف عنهم غائلة الجوع ومضار الحر والبرد .. بما يحمل من زاد وكسوة بل وضعوا نصب أعينهم وفي قلوبهم ونفوسهم شعاراً واحداً صادقاً لا خداع فيه ولا زيف يقول ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) .
وراحوا يقاتلون قتال الأبطال ويقفون مع أبناء سوريا ضد الغزاة الأجانب الذين جاءوا بقوتهم وطغيانهم ليهينوا العرب!! ويهينوا المسلمين ويقتصوا من أولائك الأفذاذ الذين وقفوا بقوة وإيمان ضد الهجمة الصليبية الشرسة حتى دحروها وقضوا على ذيولها وأذنابها حتى وإن كانوا في الأجداث وبين يدي خالقهم العظيم !! وقد فعلها الجنرال " غورو " نفسه بعد انتصاره ودخوله دمشق وقف على قبر البطل صلاح الدين الإيوبي بجوار الجامع الأموي وأطلق كلمته الحاقدة المشهورة قائلاً : " ها قد عدنا يا صلاح الدين " !!
أما اليوم فيا للحسرة !! ماتت الروح!! وهان الهوان!! وانتهكت الحرمات!! وأصبح أطفال الأمة العربية وشيوخها ونساؤها يذبحون بأيد تقول بأنها عربية وتدعي الإسلام!! .
اشتعلت نار الفتنة والفرقة بين الأخ وأخيه وبين أفراد الأسرة الواحدة فتحوا آذانهم لتعليمات وتوجيهات أعداء الأمة من شرقيين وغربيين !! فمن يرقصون في أحزان الآخرين ويسمنون على أشلاء وجثث أبناء الأمة العربية وأبناء المسلمين !! ويروجون سلاحهم ومصنوعات الدمار !! وتزدهر حياتهم عندما تشتعل الحروب وتكثر المآسي !! والعرب في غفلة عما يحاك لهم من دسائس ومؤامرات !! لا يسمعون أصوات عقلاء القوم !! ولا يدركون خطورة انسياقهم الأعمى خلف الأجنبي ومؤامراته وأحابيله.
تفرقوا فكان الضياع والقهر والموت هو حصاد ما زرعوا !! فليرحم الله الشيخ ناصر ورفاقه الأبطال .. وليبعث الله أمة شاء لها حظها .. بل شاءت أحزابها وشيعها أن تفشل وتذهب ريحها !! ولكننا نطمع بأن يبعثها الله من رقادها .. بل من موتها وما ذلك على الله بعزيز ..
فهد العريفـــي.
العدد 935 ـ الأربعاء 23 ربيع الثاني 1407هـ ـ اليمامة ـ 39
بطل ميسلون .. كرّة أخـــــــــــرى
أطلعت للتو على كلمة للأستاذ فهد العريفي بعنوان " ومات بطل ميسلون " في عدد اليمامة المؤرخ 24 / 12 / 1986م نعى فيه للقراء رحيل الشيخ ناصر بن علي بن دغيثر إلى رحمه الله ، في المستشفى العسكري بالرياض فجر يوم الثلاثاء 16 / 12 / 1986 ، وراح الكاتب يعدد مناقب الفقيد العظيمة . وخاصة دوره في معركة ميسلون .
غير أن الكاتب قال إن " بطل ميسلون هو يوسف العظمة " .. ثم أعطى ابن دغيثر دوراً ثانوياً في تلك الملحمة التي سطرها بواسل نجد .. وأنا بالطبع لا أريد أن أدخل في مغالطات تاريخية ، غير أن ما جاء بالوثائق بباريس ، ما ذكره المؤرخون أمثال الدكتور أحمد قدري وساطع الحصري ـ يبين أن قوات الهجانة وقائدهم المظفر ابن دغيثر كان هو البطل الحقيقي لتلك المعركة . وتجنباً لأي جدل أو مغالطات لا تستند إلى حقائق . فليسمح لنا كاتب المقال ، بإثبات الوقائع التالية أيضاً :
أولاً : عندما وضعت الحرب العالمية ا لأولى أوزارها ، وتم تنصيب فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا ، طلب من ابن دغيثر ، الذي كان أحد أبرز قادة العرب في تلك الحرب الكونية ـ كما جاء في كتاب " أعمدة الحكمة السبع " ـ للورنس ـ إعادة تشكيل جيش الهجانة من بقايا الجنود المسرّحين ، ومن أبناء العقيلات المقيمين في سوريا والأردن . وقام ابن دغيثر بهذه المهمة حيث أعاد تكوين الجيش ـ من ثمانمائة مقاتل ـ ليخوض به فيما بعد معركة ميسلون ، ويلتحم مع الفرنسيين التحاماً مباشراً ، وصدهم من دخول وادي بردى للالتقاء بأرتال فرنسية أخرى متقدمة .. شهد فيها الجنرال غورو بشجاعة فرسان الصحراء ..
ثانياً : إن للقائد يوسف العظمة وضعاً خاصاً ، حيث كلفه الملك فيصل بتجميع الجيش النظامي المسرّح والتوجه لملاقاة الفرنسيين . غير أن بعض المؤرخين يقول بأنه لم يخض المعركة ،ولم يلتحم بالفرنسيين أصلا،ً لأنه قتل وهو في طريقه لميدان القتال ، وتقول الرواية أن ضابطاً حموياً برتبة ملازم أول هو الذي قتل العظمة قبل المعركة ، ويقال أيضاً بأنه انتحر .
أما ابن دغيثر ـ كما ورد في مذكرات الدكتور أحمد قدري صفحة 274 ـ " فقد خاض المعركة على رأس جيش من الهجانة ، وأبلى بلاء حسناً وهو فرسانه ، في مقاومة الجيش الفرنسي ، ولم يمكنوه من دخول وادي بردى للالتقاء بالقوات الفرنسية التي سلكت الطريق العام ، فضحوا محتسبين شهداء " .
ثالثاً : ومعروف أيضاً أن دمشق احتفت بشجاعة ابن دغيثر وعلق شبابها صورة مكبرة للبطل وهو على صهوة جواده في ساحة المرجة وكتبوا تحتها " بطل ميسلون " وقد ظلت تلك الصورة معلقة في دمشق مدة طويلة حتى بعد دخول الفرنسيين .
نرجو أن نكون قد وفقنا في توضيح بعض الحقائق التي ربما كانت غائبة عن أذهان البعض .. ونرجو أن نكون قد وفقنا مرة أخرى في رد الاعتبار لبطلنا الراحل الذي سجل موقفاً تاريخياً عندما اختار الانتماء للكيان العربي المكين .
مقبل الحماد ـ عنيزة.
( مجلة اليمامة ) العدد ( 938 ) الأربعاء : 14 : 5 / 1407هـ ( ص 4 ـ 5 )
عن معركة ميسلون والقائد ناصر بن دغيثر في إجابة لسؤال ورد للشيخ / أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري .
متابعة : عبدالله المنصور : تصوير : فتحي كالي .
ـ يسأل سليمان بن عبد الرحمن العبد الله من بريدة عن العقيلات هل كان لهم دور حزبي مع الدولة العثمانية غير ما كان يعرف عنهم من مهنهم التجارية نرجو التفضل بإيضاح ذلك أن كان لهم دور مثل ذلك ؟
ـ ليس لي عناية بالعقيلات وقد كتب عنهم كتاباً مستقلاً الأستاذ المسلم والدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم .
وفي جريدة الندوة بتاريخ 6 / 4 / 1986 كتب الأستاذ يوسف حسين دمنهوري اتصالاً للأستاذ يعقوب الرشيد تعليقاً على ما نشر بجريدة الرياض في 23 / 7 / 1406 حول علاقة العقيلات بمعركة ميسلون التي خاضها أبناء نجد إلى جانب السوريين ضد القوات الفرنسية ومما قاله الأستاذ يوسف " فالحقائق التاريخية التي انبثقت منها معطيات هذه المعركة تتمثل في أن المجموعة التي كان قوامها خمسمائة رجل كانت من المتطوعين من أبناء نجد وليست من الجيش النظامي الذي كان يقوده يوسف العظمة.. وإن هذه المجموعة من أبناء نجد كانت تحت قيادة ناصر ابن دغيثر ويبلغ الآن من العمر سبعة وتسعين عاماً وقد اتخذ من مدينة الرس مقراً له في الوقت الحالي .. أما الجيش النظامي فلم يشترك اشتراكاً فعلياً في هذه المعركة ومما يجدر ذكره أن أحد المصورين التقط صورة مكبرة للسيد ناصر الدغيثر بساحة المرجة في دمشق وهو يمتطي جواده ويمسك السيف بقبضة يده اليمنى وقد كتب على الصورة بطل ميسلون ..
وفيما يتعلق بالتحاقه بالجيش النظامي فيقال أنه التحق بالدولة العثمانية عندما توجه إلى المدينة المنورة وسجل اسمه بالجيش النظامي القائم عليه في ذلك الوقت عبد الله بن فيصل وهو من رجال الشريف حسين ، وعندما أعلن الشريف حسين الثورة ضد الدولة العثمانية انضم هو ومن معه من رجال إلى جيش الشريف فيصل وبدأت المعركة ضد الدولة العثمانية بدءاً بمدينة الوجه ثم واصل الجيش مسيرته إلى معان ثم عمان وانتهت بدير الزور ثم عاد إلى دمشق بعد أن توج الشريف فيصل ملكاً على سوريا الذي كلّف ابن دغيثر بإعادة تشكيل الجيش من أبناء الجزيرة العربية .
وبعد فهذه هي الحقائق التاريخية التي اقترنت باسم السيد ناصر الدغيثر ومعركة ميسلون الشهيرة التي اشترك فيها أبناء نجد إلى جانب السوريين ضد القوات الفرنسية دفعني إلى تسجيلها الرغبة في إيضاح ما لم نكن نعرف عنه شيئاً " .
وكتب الأستاذ سليمان موسى من الأردن بجريدة الرياض في 2 / 5 / 1986 يقول : " قرأت باهتمام ما جاء في جريدة ( أخبار الأسبوع ) " الأردنية عدد 17 / 4 / 1986 عن استبسال العقيلات في معركة ميسلون التي وقعت في تموز 1920م وما نشرته " جريدة الرياض " في 2 / 4 / 1986 وسررت لأن قائد العقيلات " الهجانة " ناصر بن دغيثر ما يزال حياً يرزق وأن هناك من يهتم بالدور الذي لعبه العقيلات في تلك المعركة التاريخية .
لقد عدت على كتاب " أعمدة الحكمة السبعة " من تأليف لورنس عن معارك الجيش العربي مع الأتراك فوجدت أنه يشيد يذكر ابن دغيثر في عدة مواضع ويصفه بالبطل ويشيد خاصة بذكر سعد السكيني ولو أن لورنس كان قريباً من ميسلون في أيام معاركها لربما أعطانا بعض التفصيلات المفيدة ، ولكن هنا مصدراً عربياً مهما يتضمن نبذة يعطي أولئك الرجال البواسل حقهم من الثناء .
لقد وردت هذه النبذة في مذكرات الدكتور أحمد قدري عن معارك العرب مع العثمانيين ـ في الصفحة 274 ـ وجاء فيها عن متطوعي العقيلات النظامين أنهم أبلوا بلاء حسناً في مقاومة الجيش الفرنسي ، ولم يمكنوه من دخول وادي بردى للالتقاء بالقوات الفرنسية التي سلكت الطريق العام فضحوا محتسبين شهداء إلى أن اضطروا للانسحاب وقد أكرمهم الملك فيصل فوزع عليهم ما كان قد تبقى في حوزته وهو يقرب من سبعة آلاف جنيه لا يملك بعدها ما يستحق الذكر " .
وكم كنت أود أن يعمد الأستاذ يعقوب الرشيد أو الدكتور عثمان الرواف ، إلى كتابة ما استطاعا التوصل إليه من معلومات عن دور العقيلات في معركة ميسلون وقائدها ابن دغيثر وهل كان ابن دخيل معتمداً للشريف ومن أي المناطق أو القبائل جاء هؤلاء العقيلات ولماذا يطلق عليهم اسم ( عقيلات ) أو ( عقيل ) وكان في ظني أن عدداً من رجال الأشراف اشترك مع أولئك العقيلات في المعركة اذكر منهم : محمد علي البديوي في المعركة والشريف علي بن عربد أما القول : إن العقيلات كانوا يقدرون بخمسمائة رجل فيحتاج إلى توكيد وتمحيص .
وكنت قد اشتركت في المؤتمر الذي عقد في الرياض في شهر ديسمبر 1985 عن تاريخ الملك عبد العزيز ولو كنت أعرف أن الشيخ خليل بن رواف أو الشيخ ناصر بن دغيثر يقيمان هناك لسعيت إليهما لأسعد بلقائهما وكنت قد أشدت ببطولة أهل نجد الذين اشتركوا في حرب 1948 خصوصاً ضباط وجنود الفيلق العربي الأردني وذلك في كتابي " أيام لا تنسى " دور الأردن في حرب 1948 ونشرت في كتابي هذه أسماء الشهداء الذين سحت دماؤهم الطاهرة على تراب فلسطين ، وبينهم كثيرون من أبناء الجزيرة الميامين .
ويهمني ، ويهم متتبعي التاريخ أن نعرف ما إذا كان العقيلات هم طلائع القوة العربية التي دخلت دمشق بعد انسحاب الجيش العثماني منها ، وذلك صباح يوم 1 / 2 / 1918 م وأية تفاصيل تتعلق بذلك .. آملين من الأخوين الرشيد والرواف أن يزودانا بما لديهما .
وجاء بقلم الدكتور عثمان ياسين الرواف رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بجريدة الرياض في 23 /7 / 1406هـ ما نصه " لقد جاء في مقابلة ضيف الجزيرة التي أجريت مع العم خليل إبراهيم الرواف بتاريخ 5 / 6 / 1406هـ أن مجموعة كبيرة تقدر بحوالي خمسمائة رجل من أبناء نجد قد شاركت في معركة ميسلون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي وأن بعضاً منهم قد سقطوا شهداء في تلك المعركة .
ولقد بقيت هذه الحادثة التاريخية الهامة مجهولة من قبل أبناء المملكة وأبناء سوريا وأبناء الوطن العربي بصفة عامة ولكنها معروفة ومتناقلة بالأحاديث بين بعض أبناء العقيلات من سلالة الأسر النجدية التي قامت في الماضي بالتجارة بين نجد والعراق وبلاد الشام ومصر ومناطق أخرى وليست هذه هي المرة الأولى التي يشار بها في صحيفة عربية لدور النجديين في معركة ميسلون فلقد قام والدي ياسين إبراهيم الرواف ـ رحمه الله ـ بكتابة مقالة في جريدة النصر السورية بدمشق منذ حوالي خمسة وعشرين عاماً يذكر فيها الأشقاء العرب في سوريا بطولة النجديين المنسية في معركة ميسلون .
وعلى أثر مقابلة الجزيرة المشار إليها اتصل الأستاذ يعقوب الرشيد بالعم خليل الرواف الذي تربطه به معرفة قديمة وأخبره بأن القائد النجدي لمعركة ميسلون حي يرزق ويقيم حالياً في الرياض ، ثم اطلعت على المزيد من التفاصيل حيث أخبرت بأن أحد أبطال معركة ميسلون الذي كان له شرف قيادة النجديين فيها هو الشيخ ناصر بن علي بن دغيثر من مواليد الرس وأنه حي يرزق يقيم في الرياض وذهبت لمقابلة الرجل الشجاع الذي تجاوز السابعة والتسعين من العمر ليحدثني عن دور النجديين غير المدون في تاريخ معركة ميسلون .
ولقد أخبرني الشيخ ناصر بن دغيثر بأنه كان مقاتلاً في جيش الشريف فيصل بن الحسين وأنه صحب القائد البريطاني لورنس في مقاتلة الجيش التركي أثناء الحرب العالمية الأولى وأن لورنس قد ذكر اسمه في عدة مواضع في كتابه " أعمدة الحكم السبعة " ويقول ابن دغيثر إنه بعد عدة شهور من دخول الجيش العربي إلى سوريا وتتويج فيصل ملكاً عليها كله الشريف المتوج لتشكيل فرقة مقاتلين لمجابهة الجيش الفرنسي القادم من لبنان وأنه قام بتسجيل خمسمائة مقاتل من أفراد القوات العربية التي دخلت إلى سوريا ويضيف الشيخ ابن دغيثر بأن الفرقة النجدية التي اشتركت معه في حرب ميسلون تكونت من عدة فصائل كان على رأس كل منها قائد من أبناء نجد وتولى هو القيادة العامة ولقد زودنا الشيخ ناصر بأسماء أبرز قادة الفصائل الذين يتذكرهم في معركة ميسلون وهم :
1 ـ عبد الله بن سليمان بن عيسى ـ وكيل الأمن العام السابق في المنطقة الشرقية من بريدة .
2 ـ فهد بن شارخ ، من الرس .
3 ـ سعد السكين ، من الرس .
4 ـ فهد الوهيبي ، من الخبراء .
5 ـ عبد الله مكرش ، من عنيزة .
6 ـ ناصر بن حمود بن عبد الله من عنيزة .
ويقول الشيخ ناصر بن دغيثر بأن الجيش الفرنسي تمكن بعد قتال مرير استخدم فيه الطائرات والمدرعات من اقتحام صفوف الجيش العربي ولكن قادته تمكنوا من تنظيم عملية الانسحاب لتقليل عدد الخسائر في الأرواح ولقد تم إحصاء بعض النجديين القتلى في المعركة كما يقول الشيخ ناصر ويتذكر منهم :
1 ـ صالح بن جليدان ، من الرس .
2 ـ محمد بن عقيل ، من الرس .
3 ـ محمد بن رشيد بن بلاع ، من عنيزة .
4 ـ مبارك الدغيثر من عنيزة .
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فلقد أخبرني الأخ يقعوب الرشيد الذي رافقني لزيارة الشيخ ناصر بن دغيثر بأن معركة ميسلون ليست المرة الوحيدة التي يقاتل فيها النجديون في معارك عربية مصيرية فهو يعرف تمام المعرفة بأن كوكبة من أبناء العقيلات قد اشتركوا في حرب فلسطين مع جيش الإنقاذ بقيادة القائد فوزي القاوقجي والتي تم تدريبها في منطقة المزة في سوريا والتي قاتلت في صفد وشمال فلسطين وهم من أبناء العقيلات ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي غير فصيلة المجاهدين السعوديين التي قادها المرحوم فهد الحارس التي كانت ترابط في منطقة أخرى في شرق فلسطين كما أنها تختلف أيضاً عن الجيش السعودي النظامي الذي قاتل بقيادة اللواء سعيد عبد الله كردي مع الجيش المصري في جنوب فلسطين .
وعودة إلى معركة ميسلون فإنني أدعو الصحافة السعودية لمقابلة الشيخ ناصر بن دغيثر وذلك لإلقاء الضوء على المزيد من خفايا التاريخ في ميسلون ويجب أن نسعى لتوثيق مشاركة النجديين في هذه المعركة في صفحات التاريخ العربي ولعل قسم التاريخ بجامعة الملك سعود والجمعية السعودية للتاريخ يهتمان بمتابعة هذا الأمر وجمع المعلومات عنه واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيله في التاريخ العربي وعندما استعرضت دور النجديين في معركة ميسلون مع أحد أساتذة قسم التاريخ في جامعة الملك سعود أخبرني بأن روح البطولة ومقاتلة الاستعمار ليست غريبة على عربان الجزيرة الذين قاموا بمساعدة أبناء وادي النيل في محاربة حملة نابليون على مصر .
قال أبو عبد الرحمن : ووجدت ذكراً للعقيلات في أحداث عبد الله باشا والي بغداد المفصلة في مجلة لغة العرب وذلك في أحداث عام 122 .
جريدة الجزيرة : الأربعاء 7 / 10 / 1415 ـ 8 / 3 / 1995العدد ( 8196 ) ص 19.
بدي مصادر الدراسة لو سمحت
ردحذف