نموذج من الرس في البطولة والشجاعة:ـ
الرجال الذين يتميزون عن غيرهم في الحياة قليلون، وقد نبحث عن مثلهم فلا نجد، وناصر بن محمد بن دغيثر بطل من الأبطال المعدودين خرج من الرس متجها إلى الحجاز وعمل لدى الأشراف وأخلص لهم فظهرت عليه علامات النَّجَابة والشجاعة فكلّفه الشريف فيصل بن الحسين بتشكيل جيش من الهجّانة للمشاركة في صد العدوان الفرنسي فقام بقيادة جيش العقيلات في معركة ميسلون عند دمشق وانتصر على الجيش الفرنسي ولكن خوفه على حياة جنوده جعله ينهي المشاركة بنصر مؤزّر أثنى عليه كل من عرفه من القادة الكبار كما أثنى عليه الأخوة السوريين الذين قابلوه.
وإذا كنا نذكر في كل المناسبات بطولة أهل الرس في الحروب التي مرّت عليهم قديما وحديثا وبسالتهم في الدفاع عن بلدتهم ومشاركتهم للقائد البطل الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد، فإنه يحضرني سيرة واحد من أبناء الرس الأبطال الأوفياء الذي قدّم حياته في سبيل الدفاع عن اخوته في سوريا الشقيقة زفي معركة ميسلون ضد الفرنسيين المعتدين.
سوف نتحدث عن حياة ناصر بن دغيثر العسكرية وشجاعته في قيادة معركة ميسلون كنموذج من نماذج البطولة والفداء.
ولد ناصر بن علي بن محمد بن دغيثر في الرس عام 1309هـ وآل دغيثر من آل يزيد من بني حنيفة موطنهم الأصلي العيينة قرب الرياض، سكن والده عنيزة. وتوفي في الرياض في المستشفى العسكري يوم الثلاثاء:15/4/1407هـ عن (98) عاما.
انتقل ابن دغيثر إلى الرس بعد وفاة والده واستقر فيها وأخذ يمارس حياته فيها. ونال في حياته مجموعة من التجارب الهامة، أما حياته العملية فقد بدأت كما يروي عندما سافر إلى الحجاز للحج في عام 1323هـ وعمره (14) عاما على جمل وأخذ يرعى الإبل فيها ويقوم بمساعدة الحجاج نظير أجر متواضع كما مارس عدة أعمال تجارية لدى بعض الرجال في المدينة المنورة وكان بكتفي من الأجر بالأكل والشرب والمأوى فقط مدة تقرب من الوقت.
ثم عمل ابن دغيثر في عهد العثمانيين عام 1327هـ حيث سجّل بالجيش النظامي الذي يقوم عليه في ذلك الوقت عبدالله بن فيصل وهو من رجال الشريف حسين، ثم عمل محافظا (حارسا) على الخط الحديدي ومعه (300) هجّانا موزعين عليه وكان عليهم عبدالله بن دخيل شيخا، ثم حج ومن معه مع المحمل الشامي والمحمل المصري للمحافظة على الحجاج والخط الحديدي وغيره من ممتلكات الدولة العثمانية.
بعد أن ترك ابن دغيثر الخدمة عند العثمانيين اشتغل لنفسه بالتجارة وكان يبيع كل شئ من الجمال إلى السلاح. وذكر بأنه يوجد رجال يجلبون السلاح اليوناني والإيطالي بالسفن عن طريق البحر ويستلمها ثم يسير بها عن طريق البر حتى يصل ميناء رابغ فيسلمها عميلا آخر.
وفي سنة 1331هـ كان عند الشريف فأمره بأن يقوم بتسجيل الهجّانة من مكة والطائف وجنّدهم بقيادة ابن دغيثر وتحت رئاسة الشريف. أما عن معركة ميسلون والتحضير لها فيروي البطل ابن دغيثر بأنه في عام 1334هـ تقريبا ومعه الشيخ عودة أبو تايه من الحويطات، وقد ذكر لورنس في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) بأن ناصر الدغيثر كان قائد العقيلات في معركة ميسلون، وناصر الشريف قائد الجيش ونائبا عن الشريف، وعودة أبا تايه قائد قبيلة الحويطات، أما كيف تحرك الجيش فيروي ابن دغيثر بأن فيصل الشريف توجّه مع الجيش المكون من(600) هجّان و(600) من الإبل و (60) خيّالا ولم يشارك معهم غيرهم من.
أما بداية الحرب فقد أمر الشريف فيصل قائدَ الجيش بالتحرّك نحو عَمّان وكان معهم الشريف علي بن الحسين ولكن الأوامر صدرت لهم بالعودة إلى دمشق والتوجه في أوائل العشرينيات الميلادية نحو ميسلون وهو واد بين جبلين من أجل المشاركة في المعركة بين العرب والفرنسيين وكان أبطال نجد وحدهم في مواجهة الجيش الفرنسي بقيادة البطل ناصر ابن دغيثر، ثم دارت المعركة بينهم وبين الجيش النظامي الفرنسي، ويروي ابن دغيثر أنه كان يرى أهل نجد من الهجّانة يذبحون الجنود الفرنسيين وكادت المعركة تنتهي بهزيمتهم وانتصار أهل نجد، ولكن بعد أقل من ساعة من بدايتها انتهى العتاد الذي كان معهم ففكّر البطل في حيلة للخلاص من الحرب مع المحافظة على أرواح الجنود معنوياتهم بحيث أمرهم بإطلاق الجِمال فلما رأى الفرنسيون انهزام الهجن ظنوا أن الجنود فروا من الحرب فلحقوها ـ وهذا ماكان يريده القائد ـ فتبعهم جنود العقيلات وقهروهم ورموهم بالسلاح، ولكن تنقلب المعركة بتحليق الطائرات الفرنسية في سمائها تضرب أهل نجد بالقنابل وهم عُزّل إلا من سلاح خفيف ورصاص قليل يقاومون به، ولكن القائد الفذ ابن دغيثر على الرغم من قلة خبرته في الحروب إلا أنه يتمتع بحكمة الرجال وقوة الأبطال وبأس الشجعان فقد خاف على أفراد الجيش من الإبادة أو الأسر فأمرهم بالخروج من الوادي حتى لا يبيدهم الفرنسيون أو يقبضوا عليهم مع استمرار المقاومة حفاظا على معنوياتهم وما أحرزوه من انتصار، وبعد خروجهم من الوادي قام ابن دغيثر بلمّ شملهم وتهدئتهم وتَفَقّدَهم ووجد القتلى منهم (13) رجلا فقط، ذكر منهم: صالح بن جليدان من الرس، ومحمد بن عقيل من الرس، ومحمد بن رشيد بن بلاع من عنيزة، ومبارك الدغيثر من عنيزة. ثم يروي ابن دغيثر بأنه بعد سنتين من الحرب رجع إلى سوريا وقابل مجموعة من معارفه فأخبروه بأن صورته معلقة في ساحة المرجة بدمشق وهو يمتطي جواده ويشهر سيفه وتحتها (بطل ميسلون).
وهكذا كان ابن دغيثر قائدا لمعركة ميسلون وبطلا لها حيث كان قائدا لجيش الهجّانة في الحرب العالمية الذي يتكون من رجال العقيلات من نجد، وابن دغيثر أول من دخل دمشق محاربا واحتل قلعة حلب التي كانت حصنا منيعا عجز عنها الأبطال من قبله ثم مر على ماحولها من المدن السورية وأخضعها حتى ضم دير الزور، وهو الذي صد الجيش الفرنسي عن دخول دمشق وأوقف زحفه. وتقديرا للقائد ناصر بن دغيثر قام السوريون الذين شاهدوا المعركة وشهدوا ببطولته قاموا بوضع صورته في ميدان المرجة بدمشق وهو يمتطي صهوة جواده رافعا سيفه وكتبوا تحتها عبارة (بطل ميسلون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق