التعليم في الرس:
في كل أمة يوجد علماء يقع على عاتقهم مهمة إصلاح الناس وهدايتهم إلى الطريق القويم، وتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن الكريم وشرح السنة النبوية المطهّرة.
والرس كغيرها من مدن المملكة يوجد فيها علماء أجلاّء درسوا على من قبلهم من العلماء وعملوا في القضاء فترات طويلة، ومنهم من لم يمارس القضاء وإنما عملوا بالتدريس أو الحسبة في بلدتهم، وكانوا أعضاء نافعين في مجتمعهم يعوِّل عليهم الناس في كتاباتهم وتوثيق عقودهم وعهودهم وتسجيل أوقافهم.
أما التعليم في الرس فقد مر بمراحل ثلاث هي: مرحلة الكتاتيب، ومرحلة المدارس، ومرحلة التعليم النظامي. وسوف نتطرق في حديثنا عن التعليم في الرس للمراحل الثلاث كل على حده:ـ
مرحلة التعليم في الكتاتيب:ـ
وهي المرحلة الأولى التي كانت سائدة آنذاك وهي التي يطلق عليها (التعليم التقليدي) وقد بدأت تلك المرحلة من التعليم في بداية القرن الثاني عشر الهجري ويتم تدريس الطلاب فيها داخل أروقة المساجد، ويقوم عليها عادة قضاة البلدة سواء من أهلها أو من غيرهم، بحيث يجتمع الطلاب على شكل حلقات بين يدي الشيخ ويقوم بتلقينهم بعض قواعد اللغة العربية تمهيدا لحفظ القرآن الكريم .
وأول من تولى التدريس بالمساجد الشيخ زامل بن علي بن محمد بن علي ابن راشد العجمي أحد تلاميذ الشيخ عبد الله بن أحمد بن عضيب، وقد تولى القضاء بالرس والإمامة والخطابة بالمسجد الجامع بالرس فالتف حوله التلاميذ للدراسة حتى توفي عام 1150هـ رحمه الله.
ثم تولى القضاء والتدريس بعده ابنه الشيخ رشيد بن زامل بن علي العجمي الذي درس على والده وعلى الشيخ عبد الله بن عضيب وكان يحب العلم وأهله ويحرص على تعليم الناس أمور الدين حتى توفي رحمه الله في حدود عام 1196.
ثم تولى القضاء والتدريس في جامع الرس الشيخ عبدالعزيز بن رشيد بن زامل ابن علي المحفوظي حتى توفي عام 1234هـ رحمه الله.
ثم خلفه على القضاء والتدريس والخطابة بالرس عام 1234هـ قاضي القصيم الشيخ قرناس بن عبدالرحمن القرناس، والتف حول حلقته مجموعة كبيرة من التلاميذ من الرس وعنيزة وبريدة وهو الذي خطب في مسجد الرس بعد الصلح مع إبراهيم باشا فأعجب به الباشا وأثنى عليه حتى توفي رحمه الله عام 1262هـ.
ثم تولى القضاء والتدريس الشيخ محمد بن قرناس بن عبدالرحمن القرناس بعد وفاة أبيه والتف حوله مجموعة من التلاميذ من الرس ومدن القصيم الأخرى حتى توفي عام 1276هـ رحمه الله .
بعده تولى أخوه صالح بن قرناس بن عبدالرحمن القرناس وكان مجلسه عامرا ومدرسته تزدحم بالتلاميذ من طلبة العلم بالرس حتى توفي رحمه الله عام 1336هـ.
وكان يتولى التدريس في جامع الرس الشيخ إبراهيم بن محمد الضويان في زمن شيخه صالح القرناس وكان يقوم بذلك نيابة عن شيخه عند غيابه في مسجده وفي المسجد الجامع.
ثم تولى القضاء والتدريس بالرس الشيخ سالم بن ناصر الحناكي حتى توفي رحمه الله عام 1347هـ.
ثم خلفه على التدريس أخوه محمد بن ناصر الحناكي وكانت حلقته مليئة بالتلاميذ من الرس ولكنه لم يستمر طويلا حتى توفي رحمه الله في نهاية عام 1347هـ..
ثم تولى التدريس بالمسجد الجامع مع الإمامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن رشيد الذي كثر في حلقته التلاميذ من الرس وما حولها حتى رحل للقضاء.
ثم تولى التدريس في حلقات المسجد الجامع بالرس الشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان بالإضافة لعمله في القضاء والتف حوله عدد كبير من طلبة العلم الذين صار لهم فيما بعد شأن كبير في الوظائف الحكومية، وعندما تقاعد الشيخ من القضاء استمرت حلقته في منزله حيث يفد إليه الناس للفتوى وطلب العلم حتى توفي رحمه الله.
وقديما كانت تلك الحلقات منابر للعلم نهل منها الكثيرون من أهل الرس وغيرها من بلدان القصيم الأخرى، وتخرج منها مجموعة كبيرة من طلبة العلم منهم من تولى التدريس في مدارس الرس، ومنهم الذين بعثهم الملك عبدالعزيز إلى بعض البلدان للوعظ والإرشاد مثل: محمد بن إبراهيم الخربوش وسليمان بن عبدالرحمن البطي وأخوه عبدالعزيز بن عبدالرحمن البطي ومحمد بن صالح الخليفه وعبدالسلام بن خالد القبلان ومنيع الخليفه وسليمان السلومي وغيرهم رحمهم الله.
أما الأحبار التي كانوا يستعملونها للكتابة على الألواح فكانوا يعملونها من بعض المواد المتوفرة في بيئتهم مثل: قروف الرمّان (أي قشورها) ينشرونها في الشمس حتى تيبس ثم يدقّونها ويضيفون لها قليل من الصمغ والزّاج ثم يطبخونها ويستعملونها حبرا. أما الأقلام فكانت من أعواد الأثل والقصب الصَّلب.
كتبه عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
مرحلة التعليم بالمدارس:
وهي المرحلة الثانية التي جاءت بعد مرحلة الكتاتيب ومدرسوها هم الذين تخرجوا من المرحلة الأولى، وقد بدأت تلك المرحلة مع البدايات الأولى في التعليم على عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله. وكان يوجد في الرس في تلك المرحلة ست مدارس للبنين موزعة في أنحاء البلدة وهي:ـ
1ـ مدرسة شمال البلدة: وتقع في الجهة الشرقية من السوق والمسجد الداخلي القديم وغرب منزل الطاسان في بيت الحجرف، وقد تولى التدريس في المدرسة المشايخ: عبدالله بن حمد الرميح وعبد العزيز بن عبد الرحمن البطي وناصر بن سالم الضويان ثم محمد بن إبراهيم الخربوش رحمهم الله جميعا، واستمرت المدرسة حتى حوالي عام 1348هـ.
2ـ مدرسة جنوب البلدة: وتقع عند باب العقدة أحد أبواب السور وشمال مسجد الرشيد الذي يؤمّه الشيخ علي الجاسر الحربش، وتولى التدريس فيها المشايخ محمد ابن عبد العزيز بن رشيد ومحمد بن ناصر بن خالد الرشيد رحمهم الله وقد انتهت المدرسة مع افتتاح المدرسة السعودية.
3ـ مدرسة وسط البلدة: وتقع في (مفرق الحمّاد) شرق منارة المسجد الجامع القديم الذي يسمى (المسجد الطالعي) والذي كان يصلي فيه الشيخ قرناس، وتولى التدريس فيها المشايخ عبدالله بن عبدالرحمن العقيل ومحمد بن إبراهيم الضويان وعبدالعزيز بن علي الغفيلي رحمهم الله، وقد انتهت المدرسة وصارت فيما بعد مقرا لمنجرة راشد البلّي.
4ـ مدرسة شرق البلدة: وتقع شرق السوق التجاري القديم (سوق المرقب) أمام منزل الوجيه حمد بن منصور المالك من الجهة الجنوبية بين منزل الطاسان وسجن النساء، وتولى التدريس فيها المشايخ ناصر بن سالم الضويان وعبد العزيز ابن عبد الرحمن البطي ومحمد بن إبراهيم الخربوش.
5ـ مدرسة وسط البلدة: أقامها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن البطي في منزله الواقع جنوب السوق التجاري (سوق المرقب) بجوار (جفرة قديح) وكان الشيخ يدرّس فيها القرآن الكريم، وكان فيها مجموعة من الطلاب الذين تولوا القضاء فيما بعد، وكانت تلك المدرسة آخر مدرسة أنشأت بالرس وانتهت مع بداية الدراسة في المدرسة السعودية عام 1363هـ.
6ـ المدرسة القرآنية: أسسها الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم الطاسان عام 1378هـ، وأول بدايتها كانت في دكانين يقعان في الجهة الجنوبية الغربية من منزل أخيه موسى بن إبراهيم الطاسان شرق مسجد الدهامي الجامع لمدة سنة واحدة، ثم انتقلت إلى أسفل منارة المسجد المذكور في حجرة كبيرة إلى ناحية الشرق عدة سنوات، ثم انتقلت في الجهة الجنوبية من منزل صاحبها الواقع شمال المسجد، وكانت الدراسة بالمدرسة تسير على تنظيم معيّن، وعدد تلاميذها (50) تلميذا يدرسون فيها القرآن حفظا وتجويدا والفقه والتوحيد والقراءة والكتابة والإملاء فقط، من الصباح الباكر حتى الظهر، وكانت الدراسة بالمدرسة مجانية بل كان صاحبها عطوفا على تلاميذه ويصرف لكل واحد منهم ريالين في كل عيد ويصنع لهم طعام غداء تشجيعا لهم على المواصلة، وكان بعض الأهالي يتبرعون للمدرسة بمبالغ نقدية وغذائية خاصة من فطرة رمضان ويكرّمون التلاميذ عند حفظ شئ من القرآن بالجوائز، وعندما تخرج الطلاب من المدرسة تم قبولهم بالمدرسة النظامية بالصفّين الثالث والرابع، وانتهت الدراسة بالمدرسة في عام 1387هـ.
أما مدارس النساء: فقد بدأت مدارسهن في نهاية القرن الثالث عشر الهجري أي في حدود عام 1280هـ ولكنها كانت محدودة وطالباتها قليلات.
ولكن يُروى بأنه كان في بلدة الرس بدايات لتعليم المرأة قبل ذلك أي بحدود عام 1180هـ بعدما انتقل صالح بن عبدالرحمن الخميس إلى الرس وكان ممن يحفظ القرآن وتعلّم من بعض علماء نجد قام ابنتاه مزنه وشايعه بتعليم النساء في منزله بالرس.
وعلى كل حال فقد كان في البلدة خمس مدارس كتاتيب للنساء هي:ـ
1ـ مدرسة المعلمة منيرة الجلالي: زوجة الشيخ قرناس بن عبدالرحمن، وهي أول معلمة كتاتيب داخل البلدة وكانت في حدود عام 1280هـ ولكنها كانت في حدود ضيقة.
2ـ مدرسة المعلمة مطيرة الرماحا: من أسرة الرميحي، وهي من أحفاد رميح العجمي، وأنشأت في عام 1319هـ أو عام 1320هـ وكانت تقوم بتدريس النساء والأطفال في منزلها.
3ـ مدرسة منيرة العتيّق: وهي تلميذة مطيرة الرماحا، وكانت في منزلها في الجهة الغربية من البلدة.
4ـ مدرسة تركية العمير: من أسرة الزهير بالرس، وتقع المدرسة في وسط البلدة بجوار بيوت الضويان، واستمرت حتى عام 1370هـ.
5ـ مدرسة موضي محمد الصالحي: وهي مشهورة باسم (موضي السعد) بنت محمد بن سعد الطاسان.
6ـ مدرسة موضي الشنيف: زوجة محمد الشنيف، وتقع المدرسة في جنوب غرب البلدة.
7ـ مدرسة نورة ناصر الرشيد: أخت الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الرشيد الرئيس العام لتعليم البنات ورئيس هيئة التمييز سابقا، واستمرت المدرسة حتى افتتحت أول مدرسة للبنات بالرس عام 1381هـ وعينت المعلمة مراقبة فيها.
مرحلة التعليم النظامي:
نالت الرس في ظل رعاية الحكومة الرشيدة نصيبها الوافر من التعليم بجميع مراحله الابتدائي والمتوسط والثانوي وكذلك الجامعي، كما تعددت قنوات التعليم سواء منها ما كان خاصا بالبنين أو ما يخص البنات، وزادت أعداد المدارس بجميع مراحله للفئتين على السواء.
كتبه عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق