12ـ حروب الرس مع الأتراك:
1ـ حملة طوسون باشا:
في بداية عام 1300هـ تقريبا اهتمت الدولة العثمانية بدعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب التي ظهرت في نجد بل زادت عداوتها لتلك الدعوة السلفية وأخذت تخاف منها على نفوذها في نجد خاصة وأن حماس النجديين برز لنصرة الدعوة وصاحبها. ثم إن الدولة أرادت أن تستغل أطماع والي مصر محمد علي باشا في التوسّعية في نجد للقضاء على الدعوة وأنصارها. وبمساعدة الدولة العثمانية اقتحم محمد علي وأولاده جزيرة العرب في عدة حملات.
وكانت أول حملة أرسلها إلى نجد عام 1230هـ بقيادة ابنه طوسون باشا، يقول ابن عيسى (ص 105) (وفيها ـ أي سنة 1230هـ ـ قدم أحمد طوسون بن محمد علي بالعساكر العظيمة ونزل الرس والخبراء، وكان عبدالله بن سعود إذ ذاك في المذنب، فلما علم بذلك رحل من المذنب ونزل بلد عنيزة وأميرها إذ ذاك من جهة عبدالله ابن سعود، نزل الحجناوي وأقام عليه نحو عشرين يوما يصابر عساكر الترك، ويقع بينهم مقاتلات ومجاولات من بعيد، ثم إن الصلح وقع بين أحمد طوسون هو وأحمد بن نابرت وبين عبدالله بن سعود على وضع الحرب وأن عساكر الترك يرفعون أيديهم عن نجد ويرفع عبدالله بن سعود يده عن الحرمين وكل منهم يحج آمنا. وكتبوا بذلك سجلات، فرحل أحمد طوسون ومن معه من العساكر غرة شعبان من هذه السنة) أي سنة 1230هـ.
وقد أورد الدكتور منير العجلاني (تاريخ البلاد العربية السعودية4/55) عن حملة طوسون بعض الروايات نورد منها ما يلي: أن طوسون أراد أن يثبت لأبيه أنه قادر على تحقيق الفتوحات العظيمة في نجد حربا وسياسة فأمر جنوده بالمسير نحو بلدتي الخبراء والرس من بلدان القصيم، وأكبر الظن أنه ما كان ليقدم على هذه المغامرة لولا مكاتبات سابقة دارت بينه وبين زعماء البلدين وعهود قطعها لهم وأموال دفعها إليهم حتى وافقوا على تسليم البلدين إليه سلما غير حرب.
أقول: لا أعتقد أن هذا القول صحيح، لأن أهل القصيم مشهور عنهم الولاء وحبهم للحكام والصمود أمام الأعداء، وكانوا يدافعون عن دينهم وأنفسهم وبلدانهم ولا يمكن أن يسلموها لقمة سائغة للمعتدين سواء الأتراك أو غيرهم، ولكن قد يوجد حول بلدان القصيم بعض من يدعون لأنفسهم الزعامة ويقومون بمحاربة الدولة السعودية ويستغلون بعض أبناء البادية ويغرونهم بالأموال والإمارة، هؤلاء يقومون بالاتصال بحكام الدولة العثمانية ويحرضونهم على حكّام نجد ويمهدون لهم الطريق للاستيلاء على البلاد السعودية.
كما روى العجلاني ما قال دريو: أن طوسون دخل الرس ليلا وفجأة استولى فيها على عشرين ألف رأس بعير وماتي ألف راس غنم.
أقول: وهل كان يوجد في بلدة الرس في عام 1230هـ هذا العدد من الإبل والأغنام؟ وكيف استطاع طوسون أن يجمع هذا العدد في ليلة واحدة؟ قد يكون هذا العدد مبالغ فيه.
ويقول ابن بشر (عنوان المجد 1/183) عن مسير إبراهيم باشا وابنه طوسون نحو القصيم (وفي مسير محمد علي إلى تهامة وابنه أحمد طوسون في المدينة النبوية يجهز العساكر إلى نجد وأرسل إلى أهل الرس وأهل الخبراء القريتان المعروفتان في القصيم وكاتبوه فأرسل طوسون إلى العسكر الذي في الحناكية وأمرهم أن يسيروا إليهما فساروا إلى القصيم وأطاع أهل الخبراء والرس فدخلوهما الروم. واستوطنوهما واستولوا على ما فوقهما من القصيرات والمزارع مثل: ضرية ومسكة والبصيري ونجخ المعروفات في تلك الناحيةوثبت بقية بلدان القصيم وحاربوا الترك).
أقول: لعل الذي جعل أهل الرس يطيعون الترك أن بلدتهم غير محصّنة تحصينا جيدا وليس لديهم القوة والسلاح لمحاربتهم لذلك سمحوا لهم بدخول البلدة محافظة على دمائهم وأعراضهم وأنفسهم.
ثم أوضح ابن بشر أيضا: بأن عبدالله بن سعود لما علم بذلك ـ أي بأن أهل الخبراء والرس أطاعوا الترك أراد الانتقام منهم ـ جمع من حوله من القصيم والجبل ووادي الدواسر والاحساء وعمان وما حولهما في بداية جمادى الأولى 1230هـ ونزل الرويضة قرب الرس فقطع نخيلها ودمّرها وأهلك غالب زرعها وأقام فيها يومين فخرج عسكر الترك من الرس وحصل بينهم رمي بالمدافع من بعيد بدون ملاقاة.
كما يذكر ابن بشر بأن أهل الرس ندموا على أنهم أطاعوا الترك ـ ويبدو لي بأن هذا الندم حصل عندما استوطن الترك في البلدة وخاف أهلها منهم ـ خرج عدة رجال من أهل الرس قاصدين الشنانة فتحصنوا في قلعتها فسار الترك نحوهم وحاصروهم حصارا شديدا ورموهم بالمدافع والقنابر فثبت أهل الرس في دفاعهم وقتلوا من الترك عدة قتلى ورحل الباقون إلى مقرهم في الرس.
بعد ذلك نزل عبدالله بن سعود في الحجناوي بين الرس وعنيزة فحوصر الترك في الخبراء والرس فأنزل الله الرعب في قلوبهم وجنحوا للسلم فعُقِد الصلح عند الرس بين عبدالله بن سعود وطوسون على مايلي:
1ـ أن توضع الحرب بين الطرفين.
2ـ أن يرفع الترك أيديهم عن نجد وأعمالها ويرحلوا.
3ـ أن تمشي السابلة آمنة بين الفريقين من بلد الشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبدالله بن سعود.
4ـ أن يتمكّن كل منهم من الحج بأمان.
وكتب الطرفان بينهم سجلا بذلك، ورحل الترك عن الرس متوجهين إلى المدينة أول شعبان 1230هـ.
2ـ غزوة محيط ومحرّش:ـ
ذكرها ابن عيسى (ص 105) وابن بشر (1/187) في عام 1231هـ سار عبدالله بن سعود بجنوده من البادية والحاضرة من الأحساء وعمان ووادي الدواسر والجبل والجوف وقصد القصيم، فنزل الخبراء وهدم سورها وسور البكيرية عقوبة لهم على استدعائهم للترك وألا يعيدوها مرة ثانية، فأقام عبدالله على الخبراء أياما وقتل عبدُالله بن حجيلان شاعرا منها يدعى (عميان) ثم سار منها جهة الحجاز حتى ورد العَلَم قرب الحناكية ثم وصل ماء العمق وبعث جيشا ناحية الحرّة وأخذوا أغناما كثيرة وإبلا ثم وصل الدفينة بعدها قفل راجعا إلى وطنه.
ثم قبض عبدالله بن سعود على ثلاثة رجال من رؤساء أهل الرس وربط رؤوسهم منهم الأمير شارخ الفوزان أمير الرس وسار بهم إلى الدرعية بسبب استدعائهم للترك، وسميت تلك الغزوة غزوة (مُحِيط ومُحَرِّش) لأنه انتقض الصلح الذي بين محمد علي وبين عبدالله بن سعود بسببها، وتم ترحيل الأسرى إلى محمد علي في مصر فأخبروه بما حصل، ويقول ابن بشر: إنه ركب إلى مصر رجال من أهل القصيم والبوادي وزخرفوا القول لصاحبها وتلقى قولهم بالقبول فأخذ يجهز الجيوش إلى نجد بقيادة ابنه إبراهيم باشا.
يقول الفاخري (الأخبار النجدية ص146) وفيها ـ أي سنة 1231ـ سار عبدالله ابن سعود إلى القصيم وهدم سور الخبراء والبكيرية وحبس الذي دخل من أعيان الرس والخبراء مع الترك مثل سليمان بن حمد وشارخ الفوزان وغيرهم وأهانهم.
3ـ غزوة إبراهيم باشا:
في عام 1231هـ سار إبراهيم باشا بالجيوش العظيمة من مصر متوجها إلى نجد، فلما قدم المدينة وأقام فيها مدة ثم رحل منها ونزل الحناكية في بداية عام 1232 ولما علم عبدالله بن سعود بقدومه سار مع جنوده من البادية والحاضرة بجيش كبير لمحاربة إبراهيم باشا في الحناكية، ولما علم الباشا بذلك أرسل القائد علي إزن ومعه عساكر من الترك وبوادي حرب وغيرهم ونزلوا (ماويّة) ولما علم عبدالله بن سعود بقدومه وكان في نَجْخ سار إلى موقع الترك وحصل بينهم قتال هُزِم فيه عبدالله بن سعود ومن معه من الرجال وهلك منهم نحو مائتي رجل بين القتل والأسر والظمأ وهذا أول وهن وقع للمسلمين وذلك يوم الجمعة 15/6/1232هـ رجع بعدها عبدالله بن سعود إلى نجخ ثم سار إلى الخبراء ثم رحل منها إلى عنيزة.
بعد ذلك سار إبراهيم باشا من الحناكية وقصد ماوية واجتمع بالعسكر الذين فيها ثم رحل بعد أن جمع عساكره ومعه من العدد والعدة والكيد الهائل مما ليس له نظير من المدافع والقبوس الهائلة التي يثور الواحد منها مرتين مرة في بطنه ومرة تثور رصاصته وسط الجدار فتهدمه.
ثم وصل إبراهيم باشا إلى الرس في 25/8/1232هـ وحاصرها حتى يوم 12/12/1232هـ ( ثلاثة شهور وسبعة عشر يوما ) وضيّق عليهم الخناق فثبتوا وحاربوه وأرسل إليهم عبدالله بن سعود مرابطة مع حسن بن مزروع والهزاني صاحب حريق نعام فحاصرهم الترك أشد الحصار وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار وحفروا تحت الأرض خندقين أدهما جنوبي البلدة والآخر شرقها وكانوا يحفرون ويحشونها بالبارود، وفي إحدى الليالي سمعت امرأة صوت الجنود وهم يحفرون فبلّغت الشيخ قرناس بذلك فقام بفتح فتحة صغيرة على الخندق وأحضر قطّا وربط في ذيله قبسا من النار وأطلقه في الفتحة إلى داخل النفق فثار البارود في الترك وقتل بعض الجنود وأكل الخيام.
وكانت الرس محصنة تحصينا جيدا وأبدى أهلها والمرابطين معهم ممن بعثهم الإمام لمساعدتهم شجاعة عظيمة وصمدوا أمام قوات إبراهيم بكل ما تملك من قوة واستعداد بقيادة البطل الشيخ قرناس فهم صابرون محتسبون يرجون النصر من الله، وكان الباشا ومعه الروم يسوقون كل يوم من القبوس الشئ الكثير لهدم السور، فأنزل الله السكينة على أهل الرس والمرابطون حول السور وقاتلوا قتال الأبطال لحماية الأهل والعيال وصبروا، وكانوا كلما هدمت القبوس السور بالنهار بنوه بالليل وكلما حفر الترك حفرا للبارود حفر أهل الرس بما يقابله فأبطلوه وأحيانا يثور بهم بدون علمهم، وذُكر أن الترك رموا سور الرس في ليلة واحدة بخمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس. فأهلكوا ما بداخل السور من النخيل وغيرها، ويروى بأن الباشا قال رجزا هو:
يا رس يا عاصي يا قوي الساس أقضيت ملحي ورصاصي
وكان أهل الرس كلما نزل عليهم قبسا من الترك وضعوه في أحواض الماء فأبطلوه ثم أخذوا منه الذخيرة واستعملوها ضد الترك.
ولما ضاق الأمر على أهل الرس أرسلوا إلى عبدالله بن سعود وهو في عنيزة يطلبون منه إما أن يصل ويناجز الترك وإما أن يأذن لهم بالصلح معهم فأذن لهم، ولما وصل المدد للباشا من الترك بالجنود والقبوس استعظم أمره وكثرت دولته وقع الصلح بينه وبين أهل الرس على دمائهم وأموالهم وسلاحهم وبلادهم.
ومن بنود صلح الرس ما يلي:
1ـ أن يرفع إبراهيم باشا الحصار عن البلدة.
2ـ ألا يدخل جنود الباشا الرس بعد الصلح.
3ـ أن تخرج الحامية السعودية بأسلحتها من الرس بأمان.
4ـ وأن يقف أهل الرس على الحياد حتى يتقرر مصير عنيزة حيث يوجد عبدالله ابن سعود وجنوده فإن خضعت للباشا انضموا له وإلا وقفوا ضده.
وكان يقود أهل الرس في تلك الحرب أمير الرس منصور العساف الذي جُرح أثناءها فتولى الإمارة من بعده علي بن إبراهيم بن سليمان بن شارخ كما تولى قيادة الحرب الشيخ البطل قرناس بن عبدالرحمن.
وقد قُتل من أهل الرس والمرابطين في هذه الحرب سبعين رجلا دفنوا في مقبرة الشهداء جنوب البلدة بينما قتل من الترك أكثر من ستمائة رجل. وروى الرافعي (ص157) إن قتلى جيش إبراهيم (2400) جندي وقتلى الرس (160) رجلا.
ويقول الفاخري (ص 148) ( وقتل من الرس خلق كثير قيل إن عسكر الترك رموا أهل الرس في ليلة واحدة خمسة آلاف رمية بالقنابر والمدافع والقبوس ولما ايسوا من المدد صالحوهم ) كما ذكر ذلك المؤرخ الشيخ إبراهيم بن ضويان في تاريخه(ص 180).
وذكر عبدالله الرشيد (الرس ص27) أن الباشا طلب بعد إتمام الصلح أن يدخل إلى البلدة فوافق أهل الرس بأن يدخلها يوم الغد وكان يوم جمعة. وفي الغد فتح أهل الرس البيوت على بعضها وألبسوا النساء ثياب الرجال وأخذوا يترددون في شوارع البلدة ومنازلها، وهم يرافقونه في شوارع البلدة ليوهموا الباشا بأن عددهم كثير بينما لا يوجد فيها بعد الحرب سوى ثمانين رجلا. فقال الباشا (يحق لكم الصبر لكثرتكم وما كنت أظن أن سكان الرس بهذا العدد الكبير) ثم حضر الباشا صلاة الجمعة وكان الشيخ قرناس يخطب وهو يلبس ثياب الحرب خطبة بليغة حث فيها على الوفاء بالعهد وعدم سفك الدماء. فلما انتهت الحرب قال إبراهيم باشا لقرناس (أنت ذئب خطيب) وولاه قضاء الرس. ثم رحل وجنوده عن الرس بعد الصلح ونزلوا الخبراء.
كما يروي عبدالله الرشيد أنه يوجد ورقة بخط إبراهيم باشا هذا نصها (من إبراهيم باشا إلى قرناس بن عبدالرحمن وكافة أهالي القصيم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: من كان عنده بئر فليَزرعها بأمان الله ثم بأمان السلطان ومن لم يزرعها فليُزرعها وإن وجدنا بئرا معطلة عاقبنا صاحبها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) الختم.
وعندما عجز إبراهيم باشا عن احتلال الرس بعد حصار طويل وعقد مع أهلها صلحا اضطر بعده إلى مغادرتها معترفا بهزيمته ـ والحق ما شهدت به الأعداء ـ أرسل إلى والده محمد علي في استانبول كتابا يوضح فيه سبب تراجعه عن الرس وأسماه (الوثيقة الثالثة) أورده الدكتور منير العجلاني (تاريخ البلاد العربية السعودية 4/196) وننقل هنا نصّ الوثيقة :ـ
(حضرة صاحب الدولة والعناية والمرحمة سبب فيض الوجود ولي نعمتي أفندم. إن عبدالله بن سعود موجود في قرية تدعى عنيزة من قرى وادي القصيم وهو ساع لتقوية تلك الأطراف ولجمع العربان حول شخصه، ولما كان الأمر كذلك فإن إقامتنا بهذه الأطراف لم تعد واردة، بل يقتضي دخولنا إلى قرى وأراضي القصيم وقد حوّلنا يعد الإتكال على الله مركز الجيش الذي كنا شيدناه على بعد ثلاث مراحل (قوناقات) من الحناكية في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان الشريف وتحركنا صوب قلعة الرس وجعلناها هدفا للمدافع مدة خمسة أيام، وضربنا حصارا على القلعة المذكورة وهدمنا ثلاثة من أبراجها، وقسما من جدرانها، وأمرنا فصائل المشاة بالهجوم عند الصباح، وضبطنا أحد الأبراج التي جرى هدمها إلا أن (المقاتلين) الموجودين كانوا داخل القلعة كانوا قد جمعوا تحت البرج المذكور أغصان النخيل وأحرقوها، مما أدى إلى مضايقة العساكر المشاة الذين احتلوا البرج فحولناهم حالا إلى الخندق الخارجي وأدخلناهم فيه وهكذا أنقذناهم من هذا الكرب. وأما المائة والخمسون جنديا الذين كانوا داخل الخندق فلم يخرجوا منه، بل عادوا إلى المتاريس واستمرت المعركة فاستشهد أثناء هذه المحاربة نحو أربعين نفرا وجرح ستون أيضا.
وإذا كنا لحكمة الله تعالى لم نوفّق هذه المرة لاحتلال القلعة وجعلها بأيدينا فإننا بعد ذلك ركزنا المتاريس على خندق القلعة المذكورة عن طريق (قات) وبعد أن جرى تنبيه مجموع العساكر المشاة وإخلاء الخندق المذكور رتبنا أمر الزحف والهجوم مرة أخرى وبينما كنا نؤمل دخول القلعة وإذا بابن سعود المدعو (عبدالله) يخرج من عنيزة محل إقامته الواقع على بعد يوم ونصف من قلعة الرس ومعه عدد كبير من الخيالة والهجانة والمشاة والعربان... فيرسل قسما كبيرا من هؤلاء...إلى قرية تدعى حابرة ـ يقصد الخبراء ـ وبما أنه يوجد في قرية خربة بالقرب من حابرة ـ أي الخبراء ـ كانوا يقصدون الإغارة على قواتنا ونهب جمالنا وبوصول تلك القوة المؤلفة من أربعين نفرا ترافق الجمال شرعوا بالهجوم عليهم. وحالما علمنا بما وقع تركنا أمر الزحف على القلعة، وبعد أخذ عدد من الخيالة وصلت لامدادهم.. وبوصولي كان قسم من النجديين المنهزمين يستعدون للهرب فقطعنا عليهم الطريق لمنعهم من الخلاص وحملنا عليهم فقتل مائة وخمسون من أفراد مشاتهم وجرح عدد من خيالتهم أيضا. وبقية السيوف ارتدوا إلى الوراء وانهزموا. واستشهد منا أيضا بعض الخيالة وجرح بعضهم. وعدنا في اليوم المذكور نفسه دون تتبع (النجديين) ووصلنا إلى مراكز الجيش الكائنة بالقرب من القلعة وشرعنا حالا بالحصار. وبما أن هذه القلعة مبنية بالحجارة الصغيرة والتراب وهي على درجة عالية من المتانة والتركيز وكل جدران أبراجها ذو ثلاث طبقات ولذلك فإنه مالم تضرب كل طبقة منها بخمسين أو ستين قذيفة مدفع لايمكن هدمها. وقد تجمع داخلها عدد كبير من العربان، إلا أنني بفضل عناية وعون الله القدير وبحسن توجيه حضرة صاحب الشوكة والقدرة والمهابة مليكنا وأفندينا وببركات دعائكم الأبوي آمل أن أوفق لفتحها وتسخيرها وسأوافيكم إن شاء الله ببشائر عودتي مظفرا منصورا بحمد الله تعالى من المحاربة المذكورة. وللتشرف بعرض ماتقدم حررت هذه العريضة ورفعتها إلى مقامكم العالي مع عبدكم عثمان آغا أحد الأغوات الذي تسلمها باليد، وقد سبق شريف علمكم بالأحوال السائرة وما بقي من الأمور وذلك من كتاب هذا العاجز ومن تقارير خدامكم رجالي الذين عرضوا على دولتكم التفاصيل الواضحة، وإنني بحاجة دائما إلى حسن توجيه الحضرة الأبوية وإلى دعوات ولي النعم الخيرية، وعلى كل حال فإن الأمر لمن له الأمر أفندم) .
20 232 خاتم ابراهيم باشا
أقول: هذه شهادة واضحة من القائد العثماني يوضح فيها عجزه عن احتلال الرس واعترافه بقوة أهله وشجاعتهم وصبرهم، ومتانة تحصين بلدة الرس وصعوبة هدم سورها على ما معه من قوة من السلاح والعتاد والرجال والقنابل والقبوس وغيرها، ويروى بأن الباشا وجّه باختبار التربة التي بني منها السور واستعمال خراطيم المياه لهدمه ولكن حال دون ذلك عدم توفر المياه في المكان.
وقد تحدث المؤرخ ابن بشر (عنوان المجد 1/189) عن حرب الرس فقال:(ثم رحل منها ـ أي الماوية ـ بجميع عساكره ومعه من العدد والعدة والكيد الهائل مما ليس له نظير كان مدافع وقبوس هائلة كل واحد يثور مرتين مرة في بطنه ومرة تثور رصاصته وسط الجدار بعدما تثبت فيه فتهدمه. فأقبل عساكر الترك مع باشتها إبراهيم ونزلوا الرس لخمس بقين من شعبان فثبتوا له وحاربوه وأرسل إليهم عبدالله مرابطه مع حسن بن مزروع والهزاني صاحب حريق نعام فحاصرهم الترك أشد الحصار وتابعوا الحرب عليهم في الليل والنهار كل يوم يسوق الباشا على سورها صناديد الروم بعدما يجعل السور بالقبوس فوق الأرض مهدوم. فأنزل الله السكينة على أهل البلاد والمرابطة وقاتلوا قتال من حمى الأهل والعيال. وصبروا صبرا ليس له مثال. فكلما هدمت القبوس السور بالنهار بنوه بالليل. وكلما حفر الترك حفرا للبارود حفر أهل الرس تجاهه حتى يبطلوه. وبعض الأحيان يثور عليهم وهم لا يعلمون. وطال الحصار إلى اثني عشر ذي الحجة وذكر أن الترك رموه في ليلة خمسة آلاف رمية بالمدافع والقنبر والقبس.وأهلكوا ما خلف القلعة من النخيل وغيرها).
ثم ذكر ابن بشر أن القتلى من اهل الرس والمرابطة سبعين رجلا ومن الترك ما يزيد على ستمائة رجل. ثم إن القتلى من أهل الرس دفنوا في مقبرة جنوب البلدة بجوار النفق الذي حفره الترك وتسمى اليوم (مقبرة الشهداء).
كما ذكر الدكتور العجلاني (4/84) بعضا من أقوال المؤرخين والقادة الغربيين الذين كانوا يرافقون إبراهيم باشا في حربه على الرس. ولأهمية حرب الرس في التاريخ السياسي ودور أهلها في الدفاع عنها واستبسالهم وشجاعتهم التي أشاد بها كل من قرأ عنها من المؤرخين العرب والغربيين وعلّقوا عليها وأوضحوا موقف إبراهيم باشا من تلك الحرب، نورد بعضا منها مع التعليق عليها إن أمكن:
يقول سادلير: إن إبراهيم باشا عندما وصل إلى ظاهر بلدة الرس أقسم أنه لن يدع فارسا من فرسانه يترجل ولا خيمة من خيامه تنصب قبل أن يدخل البلدة.. وتقدم رئيس مدفعيته إلى بُعد ثمانين خطوة من أسوار قلعة الرس وشرع برميها، وكان الجنود المصريون يتلقون رصاصا منهمرا من حماة القلعة فيقتل منهم عشرة أضعاف من يقتلون من النجديين.ثم قال واصفا الطريقة التي سلكوها لفتح القلعة: استطاعت المدفعية المصرية بعد رمي موصول خلال ثلاثة أيام أن تحفر ثغرة في البرج فأحضر الجنود أكياسا من القش وسعف النخل وملئوا بها جانبا من الخندق المحيط بالقلعة ليمروا فوقه إلى الثغرة ويزحفوا إلى القلعة.
كما قال سادلير متحدثا عن قوة أهل الرس في الدفاع عن بلدتهم: وقد أمر إبراهيم باشا ستمائة من خير مشاته بالزحف عبر الخندق المردوم إلى القلعة ففعلوا، ولكنهم لم يستطيعوا تسلق الأسوار، وكان الرصاص ينهمر فوقهم.. بينما لا يستطيعون التراجع لأن إبراهيم باشا أمر رجاله بقتل كل جندي منهم يتقهقر.. وقد رفض كذلك دفن الذين قُتلوا منهم.
أقول: هذا العمل يدل على شجاعة أهل الرس وعزيمتهم على هزيمة الباشا، كما يدل أيضا على جبروت الباشا وتضحيته بجنوده عندما رأى عجزه عن فتح قلعة الرس وما وجده من مقاومة لم يتوقعها، كما أنه يرى أن احتلال الرس مفتاحا لضم بقية المنطقة.
ثم استمر سادلير يصف بطولة أهل الرس وما خسره الباشا أمامهم وهي شهادة من رجل خبير بالحروب وشاهد عيان فقال: امتد حصار المصريين للرس ثلاثة أشهر ونصف الشهر، أظهر خلالها النجديون في الرس أنهم كانوا أكثر علما بالحرب من القائد التركي.ثم قال: استهلك إبراهيم باشا في رمي الرس بالمدافع ثلاثين ألف حلقة من القنابل، وأطلقوا من الرصاص ببندقياتهم حمولة أربعمائة جمل. وقدرت خسائر الجيش في محاولة الزحف التي قام بها بتسعمائة قتيل وألف جريح. ثم قال عن حيلتهم في الحصول على النصر: وصنعوا من أشجار النخيل ما يشبه البرج ونصبوا عليه المدافع ليرموا البلدة من علو فلم يُجْدِ ذلك. وأخيرا اقتنعوا بأن أسوار الرس مصنوعة من مادة لا تنفذ منها القنابل، ولم يبق أمام الباشا إلا رفع الحصار وترك الرس لأهلها.
أقول: هؤلاء هم أبطال الرس وشجعانه الذين صبروا وجاهدوا لتسلم بلدتهم من الاحتلال، رغم كل الحيل التي طرقها جيش الباشا لفتحها، حتى أنهم كانوا يقطعون نخيل البلدة ويأكلون جمّارها من قلة الطعام معهم، وكانوا يضعون جذوعها صروحا يرفعون عليها مدافعهم ويصعدون عليها لرمي الأهالي بالقنابل ولكنهم يشاهدون أهل البلدة وقد استعدوا لهم بالرد، كلما فتحوا ثغرة في السور بالنهار بناها أهل الرس بالليل.
كما روى انكليري (المصدر السابق 4/85) ما يلي: ذهب إبراهيم باشا إلى الرس في 8 يوليو، ولحقه إليها فيصل الدويش.. لم يعاين إبراهيم باشا بلد الرس ويختبر مواضع الضعف فيها، وكان هذا خطأ كبيرا منه، لأنه كان يطلق المدافع عليها دون هدى وربما فعل هذا لاعتلال صحته ورغبته في استعجال الأمور، ومع العجلة الزلل.
ثم قال: فَقَدَ إبراهيم باشا في الرس أكثر من ثمانمائة من رجاله وندم لما كان منه، وكان يمنّي الجنود ويعدهم بقرب وصول المدد من مصر وطال الحصار كثيرا..ولو أن عبدالله بن سعود جاء إلى الرس على تلك الحال لدحر المصريين ولكن عبدالله لم يفعل وكأنه هو أيضا كان ينتظر المدد.
كما أن العجلاني أورد رواية آثار الأدهار فقال: إن إبراهيم باشا سار من الماوية (في أربعة آلاف رجل وألف ومائتي فارس ما خلا التابعين من الأعراب، قاصدا مدينة الرس فنازلها ورماها بالكرات ستة أيام متوالية وهاجمها ثلاث مرات ولم يتمكن من اقتحامها، وكانت بينه وبين حاميتها معارك قتل فيها من عسكره زهاء 3400 مقاتل، ولم يهلك من عساكر الوهابية إلا نحو 160 مقاتلا وجرح منهم جماعة. ثم هادن أهل المدينة على أن يرحل عنها ولا يدخلها، فوادعوه على أن يكون له حق بإقامة طائفة من جنده إذا استولى على بلدة عنيزة)
أقول: وهذه شهادة ممن عاين تلك الحرب تفيد بأن أهل الرس قتلوا أكثر من نصف جند الباشا في تلك الحرب ولم يبق معه إلا القليل الذين خافوا من موقفهم الضعيف مع تأخر المؤن أمام أهل الرس الذين يبدون بسالة وشجاعة وصبر، مما جعل الباشا يتنازل عن جبروته وكبريائه ويعقد الصلح المشهور مع أهل الرس.
أما ما نقله العجلاني عن مانجان ( نفس المرجع) قوله: إن إبراهيم باشا أخفق مرارا في اقتحام الرس، وأنه عمد إلى حيلة ظنها ناجحة لحمل أهالي الرس على الاستسلام، وذلك أنه قتل عددا من النجديين ووضع جثثهم أمام سور الرس ليراها السكان ويخافوا ويستسلموا ولكنهم استمروا في مقاومتهم الباسلة. وقد كتب إبراهيم باشا إلى فيصل الدويش يستقدمه إلى الرس فحضر مع رجال من عشائره وقدّم المؤن ووسائل النقل. ثم أضاف: وفي النهاية صالحت حامية الرس إبراهيم باشا على عدم محاربته، وعلى القبول بدخول حامية مصرية إلى البلدة متى استولى المصريون على عنيزة.
ثم قال: خسر المصريون في حصار الرس 3400 رجل، ولم يخسر النجديون سوى 160 رجلا.
ثم أورد العجلاني (نفس المرجع 486) ما قاله قنصل فرنسا في القاهرة أن المستشار الحربي لإبراهيم باشا واسمه فيسير اخبره بأن خسائر المصريين في الرس بلغت ثلث مجموع قواتهم.
أقول: إن العدد المذكور سابقا من القتلى في صفوف جند إبراهيم باشا لا يدل على ضعف الجيش المصري بل لا يشك أحد بأنهم مدربون على الحرب قبل قدومهم وأنهم مسلحون بمجموعة من المدافع والقنابل والذخيرة المنوعة، ولكن قوة إيمان أهل الرس وشجاعتهم وبسالتهم مع قلة المؤن لديهم وقلة خبرتهم في الحروب وأنهم في موقف الدفاع عن بلدتهم وفقهم الله للنصر على عدوهم ودحر الظلم والعدوان، مع العلم بأن الذي يملك المبادرة في الحرب هو الذي يملك النصر ولكن إرادة الله ولطفه جعل النصر مع أهل الرس.
ثم أورد العجلاني (المصدر السابق 4/87) ما رواه الجنرال فيغان: إن إبراهيم باشا أخطأ في حصار الرس لأنه لم يعمل بنصيحة مستشاره فيسير، حيث أشار عليه باختيار المواضع المناسبة لمدافعه قبل رمي البلدة.
وقد أورد العجلاني مقولة للشيخ عبدالرحمن بن حسن في المقامات: إن إبراهيم باشا نزل القصيم وحاربهم قدر شهرين وأيدهم الله بالنصر لما كانوا مستقيمين صابرين وعزم الباشا على الرجوع عنهم لكن فيصل الدويش ـ قاتله الله ـ قوّى عزمه وطمّعه وخوّفه وبعد هذا صالح أهل الرس.
ويروي أهل الرس عن تلك الحرب مجموعة من القصص نذكر منها واحدة تدل على الحقد الذي يملأ قلوب الترك على أهل نجد، فعندما عجزوا عن احتلال الرس تركوها واتجهوا نحو الدرعية مقر ابن سعود وقاتلوا حتى سقطت الدرعية في أيديهم عام 1233هـ أراد إبراهيم باشا القضاء على مجموعة من أبطال الجزيرة العربية بسبب ما لقيه منهم من مقاومة وصبر وشجاعة عند التصدي له، فأرسل مجموعة من جنده إلى الرس وأوصاهم بقتل الشيخ قرناس بن عبدالرحمن حيث كان هو القائد الذي هزمه في حرب الرس، فأدركوه وهو يصلي بالناس، ثم إن الشيخ قرناس أحس وهو يصلي بالمسجد بأصوات غير معتادة وكان يقرأ جهرا في سورة القيامة ولما وصل إلى آية {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أخذ يرددها وكان المؤذن محمد بن عبدالله الخميس يفهم ما يقصده الشيخ قرناس فرد عليه بقوله (إلى أبان الحمر) موحيا له بالمكان الآمن للفرار دون أن يفهمها الجنود الترك، ثم سجد قرناس وأطال في سجوده وهرب من المسجد تاركا الناس ساجدين متجها إلى جبل أبان الحمر وبذلك نجا من القتل.
وقد خلّد بعض الشعراء تلك الحرب بأشعارهم، قال حمد بن دعيج:
وشب نار الحرب فوق الرس ثلث السنة يضربهم بالقبس
وصبروا وصبرهم قربانا أصبر في الهيجاء من أبانا
رجال صدق في اللقاء والباس أعيانهم وشيخهم قرناس
وقال الشاعر مبارك البدري:
يا راكب من عندنا فوق ضامر يشوق صبي العين حلوه هذيله
تلقى خيام بأيسر الحزم شيدت وهذيك خيام العز واحبني له
أهل بيرق السلطان تاهو وتيهو عزويلها ما باقي إلا قليله
لكن جثاياهم على جال حفرنا خنز دودهم سحم الضواري تجي له
ساعة لفونا بالفواريع قطعوا نخلنا وقزوا ورقنا عن مقيله
وإلى ضربونا بالقناتير ووجهوا لوينا لمشقاص الفرنجي فتيله
فتى الجود قرناسنا إلى ما تعالت بالأشوار يقعد تايهه مع دليله
مطوعنا ما جابت البيض مثله الكرى للعين ما ينبغي لـه
وقال الشاعر صالح بن محمد العوض في ذلك قصيدة منها:
يوم جاء راعي الرقباء واجانيبه من اسنبول يمشي به لما جانا
باشة لابس له فيس يومي به نيته بس ياصلنا ويفضانا
حظبوا مدفع للحرب يرمر به واللغم حظبه من تحت مبنانا
عزنا الله وولعنا مشاهيبه ثار ملحه بعسكرهم ولا جانا
قل ... هرجه لا يدري به يرفع الحس واللوم يتعدانا
من عصى أمرك وبانت لك مضاريبه أدبه لا تشاورنا وتنهانـا
أنت أمير البلد تاخذ وتعطي به وتهدانا على رأيك وتقدانـا
وقالت الشاعرة رقيه الدهلاوية من شاعرات الرس:
هيه ياراكب حمرا ظهيره تزعج الكور نابية السنام
الفرنجي إلى قمنا نكيله نلفظه مثل سيقان النعام
دون سوره تخلى كالمطيرة لا تحلوى الردى حلو المنام
في يدينا سيوف شطيرة تنزع الراس وتفصل العظام
4ـ غزو الرويضة:
والرويضة: هي مزرعة صغيرة تقع شمال الرس على بعد (5) أكيال على ضفة وادي الرمة الجنوبية قبل أن يصل الوادي إلى الرس، ومنهم من يسميها (الرويضات) بصيغة الجمع.
وملخص غزوة الرويضة: كما ذكر ابن يشر (عنوان المجد 1/184) أن عسكر الترك في الحناكية ساروا إلى القصيم بأمر أحمد طوسون فأطاعهم أهل الخبراء والرس فدخلوهما واستولوا على ما حولهما من القصور والمزارع بينما ثبت بقية بلدان القصيم وحاربوا الترك، فلما بلغ ذلك عبدالله بن سعود استنفر جميع المسلمين من أهل الجبل والقصيم ووادي الدواسر والأحساء وعمان ومابين ذلك من نواحي نجد، فخرج من الدرعية في بداية جمادى الأولى 1230هـ واجتمع المسلمون عليه ونزل المذنب ثم رحل منها ونزل الرويضة المعروفة فوق الرس فقطع منها نخيلا ودمرها وأهلك غالب زرعها وأقام عليها يومين.
وورد في كتاب الدرر المفاخر للشيخ محمد البسام التميمي النجدي المتوفى عام 1246هـ (ص 91) في معرض حديثه عن بلدان القصيم مايلي {وأما المداين وأشجارها فأوجدها أشجار النخيل التي لم يحاكها مشرقا أومغربا، ولما قدمها العزيز وخالفوا أمره وأنكروا طاعته، أمر عساكره بقطع النخيل لعلمه أنهم لايطيقون الصبر دونها، فالذي قطع من الرس خمسون ألف نخلة، وعلى النخلة الواحدة رجالين أو أطول حتى لم يبق من عسكره من لم يجهد في قطع النخيل لزيادة الطمع، وقلة التعب. قال المؤلف: حدثني بعض الحاضرين وقايعهم أن الرجل يقطع في الساعة الواحدة إلى ثمان نخلات، وسبب ذلك أنهم متأهبين لها بآلات من الحديد يطعنها به فيدخل في جذعها شبرا فيرتكي عليه بصدره، ويستدير به عليها وياخذه منها فإذا حركها النسيم قليلا نزلت}.
أقول: إذا كان القول السابق صحيحا فلاشك بأنه كان يقصد بالعزيز عزيز مصر(طوسون باشا) لأنه هو الذي أغار على الرس في حدود هذا التاريخ ونزل بالرويضة وكانت مشهورة آنذاك بمزارع النخيل وهو الذي أمر رجاله بقطع نخيلها انتقاما من أهل الرس وهذا حال الحروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق