الرس لم تكن موطنا لأحد من زيدية اليمن أو الحوثيين.

(مؤسس زيدية اليمن لم يَقْدُم من الرس في القصيم) 

اطلعت في جريدة الرياض الغراء العدد (15163) بتاريخ: 12/1/1431هـ مقالا كتبه الأستاذ علي بن حسن الشاطر بعنوان (حقيقة الحوثية وجذورها الفكرية والسياسية والمذهبية) وعندما تحدث عن زيدية اليمن قال (تأسست سنة 284هـ على يد يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي 245هـ ـ 298هـ من أحفاد الحسين بن علي الذي قدم إلى صعدة من الرس التابعة إداريا لمنطقة القصيم حاليا) ولم يفصّل القول في ذلك. ثم أكمل الكاتب حديثه عن الزيدية،.

وأود في هذا التعقيب أن أسأل الكاتب الكريم: من أين أتى بتلك المعلومة؟  وهل هو متأكد بأن يحيى بن الحسين قد مر على الرس في القصيم؟ وكم بقي فيها قبل أن يرحل عنها؟ حيث يدل قوله هذا بأن يحيى بن الحسين سكن الرس أو بقي فيها زمنا ثم انتقل منها إلى صعده. وليت الكاتب ذكر المصدر الذي أخذ منه تلك المعلومة.

وأقول موضحا حقيقة مهمة: وهي أن الرس لم تكن عامرة، ولم تكن كيانا مستقلا في عام 284هـ وهو التاريخ الذي يذكر الكاتب أن يحيى أسس الزيدية بعدما انتقل من الرس، كما لم يرد في المصادر التاريخية بأنها كانت مقرا ليحيى بن الحسين. بل كانت الرس في هذا التاريخ بئرا تروي منه الأعراب فحسب. كما لم تذكر كتب التاريخ إطلاقا بأن يحيى بن الحسين سكن الرس قبل تأسيس الزيدية. 

كما يرى المؤرخون بأن الرس من أقدم المواضع التي ورد ذكرها في التاريخ، حيث كانت الرس موطنا لدولة كندة في (بطن عاقل) حيث كانت وما حوله من بقاع من مياههم وذلك قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثلاثمائة سنة، حيث ورد ذكر الرس في أشعار الجاهليين قال زهير بن أبي سلمى:

أتى دون ماء الرس باد وحاضر     وفيها الجمام الطاميات الخضارم

وقال الشاعر الآخر:

وما نام مياح البطاح ومنعج         ولا الرس إلا وهو عجلان ساهر

ولما مر بنو أسد على الرس راحلين من اليمن إلى العراق وكان بينهم وبين بني كندة عداء حاربوهم وأجلوهم عنها وقد وثّق الشاعر لبيد بن ربيعة العامري تلك الحادثة بقوله:

والحارث الحراب خلى عاقلا        دار  أقام  بها  ولم   يتنقل

تجري خزائنه على من نابه         مجرى الفرات على فراض الجدول

كذلك قال عبيد بن الأبرص من بني أسد أبياتا في زوال ملك الحارث وهو ممن عاصر ملك بني كندة وشاهد زوال مملكتهم:

فانظر إلى فيء ملك أنت تاركه      هل  ترسين  أواخيه   بأوتاد

اذهب إليك فإني من بني  أسد      أهل القباب وأهل الجرد والنادي

 ثم سكن بنو أسد في بطن عاقل فترة من الزمن وتدل الكتابات الموجودة حاليا في بطن عاقل على تلك المملكة الأسدية.

 وقد ذكر الدكتور جواد علي (المفصل 3/322) بأن حجرا بن الحارث هو أول ملوك كندة ومن نسله الملك الشاعر امرو القيس بن حجر عندما قدم من موطنه اليمن إلى غارة على العراق والشام نزل بنجد في (بطن عاقل) واستوطن فيه، وكان اللخميون قد ملكوا كثيرا من تلك البلاد ولاسيما بلاد (بكر بن وائل) فنهض بهم وحارب اللخميين واستخلص أرض بكر منهم.

وأقول: يقع بطن عاقل إلى الشرق من الرس، وبينهما (10) أكيال فقط، وبهذا يكون الرس الذي يقع عن عاقل جهة الغرب واحدا من أحياء مملكة كندة التي حكمت تلك الناحية.

ثم انقطعت أخبار الرس بعد بني أسد ولا تكاد تُذكر في المراجع التاريخية حتى بداية القرن الثامن عندما كتب عنه ابن فضل العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ويتضمن معلومات عن القبائل ومواطنها وتاريخ وجغرافية بلاد العرب، وصدر منه جزءان. ويدل حديث ابن فضل على أن الرس قد استوطن أثناء القرن الثامن الهجري أو قبل ذلك.

وتمضي السنون ويرد ذكر الرس في الحروب التي حصلت بين الظفير وعنزة على الرس عام 850هـ كما ذكر الشيخ عبدالله بن محمد البسام في (تحفة المشتاق) أن الرس كانت مستوطنة في هذا التاريخ، وفي عام 925هـ تقريبا وكما تدل الوثائق المتوفرة لدينا بأن الرس كانت عامرة بالبادية وكان يملكها أسرتي الصقيه والدعيجي، ثم اشترى محمد بن علي المحفوظي العجمي نصيب آل صقيه وبقي نصيب الدعاجا من الرس، ثم استقر العجمي في الرس وكوّن فيها أمارة لا تزال في نسله حتى الآن، وحاليا الرس محافظة كبيرة من محافظات منطقة القصيم.

أقول: لا يوجد في تسلسل تاريخ الرس ما يدل على أنها كانت مقرا لأحد من نسل الإمام على بن أبي طالب كرّم الله وجهه، كما لم يُذكر بأن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (245ـ298) كان يسكن الرس أو مر عليها ثم رحل منها إلى صعدة في اليمن. ولكن الذي يرد ذكره بأنه خرج من الرس الواقعة شمال المدينة المنورة مجاورة لمحافظة الوجه وحولها وادي الرس الذي تكثر فيها أشجار الأراك، وقد زرت هذه القرية وواديها الواسع في وقت سابق.

وإذا كان كاتب المقال الأستاذ علي حسن الشاطر لديه رأي آخر مدعما بالمصادر الموثّقة فآمل أن يتكرم بإيضاح ذلك بالتفصيل.   

أما الرس حاليا فهي ترفل بالعزة والكرامة في عهد دولة أعزها الله بالإسلام وأسبغ عليها الأمن والأمان. كما كان أهلها أبطالا شجعان يشار لهم بالبنان في مجال الحروب خاصة عند الدولة العثمانية التي أرسلت ابنها البار إبراهيم باشا من مصر ليقضي على الدولة السعودية التي تسعى لتثبيت أقدامها على أرضها فتصدى له في بداية حملته عام 1230هـ أهل الرس على ضعفهم وإمكاناتهم العسكرية البسيطة، وجبروته وقوته التي جاء بها من مصر حيث كان معتزا بما معه من ذخيرة ورجال أقوياء. وعندما عجز عن فتح الرس بعد حصار دام أكثر من ثلاثة أشهر ونصف ويدل على ذلك خطابات الباشا إلى والده في مصر، وبعدما نفد ما معه من ذخيرة وسلاح وقُتل من جنوده مجموعة كبيرة تُحسب في المجال العسكري عندها طلب من أهل الرس عقد الصلح على إنهاء الحرب حيث كان يخطط إن يرحل إلى الدرعية.

كذلك لا ننس المواقف العسكرية لأهل الرس في حروب الملك عبد العزيز رحمه الله في مرحلة التأسيس أيام حروب الشنانة وجراب والبكيرية والمليداء.. وغيرها حيث كانوا نعم الساعد الأيمن لصقر الجزيرة، ولقنوا عبد العزيز بن رشيد درسا قويا يُذكر ولا يُنسى في الحرب انتهت معه أمارة آل الرشيد، وخرج الأتراك من البلاد بعد خسارتهم وخذلانهم.

كما أن الجميع يذكر حرب الخوارج من التكفيريين عندما تجمهروا في الرس في شهر صفر عام 1426هـ فأبدى أهل الرس موقفا في البطولة والشجاعة وقضوا على (21) خارجيا من تلك الفئة الضالة، كما كانت ضربة قاصمة لمن يدعمهم من أعوانهم ومنظريهم في الداخل والخارج الذين يتبجّحون على المنابر تارة ويمارسون أحقادهم في الأماكن الخفيّة المظلمة تارة أخرى.

وأهل الرس على الدين الحنيف والفطرة السليمة والشريعة السمحة ليس منهم متشيعا ولا رافضا ولا متعصبا لمذهب، ولديهم الولاء التام لحكومتهم ويجددون البيعة لولي أمرنا حفظه الله.  

هذا ما أردت إيضاحه. وفق الله الجميع للخير. 

                       كتبه: عبد الله بن صالح العقيل ـ الرس.