( وقف البلاد الصالحية في المدينة المنورة )
هو أنه لما كان الوقف في الصدقات الجارية والحسنية الجليلة التي منفعتها سارية حسب ما ورد في الآثار القوية والأحاديث الشريفة النبوية فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) قد رغب المكرم الشيخ محمد بن صالح بن عبدالله بن عقيل التاجر المعروف القاطن بالمدينة المنورة فيما عند الله من الأجر والثواب يوم الزلفى والمآب يوم يجزي الله المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين فوقف الشيخ محمد المذكور وحبس وأبد وخلد كامل البلاد المسماة بالصالحية التي أنشأها وجددها وبناها وغرسها بماله الجارية في ملكه وحوزه وتحت يده وتصرفه إلى حين صدور هذه الوقفية منه الكائنة تلك البلاد بعين الثنايا بجميع ما اشتملت عليه البلاد المسطورة من النخيل والأشجار والبناء والبئر والبيوت والمساكن والمقامة والمرافق وما يتبعها من الماء المعد لسقياها في ماء عين الثنايا وقدره أربعة أوجاب من أصل اثنين وثلاثين وجبه .
ويحد البلاد المسطورة قبله دبل العين ومنه باب للبلاد صغير وشاماً الأرض السبخة ومنه الباب والاستطراق وشرق بلاد فرج جمال وغرباً بلاد الأفندي أحمد بساطي وقفاً مؤبداً صحيحاً شرعياً وتحبيساً مؤكداً مرعياً وقد وقف الواقف المذكور القطعة من البلاد المسطورة المسماة تلك القطعة أم الزبارة وما يتبع هذه القطعة من الماء وقدره وجبه واحدة خصص الواقف لهذه القطعة أم الزبارة من أصل الأربعة أوجاب المشروحة ويحد القطعة أم الزبارة المرقومة قبله جدار البلاد الملاصق لجدار العين وشاماً شجرة اللوز المغروسة في البلاد وشرقاً الجدار المشترك بين البلاد وبين بلاد فرج المذكور وغرباً القنطرة التي في باطن البلاد الموضوع عليها علامات حجارة وبناء فاصلة بين القطعة أم الزبارة المرقومة وبين بقية البلاد المسطورة على أن غلة هذه القطعة أم الزبارة المرقومة يعمر منها الوقف ويؤدي منها ما يصيب دبل العين من النفقة لإصلاحه وبقدر حصة الأربعة أوجاب وفي كل سنة ويعطي له نفقة حج البدل من غلة القطعة أم الزبارة المرقومة ويشتري المتولي من غلة القطعة المرقومة ثلاث ضحايا في كل سنة يضحي بواحدة منا عن الواقف وبواحدة عن والده صالح ابن عبدالله ابن عقيل وبواحدة عن والدته ويخرج المتولي في كل سنة ثلاثة أرداب تمر برني يقسمها في شهر رمضان المعظم عند الإفطار في المسجد الشريف النبوي على الفقراء والمساكين ويعطي المتولي زمن الصيف مقدار نصف أردب رطب للمستحقين من خدام ضريح سيدنا حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه وفي كل سنة في شهر رمضان ختمت ((دلائل الخيرات)) وفي كل ليلة جمعة من شهر رمضان خاروف ومد رز يوضع طعاماً للفقراء والمساكين ليكون ثواب ذلك لروح الواقف وروح والده وروح والدته المذكورين ويعطي المتولي بنظره ورأيه نفقة هذه الخيرات من غلة هذه القطعة أم الزبارة المرقومة المقدار اللائق في إسراف ولا تقتير.
وأما ما عدا القطعة أم الزبارة المرقومة وهي بقية البلاد والثلاثة أوجاب المسطورة فقد جعله الواقف المسطور وقفاً على نفسه مدة حياته أحياه الله الحياة الطيبة ثم من بعده يكون ربع غلة هذا الوقف لوالدته المذكورة مدة حياتها وثلاثة أرباع غلة هذا الوقف لأولاده وأولا أولاده وأولادهم أبداً ما تناسلوا على أولاد الظهور منهم خاصة للذكر منهم مثل حظ الأنثيين وأما أولاد البطون فلا استحقاق لهم في شيء في الواقف لا مع أولاد الظهور ولا حال انقراضهم فإذا توفيت والدة الواقف عاد استحقاقها لأولاد الواقف فإذا انقرضوا أولاد الواقف وذريته ولم يبق منهم أحد بالكلية يكون الوقف المسطور على خصوص أقارب الواقف من آل عقيل بالمدينة المنورة دون غيرهم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ولا استحقاق لأولاد البطون من إناث بني عقيل فإن لم يوجد أحد من آل عقيل مقيماً في المدينة المنورة فمن انتقل من آل عقيل في بلده الوطن المدينة المنورة كان له استحقاق فإذا انقرضوا آل عقيل ولم يبق أحد منهم متوطن بالمدينة المنورة كان استحقاق الوقف المسطور لخصوص علماء الحنابلة القاطنين بالمدينة المنورة فإذا لم يوجد أحد من علماء الحنابلة بالمدينة يكون الوقف المسطور وقفاً على مصالح الحرم الشريف النبوي وقد شرط الواقف المذكور ضاعف الله له الأجر شروطاً أصر عليها وجعل المرجع والمصير إليها منها أنه شرط لنفسه خاصة الإدخال والإخراج والتغيير والتبديل والاستبدال ولو بالدراهم والدنانير ليشتري بها مكاناً يكون بمنزلة الأصل في الوقفية والشروط مدة حياته كلما شاء ومتى أراد المرة بعد المرة ولم يجعل هذا الشرط لأحد من بعده ومن الشروط غير النظر والولاية على الوقف لنفسه مدة حياته ثم من بعد للأكبر فالأكبر من المستحقين بشرط الصلاح والديانة والكفاءة للقيام بمصالح الوقف ، ومن الشروط أن ما زاد من غلة أم الزبارة المرقومة بعد العمارة وإجراء الخيرات المسطورة للناظر في مقابلة عمله يبقى ذلك كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها وهو خير الوارثين
وقد أقام الواقف المذكور جناب السيد مصطفى خليفة متولياً على وقفه المسطور وسلم الواقف إليه برهة من الزمان ثم أراد الواقف الرجوع في الوقف وعوده إلى ملكه بناء على قول الإمام الأعظم فعرضه المتولي المذكور مجيباً له بأن الوقف صحيح لازم على القول المفتى به في المذهب فعند ذلك تأمل مولانا الحاكم الشرعي سدد الله أحكامه وبلغه من خير الدارين وأمر بصحة الوقف المذكور وبصحة الشروط المسطورة وبلزوم جميعه في خصوص وعمومه حكماً صحيحاً شرعياً لازماً مرعياً جارياً على أصح الأقوال وأشهرها في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة المقدم عليه سحائب الرحمة والرضوان الأعم فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم نفذه وأمضاه وأوجب العمل بمقتضاه تحريراً في 25 شعبان 1285هـ.
كتبه: عبدالله ين صالح العقيل ـ الرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق