سالم بن ناصر الحناكي.
1291 ـ 1379هـ
هو سالم بن ناصر بن مطلق بن محمد الحناكي.
وأسرة الحناكي ـ كما يروي البسام ـ من آل عويمر من ذرية زهري ابن جراح الثوري، وزهري هو الذي أنشا مدينة عنيزة حتى أصبحت بلدة مسكونة، وذرية زهري مكونة من أربع عشائر هم: آل سرور وآل غنام وآل علي وآل عويمر، لذا فهم من بطن بني ثور من قبيلة سبيع، كانت أسره الحناكي في عنيزة ثم انتقلوا إلى الرس واستوطنوه، وبرز منهم مجموعة من القضاة والعلماء والوجهاء تولوا منصب القضاء في مناطق متفرقة من المملكة في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده.
ولد الشيخ في الرس عام 1291هـ ونشأ فيها بين أقرانه من طلبة العلم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة في كتاتيب الرس ثم انتسب فيها إلى طلب العلم. على مجموعة من المعلمين فيها منهم: الشيخ الكاتب إبراهيم بن محمد الضويان ولازمه سنين يتعلم منه في أصول الدين وفروعه والتفسير والحديث.
ثم طلب العلم على بعض المشايخ أولهم كان: قاضي الرس الشيخ صالح بن قرناس حيث قرأ عليه المختصرات بالتوحيد من مؤلفات آل الشيخ، وفي الفقه كتاب زاد المستقنع والراجية، وفي الفرائض الرحبية، وفي النحو الأجرومية والملحة.
ثم رحل إلى بريدة ودرس على الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم وعلى ابنه الشيخ عبدالله بن محمد بن سليم وهما الذين رشحاه للقضاء في الرس، كما درس على الشيخ عمر بن محمد بن سليم وكان من تلاميذ الشيخ عبدالله ابن محمد بن عثمان بن دخيل.
ثم درس في عنيزة منذ عام 1312هـ على الشيخ صالح بن عثمان القاضي والشيخ محمد أمين الشنقيطي وكان يتردد إليها عدة مرات.
ورحل إلى الرياض لطلب العلم فيما بين عامي 1311ـ1325هـ ودرس على علماء الرياض منهم الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في الفقه والتوحيد، ودرس الحديث على الشيخ اسحق بن عبدالرحمن، كما درس فيها على الشيخ سعد بن عتيق والشيخ محمد بن محمود ودرس على الشيخ حمد بن فارس النحو والفرائض كما درس على الشيخ محمد بن راشد بن جلعود والشيخ حسن بن حسين. وقد أقام فيها خمس عشرة سنة وهو مثابر على طلب العلم ويتخللها زيارات إلى القصيم للقراءة على مشايخه وكانوا معجبين بذكائه وسعة علمه ونبله.
قام الشيخ ببعض الأعمال منها: إمام ومدرس وواعظ ومفتي ومرشد في جامع الرس من عام 1325 حتى عام 1340هـ كان يوجه الناس ويعمل على إصلاح ذات البين كما كان خلالها يحضر دروس العلماء في عنيزة أول النهار ثم يخرج أخره إلى الرس.
أما بداية عمله بالقضاء فقد عينه الملك عبد العزيز رحمه الله بتاريخ العاشر من شهر جمادى الآخرة عام 1341هـ قاضيا لمنطقة الرس وقراها وباديتها حتى بلدة الحناكية التابعة للمدينة المنورة بخطاب وجّهه إليه هذا نصّه ( من عبدالعزيز ابن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم سالم الناصر الحناكي سلمه الله تعالى آمين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع السؤال عن حالكم لا زلتم بحال خير وعافية أحوالنا بحمد الله جميلة إن شاء الله فيك اقتضاء النظر إلزامك بالقضاء بالرس لما نعهد فيك من المعرفة والصلاح أثناء وصول خطنا توكل على الله وتوجّه إليهم والذي أوصيك به ونفسي تقوى الله وإتباع أحكام الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأساله جل شأنه أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح، هذا ما لزم تعريفه ودمتم محروسين ).
وفي عام 1347هـ انتدبه الملك عبدالعزيز إلى دخنة عند قبيلة حرب لإزالة الشبهات التي دفعت بعض القبائل إلى الخروج عن طاعة ولي الأمر فنجح الشيخ في مهمته وكان ينتدبه لمشاكل أخرى تمر عليه فكان عند حسن الظن، ويروى بأنه حصل بينه وبين أهل الرس خلاف فطلب الإعفاء من قضاء الرس فأعفي بتوجيه من مشايخه من آل سليم بعد أن أعياهما الإصلاح بينه وبين جماعته وعُيّن بدلا عنه الشيخ محمد بن رشيد ثم بقي في دخنة قاضيا حتى عام 1358هـ. وفي عام 1359 تعين قاضيا في حريملاء لمنطقة المحمل التي منها: البرة وثادق ورغبة وسدوس وملهم وغيرها حتى عام 1362هـ. ثم تعين في عام 1362 حتى عام 1365هـ قاضيا لمدينة الخرج أحيل بعدها للتقاعد وأمضى فيها باقي عمره .
للشيخ مجموعة من التلاميذ في كل المدن التي عمل فيها يجلسون بين يديه في حلق دراسية وينهلون من علمه الجمّ مع العلم بأنه لم يطل الجلوس في المدن التي عمل فيها، وكان يجلس لهم في المساجد وأكثرهم من بلدته الرس منهم: الشيخ محمد بن مطلق الغفيلي قاضي العظيم والشيخ سليمان بن حمد الرميح قاضي رابغ والشيخ محمد بن مطلق الحناكي قاضي البعائث والشيخ ناصر بن محمد الحناكي قاضي الفوارة ومحمد أبو عتيق وسليمان بن عبدالعزيز الغفيلي.
كان الشيخ سالم ذا خلق جمّ ومعاملة حسنة لطلابه، وكان واسع الإطلاع قوي الحفظ والذاكرة حاضر الجواب يحفظ كثير من المتون ويديم الدرس بدون سأم من كثرة المطالعة، وكان له فراسة في القضاء وعدالة بين المتخاصمين وذا غيرة على الدين كما كان حاد الطبع يصدع بكلمة الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان يناصر أهل الحسبة ويوجههم، كما كان فصيحا بليغا إذا خطب أو تحدث ومناصرا للمظلومين عطوفا على الفقراء والمساكين، كما كان كريما حسن الخلق واصلا لرحمه ويوجّه طلابه في ذلك.
ويروي صاحب روضة الناظرين أن تلميذه محمد أبو عتيق يثني عليه ويقول: لولا حدّة الطبع لم يرغب أهل الرس عنه بديلا. ويقول: لقد توالت عليه الأمراض آخر عمره. وقال: إنه كان يحب الصلح بين الخصمين ما وجد لذلك سبيلا وربما أورد الأدلة الشرعية قبل الحكم لإقناعهما فيه وأنه في بعض الأحيان يحكم بينهما وهو واقف.
كما كان الشيخ سالم يملك مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب الفقهية والعلمية المنوعة بقيت بعد وفاته في أيدي أبنائه.
كان الشيخ سالم الحناكي عندما كان قاضيا بالرس يكتب الوثائق بخط يده، حيث كتب عام 1342هـ وثيقة تسليم دين وأخرى مثلها عام 1347هـ. كذلك كان يملي على كُتّابه مجموعة من الوثائق منها: وثيقة كتبها الكاتب محمد بن إبراهيم الخربوش بإملاء الشيخ سالم في جمادى الأولى 1346 وهو عن وقف دكان محمد بن عبدالرحمن بن بطي لمنفعة المسجد الداخلي بالرس، كذلك أجاز إثبات وقف رشيد بن زامل عام 1343هـ.
كما كان يبدأ كتابته بقوله (الحمد لله) ويختمها بقوله ( وأثبته سالم بن ناصر) ويحرره بالتاريخ باليوم والشهر والسنة.
وللشيخ ثلاثة من الأبناء هم: سلمان وسليمان ومحمد وكلهم كانوا يعملون وهم على خلق كبير استفادوا من والدهم العلم والخلق الجميل.
وأخيرا تفرغ الشيخ للعبادة وجلس للمواطنين يفتيهم ويستشيرونه في أمور الدين وكان مرجعا لهم في التدريس والفتوى حتى أصابه مرض توفي منه في اليوم التاسع من شوال عام 1379هـ في مدينة الخرج رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
الله يرحمه ويغفر له .
ردحذف