الثلاثاء، 18 يونيو 2013

بيت الغرباء في الرس ـ صورة للتكافل الإجتماعي

(بيت الغرباء في الرس.. صورة للتكافل الاجتماعي)
التكافل الاجتماعي سمة من سمات المجتمع المسلم، ولقد أكد الإسلام على التكافل بين أفراد الأسرة وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة واضحة ورائعة حيث قال: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
وأما التكافل بين جميع المجتمعات الإنسانية فهو الذي ترسم ملامحه الآية الكريمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
يقصد بالتكافل الاجتماعي: أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم أو دفع الأضرار عنهم.
كما حض الإسلام على إكرام الضيف والحرص ضيافته واعتبر إكرام الضيف خُلقا كريما يدل على صدق الإيمان وتأصله في النفس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) كما أكد على الإحسان الى الغريب المحتاج وهو الذي انقطعت به السبل ولم يستطع الوصول إلى بلده وجعل له حقا واجبا في الزكاة.
       وأهل الرس مثل غيرهم من المجتمعات الأخرى يحرصون على التكافل الاجتماعي وتحقيقه ويوقفون الأوقاف من أجله، كما يحرصون على إكرام الضيف ممن يقيم في بلدتهم أو يمر عليها وهو في طريقه. من ذلك (دكان الغرباء) في الرس. ورد ذلك في وثيقة كتبها الشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان قاضي الرس في وقته بتاريخ 15 رمضان 1371هـ وهو دكان كان يقع قريبا من سوق البلدة في الشارع المتجه من قبلة السوق بين الدكان المسمى دكان العقل ودكان والدة حمد بن منصور المالك، ولكن لا يُعرف بالتأكيد عن من أوقف دكان الغرباء أو من يملكه، ولكنه معروف بأنه وقف على عابر السبيل وبعض أهل الرس منهم علي البلّي ـ كما يذكر الشيخ صالح ـ يعرفون ذلك وكانوا يدركون الغرباء ينزلونه إذا قدموا على البلدة، كما أنه يسمى (دكان الهنادى) مما يوحي بأن الذين وقفوا الدكان هم أسرة الهنيدي في الرس وكان يتولى عليه حمد الهنيدي في حياته وأبناؤه من بعده. وكان قاضي الرس الشيخ سالم الحناكي يؤجره، وكذلك القاضي الشيخ محمد بن عبد العزيز بن رشيد أفاد بأنه مستفيض عندهم بأنه وقف على عابري السبيل وكان يؤجره وقد أمر بعمارته، ثم ثبت لدى الشيخ صالح الطاسان بأن الدكان وقف على عابر السبيل وأن أقرب القرائن بأن الواقف له من الهنادى، وكان الكاتب الشيخ محمد بن إبراهيم الخربوش يقوم على الوقف ويستلم ريعه ويوزعه على الوصية وعندما انقطع الغرباء عن مرورهم على الرس أمر الشيخ صالح محمد بن حمد الهنيدي باستلام باقي ريعه مع ما يرد منه بعد ذلك ويصرفه في قربة ماء عذب للشرب في المسجد أو في السوق وهو أقرب لمقصور الواقف.
هذه صورة من صور التلاحم والتعاطف بين أهل الرس ولم تكن هي الوحيدة عندهم بل جميع أوقافهم يقصد بها الخير والمعروف سواء منها ما كان وقفا على الأهل والجيران أو على الفقير والمسكين وابن السبيل أو على المساجد ومنافعها ومؤذنيها وأئمتها من الآبار والمزارع وغيرها، وكانوا يسارعون لتقديم المعروف والإحسان لمن يحتاجه حتى ولو لم يكن من سكان بلدتهم ويعتبرونها من الزكاة وأنها فرض عليهم قررتها الشريعة السمحة، كما كانوا يحرصون على الوقف من أموالهم ويوثقون ذلك لدى القضاة بشهادة الثقات منهم لحفظها من الضياع.أرجو من الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتهم وأن يجزل لهم الأجر والمثوبة على ما قدموا من معروف وإحسان. وأن يجعل من ذريتهم من يبرهم بعد موتهم إنه سميع مجيب.
                                         كتبه: عبد الله بن صالح العقيل ـ الرس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق