الثلاثاء، 18 يونيو 2013

عرض قصيدة (قاصد خير) د سالم المالك

عرض قصيدة (قاصد الخير)
للدكتور/ سالم بن محمد المالك.

قرأت في جريدة الجزيرة في العدد (13838) الصادر في يوم الأربعاء: 8/9/1431هـ الصفحة (43) قصيدة رائعة صاغها فكر وقريحة أخي الدكتور سالم بن محمد المالك، وهي بالنسبة لي أول قصيدة أقرأها لأخي الدكتور سالم وقد يكون لديه قصائد أخرى لم تنشر من قبل. وأعجبتني تلك القصيدة وهاتفته مبديا إعجابي بها، وأحببت أن اعرضها للقراء.
بدأها الشاعر قصيدته بخطاب وجّهه لكل مسلم يرجو عفو ربه مخاطبا عاطفته التي توجّهه للخير وتصرفه عن الشر في هذا الشهر الفضيل الذي يعتبر للمسلم ميدان من ميادين الخير يتنافس فيه المسلمون في البذل والعطاء، ومزرعة مثمرة يرجون فيها عفو ربهم يوم يلقونه. يقول في مطلعها:
استثمر الخير في دنياك واجتهد
ولا تبال بداعي الشر والحسد
واعمل ليوم جميع الناس ترقبه
فيه القضاء قضاء الواحد الأحد
أفعالك اليوم تحكي أي منزلة
روض الجنان أم النيران في اللحد
 الشاعر يخاطب العاطفة الإسلامية الجيّاشة التي تدل على الخير وتنهى عن الشر بأن تسعى للبذل من أجل عفو رب العالمين وتدع وساوس الشيطان التي تدعو البخل والشح خوف الفقر والجوع. حتى تفوز بعفو ربها وجنات النعيم عندما يقف الخلق أمام ربهم وتتحدث عنهم أفعالهم ليقضي بينهم الواحد الأحد. فإما جنات ونهر وإما نار تحرق الجلود والجباه.
ثم يتساءل الشاعر في الأبيات القادمة عن المروءة، هل وئدت في وقتنا الحاضر؟ أو هل غابت عن أخلاق بعض الناس فضنوا بأموالهم وحجبوها عن الفقراء؟ أم أن كبار الناس قد ماتوا ولم يبق إلا البخلاء الذين لا يبذلون من أموالهم شيئا. ويصمون آذانهم عن داعي الخير.  
هل المروءة في أيامنا وئدت
أم نام عنها كبار الناس في المهد
يا رافع الصوت خمساً أين سامعكم؟
هل يسمع الصوت والآذان في سدد
إن الحياة التي نحظى بنعمتها
يشارك الطفل فيها خائن العهد
تأبى العقول ضموراً في تعلمها
فالنهر يفقد بعض الماء في الزبد
أليس في العقل ما يحيي ضمائرنا  
أم أن لهو الهوى أقوى من الرعد
ماذا نقول وفي أفواهنا حجر
هل شارك الضبع يوماً أكلة الأسد
لا بل يزاح تراب البغي عن كثب
كما تزال جراح السقم من جسد    
ومع الأسف فإن الحياة التي ننعم بخيراتها لم يسلم الطفل فيها من التأثر بمن يخون العهد والأمانة لأن هذا لم يقم بدوره الصحيح في الحياة حتى يكون قدوة حسنة للصغير. ثم قال: بأن العقول تنمو بالتعلم وتضمر بالخمول والكسل. وأودر الشاعر مثلا واضحا بأن النهر يفقد جزاء من مائه عندما يكثر الزبد أما ما ينفع الناس فهو الذي يبقى ينميه داعي الخير. ثم تساءل عن حال الضبع عندما يكون برفقة الأسد، هل ينال من الصيد شيئا أم أن النصيب الأكبر للأسد؟! والضبع ينال ما تبقى من العظام والدم والملوّث بالتراب.
يا قاصد الخير في أيامنا عجب
فالنحل يعطي رحيقاً ليس بالشهد
فالخير حق أياد الله منشؤه
والجود نبع وعنه البعض في صدد
الخير أصل وأصل الخير في كرم
لو ضاع أصل لضاع البدر في الصعد
الخير يبني بيوت العز من شرف
والشر يهدم ما نبنيه من عمد
الشر بؤس هلاك المرء مخرجه
من خان عهداً فإن النار من مسد
 ثم يستطرد الشاعر مخاطبا الوازع الديني في قاصدي الخير متعجبا من تغيّر أحوال الناس في هذا الزمن العجيب ويضرب مثلا حيا مشبّها حال أهل الخير في العطاء والبذل بأن النحل يعطي نوعا آخر من الرحيق لكنه ليس بالعسل وعطاء أهل الخير في وقتنا الحالي لا ينتفع به المحتاجون.
وأما الخير فإنه عطاء من الله يحصل عليه أهل الجود وينتفع به الفقراء. ثم بيّن بأن الخير هو الأصل وهو الذي يبني المروءة والعز لأهل العز والكرم والشرف. أما الشر فإنه لا يبني إلاّ الحقد والكره في النفوس. ومن امتلأت نفسه بالشح والبخل فإن مآله إلى النار وبئس المصير.
ثم يوجّه الشاعر حديثه بمن غرّته الدنيا وألهته عن سواه وحسب بأن المال يبقى لديه ولن يزول، بأن هذا العطاء الذي ناله من الله لن يدوم إلا بدوام البذل والإنفاق، وأن حال الدنيا يتغير سريعا وأن المال الذي تملكه اليوم قد يزول غدا، فهي يوم لك ويوم عليك، والكريم هو الذي يستثمر أمواله في الخير العطاء أما البخيل فسوف تزول نعمته بانقطاع عطائه.     
يا من تباهى بدنيا لا أساس لها
وتاه في بحر دنياه وفي البيد
أعط الفقير ولا تبخل بمكرمة
يوم عليك ويوم أنت في سعد
يبقى الكريم كريماً في تعامله
أما البخيل فيهوى في رحى الرمد
      ثم دعى المرء بتقوى الله في السر والعلن وبذل الخير للناس والتحلي بحسن الخلق والإنفاق وأن يثابر ويبحث عن المحتاجين وينفق عليهم بحيث لا تعلم شماله ما تنفق يمينه مصداقا لحديث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بأن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" فاجتهد بالبذل والعطاء في شهر الخير والإحسان واطلب ما عند الله من الأجر والمثوبة وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
لكن عليك بتقوى الله في عمل
فالخير يبقى وعين الشر في كمد
فكن عزيزاً كريماً ذا مثابرة
تخفي يمينك عن يسراك والولد
المرء يهوى حياة لا غبار لها
والله يرحم خطائين من وقد
يا ليت شمسي إذا غابت لمخبئها
تجيئنا الصبح بالإشراق بالمدد
ليصبح الخير في أعمالنا كرماً
يعم غيثاً فيرمى الشؤم بالبرد
     قصيدة رائعة فيها من الحكم والعبر الجميلة الشيء الكثير. وأودع فيها الشاعر خبرته وتجربته في الحياة لعلها تصل إلى كل قاصد خير يرجو غفران الذنوب والعفو والصفح من الله، بأن ينفق ويبذل الخير والمعروف للناس في هذا الشهر الكريم.
تحليل القصيدة:
القصيدة موجّهة لأهل الخير والبذل في شهر الخير والعطاء، وتخاطب العواطف قبل العقول، وتحثهم على الصدقة على المحتاجين من أجل الحصول على رضا الله والفوز بالجنة. وهي مليئة بالعواطف الجيّاشة التي أشعلها الشاعر وخاطب بها من لديهم الأموال ولهم القدرة على كبح جماح نفوسهم من أجل البذل لسد حاجة الفقراء والمساكين.
فكرة القصيدة: جاءت الفكرة بأسلوب هادئ وهذا نهج الحديث عن النواحي الدينية والعاطفية من أجل تحريك عواطف الأغنياء وكسب ودّهم للبذل والعطاء لمن يحتاجون العطاء. ثم اخذ الشاعر يصف حال الغنى والفقر والخير والشر مع سرد بعض الأمثال والحكم التي تستدر عواطف الخير وتحذر من البخل والشح.
كما أن مستوى الجرس الموسيقي خافت وهادئ القصد منه تفعيل الحوار الديني المثمر بين الشاعر والمتلقي.
أشكر الشاعر على تفاعله مع هذا الشهر الكريم ومقاطع الحوار التي طرقها وأثراها بالمعاني الكبيرة التي تحث على بذل الخير والنهي عن الشر، كما بيّن مآل الإنسان إما إلى الجنة أو إلى النار.
كنت أتمنى من جريدة الجزيرة أنها أعطت القصيدة مكانة مرموقة بين صفحاتها كأن يكون نشرها في صفحة واسعة وعمود كبير.. وهذا بنظري هو ما يجب أن تحصل عليه القصيدة التي أراها من إبداعات الشاعر. كما آمل من الشاعر أن يتحفنا بقصائد أخرى على هذا المنوال. ولا ننس قصائد الغزل فقد يكون لها نصيب من نظم الدكتور سالم. تحياتي راجيا من الله التوفيق والعون للجميع.  

  كتبه:
                                 عبد الله بن صالح العقيل ـ الرس. 
                                     aa.11000@hotmail.com
نشر بالجزيرة يوم الثلاثاء: 21/9/1431هـ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق