رجال الرس ووجهائها:
في كل بلد يوجد مجموعة من الرجال الذين لهم دور في حياة الناس يعملون لخدمتهم ويتكلمون باسمهم ويتقدمونهم في المناسبات، فيقودونهم في الحروب ويطلبون لهم الأرزاق ويتوجهون لهم لدى الحاكم وقد يكون لهم الأمر والنهي فيهم، فيقبضون على يد الظالم ويأخذون حق المظلوم، والرس كغيرها من البلدان يوجد فيها رجال نذروا أنفسهم لخدمة الدين والوطن فقادوا الحروب مثل الشيخ قرناس بن عبدالرحمن ومنصور المالك وأمير الرس حسين العساف ومنهم من كان له معروف على الناس يتكلم باسمهم ويتحسس حاجة البلدة فيسعى لتحقيقها.
وكان وجهاء الرس وأغنياؤها في زمن حرب الشنانة بين الملك عبد العزيز وعبدالعزيز بن رشيد ثلاثة هم: ناصر بن مطلق الحناكي ومنصور بن دخيل المالك وعبد العزيز بن راشد الغفيلي وكانوا يقومون بتأمين ما تحتاجه البلدة للحرب من سلاح وعتاد وزاد ومؤونة حيث كانوا يتعاملون بالزراعة والمداينات والبيع والشراء في البلدة، كما كان قائد الحرب هو ناصر بن خالد الرشيد وأمير الرس آنذاك صالح بن عبدالعزيز الرشيد.
وبعد نهاية الحرب تأمّر على الرس من قبل الملك عبدالعزيز حسين العساف وقد تم اختيار سبعة أفراد من أهل الرس ليكونوا وجهاء فيها ولهم المشورة وتداول الرأي فيما يهم البلدة وهم: مطلق الحناكي وحمد بن منصور المالك ومحمد بن علي العقل ومحمد بن هندي العماري ومحمد بن خالد الرشيد وعلي بن ناصر الخليوي وكان يرأسهم مرة حمد العرزون ومرة أخرى صالح بن منصور الضلعان، وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله عندما يوجّه أمرا أو كتابا يوجّهه باسم جماعة أهل الرس.
وفي أثناء إمارة حسين العساف اقترح الشيخ ابن حميد قاضي القصيم على الملك فيصل أن يكون أعيان الرس ثلاثة عشر فردا وذلك في عام 1378هـ وهم: حمد بن منصور المالك ومحمد بن علي العقل ومحمد بن هندي العماري وصالح بن مطلق الحناكي ومحمد بن مجاهد الخليفة وعبدالعزيز بن سليمان الغفيلي وعلي بن حسين العساف وعبدالله بن ناصر العمير وحمد بن سليمان الرميح وناصر بن علي الخليوي وصالح بن ناصر الرشيد ومحمد بن حسين الفريحي وعبدالرحمن بن عبدالله الصيخان. وكان لهؤلاء الرجال المشاركة مع أمير البلدة والقاضي في دراسة ما تحتاج البلدة من مشروعات تنموية وحل المشكلات بين الناس، حتى تم تنظيم الإمارة وتحدد لكل جهة حكومية صلاحياتها الإدارية، وقد أكّد لي الوجيه صالح بن مطلق الحناكي بأن أهل الرس يهتمون ببلدتهم ويسعون فيما ينفعها ويعملون يدا واحدة في مصلحتها وجميع ما يعنى بتطويرها.
وسوف نتطرق لحياة أربعة من وجهاء الرس كان لكل منهم دور في حياة الناس وهم: أمير الرس في وقته حسين بن عساف بن سيف والوجيه صالح بن محسن العذل والوجيه حمد بن منصور المالك والوجيه صالح بن مطلق الحناكي، وسوف يتضمن الحديث عن حياتهم والدور الذي قاموا به:
1ـ حسين العساف:
هو حسين بن عساف بن سيف بن منصور بن سيف بن عساف بن ناصر ابن حمد بن محمد بن علي بن راشد المحفوظي.
ولد في الرس عام 1272هـ وتربى في حضن والده وعاش فيها وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم.
كان جده منصور بن سيف الذي عاش أثناء القرن الثالث عشر الهجري أول أمير على الرس من العساف أثناء حصار إبراهيم باشا لها عام 1232هـ وجرح أثناء المعركة. كذلك تولى والده عساف بن سيف إمارة الرس ولكنه لم يستمر فيها طويلا.
سافر إلى المدينة المنورة عن طريق البر في حوالي عام 1290هـ وعمل لدى الأشراف لمدة سنتين تقريبا، وعندما توفي والده عساف بن سيف وهو على الرس طلبه أهلها ليكون أميرا عليهم فعاد من المدينة وأمّروه عليهم في زمن أمير بريدة ابن مهنا.
في حدود عام 1315هـ اشتكى إليه أهل الرس قلة في الأطعمة فذهب إلى أمير بريدة ابن مهنا ومعه صالح بن عذل ولكنه لم يجد منه تجاوب فذهب إلى ابن رشيد في حائل فأكرمه وأعطاه أرزاقا على سرية ولما وصل بها إلى الرس وزعها على الأهالي وسد بها حاجتهم، بعدها صار في ولاية ابن رشيد واستمرت الرس تابعة لابن رشيد حتى وفاته عام 1324هـ.
كان من أبرز أسرة العساف وأحكمهم وأعرفهم بأمور الحياة، كان مهيبا عند الحديث شجاعا في الحروب قويا في قول الحق، معروفا بالشدة والقوة وهو ذو آراء جريئة يبرز من خلالها الحقائق في صراحة ووضوح. (الدكتور عبدالله أبو راس كتاب أسرة العساف ص269) وكان متواضعا مع عامة الناس يجالسهم ويستمع لأحاديثهم ويحنو عليهم ويتحسس حاجاتهم.
كان حسين العساف بطلا من أبطال الجزيرة العربية المشهورين، عندما انتهى الملك عبدالعزيز من روضة مهنا وقتل عبدالعزيز بن رشيد عام 1324هـ عاد إلى الرس واستعادها سلما عيّن حسين العساف أميرا عليها بعد أن أعفى أميرها السابق صالح بن عبدالعزيز الرشيد لكبر سنّه، وبهذا انضمت الرس إلى حضيرة الدولة السعودية الثالثة.
تولى حسين العساف الإمارة على الرس مرتين: الأولى بعد صالح بن عبدالعزيز الرشيد، والثانية عام 1324هـ واستمر فيها حتى أحيل للتقاعد عام 1337هـ. وشارك مع الملك عبدالعزيز في معركة السبلة وجراب وكان من أعوانه في معركة الرغامة.
وأورد يوسف ياسين مؤلف الرحلة المكية (كتاب العساف ص271) أن حسين العساف كان في هذه الرحلة مع الملك عبدالعزيز إلى الحجاز وله العديد من القصص المشهورة مع الموحد الملك عبدالعزيز تدل على مدى إخلاصه وتفانيه في خدمة مليكه وبلاده.
ومن المواقف التي تنبي عما يتميز به من حكمه عندما وصل عبدالعزيز بن رشيد إلى الجندلية كان خالد بن ناصر الرشيد يتحصن في برجها ومعه أربعون من أهل الرس يدافعون عنها، طلب الأمير حسين العساف أن يتوسط بينهم فقدم على ناصر بن خالد الرشيد في البرج وحاول التفاوض معه ورفاقه فلم يخلص إلى نتيجة معهم مما أدى إلى إبادتهم جميعا.
وعندما قتل عبدالعزيز ابن رشيد في حرب الشنانة انتهى العهد بينه وبين حسين بن عساف ثم أرسل ابن سعود لابن عساف وابن عذل يدعوهم لبيعته فأطاعوا لذلك وانضموا إلى لواء الملك عبدالعزيز ثم ثبّت ابن عساف أميرا على الرس ليستفيد منه في القوة والملك وأخذ ابن عذل معه ليستفيد منه بالسياسة.
ولحسين العساف ستة من الأبناء هم: سليمان ومنصور وعساف وعلي وعبدالله ومحمد.
بعدما تقاعد عاد إلى الرس وعاش فيها مدة من الزمن ثم أصابه مرض أقعده فأرسل الملك عبدالعزيز سيارة تحمله إلى مكة المكرمة وعالجه أحد أطباء الملك عاد بعدها إلى الرس حتى توفي في: 30/8/ 1354هـ رحمه الله رحمة واسعة.
2ـ صالح العذل:
هو صالح بن محسن العذل.
ولد في الرس عام 1270هـ 1854م ونشأ بها، واشتهر بالشهامة والكرم والحكمة والفصاحة والروية وكان متحدثا لبقا وراوية للشعر وأقوال المتقدمين كما كان قوي الملاحظة مما جعله موضع ثقة الملك عبدالعزيز، وكانوا يسمونه (صالح باشا العذل) لشهرته وحنكته وسياسته.
عندما قُتِل ابن رشيد في روضة مهنا عام 1324هـ كان ابن عذل في الرس وشارك مع الفريق الذي فاوض الملك عبدالعزيز مع حسين العساف في عودة الرس إلى حضيرة الدولة السعودية، بعدها بقي ابن عساف أميرا على الرس أما ابن عذل فقد صحبه الملك عبدالعزيز إلى الرياض وصار من أبرز رجاله وكان من أقوى من ناصر الدولة السعودية الثالثة عند تأسيسها. (فهد الرشيد ص89).
وعندما حاصر ابن رشيد الرس عام 1322هـ اختاروا ابن عذل ليكون مبعوثهم إلى الملك عبدالعزيز الذي كان يعسكر في الشنانة للتفاوض معه على دخول الرس من جهة الجنوب وهزيمة ابن رشيد.
وكان ابن عذل مقربا من الملك عبدالعزيز ويكلفه بالمهمات الصعبة وكانت آراؤه الصائبة من عوامل نجاحه لدى الملك عبدالعزيز حتى أصبح من رجاله المقربين المخلصين الذين يعتمد عليهم في السفارات والمفاوضات مع زعماء الدول وقد أرسله الملك عبدالعزيز إلى القائد التركي سامي باشا الفاروقي عام 1322هـ ونجح في مهمته. كما أرسله على رأس وفد إلى السلطان عبدالحميد في الآستانة عام 1324هـ وأعجب به ومنحه لقب (باشا).
وكان ابن عذل هو رسول الملك عبدالعزيز في التفاوض مع الشريف حسين وكان ينجح في جميع مهماته التي يكلف بها. وكان أحد قواد جيش الملك عبدالعزيز المرابط في الحناكية عند حصار المدينة المنورة، كما كان ابن عذل عامل الملك عبدالعزيز على جباية الزكاة من القبائل في كل المناطق.
وصفه محمد المانع (توحيد المملكة ص154) بقوله: إن صالح ابن عذل كان مع الملك عبدالعزيز في السبلة، وكان أحد وجهاء الرس والذي كان يعتبر من أعقل الرجال في نجد. وعندما زار الملك عبدالعزيز الرس أضافه ابن عذل على الغداء في منزله.
وجدت للوجيه صالح العذل مجموعة ضمن وثائق الرس من الشهادات التي تدل على ثقة الناس به وحضوره معهم ومكانته بينهم، كما كان ابن عذل هو الذي يرعى بيت الخيل بالرس إبّان حرب ابن رشيد في الرس والشنانة.
وقام صالح بن عذل في عام 1367هـ ببناء منزله الذي أسماه (عذله) له ولأولاده في الحجناوي بين الرس والبدائع، وكان هذا المنزل مقرا للضيافة.
تحدث عنه كل من : أمين الريحاني في كتاب نجد الحديث وحسين خلف الشيخ حسين خزعل في كتابه تاريخ الكويت السياسي وإبراهيم القاضي في مخطوطته المودعة بالحرم الشريف وكذلك تحدث عنه مقبل الذكير ومدحوه وأثنوا على حنكته ودبلوماسيته في التفاوض وكرمه ومروءته.
خلف الوجيه صالح بن عذل خمسة من الأبناء هم: حمود وناصر ودرهوم وعبدالرحمن ومحمد.
توفي رحمه الله عام 1349هـ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه عما قدم لبلاده خير الجزاء.
3ـ حمد بن منصور المالك:
يقول الشاعر:
عزي لكم لولا حمد يالفلاليح كم واحد قد قيل دنوه لولاه
وقال الآخر:
عرفناك رفدا للضعيف تمده بجاه ومال ما استطاع ثراءكا
والمقصود بذلك الوجيه والوجهة ذو السماحة والندى ذو المعروف والإحسان: حمد بن منصور المالك.
هو حمد بن منصور بن دخيل بن حمد بن مالك بن رسيس. ولد في الرس عام 1312هـ وتربى فيها في بيت من بيوت الكرم والجود والمركز التجاري والاجتماعي المرموق.
ماذا عساي أن أقول عنه وهو سليل أسرة كريمة فاضلة معروفة بالجود والخير والمعروف تؤديه لكل الناس في الرس وغيرها. وكان رجل كرم ومعروف يعرفه الجميع ويحتاجه الجميع ويثنون عليه، وأسرة المالك يعود نسبها إلى قبيلة عنزة.
فأبوه منصور بن دخيل بن حمد بن مالك ذو جود وكرم عاش حياته في الرس يعمل في التجارة ويتعامل مع أقرانه على مستوى منطقة القصيم، وجده حمد بن مالك ابن رسيس هو أحد ثلاثة من أهل الرس اختارهم الإمام عبدالله بن سعود عام 1232 لمشاركة أهل الرس في فك حصار إبراهيم باشا عنها فقام بالمهمة بجدارة.
أما حمد بن منصور فقد اشتهر في عهد الملك عبدالعزيز بالكرم والجود والتجارة اختاره الملك عبدالعزيز مع مجموعة من أهل الرس ليكون أحد أعيانها فكان من أهل الحل والعقد فيها. ارتبط مع عدد من الأمراء والوزراء والوجهاء في منطقة القصيم وغيرها بصداقات قوية، كما كان على علاقة ومحبة مع أمير الرس عساف الحسين ومع مجموعة من العلماء ورجال الدولة، وكان في زمنه يقوم بتأمين ما يحتاجه أهل الرس من المواد الغذائية، كما كان مفوضا من قبل وزير المالية عبدالله بن سليمان بتأمين احتياجات الحكومة من المواد الغذائية وغيرها.
كان حمد بن مالك يفتح منزله لكل من يقصد الرس من الزوّار والوافدين إلى الرس ويقوم بإكرامهم حتى اشتهر فيها بأنه مقصد الضيوف أثنى عليه كل من عرفه. حتى توفي فخلفه في ذلك الوجيه الفاضل صالح بن مطلق الحناكي.
وهو الذي طالب بافتتاح أول مدرسة ابتدائية في الرس حتى تحقق ذلك بافتتاح المدرسة السعودية عام 1363هـ، وأشاد مدير المدرسة الأستاذ عبدالله العرفج بدوره في ذلك كثيرا ومما قال فيه:
فشكرا سيدي شكرا أبا إبراهيم لا نكرا
بك الأخبار قد طارت وقد نلنا بك الفخرا
كما اهتم بافتتاح المدرسة العسكرية بالرس عام 1373هـ وقدّم أبناءه نواة لطلاب تلك المدرسة وفداء للوطن، وأثنى عليه كثيرا قائد المدرسة العسكرية الفريق سليمان بن علي الماضي. وما زال يشيد بدوره في الدعم المتواصل منه للمدرسة. كما كان يسعى هو ومن معه من جماعة الرس لدى المسئولين في الحكومة لما فيه مصلحة الرس وما يخدم تطورها وعمرانها.
كان رحمه الله يتصف بالكرم والجود والسخاء وكان مقصدا لكل أهل الحاجات ي الرس وغيرها حتى توفي رحمه الله يوم الاثنين الموافق 2/7/1402هـ وعمره مائة عام فخلّف (17) ابنا و(11) بنتا.
أثنى عليه مجموعة من الكتاب والشعراء في حياته وبعد وفاته، قالت الشاعر جميل الغرابي:
حمد حمد وجهه بعيد عن الدنس تمضي بمعروفه ذواري الهبايب
عساه ما يجير على قلبه الطمس وعساه ما تبكي عليه الحبايب
وقال فيه الشاعر عبدالله بن منصور المجيدل بعد وفاته:
مرحوم يا شيخ غمرنا بحسناه ما لوم محزون على الشيخ ونّا
ليته بكانا يا علي ما بكيناه دوك العيون من البكا حرّحنّا
حمد بن مالك زعيم رضيناه معروف في داني وقاصي وطنا
يا طيب ذاك الوجه ويا سمح يمناه نادر ومن حاول فعوله تعنّا
ويقول الشاعر صالح بن عبد الله العطني في حمد المالك رحمه الله:
حي ابن مالك ومن غيره نفعنا حي هاك الوجه والنفس الرضيّه
إن بدت حاجاتنا لمّه فزعنا فزعة تنفع خوي من خويّه
وإن ومرنا يا ولد والله سمعنا يشهد الله وأنت يا ذا اشهد عليه
وقال عنه عبدالله العرفج أول مدير للمدرسة السعودية متحدثا عن جهود حمد المالك في إنشاء المدرسة: أما الشيخ حمد المالك فكان في حركة دائبة واهتمام كبير نحو المدرسة وإعداد المبنى وتوفير جميع ما تعهد بتوفيره فيه من غرف ومرافق أخرى... واستمر معها الشيخ حمد المنصور المالك في نشاط ومثابرة وعمل دائب وعطاء كريم حيث يزورها من حين لآخر ويسأل ويناقش سؤال المتابع ومناقشة الحريص على النجاح.
ولو أردت أن أتحدث عن حمد المالك وأفضاله وكرمه وجوده ومعروفه لطال بنا المقال، وإنما يكفينا ما كتبه عنه ابنه الأستاذ خالد المالك حيث ألف كتابا عن والده.
رحم الله حمد المالك وغفر ذنبه وأجزل مثوبته فقد كان مثلا للمعروف والفضل والإحسان حيث يذكره بذلك كل من عرفه.
4ـ صالح بن مطلق الحناكي:
ولد في البطاح في شهر رجب عام 1346هـ وهو أصغر إخوانه ونشأ بها يساعد والده في الزراعة والمواشي والمداينات مع الفلاحين، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره ولاّه والده بعض الأعمال في الزراعة يقوم بها ويتاجر ويكتسب منها، وفي عام 1364هـ كان والده يملك مجموعة من المزارع في البطاح فانتقل هو وأبناؤه إلى الرس وترك العمل بالتجارة واقتصر على العبادة بين منزله والمسجد الداخلي بالرس حتى توفي في شهر ربيع الأول عام 1371هـ واستمر الوجيه صالح يعمل بتجارة والده.
درس الوجيه صالح بن مطلق الحناكي بعد استقراره في الرس ـ وهو يمارس التجارة ـ في مدرسة المعلم عبدالله بن عبدالرحمن العقيل بالرس ومعه من زملائه: الشيخ صالح بن علي بن غصون والشيخ صالح بن عبدالله الحواس والشيخ عبدالله ابن إبراهيم الغفيلي وهؤلاء أكبر من الوجيه صالح حفظوا القرآن على الشيخ عبدالله فأجازهم للتدريس فأخذ الوجيه صالح منهم ودرس عليهم القرآن الكريم مع زملاؤه وهم: صالح بن حريميس الصالحي ومرزوق بن حريميس الصالحي وأبناء الخميس وصالح بن جاسر الحواس وعبدالعزيز بن محمد بن رشيد وعبدالرحمن بن صالح الرشيد.
في عام 1366هـ بعدما انتقل الوجيه صالح إلى الرس أخذ يعمل في دكان والده في بيع المواد الغذائية والملابس والأغنام ويتعامل مع البادية والفلاّحين، ولما كبر أولاده ومنهم ابنه الأكبر مطلق ودخل المدرسة العسكرية بالرس عام 1374هـ وأمضى فترة فيها رأى والده أن يتفرغ للتجارة فقام بفصله منها وأكمل المرحلة المتوسطة أسند إليه بعض الأعمال التجارية ليكون مساعدا لوالده فيها.
في عام 1272هـ تعين مع رجال الحسبة وقت قضاء الشيخ محمد بن خزيم في الرس ومعه كل من: محمد بن إبراهيم الخربوش ومحمد ابن مجاهد الخليفة ومحمد بن علي العقل وعلي بن محمد العنيزان ومحمد بن صالح الغفيلي وبقي فيها حتى عام 1375هـ وكانت أعمال الحسبة في حينه تطوعا بدون راتب من الدولة.
وفي عام 1381هـ أسس الوجيه صالح الحناكي مع مجموعة من أهل الرس شركة الكهرباء وكان عددهم (10) حصة كل واحد منهم (10000) ريال. وكان مديرها عبدالله بن محمد الشايع، وكانت الشركة ذات مركز تجاري ومالي قوي ولكن حصل للشركة بعض الضغوط من بعض صغار المساهمين فتم انتخاب مجلس إدارة للشركة كان صالح الحناكي رئيسا لمجلس الإدارة، وكان هو الذي يتولى أعمال الشركة المهمة ويرعى شؤونها حرصا منه على بقائها لمصلحة المدينة.وبقي فيها حتى عام 1393هـ ثم استقال من عضويتها.
وفي عام 1391هـ حصل على امتياز إعاشة الجيش السعودي فتطورت تجارته وتوسع عنده الرزق وامتدت تجارته وتوزعت فروع شركته في أنحاء عدة في المملكة.
وفي عام 1370هـ حصل على امتياز توزيع القهوة من الحبشة بعد أن قدّم الضمان المطلوب لأكثر من عامين. ثم اتجه إلى تجارة الأعلاف والمواشي والمواد الغذائية والزراعية.
وكان للوجيه صالح الحناكي دور بارز في إنشاء الغرفة التجارية في القصيم ومعه عبدالعزيز الراشد والمشيقح من بريدة وصالح الدخيل من عنيزة حيث تقدموا بطلب إنشاء الغرفة فتم لهم ذلك بدعم من بنك الرياض، وبقي عضوا فاعلا فيها لمدة ست سنوات خلفه بعدها ابنه عبدالرحمن ولا يزال.
ثم سعى لإنشاء فرع للغرفة التجارية في الرس فلم يتم الموافقة على ذلك إلا بإلحاح منه على ذلك وقد تكفّل لها بمقر مجاني لمدة ثلاث سنوات.
كان الوجيه صالح بن مطلق الحناكي يهتم بما فيه مصلحة محافظة الرس وما يحقق لها التطور والنماء ولم يشاركه من أهلها أحد في ذلك بل كان ولا يزال يسعى منفردا مبتغيا في ذلك وجه الله ، ولا يكاد يوجد مشروع خيري أو اجتماعي أو مرفق حكومي إلا وينطق بالدعاء والشكر لهذا المواطن المخلص، كما أن أهل الرس يثنون عليه ويذكرونه بالخير، لكنه دائما يعف عن المدح والثناء ولا يحب من أحد أن يتملّق بمدحه ويرى بأن ما يؤديه من أعمال خيرية يبتغي به وجه الله.
شكر الله صنيعه وأجزل له الأجر والمثوبة وجعل ما قدّم لتلك المحافظة وأهلها والمحتاجين فيها في ميزان حسناته يوم يلقى ربه. أرجو من الله أن يطيل عمره على الطاعة وأن يجعل فيه قدوة حسنة لذريته.
قال فيه الشاعر أبو فراس من تبوك قصيدة من (28) بيتا قدّم لها بقوله (ورغبة مني في إظهار الاحترام والتقدير لرجل أعده من خير الخلف لخير السلف...إعجابا بمكارم الأخلاق وعظمة القيم وكريم الرجال) نقتطف منها بعض الأبيات:
ها قد أتيتك صادق الإنشاد أزجي إليك محبتي ومدادي
ها قد أتيتك من فضاء قريحة ولكم يجود الشعر في الأجواد
ثم قال فيها:
ولقد عرفتك معلما لا تنثني عن فضل جود أو كريم وفاد
يا صالح الأقوال إنك صالح شهدت بك الآباء للأولاد
يا صالح الأعمال إنك جامع زهد التقي وخشية العبّاد
يا صالح الإسرار في بذل الندى كم كنت تكره أن يشاع بناد
قد أورقت يمناك في حب الورى في كل رابٍ قد زهت وهاد
ثم قال:
ونراك تزهد بعد ذلك كلّه إن التواضع أفضل الشّهاد
يا أيها النبع السخي بفيضه هل كنت إلا الفرع للأجداد
ثم ختمها بقوله:
فلتجعل اللهم نورك دائما هديا لمن يمشي بدرب رشاد
ولتحفظ اللهم عبدك صالحا من كل شرٍ ضاق بالحسّاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق