الجمعة، 3 يوليو 2020

الرس تودع خبير الأماكن والبلدان عبدالله العنيزان.


الرس تودّع خبير الأماكن والبلدان عبد الله العنيزان
      يقول الشاعر:
      لكَلٍ نَفس وإن كانت على وَجَل             مِن  المَنِيّة  آمَالٌ  تُقَوّيهــــــــــــــا
      المرءُ يَبْسِطُها والدّهْرٍ يَقْبِضُهـا        والنّفْسُ تَنْشُرُها والمَوتُ يَطْوِيها
      لست كأبي تمّام عندما أخذ يُوَلْوُل بعدما قبض الموت (واسطة العقد) وهو أوسط أبنائه حزنا من أفعال الدهر. ولكني آمنت بربي الذي خلقني ورزقني وأعطاني من النعيم بصحبة أحباب عشت معهم زمنا نتعاهد بيننا العلم والثقافة والبحث من خلال الرحلات في براري المملكة الواسعة.
وفي صبيحة يوم الخميس: 4/11/1442هـ كنت منشغلا بإضافة معلومات على مقال سابق كتبته عن رحلتي عن بديع خلق الله في جبل المَحَجّة, وإذا بي أقرأ خبرا وقع أثره في نفسي كالصاعقة التي أتتني على غفوة وهو عن وفاة أخي وحبيبي وقرة عيني عبدالله بن صالح العنيزان. الذي أصابه المرض وكنت على تواصل مستمر معه وأطمئن على حالته. ولكن انقطعت سُبل التواصل بيننا لمدة أسبوعين فقط قبل وفاته. ولم يأتِ في ذهني أن المرض قد أنهكه. وقد حمدت المولى عزّ وجلّ أن جاءه الأجل المحتوم وقد كان رحمه الله سمحا كريما عطوفا بشوشا مع من يعرفه ومن لا يعرفه. وكان رحمه الله حسن الخُلُق كريم المعشر جميل السجايا عالي الهمّة في البحث والتوثيق واسع الثقافة في معلوماته عن أنحاء وطننا الغالي. وكان لا يُملّ مجلسه عندما يتحدث عن رحلاته الواسعة. ولا يبخل على المستمع بالمعلومات الموثّقة والراي الصائب. وكان رحمه الله بارا بوالديه وأقاربه عطوفا على أولاده واسرته محبوبا عند كل من يعرفه.  
ولد ونشأ رحمه الله في الرس ودرس فيها المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية, ثم حصل على الشهادة الجامعية تخصص الجغرافيا من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. عام 1396هـ. وعمل في هيئة المساحة الجوّية في إدارة انتاج الخرائط الجغرافية حتى عام 1421هـ بعدها انتقل إلى هيئة المساحة الجيولوجية السعودية حتى تقاعد عام 1433هـ. وخلال خدمته الحكومية كان مديرا لمشاريع انتاج الخرائط وشارك مع الهيئة في انتاج خرائط المملكة العربية السعودية الطبوغرافية, وشارك في لجان تحديد خطوط الأساس للمملكة في البحر الأحمر والخليج العربي. وفي لجان ترسيم حدود المملكة وإعداد الخرائط لها. كما كان له جولات واسعة جغرافية استكشافية مستمرّة.
فقده كل الجغرافيون بالمملكة الذين يعرفونه عن قرب والذين سمعوا عنه والذين  قرأوا كتبه. وكتبوا عنه كثيرا وعن ذكرياتهم معه.. وسوف أورد مثالا لذلك ما قاله  عنه الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن المسند أستاذ الجغرافيا في جامعة القصيم (توفي اليوم الأستاذ الباحث الجغرافي البلداني الرحّالة الصديق الأريب عبدالله العنيزان, وبوفاته خسرت الساحة العلمية السعودية والعربية قلما راقيا وفكرا نيّرا وقلبا طيّبا فقد خلّف أعمالا عليمة ميدانية جغرافية فريدة في موضوعها وغنيّة في محتوياتها)
ثم قال كذلك (تميّز رحمه الله في مؤلفاته في دقة تحليلاته وفي سبك عباراته وجودة مخرجاته. وتشهد الجبال والوهاد والنجاد والرمال والأودية والحرّات التي وطأها تكرارا ومرارا في سبيل صناعة أطلس المملكة, وضبط خرائطها الجغرافية أنه عفّر وجهه لله ساجدا).
ثم قال (أبو فيصل آية في نكران الذات, ملك القلوب بتواضعه وخُلُقه الجمّ وملك العقول باتساع معارفه الجغرافية والتاريخية. فما استعان به أحد إلاّ ويكون القريب الوافي يخجلك في تواضعه ويذهلك في ابتسامته ويحرجك في كرمه. فما أحد طرق بابه أو وصل جوّاله إلاّ ومشى في حاجته حتى يقضيها على التمام والكمال في روح مفعمة بالإنسانية).
وقال عنه اللواء الدكتور خالد بن سليمان الخليوي (استيقظت صباح الخميس على خبر وفاة الزميل الغالي والصديق الوفي الأخ الذي لم تلده أمي الأستاذ القدير والجغرافي النحرير عبدالله العنيزان نزل الخبر عليّ كالصاعقة وانحبست الدمعة في عينيّ وتجاوب قلبي معها بصدمة انشلّ تفكيري... ألمّ به مرض لم يمهله طويلا. ذاق معه التعب والألم الشديد وكان صابرا محتسبا فتغيّرت ملامحه وذبل جسمه إلا أنها لم تغيّر بشاشته وابتسامته ولطافة حديثه وشكر الله على عطائه. عرفته قبل خمسين عاما كان من أحسن الناس خلقا فزادت محبتي له. وهو من أبرّ الناس بوالديه وأكثرهم في صلة الرحم ومقبول لدى كل من يعرفه, وهو قامة في علمه وتخصصه يستمع إليك وكأنه تلميذك وهو أكثر منك علما ومعرفة).
وقال عنه أحد معارفه (... أبو فيصل فقيد وطن, اخلاص لمليكه ووطنه, تعرّض لمخاطر في عمله الميداني في مشروع ترسيم الحدود. هو كبير خبراء الجغرافيين في معاهدة الحدود السعودية اليمنية عمل فيها من 1416هـ... أبو فيصل رحمه الله كان خبيرا جغرافيا سعوديا وثّق ودقّق مع اللواء الصايل خط فلبي وخرائطه ومذكراته وأسماء الأماكن والوديان وأنتج الفريق 25 مجلدا. تعتبر أهم مرجع من مراجع معاهدة جدة الحدودية. واستعان به الدكتور عيد اليحيى في برنامجه (على خطى العرب) ثم قال ( أبا فيصل رحت وأبقيت للوطن وللأجبال علما نافعا ينتفع به, وتركت أثرا بأخلاقك وعلمك, فأنت فقيد الوطن).   
وأقول: ألّف الأستاذ عبدالله العنيزان رحمه الله عددا من الكتب الجغرافية منفردا ومشاركا لزميله الأستاذ/ محمد بن أحمد الراشد. منها:
1ـــ كتاب (محافظة الرس) وهو عن جغرافية الرس وقد أبدع في عرض تلك الجغرافية الواسعة عن سكّانها ومساحاتها وجبالها ووديانها وشعابها ووهادها وسهولها وكل ما يدخل في جغرافيتها. ويعتبر الكتاب الوحيد الذي يوثّق عن محافظة الرس في هذا المجال.
2ـــ كتاب (الربع الخالي) بحر الرمال العظيم. وقد أبحر في رمال هذا البحر العظيم الواسع الخطير. وسبر أغواره وكشف عن حقائقه وأسراره.
3ـــ كتاب (أطلس أسماء الأماكن في الشعر العربي) وقد استقصى كل الأشعار التي تتحدث عن الأماكن في معلقات العشر للشعر الجاهلي.
4ــ كتاب (الحـــــــــرّات) وهو يتحدث عن الحقول البركانية في المملكة العربية السعودية. وكان يقوم بزيارتها مع مجموعة من الباحثين الجغرافيين. يغوصون في أغوارها ويكتشفون أسرارها ويسجّلون المعلومات عنها.
5ـــ كتاب (المملكة العربية السعودية ـــ حقائق وأرقام) قد طُبع الطبعة الثانية. ويتحدث عن المملكة: مساحتها وتقسيمها الإداري وحدودها وسكانها وتكوينها الجيولوجي وحرّاتها وسهولها ومظاهر سطحها ورمالها ومياهها وشعابها وطرقها القديمة والحديثة وغيرها.
6ـــ شارك في إعداد كتاب (دليل هواة الرحلات البرّيّة في المملكة العربية السعودية) مع مجموعة من الجغرافيين برئاسة رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عام 1414هـ. وهو سجل ضخم عن المملكة وجغرافيتها وسطحها وأوديتها وشعابها ووهادها وغيره.
7ــ وغير ذلك كتب بحوثا وسجلاّت موثّقة عن المواقع الجغرافية في المملكة نرجو أن يتم اصدارها لتكون نبراسا ينير الطريق أمام الناشئة المحبين للرحلات والكشف عن المواقع في المملكة.  
توفي أخي أبو فيصل وقد خلّف بعده إرثا جغرافيا ثقافية ثريّا واسعا وهو نتيجة زمن طويل من البحث والتحرّي والاستقصاء في أرجاء وطننا الغالي متحملا أعباء السفر وفجأة المخاطر التي يتعرّض لها الباحثون أمثاله.
اللهم إني استودعتك أخي الغالي عبدالله بن صالح العنيزان فاغفر له وارحمه وعافه وأعف عنه. وأكرم نزله ووسّع مدخله ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أذقه من النعيم ما وعدت به المؤمنين الصادقين الصابرين المحتسبين. واجعل النظر إلى وجهك الكريم جزاء له يوم تجزي عبادك. يا رب احشره مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين. اللهم وأذقه الجنة ونعيمها والفردوس وبرادها واجعل له كنوزا وبيوتا في جنتك. وارحمه يا أرحم الراحمين. انك سميع مجيب.
كتبه الباحث: عبدالله بن صالح العقيل ـــ الرس.            
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق