الأحد، 23 أكتوبر 2016

قرناس بن عبدالرحمن القرناس

قرناس بن عبد الرحمن القرناس
1190 ـ 1262 هـ.
هو الشيخ قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس بن حمد بن علي بن محمد بن علي بن راشد. ويطلق عليهم (آل حصنان).
وآل حصنان ـ كما ذكر البسام في علماء نجد (5/415) عشيرة كبيرة من آل محفوظ أحد البطون الكبيرة من قبيلة العجمان التي هي من قبيلة يام بن أصبى ابن دافع بن زيد بن ربيعة بن الخيار بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فهم من يام ثم من همدان ثم من كهلان ثم من قحطان.
وآل أبا الحصين تشمل أسر كثيرة في الرس منهم: العساف والعذل والقرناس والرشيد والحواس والحميد والغفيلي والعواجي والدليمان والصبي والعفيصان والرميح والعميل والمفيز وغيرهم.
وكل الأسر التي ذكرنا ومنهم القرناس هم من نسل محمد بن علي بن راشد  الملقب (أبا الحصين) الذي قدم من عنيزة وسكن الرس في حدود عام 970هـ وعَمَره مع نسله وصار كثير منهم من أمراء الرس وقضائها وعلمائها.

ولد الشيخ قرناس بن عبد الرحمن في بلدة صبيح الواقعة شمال الرس عام 1190هـ. ورحل مع والده إلى الرس ونشأ بها وتوفي والده وهو صغير دون التمييز ثم تولى رعايته خاله الشيخ عبد العزيز بن رشيد بن زامل قاضي الرس الذي ربّاه على الدين القويم والتفقّه فيه وعلى الصلاح والتقوى وحب العلم وأهله.
قرأ الشيخ قرناس على مشايخ القصيم وأدرك تلاميذ الشيخ عبد الله بن عضيب وأخذ عنهم، وتعلم على الشيخ صالح بن عثمان آل عوف العقيل في عنيزة كما تعلم من عالم الرس الشيخ صالح بن راشد الحربي الذي قتله إبراهيم باشا بعد حرب الدرعية. كما أخذ عن الشيخ عبد العزيز بن سويلم قاضي بريدة رحمهم الله جميعا.
ترجم له الشيخ عبد الله البسام في كتاب (علماء نجد) ونقل (5/418) نصا عن الشيخ إبراهيم الضويان يتحدث فيه عن الشيخ قرناس هذا نصّه (الشيخ قرناس ابتدأ طلب العلم على الشيخ عبد العزيز بن رشيد قاضي الرس، ثم على عبد العزيز بن سويلم قاضي بريدة، ورحل إلى الدرعية عام 1216هـ وأخذ عن أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من علماء الدرعية، ولم يزل يتردد على الدرعية إلى عام 1222هـ وفيها عُيّن قاضيا ومرشدا في قلعة المدينة المنورة لحامية آل سعود إلى أن خرجوا منها عام 1227هـ، وفيها ولي القضاء بالخبراء ولم تطل مدته فيها، ورجع إلى الرس، ولم يزل فيها إلى أن استولى عليها إبراهيم باشا عام 1232هـ فولاه قضاءها، ولم يزل عليها إلى أن بلغه أن الباشا سفّر آل سعود وآل الشيخ إلى مصر وأنه توجه إلى القصيم، فحينئذ استتر منه وانحاز إلى قرية النبهانية غربي القصيم فكان يأوي إليها ليلا ويظل نهاره في غار في جبل أبان الأسود ويعرف الآن بغار قرناس. ولم يزل كذلك إلى أن سافر الباشا وغابت عسكره فرجع إلى وطنه الرس وصار قاضيا على القصيم كله، إلى أن توفي الإمام فيصل بن تركي فعين أبا بطين في قضاء عنيزة فمن ذلك انفصلت عنه ثم انفصلت بريدة عن ولايته حينما ولي قضاءها تلميذ قرناس الشيخ عبد الله بن صقيه واستمر قرناس على قضاء الرس وملحقاته إلى أن توفي. وكان يكتب كتابة حسنة، ونسخ بيده عدة كتب، وكانت له فراسة قوية في استخراج الحقوق، وكان صلبا في الدين، قويا في تنفيذ الأحكام، وانتشر صيته لانفراده أخيرا بعد أقرانه) انتهى النص.
أقول في تعليق قد يخرج عن الترجمة: لم أجد المصدر الذي نقل منه الشيخ البسام هذا النص كما انه لم يذكر المصدر. أما قول إبراهيم الضويان بأن الباشا استولى على الرس: فأرجو ألا يفهم منه بأنه استيلاء عسكري لأن الباشا لم يستول على الرس عسكريا ولم يذكر أحد من الكتّاب الذين حضروا الحرب أو كتبوا عنها بأنه استولى عليها. والدليل أنه عجز عن فتحها وقاومه أهلها أشد مقاومه وذكر الباشا ذلك في خطاباته إلى والده في مصر، وعندما عجز عنها صالح أهلها بصلح يدل على قوة أهل الرس وشجاعتهم، كما أنه لو كان استولى عليها عسكريا بعد قتال شديد وطويل لهدمها وقتل أهلها كما فعل بغيرها، كما أن بنود الصلح في مجملها في صالح أهل الرس وليست في صالح الباشا. وهذا يدل على أنه لم يستول عليها عسكريا ثم سافر بعدها إلى الدرعية ليكمل مهمته، أما إذا كان القصد بأن استيلاء الباشا على الرس استيلاء معنويا فقد كانت معنويات أهل الرس قوية جدا أثناء الحرب.
ثم رحل إلى الدرعية عام 1216هـ وأخذ العلم عن أبناء الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وغيرهم، وفي عام 1222هـ عين قاضيا ومرشدا في قلعة المدينة المنورة لحامية آل سعود حتى عام 1227هـ روى ذلك ابن بشر (عنوان المجد في تاريخ نجد 1/137) قال أثناء حديثه عن أهل المدينة في سنة 1220هـ: " وأرسل إليهم سعود في موضعهم ذلك الشيخ العالم قرناس بن عبد الرحمن صاحب بلد الرس المعروف بالقصيم فأقام عندهم قاضيا معلما كل سنه يأتي إليهم في موضعهم ذلك ".
درس الشيخ قرناس على خاله الشيخ عبد العزيز بن رشيد بن زامل وعلى تلاميذ الشيخ عبد الله بن عضيب وعلى عالم الرس الشيخ صالح بن راشد الحربي والشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من العيينة وغيرهم.   
بعدها ولي القضاء في الخبراء مدة قصيرة ثم رجع إلى الرس فتولى القضاء فيها كما صار قاضيا في القصيم كلها حتى تم تعيين قضاة في عنيزة وبريدة، وبقي قاضيا للرس حتى وفاته. يقول ابن بشر (تاريخ نجد ج2) في حوادث عام 1249هـ (وعلى القصيم قرناس صاحب الرس).
وكان كاتبا متميزا وله فراسة وصيت في القضاء، وكان عاقلا وحازما وصلبا في الدين. وكان شجاعا قاد أهل الرس في حربهم ضد إبراهيم باشا عام 1232هـ. يقول في ذلك الشاعر أحمد بن دعيج في ملحمته:
وشب نار الحرب فوق الرس         ثلث السنة يضربهم بالقبس
رجال صدق في اللقاء والبأس       أعيانهم  وشيخهم  قرناس
تولى الشيخ قرناس قضاء الرس عام 1234هـ بعد خاله الشيخ عبد العزيز بن رشيد بن زامل بن علي بن محمد المحفوظي الذي توفي عام 1234هـ وبقي فيه (33) عاما. 
درس على الشيخ قرناس مجموعة من التلاميذ منهم: الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ محمد بن عمر بن سليم، والشيخ سليمان بن علي آل مقبل، وابنيه الشيخ محمد بن قرناس والشيخ صالح بن قرناس، والشيخ علي آل محمد آل راشد، والشيخ عبد الله بن محمد بن صقيه، والشيخ عبد الله الخليفي. والشيخ علي بن سالم بن جلعود آل جليدان والشيخ علي بن محمد بن علي آل محمد والشيخ محمد بن عمر بن مبارك العمري والشيخ علي بن محمد آل راشد
وكان الشيخ قرناس كتب لتلميذه الشيخ ابن مقبل إجازة أوردها صاحب كتاب (علماء آل سليم وتلامذتهم 1/195) هذا نصها (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على كل حال والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم في كل اعتقاد ومقال أما بعد فإن العلم بحر زخار لا يدرك له من قرار وطود شامخ لا يسلك إلى قنته الأبصار من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولا ومن أراد الوصول إلى احصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا كيف وقد قال تعالى مخاطبا الخلق وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وإن من أنفع العلوم وأجلها وأفضلها علم الفقه وقد نفع مني الشيخ الأجل الأمثل من هو على التعلم والاجتهاد مقبل سليمان بن علي بن مقبل نبذة من كتب المتأخرين من الحنابلة على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل في عدة مجالس آخرها في شهر جماد الأول سنة 1257 فأجزته فيما لي وعني بشرط مراجعة المنقول وأسأل الله لي وله التوفيق والسداد إنه رؤوف رحيم جواد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. كتبه بقلمه وقاله بفمه الفقير إلى الله العلي قرناس بن عيد الرحمن بن حمد بن علي الحنبلي) ختم الشيخ. 
كما ترجم له القاضي (روضة الناظرين 1/164) وقال في بداية الترجمة (هو العالم الجليل والفقيه المتبحر والشجاع الباسل.. ثم أورد اسمه كاملا) ثم قال ( وتوفي والده وله من العمر أربع سنين فرباه أمير الرس سعد الدهلاوي بتوصية من أبيه، كما وصى به أخته الكبرى وجعل الأمير يرعاه بأحسن رعاية وكذا أخته حنت عليه وقاما بتوصية الأب خير قيام وقد توفيت أمه بعد أبيه عبد الرحمن بثمانية شهور فقط فأكدت على أخته التوصية به فنشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن وحفظه على مقرئ بالرس ثم حفظه عن ظهر قلب وشرع في طلب العلم بهمة عالية ونشاط ومثابرة فقرأ على علماء القصيم..).
ثم ذكر القاضي ناقلا عن الشيخ إبراهيم الضويان بأن الشيخ قرناس قرأ على عبد العزيز بن سويلم قاضي بريدة، وأنه رحل إلى الدرعية عام 1216هـ فقرأ على عبد الله وعلي ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم قال ( وكان يتوقد ذكاء ومعه إقبال منقطع النظير ويحفظ متونا كثيرة) كما قرأ على حمد بن معمر.
وذكر القاضي بأن الشيخ أقام بالدرعية عشر سنين ينهل من مورد عذب طاب لشُرّابه حتى نبغ في فنون عديدة وقد وهبه الله فهما ثاقبا وكان قوي الفهم حاضر البديهة تفوق على أقرانه. ثم توجه إلى مكة للحج فجاور فيها وقرأ على علماء المسجد الحرام الأصول والفروع والحديث والمصطلح وتحصل على إجازة بسند متصل ثم رحل إلى المدينة المنورة فقرأ على علماء الحديث ورجاله بها والتفسير وتحصل على الإجازة بسند متصل وأقام بها سنين وتعين إماما بمسجد فيها بالقلعة ظل فيه إماما ومدرسا ست سنين ومرشدا وداعية خير ورشد وصلاح.  وكان حسن الصوت جهوريا حسن الخط جدا.
ثم قال القاضي عن الشيخ قرناس: وكان عمدة بالتوثيقات فيها وفي الرس وأفنى عمره بالكتابة فخط كتبا كثيرة وهمش عليها من تقارير مشائخه ومما يمر عليه أثناء مطالعته، وكان القضاة يعتمدون قلمه ويحب إصلاح ذات البين ما أمكنه.
ثم قال القاضي: وبعد أن عاد الشيخ قرناس من عمله بالمدينة إلى الرس في حدود عام 1227هـ تم تعيينه قاضيا في الخبراء بالقصيم مدة قصيرة عاد بعدها إلى الرس واستقبله أميرها سعد بن عبد الله الدهلاوي وأكرمه وزوجه ابنته رقية وهي أم ابنه الشيخ محمد، ثم طلب منه الأمير وأهل الرس أن يتولى القضاء في بلدتهم فصار قاضيا فيها بحزم ونشاط فكان مثالا للعدالة والنزاهة والعفة فأحبه الناس وقدروه حيث كان يتمتع بأخلاق عالية وصفات حسنة، واستمر فيها من دعاة الخير والرشد حتى حاصرها إبراهيم باشا فقاد الشيخ قرناس الحرب ضد الباشا بعد أن أصيب أميرها منصور بن عساف ومعه أهل الرس بشجاعة وبسالة حتى عجز عن احتلالها فتم الصلح بينه وبين الشيخ قرناس حتى وصفه إبراهيم باشا بقوله( أنت ذيب وخطيب).
ثم يقول القاضي عن الشيخ قرناس أيضا (2/169) (وكان أمام وخطيب جامعها منذ أن تولى قضاءها وفي مرجع بأنه قد ضم إليها قضاء القصيم كله، وهو الذي يولي المساعدين له ويستشيرونه في القضايا الكبيرة وما كان من قضايا سهلة يقومون بحلها... وقد رحل إليه الطلبة من كل صوب للاستفادة من علومه وانتهى الإفتاء في القصيم إليه وذاع صيته وأفنى عمره في التعلم والتعليم والإفتاء ونفع الخلق، ويقول الشيخ صالح القرناس أن الإمام تركي بن عبد الله عام 1260هـ عينه قاضيا على القصيم كله... وكان واسع الإطلاع في فنون عديدة وخصوصا في الفقه والحديث والمصطلح وله مآثر حسنة ويحب البحث والنقاش وإصلاح ذات البين ففي عام 1240هـ تدخل في حرب السوقين في عنيزة حتى طفئت الفتنة... وظل في قضاء الرس أربعا وثلاثين سنة كان فيها مثالا للعدالة والنزاهة ذا مكانة مرموقة وكلمة نافذة).
كما أورد القاضي(2/170) ناقلا عن المؤرخ إبراهيم الضويان في حديثه عن الشيخ قرناس (كان له فراسة لا تخطئ في استخراج الحقوق قوي في تنفيذ الأحكام والصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشر صيته لانفراده أخيرا بعد أقرانه).
ثم قال القاضي عن الشيخ قرناس( كان سخيا جوادا مستقيم الديانة وتجرد للعبادة ولازم المسجد والتلاوة والتهجد بالليل وكان له صوت جهوري رخيم ولم يزل محمود السيرة حتى وافاه الأجل المحتوم مأسوفا على فقده في 26 من شهر رجب 1363هـ وله من العمر سبعون سنة قضاها في خدمة العلم ونفع الخلق وخلف مكتبة حافلة بالمخطوطات النفيسة وآلت إلى ابنه محمد القرناس فتلفت عام 1376هـ) عندما جاء السيل على منزله.
أقول: الصحيح بأن وفاة الشيح قرناس كانت في اليوم السادس من شهر رجب من عام 1262هـ وليس كما ذكر القاضي ولعل ذلك خطأ من الطباعة.  
والشيخ قرناس له عشرة من الولد (7) ذكور و(3) من الإناث، فقد تزوج رحمه الله ثلاث زوجات. الأولى: رقية السعد الدهلاوي، وله منها الشيخ محمد وخديجة. والثانية: مضاوي بنت عبد الرحمن البسام، وله منها: حمد وسليمان وعبد الرحمن وعبد العزيز. والثالثة: مضاوي الشقير، وله منها: الشيخ صالح وعبد الله وهيا ورقية. 
والشيخ قرناس له ذكر كثير في وثائق الرس، وكذلك له أوقاف كثيرة بعضها كتبها بخطه. وقد قام بشراء مجموعة من الأوقاف بالرس وما حولها ووقفها على مدرسة الرس ومسجد الرس العتيق وعلى سراج المسجد وغيره من الأوقاف الأخرى.
توفي الشيخ قرناس في الرس يوم 6/7/1262هـ رحمه الله رحمة واسعة وجعل مثواه جنات النعيم.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل. الرس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق