صالح بن علي الغصون
1341 ـ 1419هـ.
اسمه وأسرته: هو الشيخ صالح بن علي بن فهد بن غصون.
وأسرة الغصون في الرس من الحميدان من تميم من الوهبة ومساكنهم في القصيم والرس خاصة لكن لا أعلم سبب تسميتهم بذلك حتى الشيخ عندما سئل عن ذلك أفاد بأنه لا يعلم شيئا عنه.
والحميدان ورد ذكر جدهم سليمان بن حميدان الذي فسخ رهنه في الجفير في الرس ثم باعه أبناء حمد بن علي بن محمد أبا الحصين على قرناس بن حمد في وثيقة الجفير التي كتبها الشيخ صالح بن محمد بن عبدالله عام 1141هـ.
والحميدان بالرس يشملون كلا من: العقل والمسيطير والعايد والعلولاء والقزلان والغصون والحجاج والحوشاني والهزاع والبوثه والدعجان والشبعان والمقحم.
مولده ونشأته: ولد الشيخ صالح في الرس عام 1341هـ. وكان والده علي ابن فهد الغصون ساكنا في الرس وشهد على وقف محمد بن عبدالرحمن البلي داره بالرس وقفا منجزا عام 1307هـ بخط الشيخ صالح بن قرناس.
ثم توفي والده وهو ابن ثلاثة عشر عاما وعندما بلغ الخامسة عشرة أصيب بمرض في عينيه يسمى (أبو روب) ففقد بصره فلم يمنعه ذلك من طلب العلم والتفوّق فيه، ونشأ في الرس يتيما فقيرا عند والدته التي كانت امرأة صالحة على دين وخلق تقوم الليل وتصلي كثيرا فتولت تربيته وإصلاحه فتربى تربية إسلامية صالحة.
مشايخه: بدأ الشيخ صالح يتعلم بين يدي كُتّاب بلدته الرس ومن زملائه الشيخ صالح ابن عبدالله الحوّاس والشيخ عساف بن محمد الحوّاس والشيخ عبدالله بن إبراهيم الغفيلي.
ثم سافر الشيخ صالح رحمه الله إلى الرياض حيث ملتقى العلم والعلماء ودرس على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم العلوم الشرعية وكان يثني عليه كثيرا ويذكر فضله وعلمه ودوره في تعليمه وصلابته في قول الحق وعزيمته في التعليم وإصلاحه وذكائه، كما درس على الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم الفرائض، وكان له صلة بالشيخ محمد بن مانع والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ عبدالرحمن بن سعدي وله معه مكاتبات.
تلاميذه: درس بين يدي الشيخ صالح مجموعة من التلاميذ في كل المدن التي عمل فيها، وفي الرياض كانت أكثر دروس الشيخ داخل بيته، ولكثرة الطلاب الذين يدرسون عليه كان يخصص أياما لبعض للطلاب وأياما أخرى لطلاب آخرين، وذكر الدكتور طارق الخويطر من الطلاب الذين كانوا يدرسون على يدي الشيخ صالح كل من: علي بن سليمان الشويهي وصالح بن محمد الزكري وناصر بن علي البراك وعبدالمجيد العبود وعلي أبا الخيل وعبدالمحسن القاسم وأحمد الخليفي وأسامة الخميس وعلي الجويسر ومحمد حجازي وسليمان العجلان وطارق الخويطر.
علمه وفضله: حفظ الشيخ صالح القرآن الكريم كاملا وأتقنه قراءة وحفظا، ثم حفظ كتاب زاد المستقنع وكان يشرحه أثناء دروسه التي يقيمها أثناء عمله في القضاء وفي أسفاره حتى عندما كان مريضا، فعرف اختلاف المذاهب في المسائل الفقهية، ثم حفظ العقيدة الواسطية والعقيدة الحموية لابن تيمية وكتاب التوحيد وكتاب كشف الشبهات لسماحة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ثم الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وشروط الصلاة، ثم حفظ عمدة الأحكام والأربعين النووية ومتن الرحبية وقطر الندى والأجرومية وأحاديث من بلوغ المرام وأبياتا من ألفية ابن مالك.
مؤلفاته: أما مؤلفات الشيخ صالح فلم يكن رحمه الله يهتم بالتأليف وقد يكون بسبب انشغاله بالقضاء والفتوى وعدم توفر الوقت الكافي لديه للتفرغ للتأليف، وكان له تعليقات والبحوث الصغيرة والردود، وطبع له رسالة صغيرة بعنوان (قتل الغيلة) وقد حرر فيها رحمه الله قول المالكية في ذلك، وطبعت عام 1419هـ ويقوم أحد تلاميذه بجمع فتاواه في برنامج (نور على الدرب) في عدة مجلدات.
صفاته وأخلاقه ومنزلته: كان الشيخ صالح بن غصون رحمه الله على خلق وتواضع جم وأدب مع مشايخه وتلاميذه، يقول عنه تلميذه طارق الخويطر(وقد استفدت كثيرا من دروسه إضافة إلى الفائدة العظمى وهي فائدة الأخلاق والتواضع والآداب فكنت أراقبه في طريقة سلامه وكلامه واحترامه للناس واستقبالهم والشفاعة لهم بما يستطيع، فأعجب من صبره واحتسابه للأجر وقبل هذا الاهتمام حرصه على أمور العبادة) وكان مكثرا لقراءة القرآن الكريم وكان يختمه كل ثلاثة أيام، وعند التعب كل أربعة أو خمسة أيام وكان يقرأ في كل وقت يجد فيه الفرصة للقراءة، لأكثر من ثمان ساعات في اليوم وكان يقول رحمه الله كما يذكر تلميذه طارق (أريد أن يكون القرآن أنيسا لي في القبر) كما كان يستمع لإذاعة القرآن الكريم وبعض الأشرطة المفيدة.
كما كان الشيخ صالح رحمه الله محبا لأهل العلم دائم النصيحة لهم ويذكرهم بحقوق الله ويذكرهم بشكر نعمة الله عليه وعليهم ووجوب المحافظة عليها، كما كلن يشجعهم على مواصلة القراءة والتعلّم في الصغر، وكان يحب العلماء ويروي تلميذه طارق بأنه كان يقول له(إني أحب يا طارق علماءنا وأرجو الله أن يحشرني معهم في جنات النعيم).
كما كان رحمه الله عابدا صوّاما قوّاما، ومن وصف تلميذه طارق الخويطر بأنه كان يعاون المحتاجين، وكانت حياته حافلة بالجد والمثابرة على العلم والصبر على المكاره، وكان واسع الصدر عف الضمير نقي السريرة عفيف الغيب نظيف الجيب حسن القناعة شديد النزاهة. كما كان عزيز النفس كثير البكاء رقيق القلب ذكيا ذو ذاكرة عجيبة، كان رحمه الله له مجلس يوم الجمعة يحضره كثير من الزوّار والمستفتين وكان يرحب بهم بمجرد سماعه لأصواتهم وكأنه يراهم، وكان دائم الشفاعة للمحتاجين والمضطرين.
أعماله: كان الشيخ صالح رحمه الله حريصا على طلب العلم والمراجعة في كل الأوقات بجد واجتهاد مما جعل الشيخ محمد عبدالوهاب يوليه القضاء في عدة مواقع في المملكة منها:ـ
1ـ في عام 1368هـ عينه الشيخ محمد بن عبدالوهاب قاضيا في سدير وبقي فيه مدة أربع سنوات كان له دروس علمية في الفقه وغيره.
2ـ في عام 1372هـ انتقل إلى قضاء شقراء وتوابعها، وبقي فيها عامين.
3ـ في عام 1374هـ فتح المعهد العلمي في شقراء ودرس فيه التوحيد والفقه، وفي أثنائها كُلّف مع اثنين من القضاة للنظر في مشاكل الأراضي في الرياض.
4ـ في أواخر عام 1378هـ نقل إلى الأحساء ليتولى رئاسة محاكمها وبقي فيها إلى قرب عام 1390هـ.
5ـ في عام 1390هـ انتقل إلى الرياض للعمل في محكمة التمييز.
6ـ وفي عام 1401هـ تم نقله للعمل في مجلس القضاء الأعلى مع مجموعة من المشايخ والقضاة وبقي فيه حتى تقاعد عن العمل في آخر عام 1409هـ.
وفي عام 1391هـ بعدما انتقل من الأحساء إلى الرياض للعمل في هيئة التمييز كان تشكيل هيئة كبار العلماء فكان أحد الأعضاء في الهيئة وبقي فيها حتى سافر للعلاج في نهاية عام 1413هـ وبعد عودته عُرض عليه العودة للعمل في الهيئة فاعتذر عن ذلك لظروفه الصحية.
وكان الشيخ صالح بن غصون يشارك منذ عام 1391هـ في الفتاوى في برنامج (نور على الدرب) الذي يبث من الإذاعة السعودية كان آخر مشاركة له في البرنامج في عام 1419هـ بعدها أرهقه المرض فتوقف عن الفتوى.
وفاته وعقبه: خلف الشيخ صالح مجموعة من الأولاد والبنات الذين استفادوا من سيرته وأخلاقه وتربيته وتوجيهاته أكملوا تعليمهم حتى حصل أكثرهم على الدرجات العلمية العالية.
وفي عام 1409هـ أحس الشيخ بتعب وإجهاد بسبب مرض في الكبد وبعد أن تطور معه الداء أشار عليه الأطباء أن يذهب إلى الخارج للعلاج فسافر إلى الولايات المتحدة وأجرى عملية زراعة كبد عام 1413هـ وعاد إلى المملكة بعدها أخذ يشكو من أورام في البطن وتم استئصالها وفي عام 1419هـ عاوده المرض واشتد معه وأخذ يشكو الآلام وهو صابر محتسب ثم أدخل المستشفى عدة مرات بسبب المرض الذي يعاني منه حتى وافاه الأجل المحتوم يوم السبت الموافق السابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1429هـ في الساعة العاشرة والنصف مساءا وصلي عليه مع صلاة العصر يوم الأحد في مسجد الراجحي بالرياض ودفن في مقبرة النسيم، وحضر جنازته حشد غفير من محبيه وطلابه ومن يعرفه المشايخ وكبار رجال الدولة.
رحم الله الشيخ صالح بن غصون وجمعنا وإياه ووالدينا في مستقر رحمته وحشرنا وإياه مع عباده الصالحين.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق