كتاب(ملاحظات
عن البدو والوهابيين) جون لويس بوكهارت. ترجمه وعلّق عليه د عبدالله بن صالح
العثيمين. دارة الملك عبدالعزيز الرياض. 1434هـ.
حروب
محمد علي في الحجاز ونجد:
تحدث
المؤلف عن حروب محمد علي باشا في الحجاز ونجد فقال عن الحروب التي قام بها أبناؤه
في الرس (وبعد وصول طوسون وقدري أفندي إلى المدينة بقليل جعل الأخير نفسه كما هو
واضح مكروها لدى تلميذه. فقتله هذا التلميذ في فورة غضبه. وعندئذ حدثت فوضى كبيرة
في إدارة الأمور, فعلاقات الأتراك بالعرب المجاورين كانت تدار بسوء. وكان الجنود
يرتكبون أعمال سلب ونهب. ولحاجة طوسون إلى الإبل أخذ كل تلك التي استطاع أن يجدها
لدى البدو. وبدلا من أن يقوم محمد علي عند وصوله إلى المدينة بإجراءات هجومية ضد
العدو أصبح مشغولا تماما بإصلاح النتائج السيئة لأخطاء ابنه, وأرسل مئتين وخمسين
فارسا قيادة توماس كيث وإبراهيم آغا إلى طوسون. كما أرسل إليه كتيبة من المشاة
الذين وصلوا من ينبع بقيادة أحمد بونابرت. الذي عاد لتوه من القاهرة, وبعد مسيرة
دامت عشرة أيام أو أحد عشر يوما وصل طوسون إلى منطقة القصيم, وذلك في أوائل مايو
وقد هاجم في أثناء مسيره بادية هُتَيم, وأخذ من إبلهم خمس مئة بعير فأرسلها إلى
المدينة لنقل المؤن من ينبع, وعند وصوله إلى الرس إحدى بلدان القصيم الرئيسة أو
قراها الكبيرة المحصّنة بسور, انضم إليه الفرسان الذين سبقوه في الوصول إلى هناك. وقدم
إليه شيوخ الجهات المختلفة في القصيم ليبحثوا معه الإجراءات التي يجب اتخاذها. لكن
زعيم القصيم الكبير حُجَيلان لم يأت إليه, ذلك أنه كان دائما مخلصا لسعود ثم لابنه
عبدالله, إذ جمع لمساعدته أتباعه من العرب في بلدة تسمى بُرَيدة).
الصلح
بين عبدالله بن سعود وطوسون:
وتحت
عنوان (دخول عبدالله بن سعود القصيم والصلح بينه وبين طوسون) قال المؤلف(ص523)(وفي
أثناء ذلك لم يهمل عبدالله بن سعود واجبه, فقد دخل منطقة القصيم أيضا, بجيش من
حاصرة نجد وباديتها. وجعل مركز قيادته في الشنانة التي لا تبعد إلاّ خمس ساعات عن
الخبراء حيث يُخيّم طوسون باشا. لكن طوسون وجد نفسه في موقف حرج, فقد سمع أن خازن
ماله إبراهيم آغا أو توماس كيث قد أحيط به في الطريق, وأنه برغم مقاومته الباسلة
قد مُزّق هو وكل فرسانه إربا. وكان من الممكن أن تمد منطقة القصيم الخصبة جيشا
أكثر بكثير من جيشه. لكن عدد قوات الوهابيين خفيفة الحركة كان على أي حال قريبا من
عدد الأتراك الذين كان كل اعتمادهم على قريتين أو ثلاث قرى في طعامهم اليومي. وهذا
هو ما جعلهم يتنبّئون بأنه سيصبح حتما شحيحا جدا. وكان العدو يحتل الطريق إلى
المدينة, ولم يكن من الممكن الحصول على أخبار الخطوات التي اتخذها محمد علي.
ثم
استمر الكاتب بوكهارت يروي ما كان بين عبدالله بن سعود وطوسون باشا: (ولم يكن في
استطاعة طوسون باشا أن يضع ثقة كبيرة في البدو الذين كانوا معه لأنه كان يعلم أنهم
مستعدون للانضمام إلى الجانب الآخر في أول نكسة للأتراك. وقد رغب في أن ينهي كل
حساباته المعلّقة بمعركة. لكن ضباطه وجنوده لم يكونوا على استعداد لذلك. فقد
أخافهم الوهابيون الذين يفوقونهم عددا. واقتنعوا بأنهم لو هُزموا فلن يستطيع أيّ
واحد منهم الهرب. فرأوا من الحكمة أن يصلوا إلى حل مع العدو بدلا من محاربته,
والأكثر من هذا أن محمد علي كان قد خوّل ابنه أن يعمل صلحا إذا استطاع أن يصل إلى
ذلك وفق شروط مُفضّلة. وقد استخدم بعض البدو لاستطلاع رأي زعيم العدو. وحين علم
عبدالله ابن سعود بالوضع أرسل حبّابا أحد رجاله ليكشف نيّة طوسون الحقيقية. وأعطى
أمانا لأي إنسان قد يرسل إلى المخيّم الوهابي. ومهما بدت هذه الأمور مُشجّعة
لعبدالله فقد تنبّأ أنه لو حطّم كل قوة طوسون المكوّنة من ألف ومئتي رجل فسيكون
ذلك قليل الفائدة له. إذ سيضطر محمد علي إلى أن يوجّه كل قواته ضد هذه المنطقة.
وسيكون ذلك النصر الجزئي أكثر ضررا بالقضية الوهابية العامة. وإضافة إلى هذه فقد
علم أن موارد مصر من الكثرة بحيث ستمكّن محمد علي من إطالة الحرب في الحجاز لأي
وقت شاء. لقد عانى الأتراك كثيرا من الهزائم, لكنهم كانوا دائما يُعوّضون خسائرهم
ويصبحون أقوى من ذي قبل. وكانوا أيضا يملكون وسائل الرشوة والزعيم الوهابي يعلم
جيدا أن بعضا من رفاقه الحاضرين كانوا أعداءه في قلوبهم. وبتوصّله إلى صلح يستطيع
أن يضمن تبعية تلك القبائل التي لم تنضمّ بعد إلى الجانب التركي.
استقبل
طوسون حبّابا استقبالا طيبا. وأرسل فورا طبيبه السوري يحيى أفندي الذي يتكلم
العربية أفضل من أيّ تركي. ليفاوض عبدالله وحمّله بعض الهدايا إليه, وبقي يحيى
ثلاثة أيام في المخيّم الوهابي, ولأن كلا الطرفين كان راغبا في الصلح فإن
المفاوضات سرعان ما انتهت إلى صلح. وذهب أحد رجال حاشية عبدالله إلى طوسون منتظرا
توقيعه على الاتفاق الذي تضمّن تخلّي عبدالله عن كل مطالبه في امتلاك الأماكن
المقدسة, وتعهد بأن يسمي نفسه تابع السلطان المطيع. وحصوله على حُريّة كل أتباعه,
في المرور على الأراضي التركية. وهو ما سَيُمكّنه من أداء الحج متى شاء, وتخلى
طوسون لعبدالله بن سعود عن تلك البلدان التي استولى عليها في القصيم, وأبعد عنه كل
زعماء تلك البلاد التي سبق أن انضمّوا إليه, كما تخلّى له عن كل تلك القبائل
البدوية التي مراعيها خلف الحناكية. محتفظا لنفسه فقط بتلك التي تسكن بين هذا
المكان والمدينة وفي أراضي البلاد المقدّسة. ولم يَقُل شيء عن الوهابيين
الجنوبيين.
عبدالله
بن سعود يعاقب البدو:
ويواصل
المؤلف حديثه (ص 525) ونتيجة لذلك عاقب عبدالله ـ بعد ذهاب طوسون مباشرة ـ البدو
وبخاصة قبيلة مطير التي سبق أن انضمت إلى أعدائه, ولأن كل فريق توقع خيانة من
الآخر قامت بعض الصعوبات في شأن أولوية المغادرة. وقبل عبدالله في نهاية الأمر أن
يغادر المكان, لكنه أصرّ على أن يصحبه أربعة من كبار ضباط الباشا رهائن لديه حتى
يصل إلى مكان آمن ثم يعيدهم إليه. وتلكّأ طوسون بعض الوقت تجاه هذه المسالة ربما
ليغطي ضعفه. وتراسل الطرفان, وفي حوزتي الآن عدد من رسائل عبدالله الأصلية.
وأكثرها توضح صراحة اللغة التي امتاز بها دائما البدو وشجاعتها, إذ تختلف كثيرا عن
الأسلوب الرسمي التبجيلي المعتاد بين الأمم الشرقية الأخرى في مثل هذه الأحوال,
مكلها مكتوبة بإملاء مباشر من عبدالله نفسه معبرة عن المشاعر الصادقة التي يحس بها
تلك اللحظة. ويوضح الخط الذي كُتِب به أنه لم يستغرق إلا وقت قصير. في وضع تلك
المشاعر على الورق.
طوسون
يغادر القصيم:
وبعد
ذلك عاد طوسون من الخبراء إلى الرس. ثم غادر منطقة القصيم بعد أن أقام فيها ثمانية
عشر يوما. ووصل إلى المدينة قرب نهاية يونيو سنة 1815م وكان معه مبعوثان وهابيان
من عبدالله إلى محمد علي يحملان بنود الاتفاق على الصلح, كما يحملان رسالتين
إحداهما إلى الباشا والثانية إلى السلطان العثماني) أ.هـ.
كتبه: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق