الهجوم الثالث لإبراهيم باشا وجنوده على الرس عام 1232هـ
في كتاب (حملة إبراهيم باشا على الدرعية وسقوطها 1232ـ1233هـ) تأليف فاطمة بنت حسين القحطاني/ مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز/ عام 1431هـ.
ـ في (ص 134) تقول الكاتبة تحت عنوان (الهجوم الثالث على الرس) (عمل إبراهيم باشا على ترتيب هجوم جديد على الرس, وقد ذكر إبراهيم باشا في تقرير لوالده أن هذا الزحف كان برغبة عساكره. وقد تمكن (25) جنديا من الدخول إلى القلعة, ولكن المدافعين استطاعوا أن يقضوا عليهم, ولم يستطع أي جندي آخر أن يتقدم إلى قلعة الرس نتيجة فتح السعوديين النار عليهم برصاص البنادق من فوق الأسوار).
أقول: هذا هو الهجوم الثالث الذي نفذه إبراهيم باشا وجنوده على بلدة الرس ولكن أبطال الحزم تصدوا له من فوق الأسوار وقتلوا ببنادقهم كل المهاجمين الذين تسللوا إلى الداخل وعددهم (25) جنديا, وصدوا ببنادقهم كل جندي حاول بعدها التقدم حول سور البلدة. وهذا زاد الأثر النفسي وأحبط معنويات إبراهيم باشا وجنوده. وأحسوا بثقل المهمة ورأوا بأعينهم عجزهم عن فتح البلدة والقضاء على رجالها وتأسفوا على دخولهم في حرب لا يعرفون منتهاها. فكانت قوة البنادق البسيطة غلبت قوة المدافع العملاقة.
ـ ثم أكملت المؤلفة تقول (وقد حاول إبراهيم باشا التقدم بنفسه في أثناء هذا الهجوم, ولكن قادته وخازنداره منعوه من ذلك. فاضطر إلى السماح لجميع القادة الموجودين لديه بالتقدم. ولكن لم ينتج من ذلك فائدة تذكر. إذ مازال إطلاق النار على أشده فاضطروا إلى الارتداد وإخفاق هجومهم. وقد كانت خسائر الجيش المصري في هذا الهجوم كبيرة إذ وصل عدد القتلى إلى (500) جندي. كما جرح عدد من القادة منهم خازندار إبراهيم باشا والحاج علي طه وإسماعيل آغا وجولاق آغا وحسين آغا الدرملي كما جرح خمس من القادة الصغار) أ.هـ.
أقول: وهذا الهجوم الثالث الذي قام به جنود الباشا, بل إن الباشا زجّ بقادته كبيرهم وصغيرهم وجنوده في هذا الهجوم ولكنهم باءوا بالفشل الذريع كما حصل لهم في الهجومين الأول والثاني بسبب توفيق الله وحنكة أهل الرس وشجاعتهم, بل إنه قتل من جنود الباشا (500) جندي, وهذا لا شك يعتبر ضربة قاسية لإبراهيم باشا وفشل ذريع لعساكره المدججين بالسلاح المنوّع, كما جرح خمسة من كبار قادة الباشا وخمسة من القادة الصغار بعد أن أخفقوا في هجومهم وفشلوا في اقتحام بلدة الرس الحصينة. ولعل لهذا الإخفاق أسباب كثيرة منها:
1ـ المقاومة العنيفة غير المتوقعة التي واجهتها قوات الحملة من الحامية العسكرية السعودية الموجودة في الرس. إضافة إلى تعاون الأهالي في صد هذه الهجمات. فقد ذكر مانجان أن النساء والشيوخ كانوا يحرضون المدافعين من وراء الأسوار على الثبات والاستماتة, ويعاونون الجرحى ويداوونهم. وكانوا يضيئون ميدان القتال في الليل بإشعال سعف النخل الجاف المطلي بالصبغ لتيسير عمل المحاربين في القلعة.
2ـ قوة تحصين الرس, فعلى الرغم من إطلاق كثير من القنابل على أسوار الرس إلا أن هذا القصف لم يحدث أضرارا كبيرة في تحصينات البلدة, نتيجة لقوة بنائها وإتقانه. وقد أشارت الوثائق العثمانية إلى صعوبة اختراق قلعة الرس حيث ذكرت أن هذه القلعة قد بنيت من أحجار صغيرة مخلوطة بالطين, وكانت جدران أسوارها على ثلاث طبقات, ولا يمكن هدم أي طبقة ما لم يطلق عليها عدد كبير من القنابل. كما أن أي أضرار تقع في أسوار القلعة من جراء القصف يصلحها بشكل سريع أهالي الرس, الذين كانوا حريصين أيضا على إبطال مفعول أي ألغام تزرع حول قلعتهم بأسرع ما يمكن.
3ـ تجوّل قوات سعودية في مناطق قريبة من الرس جعل القوات المصرية تفقد تركيزها, وتشتت قواها بين محاصرة الرس ومحاربة تلك القوات.
4ـ تمكّن سريتين سعوديتين تحملان كميات كبيرة من اختراق الحصار والدخول بسلام إلى الرس, فخفف هذا من حدة الحصار وساعد على المقاومة أكثر.
5ـ عدم التخطيط الجيد للهجمات التي قام بها الجيش المصري, ففي الهجوم الأول لم يكن المهاجمون على استعداد جيد لاختراق أسوار البلدة. حيث تم الهجوم دون إحداث ثقب في الأسوار, أو توفير وسائل لتسلقها, أو عمل حفرة عميقة قريبة منها للدخول إلى قلعتها. وعندما حاول تفادي ذلك في الهجوم الثاني كانت أخطاء المهندسين المصاحبين للحملة في بناء المتاريس كارثة حقيقية على الجيش المصري كما رأينا سابقا. أما الهجوم الثالث فيبدو أن جنود إبراهيم باشا كانوا يهاجمون دون تغطية من قوات المدفعية. وهذا جعلهم مكشوفين لرصاص قوات الحامية السعودية التي لم تسمح لهم بالتقدم وكان مصير من استطاع التقدم منهم الهلاك.
6ـ سوء الأحوال المناخية التي تعرض لها الجيش المصري المحاصر للرس كبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات, فأدى هذا إلى تأزم موقف إبراهيم باشا في حصار الرس وطول مدة الحصار.
7ـ تأخر وصول الإمدادات لقوات إبراهيم باشا, نتيجة لفتنة حصلت بين قائد المشاة في ينبع باشو الأرناؤوط ومحافظ ينبع سليم آغا حيث قتل باشو محافظ ينبع وأحرق المؤن والذخائر الموجودة في مستودع ينبع, ولكن إبراهيم باشا حاول بعد ذلك تلافي الوضع, وطلب إمدادات من محافظ مكة حسن باشا إلى أن تأتيه إمدادات جديدة من مصر. فأرسل إليه محافظ مكة (400) جندي بقيادة رشوان آغا.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـ الرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق